الخاطرة 20 : العلاقة ( إمرأة - رجل) 4
" في عصر تحولت فيه المرأة إلى كائن رخيص حيث نجد الرجل - أي رجل - في المساء يذهب إلى البار، يتعرف هناك على فتاة يشرب معها كأس خمر ثم يأخذها إلى فراشه أو فراشها ليقضي معها بقية اليوم ، وفي الصباح يذهب إلى عمله دون أن يتذكر ما إسم تلك المرأة التي نامت معه في الفراش "
قد يتصور البعض أني أتكلم عن إمرأة غانية تبيع جسدها للرجال مقابل مبلغ معين ، ولكن لا ، أنا أتكلم عن إمرأة من نساء المجتمع الغربي ، قد تكون طالبة في الجامعة ، أو موظفة ، أو أي إمرأة من نساء تلك المجتمعات ، فالعلاقة ( إمرأة - رجل ) في المجتمعات الغربية وصلت إلى ذلك المستوى المتدني الذي ذكرته. وللأسف شيئا فشيء جميع مساوئ هذه المجتمعات بدأت تنتقل إلى المجتمعات الشرقية ، وإذا لم يحاول المفكرون وقف هذا اﻹنحطاط الروحي فإن جميع مجتمعات بلاد العالم بعد سنوات قليلة ستكون على هذا النموذج، حيث علاقة المرأة بالرجل ربما لن تتعدى أكثر من ليلة حمراء واحدة.
أكبر مشكلة يعاني منها عصرنا هو هو عدم قدرة المفكرين في ربط اﻷشياء مع بعضها البعض فنحن نعلم بأن ذلك الشخص إنسان سلوكه سيء ولكن ومع ذلك نرى وسائل اﻹعلام تتكلم عن أعماله وتساعد في شهرته لترفع مكانته في المجتمع ونراها تدافع عن نفسها ﻷنها تساعده قائلة بكل بساطة ( ما علاقة أعماله بحياته الشخصية ؟)، فرؤية العلاقة بين هذه الكارثة الإجتماعية مع أعمال ذلك الشخص الذي تمدح به وسائل إعلام يحتاج إلى مقدرة أرقى بكثير من مقدرات وسائل اﻹعلام في عصرنا الحاضر التي تحولت إلى شركات تجارية حيث الربح المادي ياتي في المرحلة اﻷولى بالنسبة لها ومن أجل تحقيقه يمكن التنازل عن كل شيء.
أفضل مثال على ذلك هو بيكاسو والذي يعتبره بعض الناس اﻷب الروحي للفن الحديث بجميع أنواعه والذي كتبت عنه وعن أعماله عشرات الآلاف من المقالات بجميع لغات العالم. من يتمعن في سيرة حياته يجد أن وضع المرأة اليوم مشابه تماما لحالة عشيقاته ، فمثلا عندما كان بيكاسو في الخمسين من عمره إستطاع بشهرته وأمواله أن يوقع بحبه فتاة في السابعة عشر من عمرها تدعى ماري تيريز ، فأخذها كعشيقة وكموديل ليستوحي منها مواضيع ﻷعماله ، وبعد فترة قصيرة وعندما حملت بأحشائها جنين منه، قال لها عبارته الشهيرة ( لم يعد بك شيئا يلهمني بموضوع جديد) ، فهجرها وذهب يبحث عن إمرأة ثانية، ثم ثالثة ، ثم رابعة ،ثم خامسة .ثم. ..ثم. ثم .... عشيقته ماري تيريز شنقت نفسها. و زوجته اﻷخيرة جاكلين ضربت رأسها بالرصاص ، وعشيقته فرانسوا غيلوت ألفت كتابا عنه يحمل عنوان ( الحياة مع بيكاسو ) ومن يقرأ صفحات هذا الكتاب سيجد أن حياة بيكاسو كانت بأكملها فضائح جنسية وسيجد كيف كان بيكاسو ينظر إلى المرأة وكم كان بذيئا في تعامله معها في طوال حياته وسيشعر بأن المرأة بالنسبة له كانت جسد خالي من الروح وما يهمه منها كان فقط إشباع شهواته الحيوانية بأبشع صورها ، ففي مثل هذه الحالة المرأة في عين الرجل تتحول إلى ما يشابه وجبة طعام لا أكثر ولا أقل ، عندما يتناول اﻹنسان نفس وجبة الطعام لمرات عديدة يصل إلى مرحلة لا يستطيع أن يتناولها على رغم إنها كانت في البداية وجبة لذيذة ،وعندها فإن إرغامه على تناول نفس الطعام سيؤدي به إلى التقيؤ ، هكذا تماما كانت المرأة بالنسبة إلى بيكاسو، فهو بعد إشباع شهواته الجنسية مع كل امرأة يعاشرها كان يصل إلى مرحلة يشعرف فيها بالقرف من أن يلمسها أو حتى أن يراها ﻷن هدفه الحقيقي منها هو تدنيسها لتتحول إلى كائن قذر ، ومن يتمعن جيدا في كل لوحات بيكاسوا عن النساء سيشعر بذلك التعبير الروحي الذي وصل إليه بعد إشباع شهواته الحيوانية منها ( الشعور بالقرف ) وهو يرى عشيقاته. وللأسف هذه اللوحات التي جعلت من المرأة كائن يولد في الرجل الشعور بالقرف( الصورة )، اليوم تباع في معارض الرسم بملايين الدولارات، فليس من الغريب طالما أن بيكاسو هو اﻷب الروحي لفناني هذا العصر ان يسجل التاريخ في صفحاته "لم تعرف الإنسانية وحشية مثل وحشية إنسان العصر الحديث " .
للأسف غياب الفلاسفة في عصرنا الحاضر وتحول مادة الفلسفة إلى نشاط فكري آخر ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بعلوم الفلسفة الحقيقية، أدى إلى تحول الفن إلى شيء عشوائي بدون تعريف واضح ، فسمحت الظروف لكل معقد نفسي أو محتال أو دجال بأن يمسك الريشة أو القلم أو آلة موسيقية ليقوم بسرقة من أعمال فنية أخرى مجهولة في بلده ليعمل منها قطعة موسيقية أو لوحة أو تمثال أو قصيدة ولكن بطريقته هو ليخدع نفسه ويخدع اﻵخرين وليصنع من نفسه فنانا يجذب المعجبات ليشبع شهواته ولتنشر وسائل اﻹعلام فضائحه الجنسية فيعتقد الناس العامة أن تحقيق إشباع الشهوات الحيوانية هي التي تصنع من اﻹنسان فنانا.
الفن كتعريف مختصر هو (تعبير الروح ) ولكن كما ذكرنا في المقالة السابقة بأن اﻹنسان يتألف من كائنين، كائن علوي (روح الخير ) وكائن سفلي (روح السوء ) ، فالفنان هو ذاك الذي يحول التعبير الروحي للكائن العلوي إلى عمل فني ليساهم في تطوير العواطف السامية في المجتمع، بينما نجد أن معظم أعمال الفن الحديث بشكل عام هي التعبير الروحي للكائن السفلي في اﻹنسان لذلك كانت نتائجه تدمير جميع العواطف السامية التي نتجت عن الديانات و الحضارات السابقة في المجتمع ، فتحولت المجتمعات الحديثة إلى مجتمعات تعاني من اﻹنحطاط الأخلاقي والفساد الروحي، فزادت نسبة إغتصاب النساء والتحرشات الجنسية بهن في العمل و قساوة الرجل ضدها.
لكي لا نخرج عن موضوع الخاطرة سنحاول توضيح هذه الفكرة بشكل أفضل من خلال هذا المثال البسيط :
مع ولادة الفن قبل عشرات آلاف السنين (فن الكهوف) ظهرت المرأة في اﻷعمال الفنية بنوعين من التعبير الروحي ، اﻷول ويمثله تمثال فينوس براسمبوي والثاني يمثله تمثال ولندروف ( الصورة)
الفنان الذي صمم تمثال فينوس براسمبوي رأى عبر رؤيته للمرأة الكائن العلوي ، فأحس بجمال هذا الكائن المختلف تماما عن الكائنات اﻷخرى جميعها ،فنحت هذا التمثال ليعبر عن جمال رأس المرأة وأعطاه ميزة خاصة به هي موضع اﻷنف بشكله اﻹنساني، حيث أن شكل اﻷنف مغاير لشكل أنوف الكائنات الحيوانية اﻷخرى وهو رمز روحي ، حيث أن زفير اﻹنسان يجري نحو اﻷسفل فجهة جريان الهواء له رمز رفع رأس اﻹنسان إلى اﻷعلى، وهذا اﻷنف هو الوحيد الذي يشعر بجمال رائحة الزهور ،لذلك نرى روح الفنان رفضت إظهار الكائن السفلي لهذه المرأة للتأكيد على أن هذا اﻷنف واقع تحت سيطرة الكائن العلوي للمرأة ،لا كما يحدث عند الحيوانات التي تستخدم إنفها في البحث عن الطعام وهو حاجة تنتمي إلى الكائن السفلي. فهذا التمثال هو عمل فني يعبر عن حاجة روح الكائن العلوي للفنان الذي صنعه والتي أحست بأنها نصف روح وأنها في حاجة إلى اﻹتحاد بروح الكائن العلوي للمرأة للوصول إلى الكائن الكامل وأنها هي القسم الروحي فيه.
في تمثال فينوس ولندروف نجد الفنان المزيف الذي صمم هذا التمثال قد رأى المرأة من خلال عين الكائن السفلي فيه مثل بيكاسو تماما ، فلم يشعر نهائيا بكائنها العلوي ولا بعواطفها ولا بجمال تعابير وجهها وكأن رأس المرأة بالنسبة له شيء عديم الفائدة لذلك صنع رأسها ككرة صماء لا معنى لها ، فالمرأة بالنسبة له كانت قطعة من اللحم تحقق له إشباع شهواته الحيوانية وعدا عن ذلك هي أيضا مصنع لصناعة اﻷبناء ليزداد عدد أفراد عشيرته فتكتسب قوة يستخدمها لقتل الحيونات لتأمين الغذاء وللإنتصار على الجماعات اﻹنسانية اﻷخرى ليسلب نسائهم ﻹشباع شهواته ولإنجاب المزيد من اﻷولاد.
للأسف معظم فناني العصر الحديث أعمالهم الفنية من النوع الثاني (تعبير الروح الخبيثة للكائن السفلي) لذلك تحولت جميع أنواع الفنون إلى عنف وجنس وخاصة السينما. وليس من الصدفة أن جميع مصممي اﻷزياء اليوم يحاولون في أزيائهم المعروضة أن يركزوا على مفاتن جسد المرأة لتثير الغريزة الجنسية في الرجل، الغريزة الجنسية فقط.
يقول الحديث الشريف ( الجنة تحت أقدام اﻷمهات ) معظم المسلمين يفهمون هذا الحديث بمعناه الحرفي ولا ينظرون إليه بأنه كلام نبي، وكلام اﻷنبياء فيه معنى أرقى بكثير من معناه الحرفي ، فيعتقدون أن المقصود بهذا الحديث هو فقط اﻷم الوالدة ، والتي قد يكون إهتمامها بطفلها ناتج عن غريزة اﻷمومة وليس عن عاطفة اﻷمومة ، فهذه الغريزة موجودة أيضا في أنثى الحيوانات فهناك حيوانات أنثاها تضحي بنفسها من أجل حماية صغارها، ولكن ومع ذلك الحيوانات لا تذهب إلى الجنة، شيء عظيم أن يشعر الطفل بحنان وعطف ورعاية أمه ولكن الشيء اﻷعظم هو أن يشعر بنفس الحنان و المحبة والرعاية من إمرأة لا تربطه بها أي صلة ، هولاء النساء اﻷمهات اللواتي يمنحن الحنان والمحبة للأطفال الغرباء وكأنهن أمهاتهم، هن اللواتي يقصدهن الحديث الشريف أكثر من اﻷمهات الوالدات ، لذلك كان الهدف اﻷول للفن الحديث المزيف هو القضاء على مثل هؤلاء اﻷمهات فهن اللواتي يحافظن على ترابط أفراد المجتمع ، في الدول الغربية اليوم النساء اللواتي لم ينجبن أطفال بدلا من أن يمنحن حنانهن ومحبتهن ﻷطفال الحي أو أطفال اﻷقارب ، يأتين بكلب ويمنحنه حنانهن وعطفهن ، ولكن الكلب يولد كلب وسيموت ككلب. أما اﻹنسان فيولد كطفل بحاجة إلى حنان ومحبة ليكبر ويعيد ما أخذه من الحنان والمحبة إلى اطفال الجيل الجديد ، وإذا لم يحصل على حنان ومحبة فهو لن يموت كإنسان ولكن ربما يموت هو أيضا ككلب، للأسف تزايد غياب مثل هؤلاء اﻷمهات هو الذي دفع اﻹنسانية في عصرنا الحاضر إلى الخروج من الجنة لتدخل جهنم أرضية يصنعها اﻹنسان بنفسه.
في هذا العصر الذي تسيطر عليه روح الكائن السفلي ، شاءت اﻷقدار أن تكون حولي عدد من النساء ، وبدل أن أشعر بحنان أم واحدة شعرت بحنان عدة امهات. فعدا عن أمي التي ضحت بجميع ملذات الحياة من أجل مستقبل أولادها وأيضأ أخواتي الكبيرات، كانت هناك عدة نساء أخريات، ومنهن فتاة الحي (سعاد) التي كانت تكبرني بثلاث أو أربع سنوات والتي من اﻷيام اﻷولى من إقامتنا في ذلك الحي عندما كنت في الخامسة من العمر أخذتني في رعايتها لتكون لي أما أثناء وجودي في الشارع ، فمن المعروف أن الفتيات في مثل عمر سعاد في تلك الفترة (8 -9) سنوات يظهرن عاطفة اﻷمومة من خلال إعتنائهن بالدمية ، فالدمية - عندهن- طفل صغير يمارسن به دور اﻷم، فكأنهن يتهيأن منذ نعومة أظافرهن لهذه الرسالة العظيمة في حياتهن إلى أن يكبرن ويصبحن أمهات حقيقيات لطفل حقيقي. الطفلة سعاد منذ أن رأتني للمرة اﻷولى هجرت دميتها و بدلا منها أخذت تهتم وتعتني بي وكأني إبنها هي. (هذه الطفلة التي فارقت الحياة بعمر 12 عام والتي كانت حادثة وفاتها محطة جديدة في حياتي لتقلب معنى الوجود في تفكيري رأسا على عقب والتي جعلتني أرى العالم حولي بمنظار جديد ،حيث وجدت نفسي أشق طريقا جديدا في حياتي منذ ذلك العمر /9 / سنوات. قصة هذه الطفلة ذكرتها بالتفصيل في كتابي اﻷول عين الروح اﻷطفال)
هكذا شاءت اﻷقدار أن تصبح هذه الطفلة التي أرادت أن تكون أما لطفل لا يربطها به أي صلة، رمزا بالنسبة لي، رمز يحمل معنى ( كل أمرأة تحلم أن يكون طفلها محب للسلام ويحمل عواطف سامية سيكون مصيرها الفناء قبل ان تصل إلى تحقيق حلمها) .فكان لا بد لي أن أرفض آراء ونظريات (في العلوم اﻹنسانية) كبار هذا العصر.
وهكذا شاءت اﻷقدار مرة أخرى أن تحل مكان الطفلة سعاد في الحي إمرأة أخرى لتلعب دورا مكملا لدور سعاد في تكوين شخصيتي أو بمعنى أخر لتحافظ على بقائي في تلك الطريق التي وضعتني بها اﻷقدار ﻷتابع سيري فيها ،فمع بداية دخولي في مرحلة المراهقة، أتت سيدة لتقيم في حينا تدعى ( أم جورج )، ومنذ اﻷيام اﻷولى من إقامتها في الحي جعلتني أشعر من خلال نظراتها ومزاحها معي بأن الله أرسل لي سعاد أخرى و لتؤكد لي أن الله أنعم علي بشيء لا يملكه اﻵخرون، شيء يمكن له أن يرى في المرأة ما لا يستطيع الآخرون رؤيته فيها. فمن مقابلتها اﻷولى ﻷمي أخبرتها بأنها عندما أتت ﻷول مرة إلى حينا لترى الشقة إذا كانت مناسبة لتقيم فيها أم لا ،لم تعجبها وكانت على وشك أن ترفضها وتبحث عن غيرها ولكن عندما فتحت النافذة لترى الشارع وقع بصرها علي وأنا أخرج من باب البناية المقابلة لها فعلمت أني أقيم في هذا الحي وعندها غيرت رأيها مباشرة فالجار قبل الدار ، فكما أخبرت أمي أنها كانت تعرفني من قبل قدومها إلى حينا فهي كانت تقيم في حي قريب من سوق الخضار وكانت كلما رأتني أمر من حيها مع أصدقائي كانت تشعر بحاجة شديدة أن تناديني لتراني عن قرب وتتحدث إلي ولكن كما وصفتني ﻷمي بأني كنت طفل داهية بين أصدقائي ولكن مع الكبار كنت خجولا ومؤدبا ولا أنظر في عيونهم ،لذلك لم تسمح لها الفرصة أبدا في رؤيتي عن قرب والتحدث معي.
كانت أم جورج بسن أمي وربما أكبر منها بسنوات قليلة ،وكانت مريضة بساقيها وكانت تسير متكأة على عكازة، إبنها الكبير كان متزوج ويعيش مع عائلته في منطقة أخرى أما إبنها اﻷصغر فكان يعمل خارج المدينة فكان لا يتواجد كثيرا في البيت مع أمه. وربما بسبب غياب أبنائها عنها جعلها تعوض غيابهم بمحبتها لي، ولكن يبدو أن محبتها لي تفوقت على حب أبنائها نفسهم. حيث سألتني مرة أم صديقي هاكوب التي تقيم في نفس بناية أم جورج ( ماذا فعلت وسحرت هذه المرأة لتحبك أكثر من أبنائها فبدلا أن تكلمني عنهم ، أراها طوال الوقت تتحدث عنك و تمدح بك) . معظم أهل الحي كانوا يعلمون شدة مودة السيدة أم جورج لي ، وربما الجميع إعتبر هذه المحبة صدفة أو كما يقال ( المحبة من الله ) ولكن من يتمعن ويحلل سلوك السيدة أم جورج نحوي ،سيعلم بأنها كانت تهيئني لتنقل إحساساتي عن المرأة إلى نوعية جديدة من شعور علاقة (طفل – أم) إلى علاقة ( رجل - إمرأة) .لتأخذ هذه العلاقة في فكري أسمى أشكالها. فكانت كثيرا من اﻷحيان عندما ترى أمي تخرج من البناية تستوقفها وتقول لها ( إبنك هذا لن أترك إي إمرأة تأخذه بعيدا عنا ، سابحث له عن فتاة منا - تقصد مسيحية - ليتزوجها ويبقى معنا ). وكانت أمي تبتسم لها وتقول (الزواج قسمة ونصيب .... الله يعطيه بنت الحلال التي ستسعده مهما كان دينها ).
عندما كبرت ودخلت المرحلة الجامعية كثيرا من الاحيان كانت أم جورج عندما تراني أتكلم مع أصدقاء الحي تقول لهم ( إياكم أن تتركوه يتعرف على فتاة مسلمة ، سنزوجه واحدة منا ليبقى معنا إلى اﻷبد ) فكان صديقي ناظريت يجيبها مازحا ( لا تهتمي يا سيدة أم جورج وكوني مطمئنة ،فأنا أراقب جميع حركاته، ولكن حاولي أن تجدي له فتاة جميلة بأسرع وقت ﻷن هناك فتيات كثيرات يحومون حوله).
إحدى المرات كنت عائدا مع أصدقاء الحي ووقفنا في زاوية الشارع نتحدث ، فما أن رأتني أم جورج حتى راحت تصرخ لي وكأنها تريد أن تخبرني بأمر هام جدا ، فأسرعت إلى نافذة بيتها ﻷعلم ما حصل ،فرأيت معها في الغرفة حفيدتها وثلاث من صديقاتها وكن جميعهن تقريبا بعمر 15-16 عام. فسألتني بلهفة " أين كنت؟ لي أكثر من ساعة وأنا أبحث عنك" إستغربت كثيرا مما سمعته منها ولكن لاحظت أن حفيدتها وصديقاتها كن أيضا مستغربات من كلامها، فسألتها عما حصل فأجابتني وهي تشير إلى الفتيات " إنظر لقد اتيت لك بأربعة فتيات جميلات لتختار واحدة زوجة لك " وكان كلامها مفاجأة كبيرة للجميع ورأيت الحمرة تصبغ وجوه الفتيات مباشرة وخجلهن يخرج بضحكة مفاجئة ورحن ينظرن إلى بعضهن البعض وقد أمسكت كل واحدة منهن فمها لتخفي ضحكتها ،وما أصاب الفتيات أصابني أيضا، وتمالكت نفسي وسألت أم جورج : " يا سيدتي أم جورج هل سألتي الفتيات إذا كن يقبلن بي لتفاجيئهن بهذا الموضوع ؟" فأجابتني: "من هذه الناحية إطمئن فهن يعرفن أنني أقدم لهن أفضل شاب في المدينة ، ماذا تظن بأنهن يأتين هنا لزيارتي؟ لا بل كن متأكدا بأنهن يأتين لرؤيتك، لهن ساعة ينظرن من النافذة يبحثن عنك " ورغم أن أم جورج فضحت سرهن ولكن الضحكة لم تفارق وجههن بل زادت شدة، وتابعت أم جورج كلامها : "هيا، هيا إختر واحدة " ففقعت الفتيات مرة أخرى بالضحك، فقلت لها : " سيدتي أم جورج أنت اﻵن تضعيني بموقف محرج جدا، أتيت لي بأربع فتيات كل واحدة أجمل من اﻷخرى وتطلبين مني أن أختار واحدة منهن ، لذلك سأقترح عليك شيئا آخر. ... طالما أنك تعرفين طبعي جيدا، سأتركك أنت تختاري لي واحدة مناسبة لي. وأنا موافق على أي واحدة تختاريها لي أنت. ... أنا اﻵن سأعود إلى أصدقائي ﻷترك لك الوقت لتختاري على راحتك " ثم إلتفت إلى الفتيات وقلت لهن: " عن إذنكن يا عرايس" ففقعوا من الضحك مرة أخرى. وعندما عدت إلى أصدقائي و إلتفت إلى نافذة بيت أم جورج رأيت الفتيات اﻷربعة وهن يسترقن النظر إلي وعندما لمحنني أنظر إليهن فقعن مرة أخرى ضاحكات واختفين داخل الغرفة.
رغم أن الحادثة هذه قد تبدو للكثير من القراء على أنها حادثة بسيطة بدون أبعاد روحية. ولكن من عاش تلك اللحظات وبحث فيها ودرسها سيشعر وكأن ذلك الجزء من روح الله الذي يكمن في جسد السيدة أم جورج قد دبر هذه الحادثة لأرى بأم عيني لوحة لا يستطيع أن ترسمها ريشة أمهر الفنانين ولا أن تلتقطها عدسات أفضل مصوري العالم ، هذه اللوحة التي ظروف المجتمع الحديث تريد مسحها من الوجود. ففي تلك اللحظة التي أخبرتني فيها إم جورج بأنها أتت بالفتيات ﻷختار واحدة منهن لتكون زوجة لي ورغم إلتقاء عيني مع عيون كل فتاة على حدى بفترة زمنية ربما لا تتجاوز اﻷجزاء من الثانية ، رأيت في وجه كل واحدة منهن يرتسم عليه ملامح غريبة ، جعلت من وجهن وكأن نورا يخرج منه يضفي عليهن جمالا غير مألوف نور يجعلك تغوص في أعماق مشاعر هذا الوجه لترى الصفاء الروحي بأسمى أشكاله ، ذلك التعبير الذي يجعلك ترى أعظم حلم تحلم به كل فتاة في مقتبل عمرها وهو ينطبع على ملامح وجهها ، فارس أحلامها يأتي على فرسه اﻷبيض ليحملها معه ويذهبا بعيدا ليعيشا معا كجسدين ولكن بروح واحدة لينجبا أبناء صالحين في بيت يملؤه اﻷمل والمحبة والسلام.
حلم قد يبدو للرجل بأنه حلم بسيط وربما بسيط جدا ،ولكن بالنسبة لفتاة في مقتبل العمر هذا الحلم هو معنى وجودها، ووجودها يعني إستمرار حركة الكون بأكمله ، فهذا الحلم البسيط ليس إلا رابط مقدس يوحد المرأة بالرجل ،يوحد أفراد العائلة ، يوحد أفراد سكان الحي ،سكان المدينة ،أفراد الشعب ،اﻷمة ،اﻹنسانية بأكملها ، يوحد عناصر الكون جميعها.
من يرى صورة هذا الحلم المقدس وهو ينطبع على وجه المرأة يشعر بأن المرأة هي رواية مشوقة كلما تمعنت في تفصيل أحداثها كلما زادت صفحات هذه الرواية. ... المرأة رواية مشوقة أحداثها لا تنتهي. ...للأسف تشارلز داروين نظر إلى الرجل وإعتبره الممثل الحقيقي للإنسانية فخرج بنظريته ( أصل اﻹنسان قرد ) ولكن لو أنه إعتبر أن الممثل الحقيقي للإنسانية هو المرأة ونظر إليها وتمعن في مشاعرها الرهيفة وهي تنطبع على وجهها لكان خرج بنظرية أخرى مختلفة تماما، نظرية تقول ( أصل اﻹنسان الكون بأكمله ﻷنه يحمل في داخله جزء من روح الله ). ........يتبع
ز.سانا
صورة 3: لوحات دافنشي هي نموذج صادق عن التعبير الروحي للكائن العلوي في الفنان. لذلك وجود ليوناردو دافنشي ساهم في تأسيس عصر النهضة اﻷوربية لتتخلص شعوبها من ظلام عصور الوسطى.
صورة 4 : لوحات بيكاسو هي نموذج صادق عن التعبير الروحي للكائن السفلي في الفنان المزيف. لذلك يعتبر بيكاسو اﻷب الروحي للفن الحديث في هذا العصر الذي يعاني من أنحلال الخلقي والفساد الروحي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق