الجمعة، 24 نوفمبر 2017

خواطر من الكون المجاور الخاطرة 156: اﻹيمان النافع واﻹيمان المزيف

خواطر من الكون المجاور
الخاطرة 156: اﻹيمان النافع واﻹيمان المزيف
في المقالة الماضية ذكرت " بأن عصرنا الحاضر يعاني من إنحطاط روحي سبَّب للإنسانية مشاكل كبيرة ومعقدة ، وأننا اليوم لحل هذه المشاكل نحتاج إلى قاعدة ثقافية شاملة تنمي إدراكنا الروحي ، وأن اﻹدراك الروحي مصدره اﻷول هو اﻹيمان بالله ، والمقصود هنا اﻹيمان الروحي الذي يجعلنا نشعر بعمق ذلك الجزء من روح الله في تكويننا ككائن إنساني ، هذه الروح التي تجعلنا فطريا وعقليا نسير على الصراط المستقيم ، فللأسف اليوم 90% من أولئك الذين يعتقدون أنهم مؤمنون بالله في الحقيقة ليس لديهم إي إحساس بوجود هذه الروح الهية في تكوينهم ، فنجد أن إيمانهم هذا قد أصبح لا ينفع في شيء ، وبعض اﻷحيان نجد أن إيمانهم قد أصبح يضر بالمصلحة العامة للمجتمع بأكمله، لذلك ليس من الصدفة اليوم أن نجد أن جميع الديانات اليوم قد تم تشويه تعاليمها حتى وصلت إلى مستوى أصبحت عاجزة عن إصلاح أي مشكلة من المشاكل التي تعاني منها المجتمعات اﻹنسانية والسبب هو أن فهم رجال الدين لدينهم قد أصبح فهمأ ببغائيا فبدلا من أن تساهم آرائهم في إصلاح المجتمع نراها تساهم في إنحطاطه الروحي أكثر فأكثر "
أحد القراء سألني عما أقصده بعبارة ( أن نشعر بروح الله فطريا وعقليا ) ، وربما قراء آخرون لديهم استفسارات مشابهة عن هذه الفكرة ، لذلك سأحاول إن شاء الله في هذه المقالة أن أوضح هذه الفكرة بشكل أفضل. 

اﻹيمان بالله عز وجل كفكرة تحمل في مضمونها معنى وجود روح خير عالمية نسميها ( الله ) وروح سوء عالمية نسميها (الشيطان ) ، فاﻹنسان المؤمن هو الذي يتبع طريق روح الخير ( الله ) ، واﻹنسان الكافر هو الذي يتبع طريق روح السوء ( الشيطان ، المقصود من مصطلح (الله) كروح عالمية تكمن داخل هذا الكون بمعناها الفلسفي ، هو تلك القوى الكونية التي تقوم بعملية البناء عن طريق توحيد الجسيمات الصغيرة بشكل متناسق ومنسجم لتأخذ شكلا أرقى بحيث تستطيع هذه المركبات الجديدة اﻹتحاد ثانية مع بعضها البعض بشكل متناسق ومنسجم لتكوين أشكالٍ أرقى وأكثر تعقيدا بحيث يسمح لها اﻹتحاد مع بعضها البعض مرة ثالثة ثم رابعة ثم خامسة...و .و..وهكذا حتى يصل هذا الاتحاد إلى شكل فائق التركيب والتعقيد بحيث تصل الروح في النهاية إلى مستوى يعبر عن معناها الحقيقي الذي بدأت به وهي تكوين روح خالقة ،أي ولادة اﻹنسان. ...فاﻹنسان هو في الحقيقة كائن مختلف كل اﻹختلاف عن الكائنات الحية اﻷخرى ﻷنه ليس مخلوق فقط ولكنه خالق أيضا فهو الكائن الوحيد الذي يحوي في روحه جزء من روح الله، هذه الروح هي التي خلقت العلوم والحضارات وجعلت من اﻹنسان كائن لا يمكن مقارنته بأي كائن آخر لوجود إختلاف كامل بطبيعة وماهية الروح بينهما، لذلك مع ولادة اﻹنسان ككائن حي (اﻹنسان الكروماني) قبل بضع آلاف السنين نجده يحول الحجارة ذات الشكل العشوائي إلى شكل أشياء ( تماثيل ) مشابهة لتلك اﻷشياء الحية مثل شكل إمرأة أو حصان أو بطة أو فيل.....فظهور هذا النوع من السلوك وﻷول مرة على سطح اﻷرض لم يكن صدفة ولكن كان تعبير روحي يدل على ظهور ذلك الجزء من روح الله في داخل هذا الكائن الحي الذي يدعى إنسان.
أما مفهوم أو معنى مصطلح ( الشيطان) فهو تلك القوة العالمية التي تحاول عرقلة المخطط اﻹلهي في توحيد وتطور اﻷشياء وذلك عن طريق توحيد اﻷشياء بشكل عشوائي بحيث تجعلها لا تستطيع الاتحاد مع أي شيء آخر بسبب التناقض الكبير فيما بينها، وحسب القانون العام للكون فإن أي شيء لا يتجدد مصيره الموت لذلك تبدأ العملية العكسية في التطور لتلك المركبات التي لا تستطيع اﻹتحاد مع غيرها فتبدأ باﻹنقسام إلى عدة أقسام عشوائية وهذه اﻷقسام وبسبب عشوائيتها هي اﻷخرى لا تستطيع اﻹتحاد مع غيرها فتنقسم هي الأخرى وهكذا إلى أن تصل إلى مستوى حيث الروح فيه تفقد كل ماديتها ثم تموت هي اﻷخرى. لذلك عندما أذكر في مقالاتي كلمة (شيطان) أو روح السوء العالمية وكذلك كلمة (الله) أو روح الخير العالمية أو المخطط اﻹلهي ، يجب أن لاينظر إليها القارئ كما ينظر إليها علماء الغرب وكأنها مصطلحات دينية خرافية من القرون الوسطى ولكن على انها مصطلحات فلسفية ذات معاني غنية جدا.
إن جهة تطور اﻹنسانية أيضا يتوقف على هاتين القوتين العالميتين ( الخير والسوء ) ، ويمكن تشبيههما بطبيعة نمو الشجرة ، فكما هو معروف الشجرة لها قوتين تتحكمان في نموها ، اﻷولى موجودة في قمة القسم الخضري والثانية في قمة القسم الجذري. قوى الخير العالمية تكمن في قمة القسم الخضري والذي يجعل الشجرة تنمو إلى اﻷعلى باحثة عن الضوء ، أما قوى السوء العالمية فهي تمثل قمة القسم الجذري والذي يجعل الشجرة تنمو نحو اﻷسفل داخل التربة باحثة عن الظلام.
فسبب خروج اﻹنسان من الجنة هو تشوه تكوينه بسبب إرتكابه الخطيئة ، وهدف تطور اﻹنسانية هو تصحيح هذا التكوين وتطهيره من الشوائب ليصل تكوينه إلى الكمال الروحي والجسدي حتى يصل إلى تكوين ملائم ليستطيع الصعود إلى السماء أي العودة ثانية إلى الجنة ، وحتى يسير هذا التطور الروحي والجسدي بشكل دائم نحو اﻷعلى ( اﻷرقى) ، أرسل الله اﻷنبياء والرسل والمرشدين، والحكمة اﻹلهية في تعاليم الدين اﻹسلامي تشير إلى جوهر هدف دور اﻷنبياء والمرسلين ، فعند ذكر إسم أي نبي يجب إضافة عبارة ( عليه الصلاة والسلام ) .هذه العبارة هي في الحقيقة فلسفة اﻹيمان ، أو باﻷحرى فلسفة سبب وجود ودور اﻹنسان على سطح اﻷرض.
فكلمة (صلاة ) مصدرها كلمة ( صلة ) والمقصود من عبارة ( عليه الصلاة ) أي أن الله أعطى النبي دور تعليم مواصلة سنة الله في التطور الروحي للإنسانية ، أي تعليم الناس كيفية مواصلة طريقهم في تطهير أنفسهم من الشوائب بهدف الوصول إلى الكمال الروحي والجسدي.
أما عبارة ( عليه السلام ) فالهدف اﻷول من تعاليم الديانات هو تطهير روح اﻹنسان من غريزة القتل ، فطرد اﻹنسان من الجنة قد حصل بسبب إرتكاب خطيئة كان نتيجتها ظهور غريزة القتل في قابيل الذي عندما كبر قتل أخاه هابيل ، بينما التكوين الحقيقي للإنسان كما خلقه الله نجده في سلوك هابيل حيث يقول ﻷخيه ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك ﻷقتلك إني أخاف رب العالمين... 28 المائدة ) .فهنا نجد أن هابيل يرى أخاه يريد قتله ولكن رغم ذلك لا يحاول الدفاع عن نفسه حتى لا يدخل في صراع مع أخيه فيجد نفسه قد أضطر إلى قتل أخيه وإرتكاب جريمة القتل ،فهو رفض من البداية المشاركة في عملية صراع مع أخيه. والسبب هو كون تكوينه خالي من غريزة القتل وعوضا عنها فهو يملك عاطفة السلام ، فعاطفة السلام هي من أهم الصفات التي يجب على المؤمن تحقيقها. فروح الله التي نفخها الله في اﻹنسان عندما خلقه كانت خالية من غريزة القتل، ولكنها دخلت في تكوينه عندما إرتكب تلك الخطيئة التي أخرجته من الجنة.
منذ خروج اﻹنسان من الجنة وحتى اﻵن كان هدف تطور اﻹنسانية هو نزع تلك الشوائب التي دخلت في تكوينه بسبب الخطيئة ، ومن هذه الشوائب هي غريزة القتل، لقد مضى حوالي 1400 عام على نزول آخر ديانة سماوية( اﻹسلام ) ولا نزال حتى اﻵن نجد منظمات إرهابية دينية تستخدم القتل والوحشية بحجة أنها تدافع عن دينها، ومن يعيش في دولة غربية ويرى نشرات اﻷخبار في الصحف واﻷقنية التلفزيونية ، سيشاهد أن ( اﻹسلام ) مرتبط بأبشع اﻷعمال الوحشية التي تحدث في هذه الفترة ، فهناك لا تذكر كلمة (داعش ) بل يسمع المشاهد كلمة ( الدولة اﻹسلامية ) واﻷطفال والناس البسطاء هناك بدورهم يعتقدون أن الدين اﻹسلامي هو دين عنف ووحشية وهو المسؤول عن تلك اﻷعمال الإرهابية اللإنسانية.
هناك منظمات دينية إرهابية كثيرة من اﻷديان اﻷخرى ظهرت في القرن اﻷخير ، وجميعهم بإسم الدين يرتكبون أبشع اﻷعمال الوحشية ، والشيء اﻷسوأ أنهم يعتقدون أن سلوكهم يتبع تعاليم الله ، وكأن الله بالنسبة لهم إله متوحش يعشق تعذيب الناس قلبه مليء بالكراهية وحب التدمير واﻹنتقام ، وأن هؤلاء اﻹرهابيون هم جنوده ويحاولون تحقيق تعاليمه هذه.
جميع الديانات تأمر بالصيام ، والمفهوم الديني للصيام فهو يشمل نوعين من اﻹمساك : اﻷول جسدي وهو اﻹمتناع عن ممارسة اﻷنشطة التي تجلب نوع من المتعة للجسد كتناول الطعام مثلا، أو شرب الماء أو ممارسة الجنس ، أو تناول الكحول ،وغيرها ، والثاني روحي ويقصد به اﻹمتناع عن اﻷعمال السيئة كالكذب أو النصب أو اﻹحتيال.... فالصيام هو نوع من أنواع النشاط الروحي التي تساعد في تقوية تحمل الجسد للجوع والعطش ، وكذلك في تهذيب النفس وإقلاعه عن السلوك السيء.
جميع تعاليم الدين تساهم في تنمية الشعور بذلك الجزء من روح الله الذي نحتويه في تكويننا ، لتستطيع هذه الروح أن تسيطر على سلوكنا فتجعلنا فطريا نبتعد عن إرتكاب أعمال السوء ، ونقصد أعمال السوء هي جميع اﻷعمال التي نتيجتها قد تؤثر على طبيعة المجتمع ، سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر يظهر في المستقبل.
حتى نفهم بشكل واضح معنى سيطرة روح الله على سلوك اﻹنسان سنعطي هذا المثال البسيط :
قد تدفع الظروف القاسية بعض اﻷحيان أن يقوم اﻹنسان بفعل عمل سوء ، مثلا أن تدفعه الظروف لمحاولة سرقة ، فنجد أن اﻹنسان الذي لا يشعر بذلك الجزء من روح الله في داخله ، يخطط بعقل صافي لعملية السرقة وينفذها بدقة وينجح فيها ، بينما اﻹنسان الذي يشعر بروح الله داخله ، نجده أثناء تخطيطه لعملية السرقة ينسى أشياء كثيرة في حسابها ، وعند بدء تنفيذ العملية نجده مرتبك ومضطرب ، وشدة إضطرابه في كثير من اﻷحيان تدفعه إلى التوقف عن عملية السرقة نهائيا والتوبة والبحث عن طريقة أخرى لحل مشكلته اﻹقتصادية ، ولكن حتى إذا تابع تنفيذ العملية نجده يقع في أخطاء تؤدي إلى اﻹمساك به وزجه في السجن ، فهذا الشخص قد دفع جزاء سوء عمله مباشرة، وعادة سيتوقف عن التفكير ثانية بعملية أي سرقة أخرى، وسبب كل فشل نجاح عملية السرقة هو إحساسه بروح الله في تكوينه ، بينما ذلك الشخص الذي لا يشعر بروح الله داخله بعد نجاحه في عملية السرقة نجده يفرح ويفخر بما سرقه ويشعر أن السرقة عملية سهلة وصالحة لحل جميع مشاكله المادية ،لذلك سيعود إلى إرتكابها باستمرار فيتحول إلى سارق محترف وربما أيضا إلى مجرم خطير على المجتمع.
المشكلة في عصرنا هو أن اﻷطفال و منذ وعيهم على ما يجري حولهم ، نجد أن كل شيء في بيئتهم يحاول تحطيم تلك اﻹحساسات بروح الله التي في داخلهم ، فنجدهم اليوم من صغرهم لديهم جرأة غريبة على فعل وإرتكاب اﻷخطاء ، وكأن في داخلهم لا يوجد سوى فراغ مطلق ، رغم أن بعضهم ربما يؤدون الصلاة والصيام ، ولكن بمفهومها الببغائي. وهؤلاء الصغار طبعا لا ذنب لهم في ذلك، فإذا تمعنا في مستوى المعلومات في كتبهم المدرسية التي يفرضها عليهم المنهج الدراسي العالمي نجد أنها أكبر بكثير من مستوى الطبيعي لإستيعابها فنجد مستوى معلومات كتب الصف السادس اﻹبتدائي اليوم تعادل مستوى معلومات الصف الثالث اﻹعدادي قبل 50 عام ، فالطفل منذ دخوله المدرسة يجد نفسه أمام معلومات مادية هائلة يجب عليه أن يحفظها شاء أم أبى.
للأسف المنهج العلمي التدريسي العالمي اليوم هو نفسه قد وضع الطلاب في حالة نفسية لا تسمح لهم ولو للحظة أن ينظروا في داخلهم ليعلموا شيئا عن أحاسيسهم ومشاعرهم ، تلك اﻷحاسيس والمشاعر الداخلية التي تربطهم بالعالم الخارجي لتجعلهم يشعرون بأنهم جزء من المجتمع وأن عليهم واجبات نحوه وأن اﻵخرين لهم مشاعر وحقوق وأن الجميع معا يكونون كتلة حيوية واحدة وأن أعمال كل فرد لا تخص نفسه فقط ولكن تخص المجتمع بأكمله وأنها ستؤثر إيجابيا أو سلبيا على نظام المجتمع بأكمله...... للأسف حتى دروس الديانة أو التربية الإسلامية التي من واجبها أن تساعد الطالب في تقوية إحساسه بذلك الجزء من روح الله الذي يكمن في داخله، نجدها اليوم هي أيضا تهتم بقشور الدين وليس مضمونه وبدلا من أن تنمي به هذا اﻹحساس باﻵخرين، نجدها تطرح على الطلاب معلومات مادية عن الله وعن الروح وعن الدين، وبعض اﻷحيان نجد أساتذة الديانة أنفسهم يساهمون في زرع العداوة والبغضاء بين اﻷديان والمذاهب الدينية.
يقول الحديث الشريف " المؤمن يألف ويؤلف ولاخير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، وخير الناس أنفعهم للناس " . ويقول الحديث الشريف أيضا " من كان يؤمن بالله واليوم اﻵخر فليقل خيرا أو يصمت " هذه هي صفات المؤمن وصفات أفراد المجتمع الصالح بشكل عام. للأسف الكتب المدرسية ودور التعليم اليوم خالية من نور الله ﻷنها تعلم علم بلا أخلاق.

ز. سانا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق