الجمعة، 27 فبراير 2015

خواطر من الكون المجاور الخاطرة 23 ..العلاقة (رجل -إمرأة ) 7


الخاطرة 23 : العلاقة (رجل -إمرأة ) 7

في عصر إنفصل فيه اﻹنسان فكريا عن البيئة المكانية والزمانية التي تحيط به تأتي مؤلفاتي مستخدما رؤية شاملة في البحث لتعيد جميع تلك الروابط التي فككها المنهج العلمي الحديث إلى مكانها الحقيقي لتوحد من جديد اﻷشياء واﻷحداث الصغيرة والكبيرة ،القريبة والبعيدة لتأخذ شكلا له معنى يجعلنا نشعر بأننا جزء لا يتجزأ من هذا الكون الفسيح وأن كل شاردة وواردة فيه هو منا ولنا وأن وجودها في مكانها، سواء كانت قريبة أو بعيدة، لم يكن صدفة ولكن له علاقة وثيقة بوجودنا نحن اﻹنسانية أبناء آدم وحواء.
الكون بأكمله ليس إلا خشبة مسرح تجري عليه رواية مسرحية حيث تطور أحداثها يتوقف على نتيجة الصراع الذي يحدث بين قوى الخير العالمية وقوى الشر العالمية كما تذكر اﻵية 36 من سورة البقرة ( فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا إهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في اﻷرض مستقر إلى حين ) ولكن اﻹختلاف هنا هو أن نهاية هذه الرواية قد حددها الله و ستكون بانتصار الخير على الشر. كل إنسان سواء شاء أو أبى يشارك في هذا الصراع ، وهو الذي سيحدد في أي صف سيكون ، في صف الخير أم صف الشر.
الله عز وجل يكتب فلسفة الوجود من خلال اﻷحداث الكبيرة والصغيرة التي نعيشها كفرد أو كجماعة ، وأبسط مثال يمكن به توضيح هذه الفكرة هي أحداث حياة إسكندر المقدوني، فعندما تحولت الفلسفة من مذهب مثالي إلى مذهب مادي الذي يمثله أرسطو بعث الله إسكندر المقدوني ليثبت لأستاذه أرسطو بأن المنطق الذي يؤمن به هو منطق ضعيف ، فعندما سمع أرسطو أن إسكندر يجهز جيشه ليغزو العالم إعتبر فكرة إسكندر ليس إلا ضربا من الجنون ﻷنها تخالف المنطق الذي علمه إياه. فحسب المنطق المادي الذي يؤمن به أرسطو أن جيش إسكندر الذي يتألف من 35 ألف جندي فقط من المستحيل أن ينتصر على جيش الفرس الذي يتألف من 250 ألف جندي، ورغم النقاش الحاد الذي جرى بين الأستاذ أرسطو وتلميذه إسكندر ، رأينا إسكندر يقود جيشه الصغير وينتصر على جميع الجيوش في طريقه حتى وصل الهند. بهذه الطريقة أثبت إسكندر المقدوني لأستاذه أرسطو أن المنطق المادي الذي يؤمن به ويدعو إليه هو منطق ضعيف لا يلعب أي دور أو أثر في تطور اﻷشياء وتفسيرها وأن هناك منطقا آخر وهو المنطق الروحي المسيطر على كل حركة في هذا الكون الفسيح. إسكندر المقدوني لم يكن فيلسوفا ولكن أحداث حياته كانت عبارة عن فلسفة ، فلسفة مخلوقة وضعها الله في تاريخ اﻹنسانية لتكون جزءاً من كتاب فلسفة الكون. فكتب الله كتابين ، كتاب مكتوب وهو الكتب المقدسة ، وكتاب مخلوق وهو الكون وما يحويه وما يحدث فيه. في كل فترة يتم به التوحيد بين الكتابين تولد حضارة جديدة وفي كل فترة يتم الفصل بين الكتابين يدخل المجتمع في عصر اﻹنحطاط كما يحدث في عصرنا الحاضر. كل حدث نعيشه في حياتنا هو جزء من كتاب الكون له معنى يساعدنا على فهم هذا الكون وفهم الكون بدوره يساعدنا على فهم معنى وجودنا ، لا شيء يحدث صدفة ، كل شيء مرتبط مع ما حوله وكل حدث نعيشه هو نتيجة لهذا اﻹرتباط ، كل إنسان فيه جزء من روح الله هذا الجزء هو أداة الإرتباط ، فكلما كان هذا الجزء خاليا من الشوائب كلما زادت قوة اﻹرتباط وكلما زادت الشوائب فيه كلما ضعفت وتلاشت ، فاﻹنسان منذ ولادته يعيش وكأنه يسير في طريق وعرة فكلما كان سلوكه تحت سيطرة ذلك الجزء من روح الله التي تكمن فيه كلما زاد إرتباطه باﻷجزاء اﻷخرى من روح الله التي تكمن في اﻵخرين وهولاء بدورهم مع روح الله العالمية ، لذلك مثل هذا اﻹنسان يعيش تحت عناية إلهية فهو لا يسير لوحده في الطريق ولكنه يسير مشبوك اﻷيدي مع غيره، وكلما رأى نفسه يسقط وجد يدا تمسك به لتمنعه من السقوط ليتابع طريقه منتصبا ، ولكن كلما كان سلوكه منافي خارج سيطرة روح الله فإنه سيسير في الطريق لوحده ليسقط كل خطوة وخطوة وسيجد الساقطين معه يجروه لينحدر معهم إلى أسفل السافلين.
في مقالاتي ومؤلفاتي أذكر أحداثا عديدة واقعية حصلت في حياتي ، ليتمعن بها القارئ جيدا ويعلم أن اﻷحداث التي نعيشها لم تحدث صدفة ولكن لها معنا يساعدنا على فهم كتاب الله المكتوب ( الكتب المقدسة ) وكذلك الكتاب المخلوق ( الكون ) ، فمن تفسير هذه اﻷحداث التي حصلت حولي خرجت بأرائي الفلسفية في فهم الحكمة الإلهية في الخلق. في الخاطرة السابقة مثلا وجدنا أن حادثة الظهور الفجائي للوردة قد ساعد في تغيير جهة تطور اﻷحداث فبدلا من أن تستمر نحو السوء (سيطرة الغريزة) إنعكست اﻷمور وسارت نحو الخير (سيطرة العاطفة) ، وهذا لم يتم صدفة ولكن ساعد على ذلك أشخاص آخرون، فالحادثة الرئيسية في ذلك اليوم كانت الخروج مع فتاة المؤسسة اﻹستهلاكية لذلك ظهرت في البداية فتاة نادي الضباط وشقيقتها لتساعدان في عدم اﻹنجراف مع اﻷحاسيس الغريزية في الشارع المظلم ، وثم ظهر زميلي ومعه الوردة لينهي هذا الموضوع، هنا إشترك ثلاث أشخاص دون علمهما بشيء في حادثة واحدة تم تنظيمها عن طريق ترابط روح الخير العالمية لتمنع وقوع الخطأ. وكما ذكرنا قبل قليل كلما حافظ اﻹنسان على صفاء ذلك الجزء من روح الله فيه كلما زادت قوة ترابطه مع روح الخير العالمية وكلما زادت قوة ترابطه مع هذه الروح كلما زادت العناية اﻹلهية به لتحميه من اﻹنجراف نحو السوء. لذلك ذكرت في الخاطرة السابقة أنه كلما زاد الشعور بالغربة في أفراد المجتمع كلما زادت حرية الكائن السفلي في الفرد.
للأسف فرغم أن الفيزياء الكوانتية (ميكانيك الكم ) الحديثة تؤكد على أن هناك شبكة ترابط بين أجزاء الكون بأكمله ولكن نجد أن منطق المنهج العلمي للعصر الحديث قد حطم هذه الوحدة الكونية في طريقة التفكير وجعل كل شيء منفصلا عن اﻵخر في فكر اﻹنسان المعاصر مما دفعه إلى إعتماد مبدأ الصدفة في سلوك حياته، فكل شيء يحدث من حوله يبقى منفصلا عن اﻷحداث اﻷخرى ﻷنه حسب رأيه جميعها تحدث بالصدفة وليس له أي علاقة بأي حدث آخر، هذا النوع من التفكير أدى إلى عدم فهم معاني اﻷحداث مما أدى إلى عدم فهم حقيقة دور كل فرد منا وعلاقته مع بقية أفراد المجتمع أو بشكل أصح أدى إلى عدم فهم حقيقة دوره هو كعنصر في تطور هذه العائلة الكبيرة التي تسمى اﻹنسانية.
كل ما أذكره في مؤلفاتي من أحداث لا يتم ذكره عبثا أو صدفة ولكن ضمن هدف معين يسمح للقارئ المتتبع لمؤلفاتي أن يأخذ صورة واضحة ومقنعة تماما عن وجود خطة معينة تقع تحت سيطرة الروح العالمية أو ما نسميه ببساطة ( القضاء والقدر ) والتي قادت هذه اﻷحداث بهدف توجيه مسير حياتي ﻷصل يوما ما في القيام بأبحاث تحمل عنوان ( أبحاث عين الروح ) والتي تبحث في موضوع السلام وعن أسباب ظهور حب العنف في سلوك اﻹنسان وخاصة اﻷطفال.فتعلم نظرية جديدة يعتبر شيء عظيم ولكن تعلم طريقة إكتشاف هذه النظرية هو شيء أعظم. وهذا ما أتمناه من كل قارئ وهو أن يحاول فهم الأحداث التي تحصل معه ليفهم نفسه وسبب وجوده كعنصر في هذا الكون أو كفرد في العائلة اﻹنسانية ليشعر بإرتباطه بكل ما حوله ليستطيع أن يلعب دوره على أكمل وجه.فمن يستطيع فهم حقيقة اﻷحداث التي تحدث حوله يستطيع أن يفهم حقيقة اﻷحداث العالمية الصغيرة والكبيرة.
أثناء تأديتي للخدمة العسكرية في دمشق - كما ذكرت -حدثت أشياء هامة جدا لعبت دور كبير في تكوين قاعدة فكرية روحية أعتمد عليها في تفسير الظواهر المادية التي تخص مجال إهتماماتي الفكرية. ورغم أني كالعادة كنت أبتعد عن الظهور أمام اﻵخرين ﻷتابع عن بُعد تحليلاتي الشخصية عن سلوك الناس وخاصة سلوك النساء، ولكن في دمشق إختلفت اﻷمور فرغم أني أنتمي إلى عائلة عموما معظم أفرادها طوال القامة ولكني كنت متوسط الطول ومن المعروف أن القامة الطويلة تجذب الأنظار وخاصة أنظار النساء ولكن القامة المتوسطة فهي شيء معتاد عليه ولا تجذب الأنظار إليها ،هذه الميزة كانت تسمح لي بالإختفاء عن أنظار اﻵخرين، فطبيعة سلوكي كانت عادية جدا لا تستدعي إنتباه اﻵخرين والفتيات بشكل عام كن لا ينظرن إلى الرجال لكي لا يحدث سوء فهم في تصرفهن ، وهذا ما كان يسمح لي أن أسير في الشوارع بحرية دون أن تشعر بوجودي أي إمرأة. ولكن في فترة تأدية الخدمة العسكرية إختلف الوضع ، وحلت البدلة العسكرية بدل طول القامة ، فكانت بدلة الضابط تجذب إنتباه الفتيات من بعيد ومنها كانت تنتقل نظرتهن لتتمركز على تلك النجمة الذهبية على كتفي ومنها إلى شعري الذي كان يشبه شعر صبي بعمر 15 عام مليء بالحيوية، ومن شعري كانت تنتقل عين الفتاة إلى وجهي وهناك كانت تشعر بشيء غريب يجعلها تنسى نفسها لتعيش في عالم خيالي وكأنها تعيش في حلم. هذه الحركة في إنتقال مكان الرؤية كانت تعمل على مبدأ الدومينو حيث كل حركة تجبر اﻹنتقال مكان الرؤية من مكان إلى آخر فتبدأ من رؤية البدلة العسكرية ثم إلى النجمة الذهبية ثم إلى الشعر ومن الشعر إلى الوجه وعندها كانت ملامح وجهي تجعل الفتاة تشعر وكأنها تعيش في حلم.
مثلا في إحدى اﻷيام وبعد إنتهاء الدوام في القطعة العسكرية رأيت فتاة تأتي من الجهة المعاكسة ورغم أني لم أنظر إليها شعرت بعينيها تقوم بحركة الدومينو التي شرحتها وعندما تجاوزتني سمعت خطواتها تتوقف لتلتفت إلى الوراء وتتابع نظرها نحوي ، فظنت أنني لم أنتبه لها نهائيا فعادت وسارت بخطوات سريعة بعكس طريقها لتسبقني بعدة أمتار وجعلت نفسها وكأن شيء ما في واجهة محل اﻷلعاب قد لفت نظرها فتوقفت وصارت تنظر إلى الواجهة وبطرف عينيها راحت تنظر إلي ثانية تتفحص ملامح وجهي وكأنها تبحث فيه عن شيء غريب يكمن داخله ، وعندما تجاوزتها مرة ثانية ظنت بأنني لم أنتبه لوجودها ، فأسرعت مرة أخرى لتسبقني بعدة أمتار وتوقفت أمام واجهة مكتبة وراحت تعمل نفسها بأنها تنظر إلى الكتب وبطرف عينيها راحت تنظر إلي من جديد، وعندما ظنت بأني لم أنتبه لوجودها سبقتني مرة أخرى وتوقفت بقرب محل آخر وراحت تنظر إلي ولكن هذه المرأة بجرأة أكبر وكأنها تقول لي ( أنا هنا. إنظر إلي) وهكذا سارت اﻷمور مرات أخرى ورأيتها تصل معي إلى موقف الباص وتتوقف على بعد مترين أو ثلاثة وتنظر إلي لعلي أنتبه إلى وجودها ، ولكن في اﻷخير رأتني أصعد الباص وأبتعد ظانةً بأنني لم أنتبه نهائيا لوجودها قربي طوال الوقت.
فتاة أخرى شاءت اﻷقدار أن تتواجد في نفس موقف الباص وفي نفس الزمن الذي كنت أتواجد به بعد إنتهاء الدوام ،وبعد يومين من رؤيتها اﻷولى لي ،يبدو وكأنها قد صممت أن تعطيني الضوء اﻷخضر ﻷتحدث معها ، فبدلا أن تأخذ الباص الذي سيذهب بها إلى بيتها رأيتها تصعد معي في الباص وتقف قريبة مني لأنتبه إليها ولأعلم أنها معجبة بي وأنها لا تمانع أن أتحدث إليها وأتعرف عليها، ومع ذلك حاولت طوال الطريق أن أعمل نفسي بأنني لم أنتبه إلى وجودها نهائيا وعندما شعرت بإصرارها ومحاولاتها لجعلي أتحدث إليها ، بدلا من النزول في موقف مكان إقامتي إضطرت النزول في موقف النهاية و عندما رأيتها تسير خلفي بدأت أسير في الشوارع بدون جهة معينة فربما تتعب أو تشعر بأنها قد تأخرت لتتركني وتعود إلى بيتها ، فكان أهم شيء عندي هو منع أي فتاة معرفة مكان إقامتي لكي لا تأتي وتتعرف علي هناك. فقد حدث مرة أن أتت إحدى الفتيات ودخلت البيت وأخبرتني أنها تحبني ولا تستطيع العيش بدوني ، وتجنبا لحصول ذلك مرة أخرى كنت أحاول بشتى الوسائل منع أي فتاة معجبة من معرفة مكان إقامتي ، وهذا ما كان يجعلني أضطر إلى تضليل الفتيات بتلك الطريقة وكثير من اﻷحيان وبدلا من أن أصل إلى البيت في الساعة الثالثة ظهرا تقريبا كالمعتاد كنت أجد نفسي أصل متأخرا على أقل نصف ساعة أو أكثر حسب تحمل السير عند الفتاة التي كانت تلاحقني في ذلك اليوم. 
كانت معظم الفتيات اللواتي أردن التعرف علي يبدو وكأنهن ﻷول مرة في حياتهن يردن التعرف على شاب وكان واضحا ذلك جدا في سلوكهن ،شدة اﻹضطراب ، إحمرار الوجه وخاصة عندما يرين بأنني التفت إلى ناحية تواجدهن. وكثير من اﻷحيان كنت أشعر وكأن قلبي يتمزق عليهن ﻷنني أمنع نفسي من التحدث إليهن ﻷريحهن من تلك اللحظات الرهيبة التي كن يعشنها وهن يفعلن تلك اﻷشياء على أمل أن أقترب منهن ﻷتحدث معهن. فكل فتاة منهن كانت عندما تراني تشعر وكأنها قد رأتني في حلمها وأنني هو نصفها اﻵخر وأنه من حقها أن تحاول إعطائي إشارة على وجودها طالما أنها رأت بأنني لم أنتبه إلى ذلك.ولكن لم يكن لي في اليد حيلة أخرى أمنع بها نشوء علاقة بيني وبين واحدة منهن، فما حدث مع فتاة المؤسسة اﻹستهلاكية على طريق نهر بردى يمكن بسهولة أن يتكرر مرة أخرى وعندها قد لا أجد أي شخص يحمل وردة ليوقف مجرى الإنحدار الذي سنعيشه في تلك اللحظات. لذلك كنت أفضل من كل فتاة أن تعتبرني أبله أو أحمق ﻷنني لم أشعر بوجودها رغم كل ما فعلته هي ،بدلا من أن تشعر يوما ما بأن كل الذي كان بيننا لم يكن إلا تسلية وتضييع وقت ، كما يحصل عادة في معظم حالات هذا النوع من التعارف بين الرجل والمرأة.
ولكن يبدو أن سلوكي هذا كان لا يوافق نهائيا مخطط حياتي ، لذلك كان لا بد من حدوث نوع من التغيير، فشاءت اﻷقدار ذات يوم أن أنتظر أحد أصدقائي على مدخل إحدى المباني فلاحظت فتاة تحمل بعض الكتب في يديها تأتي باتجاهي وهي تنظر إلي فأدرت ببصري إلى مكان أخر وكأنني لم أنتبه إلى نظراتها نحوي فمرت من أمامي وتابعت خطواتها وهي لا تزال تنظر إلي بإستمرار ، ومع إبتعادها عني جعلها شيئا فشيء تدير وجهها إلى الخلف لتستمر في رؤيتي فلم ترى العامود الكهربائي أمامها فصدم رأسها به ، ويبدو أن الصدمة كانت عنيفة فرغم أني كنت أنظر في جهة أخرى لكن صوت اﻹصطدام كان قد وصل إلى أذني ورأيت الكتب تسقط من يدها وتتبعثر على اﻷرض ومن شدة الألم أمسكت برأسها وراحت تفرك مكان الضربة ، فوجدت نفسي مرغما أن أهرع إليها ﻷرى إذا كانت بحاجة إلى مساعدة. وعندما وصلت إليها رأيتها تتألم بشدة فسألتها إذا كانت على خير فالتفتت إلى مصدر الصوت وعندما عرفت أنني هو الشخص الذي يسألها، مباشرة أخفضت يدها عن رأسها وكأن الألم قد إختفى فجأة وأجابتني بأنها بخير. فرحت أجمع لها كتبها المبعثرة على اﻷرض بينما هي راحت تتابع النظر في وجهي ،فمدت يدي إليها لأعطيها الكتب ولكن يبدو أنها علمت بأنني سأتركها ﻷعود إلى مكاني طالما أنها بخير ، فلم تأخذها وقالت لي لتمنعني من الذهاب ( أشعر بدوخة ). فسألتها إذا كانت تريد أن أوقف لها تاكسي لتذهب إلى المستشفى أو إلى البيت ، فقالت بأنه لا داعي لذلك فسألتها إذا كنت أستطيع أن أساعدها بشيء، فقالت لي إذا لم يكن هناك أي مانع أن أسير معها قليلا ريثما تستعيد قوتها ثانية فوافقت على طلبها وبمجرد أن خطوت خطوتين معها رأيتها تمسك بساعدي وكأنها تستند علي. 
كانت تسير بقربي صامتة تنظر أمامها إلى اﻷسفل وكأن فكرها قد ذهب بعيدا جدا وكانت كل عدة خطوات تلتفت إلي وتنظر إلى وجهي نظرة فاحصة سريعة ثم تعود ببصرها إلى ذلك المكان البعيد الذي سرح فكرها فيه من قبل. وفجأة رأيتها تلتفت إلي وتنظر إلي نظرة فاحصة وسألتني ( من أنت ؟ ) في البداية من طريقة سؤالها لهذا السؤال اعتقدت أن الصدمة بالعمود الكهرباء قد أحدث لها نوعا من فقدان الذاكرة وأنها اﻵن تراني وﻷول مرة . فنظرت في وجهها ﻷقرأ تعابيره وهي تنظر إلي ﻷتأكد من حقيقة ما يحدث فعلمت أنها لم تفقد الذاكرة وأن سؤالها لم يكن إلا وسيلة لفتح حديث بيننا يسمح لنا التعارف على بعضنا البعض. وﻷن هذا السؤال كان سؤالا عام يحمل في داخله مليون إجابة ، عدت إليها نفس السؤال قائلا لها ( ﻷجيب على سؤالك تماما كما تريدين، أخبريني أنت أولا ، من أنت؟)إبتسمت ونظرت في وجهي نظرة وكأنها تفحصه بأكمله بنظرة واحدة ، ثم عادت ببصرها ثانية إلى تلك النقطة البعيدة التي سرح فكرها هناك. وعدنا ثانية إلى صمتنا ورحنا نتابع سيرنا على نفس الوتيرة.
لا أدري كيف، وجدت نفسي أجاوب على سؤالها كما يحلو لي أنا ،فأخبرتها من أين أنا وكذلك بأنني خريج كلية الزراعة وأنني أقوم بتأدية الخدمة العسكرية اﻹلزامية وأنني أجهز أموري بعد نهاية الخدمة اﻹلزامية للسفر إلى خارج القطر لمتابعة دراستي هناك ،عندها رأيتها تسألني بخصوص السفر وشيئا فشيء أخذ الحديث يتحول إلى مناقشة جدية وشعرت وكأنها في داخلها تود لو أنها تستطيع تغيير رأيي في السفر لنبقى معا ، ولكني أخبرتها أن متابعة دراستي شيء هام في حياتي وشرحت لها بأنني من صغري بدأ يشغل فكري أشياء بحاجة إلى تفسير وفهم ﻷنها تساهم في حل بعض المشاكل التي تعاني منها اﻹنسانية. ،فأخبرتها بإنه إذا تهرب كل إنسان من محاولة إيجاد حل مشكلة من المشاكل اﻹنسانية لينتبه فقط إلى تحقيق رغباته الشخصية عندها سيتحول المجتمع اﻹنساني إلى مجتمع لا يختلف عن بقية المجتمعات الحيوانية ، وأخبرتها بأنني أعتقد تماما أن القدر اﻹلهي هو الذي وضع هذه اﻹستفهمات في طريقي وأن دوري اﻷول في الحياة هو إيجاد حل لهذه اﻹستفهمات.
سرت معها لمدة عشر دقائق تقريبا وتحدثت معها وكأنني أتناقش مع فتاة زميلة أعرفها منذ سنين ورغم أنها كانت تسير ويدها الصغيرة تمسك ساعدي ولكن أحاسيسنا كانت بعيدة نهائيا عن كل شيء له علاقة بالغرائز، وفي نهاية الطريق أخبرتني أنها تقترب من الحي الذي تقيم به وأنها تخشى أن يرانا أحد من معارفها فيسوء بها الظن لذلك وجب علينا أن نفترق هناك ،فأعطيتها كتبها وتمنت لي النجاح في الطريق الذي أخترته لنفسي وذهبت. 
لا أدري كيف سيفسر القارئ هذه الحادثة ، ولكن بالنسبة في ذلك اليوم كانت كلما تأتي إلى فكري كنت أشعر أولا بتلك الكتب التي كانت كمجموعة واحدة في يدها وكأنها كتاب واحد ولكن ﻷنني رفضت التحدث معها فجأة كنت أراها تتبعثر بجهات مختلفة على اﻷرض وكأن رفضي من التحدث معها هو سبب تبعثر هذه الكتب وتحولها من كتاب واحد إلى عدة كتب منفصلة لا علاقة لكل كتاب مع الكتاب اﻵخر. ولكن عندما قبلت التحدث معها رأيت نفسي أسير وأتناقش معها نقاش علمي دون أن يكون لشيطان مكان بيننا. رغم أن هذه الحادثة وتفسير عناصرها كان قد شجعني كثيرا على محاولة التعرف على كل فتاة تصمم التعرف علي ﻷريحها من عذاب اللحاق بي لوقت طويل بدون فائدة ، ولكن ومع ذلك ظل سلوكي كما هو لعدة أيام بسبب شكي بتفسيري لتلك الحادثة ، ولكن بعد عدة أيام من الحادثة أتى صديق إبن عمي إلى زيارتنا ليخبره بأنه سيقيم حفلة رأس السنة في بيته ورغم أنه لم يكن يعرفني على اﻹطلاق عزمني أنا أيضا لحضور هذه الحفلة. 
في ليلة رأس السنة كنا قد وصلنا قبل بدء الحفلة بقليل فوقفت مع إبن عمي في زاوية مظلمة من الحوش ريثما يأتي الجميع لندخل الصالون. وشاءت اﻷقدار أن يتواجد أيضا في هذه الحفلة زميل لي من الكلية العسكرية للشؤون اﻹدارية. وكان هذا الشخص شاب متمسك بالمبادئ المثالية لذلك كان في بداية الدورة عندما رآني أعمل في الحديقة بدلا من حضور دروس التدريب قد شعر ببغض شديد نحوي ﻷنه ظن أنني أستخدم الواسطة لتدبير شؤوني هناك، ولكن عندما علم إن كل ما فعلته في الكلية لم يكن سببه الواسطة ولكن كان سببه حسن الحظ ونوع من الدهاء، عندها تحول بغضه لي إلى شعور إعجاب وإحترام. 
في ليلة رأس السنة في البداية راح يتمعن في وجهي من بعيد ليتأكد من صحة ظنه وشيئا فشيء راح يقترب مني وعندما تأكد من أنني هو ذلك الشخص الذي يظنه ، سألني بدهشة كبيرة " أنت ، من دعاك حضور الحفلة" ؟ فأجبته: "صاحب الحفلة ..أنت من أتى بك هنا ؟ ) فرأيته يلتفت إلى صاحب الحفلة ويطلب منه أن يأتي مباشرة وسأله : "أنت عزمت هذا الشخص؟" كان أسلوب كلامه يبدو للآخرين وكأن فيه نوع من العدائية لي ولكن أنا الوحيد الذي كنت أعلم بأنه كان يمزح ، فأجابه صاحب الحفلة مستغربا "نعم ، إنه إبن عم لامع" فقال له "إترك إبن عمه ، أنا أسألك عن هذا. .هل تعرفه جيدا لتعزمه بهذه السهولة " فاستغرب صاحب الحفلة فسأله عن اﻷسباب ،فقال له : "اطرده حالا " ! فنظر جميع الحضور إلي يحاولون رؤية معالم وجه هذا الشخص الذي يجب طرده من الحفلة. ولكن الظلام منعهم من رؤية معالم وجهي بوضوح. فزاد إستغراب صاحب الحفل من قلة أدب قريبه - كما ظن - لسوء تصرفه معي فسأله " لماذا أطرده ؟!! " فأجابه: " ﻷنك إذا لم تطرده فإن الحفلة من أولها إلى آخرها ستكون حفلته هو فقط. .. فتيات الحفلة سترى رجلا واحدا، ستراه هو فقط أما نحن فسنختفي" لم يفهم صاحب الحفلة ما يقصده ،فتابع زميلي كلامه قائلا له : "هذا داهية ، إستطاع بمكره أن يخدع جميع ضباط الكلية وجعلهم يعتقدون أن وراءه واسطة قوية جدا، حتى مدير الكلية نفسه كان يتركه يفعل ما يشاء ، وبدلا أن يمنعوا منحه رتبة ملازم ﻷنه لم يحضر ولا حصة تدريب واحدة أعطوه ثلاثة أيام إجازة إضافية عن إجازة بقية الطلاب ﻷنه طالب متفوق " فسأله صاحب الحفلة عن علاقة ما فعلته في الكلية مع الحفلة ،فأجابه :"لا تغرك براءة اﻷطفال في عينيه ،سترى بعد قليل ماذا سيفعل" بهذه الكلمات القليلة جعل زميلي الجميع وخاصة الفتيات يقتربون قليلا لعلهم يرون بشكل أوضح ملامح هذا الشخص الذي قيل عنه كل هذه اﻷشياء.
من تمعن جيدا في طريقة ونوعية كلام زميلي وهو يتكلم عني لشعر مباشرة أنه لم يكن ملك عقله ولكن تحت سيطرة ذلك الجزء من روح الله الذي يكمن في داخله فمن خلال تلك الكلمات القليلة التي تحدثها عني وضعني في أنظار الجميع وخاصة الفتيات فكان وكأنه يجبرني على الظهور أمام الجميع،وشعرت في تلك اللحظات بعيونهن وهي تنتظر بلهفة أن تبدأ الحفلة لأخرج من تلك الزاوية المظلمة ﻷدخل إلى الصالون ليشاهدن معالم وجهي وكذلك ليشاهدن ماذا سأفعل ﻷسيطر على الحفلة بأكملها كما يدعي زميلي.
في تلك الليلة ورغم محاولة بعض الشبان التقليل من شأني بعد سماعهم مديح زميلي ، ولكن جميع محاولتهم إنقلبت رأسا على عقب فبدون أن يعلموا ساعدوني سواء شئت أم أبيت في إظهار جميع مواهبي أمام الجميع ، مثلا في إحدى ألعاب البرنامج رأيت نفسي مجبرا أن أغني وعندما غنيت مقطع صغير رأت الفتيات أن لي صوت جميل عاطفي فأصررن على أن أغني الأغنية بأكملها وظن عندها الجميع أنني مطرب محترف، وأكد لهم إبن عمي مازحا على ذلك. أيضا قمت بدور ساحر يقوم بألعاب خفية ،فلم يصدق الجميع كيف كانت تختفي القطع النقدية من يدي لتظهر مرة أخرى في أماكن مختلفة وبالذات في جيوب أولئك الذين كانوا يشكون في صحة إختفاء القطع النقدية. 
أذكر أنه في نهاية تلك الليلة قالت إحدى الفتيات لصديقتها : هذا الشاب الغريب والذي في البداية لم يكن يعرف أحدا من الموجودين إستطاع لوحده أن يجعل من هذه الحفلة أجمل حفلة عشتها في حياتي ، لو أن شبابنا كان كل واحد منهم عنده جزء بسيط من مواهبه لكانت الحياة أجمل بكثير مما عليه اﻵن. 
الشيء الغريب في اﻷمر أن فتاتين ومن بداية الحفلة جلستا بقربي واحدة عل يميني واﻷخرى على شمالي ولم تسمحا لفتاة أخرى من اﻹقتراب مني ، وكان أسماء هاتين الفتاتين لهما علاقة مباشرة بصميم أبحاثي ،واحدة إسمها مشتق من معنى ( العفة ) واﻷخرى من معنى ( السلام ) أما زميلي الذي عمل لي دعاية كبيرة في البداية فكان إسمه ( طلعت )أما أسم إبن عمي الذي بسببه أتت العزيمة لتلك الحفلة فكان (لامع ) أما إسم صاحب الحفلة فكان (جمال ) . في تلك الليلة ، ليلة رأس السنة التي ستكون بداية لعام جديد، كان القدر من خلال ما حدث ومن خلال تلك اﻷسماء وكأنه يقول لي لا تختبئ إطلع ( طلعت) على الناس وإلمع ( لامع ) لتكتشف جمال (جمال ) العلاقة( العفة - السلام ) لتريها لناس ليدخلو مرحلة جديدة (العام الجديد) 
ما حصل في حفلة تلك الليلة جعلني أصدق تفسيري لحادثة الفتاة التي إصطدمت بالعمود الكهربائي، و في كل مرة أرى فيها فتاة قد دخلت في عالم أحلامها بسبب رؤيتها لي وجعلها تلحق بي مصممة على التعرف علي ، كنت أقترب منها وأتكلم معها وأقول لها نفس المعلومات التي ذكرتها لفتاة العمود الكهربائي. ويبدو أن حديثي مع الفتيات كان يأخذهم من عالم أحلامهم ويذهب بهم إلى عالم آخر وهو عالم الصداقة البريئة بين المرأة والرجل. فكن كثيرات منهن يطلبن مني الخروج معهن لشرب فنجان قهوة في إحدى الكافتيريات مع صحبة بعض صديقاتهن ، وهكذا تحولت تلك العلاقات إلى علاقة صداقة بريئة ، فرأيت نفسي أجلس مع فتاتين أو ثلاثة أو أربعة ، أو خمسة في إحدى الكافتيريات لنتناقش في أمور مختلفة. فكنت أشعر وكأن وجودي معهم كان بالنسبة لهم وكأنها فرصة جميلة تكسبهم خبرة ، خبرة في معرفة الشاب الصالح من الشاب الطالح ، خبرة في معرفة حقيقة ما يطلبه الرجل منهن ليستطعن حماية أنفسهن منه إذا كان غرضه منهن خبيثا و اﻹحتفاظ به إذا كان طيبا وغرضه منهن شريفا. وبنفس الوقت كنت بدوري أحلل منطق تفكير وطبيعة عمل دماغ المرأة والفرق بينه وبين طريقة عمل دماغ الرجل في تحليل عناصر نفس الموضوع. 
وسبحان الله الغريب في اﻷمر أن كل الفتيات كان سلوكهن واحد نحوي ،وكأنهن قد أتفقن مع بعضهن على إتباع نفس السلوك ليكون سلوكهن له معنى واحد. فجميعهن كن يرفضن أن أدفع ثمن القهوة في الكافتيريا وإصرارهن على ذلك كان إصرار غريب خارج عن المنطق العقلي. فكنت أشعر من تصرفهن عندما يرينني أحاول دفع الحساب وكأن شيئا فظيعا سيحدث فتحدث عادة ضجة تلفت الجميع للنظر إلينا ليروا ما سبب هذه الضجة. 
أذكر مرة كنت بصحبة ثلاث فتيات فأخبرتهن عن هذا الموضوع ، وفعلا إستغرب الجميع بهذه الظاهرة ، أن أخرج مرات عديدة مع عدة فتيات ولا أستطيع ولو لمرة واحدة أن أدفع انا الحساب. لذلك طلبت منهن أن يسمحن لي هذه المرة أن أدفع أنا الحساب دون أن يمنعني أحد، في البداية الثلاثة رفضن وأردن أن تبقى الامور كما هي ، فحسب رأيهن أن قبولهن الشرط سيخل بهذه الظاهرة الطريفة ، ولكن بعد إلحاحي الشديد وافقن على طلبي ، وعندما إنتهينا من الجلسة ناديت الجرسون ليأتي بالحساب فرأيته يقول لي لحظة ويدخل ويغيب بضع لحظات ثم يعود ويقول لي بأن القهوة على حساب صاحب المحل. نظرت الفتيات الثلاثة وهن لا يصدقن ما سمعن فسألته إحداهن عن سبب هذه الضيافة فأخبرها أن هذا المحل ليس كافتيريا ولكن مطعم يقدم وجبات طعام فقط لذلك لا يوجد تسعيرة للقهوة . 
ما حدث في تلك اللحظة قد يبدو للبعض بأنه حدث بسيط ، ولكن بالنسبة لتلك الفتيات اللواتي كن في داخلهن يتمنين ان لا يتحطم ذلك الإحساس الذي كان يجبرهن على منعي من دفع الحساب ، كان ما حدث بالنسبة لهن يشبه حدوث معجزة.
وكأن ذلك الجزء من روح الله الذي يكمن في كل فتاة كان يقول لي ( اﻹنسانية تعيش في عصر مادي يريد تحويل المرأة من كائن روحي إلى مادي. .. ظروفنا لم تسمح لنا أن نمنع هذا التغيير ﻷن العصمة في يد الرجل. ..أنت رجل وتعلم بما يحدث خذ هذا الدور بدلا منا . إبحث في هذا الموضوع وساعد في تغذية الروح وتصحيح الوضع...) ...ليس من الصدفة أن جميع مؤلفاتي تدخل تحت عنوان. ..أبحاث عين الروح. ...... يتبع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق