خواطر من الكون المجاور
الخاطرة ٢٤٨ : عيد الحب فالنتاين بدعة ، أم رمز حضاري؟
في السنوات اﻷخيرة مع دخول أجهزة اﻹتصال باﻹنترنت كوسيلة إتصال عالمية وكذلك نتيجة تطبيق خطوات العولمة وإنتقال الموضة والعادات الغربية إلى جميع أنحاء العالم ، ظهر عيد جديد بإسم عيد الحب أو عيد فالنتاين والذي يصادف يوم إحتفاله في 14 شباط ( فبراير ) . هذا العيد بدأ يأخذ مكانته كتقليد شعبي في مختلف بلدان العالم ، وفي أتباع جميع الديانات .
في السعودية الشيخ محمد بن صالح العثيمين أفتى في 5/11/1420 هـ ب"عدم جواز الاحتفال بعيد الحب" قائلا "انه عيد بدعي لا أساس له في الشريعة, ولأنّه يدعو إلى اشتغال القلب بالأمور التافهة المخالفة لهدي السلف الصالح فلا يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء من شعائر العيد سواء كان في المآكل أو المشارب أو الملابس أو التهادي أو غير ذلك وعلى المسلم أن يكون عزيزاً بدينه وأن لا يكون إمّعة يتبع كل ناعق". وفي الأعوام الأخيرة منعت هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية المحال التجارية من إبراز أي مظهر من مظاهر الاحتفاء بعيد الحب.
أما في مصر فقد أفتى الدكتور عبد العظيم المطعني عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة وأستاذ الدراسات العليا في جامعة الازهر بالإباحة قائلا "إن تخصيص أيام بعينها للاحتفال بها من أجل توثيق العلاقات الاجتماعية بين الناس مثل عيد الحب مباحة ويجوز حضور الاحتفالات التي تقام من أجل ذلك بشرط ألا نعتقد أنها من شعائر الدين ولا نقوم فيها بما يؤدي إلى ارتكاب الإثم و أن تكون طريقا لإرضاء الله عز وجل بشكر نعمه وتقدير منحه والاعتراف بفضله وجميله على خلقه وعباده، وفي حدود ما أحل شرع الله عز وجل وأباحه ومتى كان الاحتفاء بها كذلك خاليا تماما من الهرج والمرج والرقص واللهو والخلو والاختلاط والبدع والخرافات وسائر المحرمات والمحظورات، وكل ما يؤدي إلى الفساد، متى كان ذلك يباح حضورها ويجوز احياؤها والمشاركة فيها مجاملة وكرباط وود وحسن علاقة وكريم صلة على منهج الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم".
ولكن رغم تحذيرات العديد من علماء الدين لمنع الإحتفال بهذا العيد ومع ذلك نجد أن المشاركة بالإحتفال به يزداد مع مرور الزمن . فهل الإنتشار السريع لهذا العيد في جميع مجتمعات العالم سببه فساد هذه المجتمعات ، أم أنه حالة تطور روحي وصلت إليه الإنسانية ؟ وهل فالنتاين هو فعلا قديس أوحى له الله بهذه الفكرة ، أم أنه شخصية كاذبة هدفها تضليل الشباب ودفعهم إلى طريق السوء حسب ظن بعض علماء المسلمين وغير المسلمين ؟
المصادر التاريخية عن القديس فالنتياين ( فالنتينوس) ، تذكر بأنه في القرن الثالث بعد الميلاد وفي عهد اﻷمبراطور الروماني القوطي كلايديوس الثاني ، كان الحكم الروماني لا يزال يطارد المسيحيين و يضطهدهم لمنع إنتشار الدين المسيحي في بلادهم لذلك كان المسيحيين يقومون بعبادتهم وطقوسهم سرا ، ورغم خطورة الوضع كان القسيس فالنتاين هو من يقوم بطقوس الزواج عند المسيحيين ،وحدث في ذلك الوقت أن الامبراطور كلايديوس منع الجنود الشباب من الزواج لكي لا يشغلهم إهتمامهم بزوجاتهم وأولادهم عن التدريب و الخوض في الحروب ، هذا القرار فرض بالمقابل على الجنود الشباب أن يذهبوا إلى دور الدعارة لتحقيق وتأمين حاجاتهم الجنسية ، ولكن قسم من هؤلاء رفض هذا النوع من السلوك وأراد كل واحد منهم أن يتزوج من الفتاة التي إختارها قلبه ليعيش مع شريكة حياته في عائلة سعيدة تضمن ﻷفرادها حياة إجتماعية راقية.
في ذلك الوقت حاول القسيس فالنتاين أن يبحث عن هذا النوع من الشباب ليساعدهم في الزواج سرا ، وهكذا بدأ الجنود الشباب يتزوجون سرا ومع زواجهم كانوا أيضا يعتنقون الدين المسيحي ، وسارت اﻷمور عدة سنوات ولكن بعد فترة وصل الخبر إلى اﻷمبراطور الروماني فأمر بإلقاء القبض على القسيس فالنتاين ، عندما إلتقى الإمبراطور مع القسيس أعجب بشخصيته فعرض عليه أن يتخلى عن دينه ليعفو عنه ولكن القديس فالنتاين بدلا من أن يوافق على عرض اﻷمبراطور بدأ يتكلم عن تعاليم وسمو مبادئ الدين المسيحي ليقنع الأمبراطور بالتخلي عن ديانته الوثنية ليعتنق المسيحية وليجعلها الديانة الرسمية للامبراطورية الرومانية بأكملها ،ولكن حاشية الأمبراطور ثار غضبهم على القسيس وهم يسمعونه يضع الدين المسيحي فوق ديانتهم ، عندها لم يجد الأمبراطور أمامه إلا الحكم علي القسيس باﻹعدام.
وكما تذكر المصادر بأن أثناء وجود القسيس فالنتاين في السجن كانت إبنة حارس السجن قد سمعت عن أفعاله فإعجبت بأخلاقه وطيبة قلبه وشدة إيمانه لذلك كانت تأتي إليه وتتحدث معه من وراء القضبان ، وكانت الفتاة عمياء وعندما سمعت من القسيس عن تعاليم المسيح وعن معجزاته وأنه كان بإستطاعته أن يرد للأعمى بصره ، طلبت منه أن يدعو لها ليرد لها بصرها ، فحدثت معجزة وعاد لها بصرها، وعندما رأى والدها ما حدث أخبر اﻷمبراطور عن المعجزة ، فطلب اﻷمبراطور أن يقابله ثانية وأن يتكلم عن دينه أمام حاشيته فلعلهم يقتنعون بكلامه ولكن حاشية اﻷمبراطور لم يكن يهمهم شيء سوى التخلص منه لمنع إنتشار الدين المسيحي في اﻷمبراطورية ، فتم تنفيذ حكم اﻹعدام بقطع رأس القسيس ، وصادف ذلك في يوم 14 شباط عام 269.
وتذكر المصادر أيضا أنه أثناء وجود القسيس في السجن نشأت علاقة حب بينه وبين بنت السجان العمياء ، وأنه في يوم تنفيذ حكم اﻹعدام كتب لها القسيس فالنتاين رسالة حب يودعها فيها. ومن هذه العلاقة العذرية بين القسيس والفتاة نشأت علاقة حب بأسمى معانيها فرغم أن الفتاة كانت تعلم بأن القسيس مصيره اﻹعدام بعد أيام قليلة وأنه لن تلتقي به مرة أخرى، ظلت متعلقة به إلى اﻷبد.
للبحث في حقيقة عيد الحب أو عيد فالنتاين ، يجب علينا دراسة الموضوع برؤية شاملة ، بعيدة عن أي تعصب ديني أو عرقي ، وبشكل يعتمد على دراسة تطور نوعية العلاقة بين الذكر والأنثى في الكائنات الحية منذ ظهور الحياة على سطح الأرض وحتى ظهور الإنسان وتطوره عبر التاريخ .
إن هدف وجود ذكر وأنثى في الكائنات الحية هو التكاثر وتأمين الحفاظ على النوع ليستمر في الحياة ، وهدف استمرار الحياة هو التطور وتحسين الصفات الوراثية لترتقي الكائنات الحية إلى الأفضل ، لهذا نجد في الكائنات الحية البدائية - كالأسماك مثلا - أن الأنثى تضع بيضها في مكان ما ، ثم يأتي الذكر ويضع فوقها نطافه فيتم تلقيح البيوض دون وجود أي علاقة بين الذكر والأنثى ، بهذه النوعية من العلاقة بين الذكر والأنثى يكون - بشكل عام - مصير البيض الملقح مجهول حسب الظروف المحيطة بها ، ولهذا في مثل هذه الأحوال يكون عدد البيض كبير جدا لتسمح لبعضها في النمو لتتابع حياتها . أما في الكائنات الأكثر تطورا - كالثديات مثلا - فنجد ظهور نوع أرقى في العلاقة بين الذكر والانثى ، فالأنثى تتزاوج مع الذكر الذي سينتصر على بقية الذكور لتضمن في أبنائها صفات القوة المورثة والتي ستأخذها من الذكر المنتصر . ونجد أن الأنثى تحمل الجنين في رحمها لتأمين حياته وبعد ولادته نجدها ترعاه حتى ينمو ويستطيع الإعتماد على نفسه . أما في الطيور فنوعية العلاقة بين الذكر والأنثى تأخذ شكلا أرقى فنجد حدوث نوع من التطور في هذه العلاقة حيث نجد ظاهرة الإخلاص في الحياة الزوجية ، ففي حمامة اليمامة مثلا ، العلاقة بين الذكر والأنثى هي علاقة محبة ومودة حيث يساعد الإثنان في صناعة العش الزوجية وكذلك في رعاية الصغار ، وهذه العلاقة بينها تبقى إلى مدى الحياة ، فإذا مات أحدهما يبقى الآخر بدون شريك حتى وفاته . ولهذا تعتبر حمامة اليمامة رمز للعفة والإخلاص في الحياة الزوجية . وفي الطيور من رتبة الدجاجيات ( الدجاج ، الديك الرومي ، الطاووس ، وغيرها ) نجد مثالا صادقا عن العلاقة الزوجية وأثرها في رقي التكوين الروحي ، فجميع أنواع هذه الرتبة ذكورها تمتلك ذنب طويل عديد الألوان تتباهى به في موسم الزوج ، ونجد أن الذكر في جميع انواعها بعد التزواج يهجر الأنثى ويتركها بمفردها تتدبر أمور بناء العش وحضن البيض ورعاية الصغار ، لهذا نجد أن جميع أنواع هذه الرتبة من النوع الثقيل ورغم أنها طيور ولكنها غير قادرة على الطيران ، ما عدا نوع واحد وهو الحجل الذي ذكره لا يملك ذنب جميل كالبقية ، ولكنه يمتلك الوان زاهية على جميع مناطق جسمه وكذلك يمتلك العاطفة الابوية ويتصف بالإخلاص في الحياة الزوجية ، فهو يبقى مع شريكته طوال حياته ويساعدها في تربية الصغار ، لهذا نجد أن طائر الحجل يملك صفة لا تمتلكها بقية هذه الأنواع من الدجاجيات ، فهو الوحيد من هذه الرتبة لديه القدرة على الطيران . فهذه المقدرة على الطيران ليست صدفة ولكن رمز روحي وضعه الله في هذا الطير ليساعد الإنسان في فهم معنى العلاقة المثالية بين الذكر والأنثى .
جميع المراحل التي مرت بها العلاقة بين الذكر والأنثى في تطور الكائنات الحية ، مرت بها أيضا الإنسانية . ففي العصور القديمة وبسبب تدني مستوى المعارف عند الإنسان كانت الظروف القاسية لهذا كانت حياة الإنسان تحتاج إلى قوة جسدية ليستطيع تأمين حاجاته اليومية ، وهذا ما أدى الى تفوق الذكر على الأنثى في المكانة الإجتماعية كون الرجل في طبيعة جسده أقوى من المرأة ، ولهذا كان الرجل هو المسيطر على الوضع ليتحكم بالمرأة كما يشاء دون أن يعطي أي أهمية لرأيها أو لمشاعرها ، فهي بالنسبة له كانت وسيلة لإشباع شهواته ولإنجاب أطفاله فقط . وكانت الديانات حسب تسلسلها الزمني تحاول بشكل تدريجي تحسين وضع المرأة بما يناسب ظروف كل عصر . ورغم قساوة الظروف على المرأة كانت تقبل بالواقع كون الظروف في تلك العصور لم تكن تسمح لها بأن يكون لها أي ردة فعل على وضعها الإجتماعي بسبب ضعفها الجسدي.
كما ذكرنا في مقالات ماضية أن الإنسانية منذ بداية عصر الأهرامات وحتى نهاية الحضارة الإسلامية كانت تعيش مرحلة الطفولة ، وفي هذه المرحلة كان دور المرأة بشكل عام هو فقط إنجاب الأطفال لضمان استمرارية النوع البشري على سطح الأرض ، ولكن مع ظهور عصر النهضة الأوربية ودخول الإنسانية في مرحلة المراهقة ، دخلت المرأة في عصر جديد ،فمع تقدم العلوم والإختراعات لتحل الآلة مكان القوة الجسدية ، بدأت المرأة تشعر بوجودها ككائن حي يحمل في داخله عواطف ومشاعر ، وبدأت تشعر بأنها لها القدرة في المساعدة في بناء المجتمع وتحسين أوضاعه . ورغم حاجتها في تحقيق حقها هذا ، ولكن تقاليد المجتمع المحافظ على سلطة الرجل والتي كانت تحاول منع المرأة من القيام بأي دور ، جعلها تشعر بنوع من الظلم . الفنان ليوناردو دافينشي هو أول من رأى تلك الشكوى في تعابير وجوه النساء ، وكونه كانت أمه تعاني من هذا الظلم بسبب رفض جده الثري من زواج ابنه بفتاة فقيرة ، فنذ صغره شعر ليوناردو دافينشي بظلم قوانين المجتمع بحق المرأة ، لهذا كانت معظم لوحاته تعبر عن هذه الشكوى في وجه نساء لوحاته ، وكانت لوحة موناليزا ( الجوكندا) وكأنها برق يضيء فجأة في سماء مظلمة ، حيث استطاع بابتسامة موناليزا المحيرة أن تصل شكوى روح المرأة إلى أعماق نفوس الرجال ، العديد من الفنانيين تأثروا بهذه اللوحة وراح كل منهم يبدع بأعمال فنية تعبر عن أحاسيس وشكوى المرأة . من هذه الأعمال الفنية بدأ يتغير شعور الرجال نحو المرأة ويزداد مع مرور الزمن ، فنجد الكاتب المسرحي وليم شكسبير يقدم مسرحيته الخالدة ( روميو وجوليت) ليعبر فيها عن عواطف المرأة وعن حقها في اختيار شريك حياتها الذي ستعيش وتبني معه بيتها وعائلتها .
ما حصل في فترة عصر النهضة لم يكن صدفة ولكن من سنة الله في مراحل التطور الروحي للإنسانية، ففي نفس الفترة الزمنية التي ظهرت بها لوحة موناليزا، وعلى بعد آلاف الكيلومترات ، وبالتحديد في بلاد القففاس ( الشراكس) ، حيث شعب هذه المنطقة كان قد بدأ يتغيير دينه من المسيحية إلى الإسلام، فالذي حدث هناك أن فتاة غنية أحبت شاب فقيرا ، وكونها كانت تعلم أن أباها سيرفض زواجها من هذا الشاب ، ولكنها أصرت أن تعارض تقاليد المجتمع التي لا تسمح للمرأة التعبير عن رأيها ، فذهبت إلى شيخ البلدة الذي يحترمه الجميع ، وأخبرته بأنها لن تتزوج من رجل آخر سوى الشاب الذي تحبه وإلا ستنتحر . عندما رأى الشيخ ذلك الإصرار الروحي في الفتاة وكونه يعلم تماما بأن الشاب المقصود كان طيبا وعيبه فقط هو فقره ، رأى أن من واجبه تحقيق حلم هذه الفتاة فطلب منها ان تبقى في بيته وأن ترفض العودة إلى بيت والدها مهما حصل ، ثم أخذ معه بعض كبار البلدة وذهب إلى والد الفتاة وأخبره عن العلاقة العاطفية بين ابنته والشاب ، وبعد نقاش طويل عن هذه العلاقة رضخ الأب بواقع الأمر ووافق على زواج ابنته من الشاب الفقير . وشاءت الأقدار ان تكون حياة الشاب الفقير مع حبيبته من أسعد العائلات في البلدة ، فأصبح الزواج عن حب رمزا للعائلة السعيدة في الشعب الشركسي . والذي أدى فيما بعد إلى تغيير الكثير من التقاليد الإجتماعية للحفاظ على سلامة العلاقة بين الرجل والمرأة ، فرغم أن الشراكس مسلمون ولكن التقاليد التي نتجت عن الزواج عن حب كانت تسمح للقيام بحفلات تعارف تجمع الشباب مع الفتيات عند بلوغهم سن الرشد ليستطيع الشاب أو الفتاة أن يجد كل منهما الشخص الذي يمكنه أن يكون شريك حياته إلى آخر العمر . ضمن هذه التقاليد تم وضع قوانين صارمة تحافظ على شرف ومكانة الفتاة ، فأي شاب يخل بهذه القوانين يصبح منبوذا من المجتمع . هذه التقاليد مع مرور الزمن استطاعت أن تروض الغريزة الجنسية عند الرجل لتجعله يشعر من صميم أعماقه أن إحترام المرأة فوق كل شيء . فالزواج بالنسبة للرجل لم يعد حاجة لإشباع الغريزة الجنسية ، ولكن حاجة روحية تحوله إلى روح كاملة بإتحاده مع نصفه الآخر .
فكلمة (رجل) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى في المجتمع الشركسي هو الرجل الذي يستطيع السيطرة على رغبات غريزته الجنسية ، والزواج بالنسبة للرجل الشركسي هدفه تحقيق عائلة سعيدة وليس تحقيق رغباته الغريزة الجنسية ، لهذا لا يتزوج إلا بعد قصة حب ، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عندما تكون الفتاة لها الحرية المطلقة في اختيار زوجها . لهذا الرجل الشركسي لا يشعر بأنه بحاجة لزوجة ثانية أو ثالثة ، فنسبة عدد النساء إلى عدد الرجال في عصرنا الحاضر تقريبا متساوية ولم تعد كما كانت في الماضي حيث كان عدد النساء أضعاف عدد الرجال . الرجل في المجتمع الشركسي إذا رأى زوجته غير قادرة على الإنجاب يسلم أمره لله ويحاول أن يأخذ طفل يتيم يربيه ويرعاه ليكون بمثابة ابنه فالإنسانية اليوم ليست بحاجة لزيادة عدد أفرادها ، لهذا الرجل في المجتمع الشركسي في مثل هذه الحالات يمارس عاطفة الأبوة في داخله من خلال رعاية أطفال أخوته وأقربائه وجيرانه ، لكي لا يضاعف عذاب زوجته ، فزوجته هي نصف روحه وعقله الباطني لن يسمح له أن يهينها . فالشراكسة في رفضهم لقانون تعدد الزوجات والزواج العرفي والزواج المؤقت يطبقون تعاليم القرآن الكريم بشكل افضل مما يشرعه علماء الأزهر . فهذه الأنواع من الزواج كانت في الماضي فيها رحمة للمرأة ، أما اليوم ففيها إهانة للمرأة وللأبناء أيضا . وحتى وإن صدف عدم التوافق بين الزوج والزوجة بسبب الإختيار الخاطئ ولكن شدة الإحترام بينهما يجعلهم يرضخون للواقع ويضحون بسعادتهما الشخصية ويستمرون في الحياة معا من أجل مصلحة العائلة ومصلحة الأبناء ، فالاستمرار في المعاشرة الحسنة يخلق مع مرور الزمن نوع من المودة تستطيع التغلب على تلك الخلافات بين الزوج والزوجة ، لهذا نجد عدم وجود أي حالة طلاق في الشعب الشركسي ، ولا أي حالات تحرش ولا أي حالات إغتصاب بعكس ما يحصل في المجتمعات الغربية والمجتمعات الشرقية . (للأسف في السنوات الأخيرة وبسبب الإنحطاط الروحي العالمي بدأ بعض الشباب الشراكس في الخروج من تقاليد المجتمع الشركسي) .
بسبب بعض الظروف هاجر العديد من الشراكس إلى البلاد العربية ، هجرتهم هذه لم تكن صدفة ولكن كانت حكمة إلهية ليرى المسلمون في هذه البلاد أن الإنسانية قد دخلت في مرحلة جديدة وأن علاقة الرجل مع المرأة وكذلك طبيعة الزواج قد دخلت أيضا في مرحلة جديدة ، وأن ما يفعله الشراكس من حفلات مختلطة لا تعارض الشريعة الإسلامية، ولكنها نوع من التجديد في طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة ، فهذا السلوك يضمن للمسلمين بتكوين عائلة سعيدة تستطيع تحدي الظروف الإجتماعية القاسية . فما يحصل من فساد خلقي في المجتمعات الغربية ليس سببه الإختلاط ، ولكن له أسباب أخرى تتعلق بنوعية الثقافة الحديثة التي تعاني من إنحطاط روحي والتي أدت إلى تنشيط الغريزة الجنسية لتسيطر بشكل كامل على سلوك الرجال . لهذا يجب أن تكون جهود علماء المسلمين منصبة في السيطرة على الغريزة الجنسية عند الرجل، وليس بفصل المرأة عن أمور المجتمع فتجعلها تعيش على هامش الحياة ، فالمجتمع اليوم بحاجة إلى الرؤية الأنثوية لتضيف إلى العلوم المادية شيئا روحيا يُحدث نوع من التوازن بين التطور العلمي المادي والتطور العلمي الروحي . الزواج عن حب إذا كان ضمن الظروف الصحيحة فهو يضمن حياة سعيدة أبدية للزوجين ، ويضمن أيضا تكوين عائلة سعيدة تنمي في الأبناء مكارم الأخلاق والمحبة والتعاون . فالحب ينمو الشعور بآلام الآخرين وينمو كذلك الصبر وواجب التضحية من أجل الآخرين ، أما الغريزة الجنسية فهي تنمي حب الذات والسعي لتحقيق المصالح الشخصية .
للأسف الإنحطاط الروحي الذي تعاني منه الإنسانية اليوم هو السبب في تحول عيد الحب أو عيد فالنتاين إلى حفلات فسق وخمر ومخدرات ، وعيد الحب بريء منها ، فالإنسانية بحاجة لمثل هذا العيد ، مثله مثل عيد الأم ، وعيد الطفل العالمي وغيره من الأعياد ، فهذا العيد يساعد في تنقية العواطف بين الزوج والزوجة من المشاكل الطبيعية التي ربما تحدث بسبب بعض الظروف ، فهو يوم يعيد العلاقة الزوجية إلى بدايتها لتذكرهما بتلك الأيام السعيدة التي كانت في بداية تعارفهما ليساهم هذ العيد في محاولة عودة العلاقة بين الرجل والمرأة إلى شكلها السليم كما كانت في الماضي ، وهذا العيد هو نوع من التجديد في العواطف ، فالحياة الزوجية بحاجة لهذا النوع من التجديد لتتغلب على الحياة الروتينية التي قد تؤدي إلى برود العلاقة بين الزوج والزوجة والتي بدورها ستؤثر سلبا على سلوك الأبناء د فتكرار الإحتفال بهذا العيد سنويا يلعب دور نفسي هام في التغلب على تلك المشاكل التي تحصل بين الزوجين .
عيد الحب أو عيد فالنتاين - حسب أبحاثي - ليس بدعة ولا كما يدعي ذلك العالم المسلم بأنه يدعو إلى اشتغال القلب بالأمور التافهة المخالفة لهدي السلف الصالح ، فشعور الزوج والزوجة بالحب المتبادل بينهما ليس من الأمور التافهة ولكنه شعور سامي وضعه الله في التكوين الروحي للإنسان ليضيف إلى حياة الزوجين نوع من السعادة الروحية تساعدهما في تحدي المصاعب ، فعيد الحب هو حكمة إلهية وهو حاجة روحية ضرورية في عصرنا الحاضر ، والله أعلم .
ز.سانا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق