خواطر من الكون المجاور
الخاطرة ٢٨٦ : علم الجمال في نقد مسلسل " نسل الأغراب "
هناك حكمة قديمة تقول بما معناه أنه إذا أردت الخير لمجتمعك أكثِر من كلامك عن الأشياء الجميلة والأعمال الصالحة . وأنا عادة أتبع هذه الحكمة ولكن بعض الأحيان أضطر للكلام عن الأشياء القبيحة والأعمال السيئة عندما أرى أن هذه الأشياء قد بدأت تصبح في نظر الكثير من الناس وكأنها أشياء عادية ، ففي ظروف معينة يجب شرح وتوضيح سبب رداءة هذه الأشياء ليعلم الآخرين أنه يوجد خطأ في طبيعة إحساسهم ليحاولوا إصلاح ذوقهم وفكرهم كي لا تصبح هذه الأشياء الرديئة جميلة في نظر الأجيال القادمة .
لهذا في سلسلة مقالات (علم الجمال في نقد مسلسلات رمضان) سأبدأ بمسلسل (نسل الأغراب) ، فهذا المسلسل وبسبب ضخامة تكاليف إنتاجه يبدو بشكله الظاهري من حيث مشاهد الأكشن والديكورات وحركة الكميرا والإخراج بأنه عمل ناجح .ولكن من يتعمق بمضمون أحداثه وشخصياته وتأثيرها السلبي على نفوس المشاهدين سيجد أنه أسوأ مسلسل على الإطلاق في تاريخ المسلسلات العربية . فهو في الحقيقة يمثل قمة الإنحطاط الروحي التي وصل إليها فن السينما العربية ، فهذا المسلسل يكشف لنا عن الوجه الحقيقي لذلك الذوق الوحشي الذي يسيطر اليوم على الوسط الفني وشركات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني . فإنتاج هذا المسلسل كان هو الأضخم من بين بقية مسلسلات شهر رمضان عام ٢٠٢١ . فعندما يتم تجهيز كل ما يحتاجه المسلسل وبأعلى التكاليف وبأقوى الأسماء لتحقيق مثل هذا النوع من المسلسلات هذا يعني أن صناعة الأعمال السينمائية والتلفزيونية أصبحت خطرة جدا على تكوين وتطور المجتمع . وسنحاول هنا شرح حقيقة نوعية هذا النوع من المسلسلات وكذلك توضيح حقيقة تأثيرها السلبي على نفوس الأطفال والشباب .
في البداية يجب أن نفهم بأن العمل الفني هو تعبير روح الأشياء والأحداث كما يشعر بها الفنان حيث يقوم بعرضها على الآخرين ليساعدهم في رؤية ما لم يستطيعوا هم رؤيته في هذا الشيء أو في هذا الحدث . لذلك هناك نوعان من التعبير الروحي : الأول والذي يعرض الأمور كما تراها عين روح الخير ( عين الضحية أو عين المظلوم أو عين الإنسان الصالح ... وهكذا) ، والنوع الثاني هو الذي يعرض ما تراه عين روح السوء (عين القاتل ، عين الظالم ، عين المنافق ... وهكذا) . الفنان الحقيقي هو الذي ينتمي إلى النوع الأول وهذا النوع نجده في زمن ولادة وإزدهار الحضارات ، أما الذي ينتمي إلى النوع الثاني فهو الفنان المزيف ونجده في نهاية زمن الحضارات عند دخولها في عصر الإنحطاط . ومسلسل (نسل الأغراب) ، هو من النوع الثاني .
حتى نفهم بالضبط حقيقة هذه النوعية من المسلسلات التي تنتمي إلى الفن القبيح أو الفن المزيف ، لابد في البداية من عرض لمحة تاريخية تفسر لنا سبب عدم وجود اليوم ردود فعل هجومية شرسة نحوها من قِبل النقاد ليكشفوا حقيقتها وليمنعوا الجمهور من مشاهدتها والقضاء عليها .
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبسبب ظهور نظرية داروين (أصل اﻹنسان قرد) والفكر الماركسي ، بدأ يحدث تغيير جذري في بعض الأوساط الأدبية والفنية ، فحتى تلك الفترة كانت جميع الأعمال الفنية والروايات - أو معظمها على الأقل - من النوع الأول الذي يعرض الأمور كما تراها عين روح الخير في الفنان ، حيث أحداثها وسلوك شخصياتها وأسلوب كتابتها كان ينمي في القارئ الشعور بذلك الجزء من روح الله في داخله ، فتنمية هذا الشعور يعني تقوية الشعور باﻵخرين، وتقوية الشعور باﻵخرين يعني بدوره تنمية الروابط الإنسانية والعواطف السامية واﻷخلاق الحميدة في ثقافة وسلوك أفراد المجتمع . فهذه النوع من الروايات كانت تُعتبر من روائع اﻷدب العالمي والتي بفضلها إزدهر فن السينما ليصل إلى قمة مجده في سنوات قليلة ، فاﻷفلام التي إعتمدت على تلك الروايات تسمى اليوم بأفلام الزمن الجميل ، وربما أفضل مثال يمكن أن نذكره هنا ليعبر لنا عن سمو تلك الروايات هي الرواية الخالدة (جين يير ) للكاتبة تشارلوت برونتي ، حيث من خلال هذه الرواية جعلت جميع نساء العالم يثقن بأنفسهن ويؤمن بأنهن أقوى بكثير مما يظنه عنهن الرجال، وبأنه سيأتي يوم تأخذ فيه المرأة كامل حقوقها لتلعب دورها الحقيقي في تطور المجتمع اﻹنساني . فرغم أن حياة الكاتبة شارلوت برونتي كانت لوحة من اﻵلام وقساوة القدر عليها، لكنها لم تيأس فذهبت وألفت روايتها وجعلت من بطلة روايتها اليتيمة ( جين) تعاني هي أيضا منذ طفولتها من سوء المعاملة والحرمان والقهر وقسوة الناس من حولها ولكن وبرغم ذلك بدلا من أن تجعل القارئ يحقد على الجنس البشري بسبب ما ذاقته من عذاب في حياتها ، نجدها بإسلوبها المرهف في وصف مشاعر بطلتها وبراعتها في وصف الطبيعة من حولها تجعل القارئ يشعر بروح الطبيعة وكأنها تتحد مع روح بطلة الرواية فتعطيها قوة الصبر لتتحمل كل ما تعانيه من ظلم وحرمان فيجد القارئ نفسه يتعاطف معها بطريقة ساحرة ومؤثرة تجعله يشعر ويرى كم هي المرأة كائن راقي . لو إستطعنا ترجمة رواية ( جين يير ) إلى ألوان وخطوط ربما نحصل تماما على نفس إحساسات لوحة موناليزا لليوناردو دافنشي ، فنجد في كلتا البطلتين (جين وموناليزا ) اﻹبتسامة المحيرة نفسها ، إبتسامة ألم ولكن أيضا ابتسامة فخر بتلك الروح السامية التي تكمن بداخلهن ، روح مليئة بالمحبة والتسامح تؤكد على معنى الآية الكريمة (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) والتي من أجل الوصول إلى هذا المستوى العالي من السمو الروحي إحتاجت اﻹنسانية جهد آلاف السنين من النشاطات (الفكرية والدينية والفلسفية ).
للأسف في تلك الفترة ومع ظهور آراء ماركس ونظرية داروين سمحت لأشخاص منحطين روحيا، مناقضين تماما للكاتبة شارلوت برونتي صاحبة رواية (جين يير ) ولليوناردو دافنشي ، بالظهور على الساحة اﻷدبية والفنية ، حيث استخدموا النوع الثاني الفن القبيح الذي يرى الأمور بعين روح السوء والذي يحاول إثبات عدم صحة معنى الآية القرآنية التي ذكرناها قبل قليل . ففي الساحة اﻷدبية أفضل مثال على هذا النوع هو الكاتب (أميل زولا)، وللأسف من يقرأ اليوم آراء النقاد عن روايات هذا الكاتب قد لا يشعر بشيء غريب عنه ﻷن عقول الكثير من المفكرين اليوم قد مرت بعملية غسيل الدماغ أثناء دراستهم في المدارس والجامعات فجعلتهم لا يفرقون بين القاتل والضحية وبين الحضاري والهمجي. فنجد أحد النقاد العرب يكتب عن أميل زولا قائلا " شجاعة فكرية ونصاعة التعبير فرض زولا نفسه واحدا من حماة الحقيقة والحرية عبر الكتابة" فمثل هذا الكلام والتشبيه كان نابعا من رؤية سطحية فقيرة تماما مثل رؤية ماركس التى لا ترى سوى القشور أما عن المضمون فلا تعلم عنه شيئا. فالحقيقة هي أن أميل زولا هو الذي جعل حرية التعبير في الفن سلاح في يد كل إنسان منحط روحيا وكل فاسق شاذ أن يكتب ما يشاء دون أي ضمير يردعه أو يحاسبه على ما يكتب فتحَّول الفن واﻷدب إلى عنف ووحشية ودعارة . فأميل زولا كان قد تأثر بشدة بآراء داروين العلمية (أصل الإنسان قرد) فكان يستخدمها لتكون حجة تساعده على كتابة كل ما يشاء فراح يعلل أسلوبه الذي جعله في تلك الفترة من الأدباء المنحطين أو المثقفين غير الوقورين، بأن يكتب بأسلوب علمي يصف الواقع اﻹجتماعي بدقة بدون أي تجميل.أنظروا مثلا إلى إحدى حوارات بطلات رواياته ( السكير ) ، في هذا الحوار نقرأ " إن المنطقة كلها تعيش في حمأة من الجنس، الرجال والنساء والآباء واﻷبناء والبنات يعيشون كالحيوانات فيتمرغون في الوحل ، ليس فيهم رجل واحد نظيف أو إمرأة واحدة شريفة ، رائحة الجنس تفوح من كل بيت ، الفقر يكوم الرجال على النساء في إستهتار غريب ، ولو أنك صنعت من هؤلاء الرجال والنساء خليطا ،لحصلت على كمية من الروث تكفي لتغطية شوارع باريس بأكملها". جميع روايات أميل زولا مكتوبة بروح حيوانية فاقدة الإحساس بالجمال لهذا فهي تبحث في كل شيء قذر، في كل شي منحط ،. فعناوين أهم رواياته تدل على محتواها . .. الوحش داخل إنسان. ..الوحش البشري. .. السكير. ..غانية باريس... أبطال رواياته جميعهم بلا ضمير ، جميعهم شخصيات مضطربة نفسيا ، سلوكهم وحشي وكأنهم قردة وُضع برأسهم ذكاء إنسان فرأوا كم الإنسان هو أفضل منهم فنفثوا سموم حقدهم عليه وعلى شكله وعلى مبادئه السامية وعواطفه النبيلة ، غرائزهم الحيوانية تسيطر على كل خطوة من سلوكهم : جرائم قتل.. إنتقام. .خمر. .زنا. .عنف. .خداع... كذب. .. نفاق... فسق.. عالم مقرف ، دراما مظلمة تجعل القارئ يحتقر إنسانيته لتجعله يشعر بأن أصله فعلا قرد وأن في أعماقه لا يوجد إلا الفراغ ، ولا أي وجود لروح الله في هذا الفراغ. فليس من الغرابة أن أشهر أقوال أميل زولا كانت " لن تكتمل الحضارة حتى يسقط آخر حجر في آخر كنيسة على رأس آخر قسيس " بمعنى آخر أنه حسب رأيه الطريق إلى السعادة اﻹنسانية مشابه تماما لرأي ماركس لا تتحقق إلا بالقضاء على جميع الديانات أو بمعنى أوضح القضاء على روح الله في كل إنسان. وليس من الصدفة أيضا أن الروائي هنريك إبسن وصف أعمال أميل زولا بأنها عبارة عن إستحمام في مياه المجاري .
إذا تمعنا جيدا في أعمال محمد سامي مخرج مسلسل (نسل الأغراب) ، سنجد أنه كان يسير بشكل تدريجي نحو مستوى مشابه تماما في القذارة الروحية التي نراها في شخصيات وأحداث روايات أميل زولا ، فرغم أن معظم أعماله تُعرض في شهر رمضان ولكنها هدفها الحقيقي هو إثبات أن الإنسان خُلق في أسوأ تكوين . ففي مسلسل (آدم) الذي عُرض في رمضان ٢٠١١ ، نجد أن أحداث المسلسل تعتمد أساسا على عامل الصدفة لتوَّلد نوع من الكراهية والإنتقام بين الشاب آدم (تامر حسني) وضابط المباحث (ماجد المصري) الذي يعاني من مرض نفسي ، حيث نجده في محاولة انتقامه من آدم يزج أفراد نساء عائلة آدم في السجن فيعرض مشاهد تعذيبهن بطريقة وحشية وكأن المخرج محمد سامي نفسه كان يستمتع بهذا النوع من التعذيب الوحشي وأنه يريد فرض هذا الإحساس على المشاهدين غصبا عنهم من خلال عرض تفصيلات دقيقة في التعذيب ليستمتعوا به هم أيضا لينمي في قلوبهم مشاعر الحقد وحب الإنتقام . وكذلك في مسلسل (البرنس) الذي عُرض في رمضان ٢٠ ٢٠ ، حيث يتبين لنا أن محمد سامي قد قام بسرقة قصة كتبها المحامي أحمد أبو يوسف الذي أعطاها له لتحويلها إلى فيلم بعنوان (صورة مهزوزة) ولكن المخرج محمد سامي وبدون علم مؤلفها قام باقتباسها وتحويلها إلى مسلسل (البرنس) وكأنها من تأليفه هو . فيبدو أن القصة قد أعجبته ولكن لم يعجبه فيها معالجة الأمور برؤية عين روح الخير لهذا قام بتغييرها لتصبح برؤية عين روح السوء ووضعها بأسمه هو لتُعبر عن شخصيا . ففي هذا المسلسل نجد أن محمد سامي قام بتغيير بعض الشخصيات والأحداث فقط لتتناسب مع ذوقه الوحشي في أعماله . فجعل سلوك بطل القصة مناسبا لشخصية الممثل محمد رمضان البلطجي ، لهذا نجد المسلسل مليء بمشاهد الكراهية والعنف والإنتقام . حيث ينتهي في آخر مشهد من الحلقة الأخيرة بنصيحة معادية لتعاليم جميع الأديان السماوية ، حيث نجد محمد رمضان يقول في هذه النصيحة (لما تاخد ألم على وجهك ، أوعى تسكت وتعديها حتى ولو بعد سنين لازم ترد والألم لازم يكون أقوى من إلي أخدته ، أنا بقى حقي أخدته في تسع أيام يوم خروجي من السجن) . هذه النصيحة الشيطانية عُرضت في آخر يوم من شهر رمضان ٢٠٢٠ ودخلت ملايين البيوت العربية لتنمي في نفوس الأطفال والشباب حب العنف والإنتقام بدلا من المحبة والتسامح .
في مسلسل (نسل الأغراب) المخرج محمد سامي يقدم عملا يتفوق على جميع أعماله السابقة في تنمية الوحشية والإنتقام وتحطيم الروابط الإنسانية بين أفراد العائلة وأفراد المجتمع . هذه الصفات الغريزية الدنيئة تظهر في أغنية مقدمة المسلسل حيث أثناء قراءة عناوين المسلسل نسمع هذه الكلمات بصوت تامر حسني :
نسلك يا آدم من زمن فيه الخسيس والزين
دبحوا الأصول لأجل الوصول دول كدابين ذفة
كتر السواد وعمى العباد خلى القلوب جفة
عجبي على الي عماه غروره عايش سنين خراب
اغراب ومن نبت التراب فى ميزان ملوش كفة
قصة قابيل عدها الخلف صبحوا القلوب اغراب
ضل الشموس جوا النفوس عتمة سواد وسراب
عجبى على النسل الى عاش يحصد فى زرع الغير
وبدمه داق نهب البشر عنده الجشع غلاب
مركب وشايلة دنس البشر عايمة بشراع مكسور
والخلق من شر العمل بيعلوا سور وجسور
هذه العبارات الوحشية (دبحوا الاصول .. كتر السواد وعمى العباد خلى القلوب جفة.. عايش سنين خراب ... جوا النفوس عتمة سواد وسراب.... وبدمه داق نهب البشر عنده الجشع غلاب ... مركب وشايلة دنس البشر عايمة ...) كانت تُسمع في أيام رمضان ولمدة ٣٠ يوما . المطربة أنغام رفضت أداء هذه الأغنية لأنها ستكون بقعة سوداء في أرشيفها الغنائي . فهذه الأغنية لا تصلح نهائيا كي يرددها الناس ، ولكنها مع تغيير بسيط في بعض كلماتها تصلح لأن تكون نشيد حربي لجنود قائد سفاح يريد القيام بمجازر بشرية .
أحداث المسلسل تبدأ عند خروج عساف (أحمد السقا) من السجن ، حيث يلتقي بأحد رجاله الذي يفرح بخروجه ، فيسأله عساف عن سبب جفاف منطقته في حين أن منطقة عدوه غفران خضراء . فيرد عليه الرجل بأن عودته ستعيد بناء المنطقة من جديد ، فيقول له عساف بملامح ونبرة شريرة (أنا لم أخرج من السجن لأبني ولكن لأهد) .هذه الجملة الشيطانية يقولها البطل الأول (أحمد السقا) في المسلسل . البطل الأول الذي وجب أن يكون هو من يمثل روح الخير في المجتمع ، في مسلسل (نسل الأغراب) يمثل روح السوء وكأن (أحمد السقا) في هذا المسلسل يُريد أن يُثبت بأنه هو نمبر ون في أفلام البلطجة وليس محمد رمضان ، حيث يظهر بملامح شريرة باردة ، صلعته ووجه السمين وأسنانه الحديدية ولسانه الذي يُخرجه كل لحظة ولحظة ليلحس به أسنانه الحديديه تجعل من اللقطات ظهوره مشهد مقرف شكلا ومضمونا . معظم أحداث المسلسل من بدايته حتى نهايته تسير تماما بإتجاه يضمن تحقيق هذا الهدف الشيطاني في التدمير والإستمتاع بعالم العنف والحقد والإنتقام .
إذا تمعنا جيدا في قصة المسلسل كرواية سنجد أن محمد سامي مؤلفها يحاول تماما تقليد أميل زولا في أسلوبه ، فهو يتجاهل ليس فقط مبادئ فن كتابة الرواية ولكنه يتجاهل أيضا مبادئ تكوين النفس البشرية . فهو يخلق من عقله الفاسد شخصيات خيالية خلقها هو نفسه ، لهم ردود فعل شاذة عن الواقع وكأنهم أشخاص ظهروا فجأة من عصور ما قبل التاريخ رغم أن أحداث القصة تحصل في أيامنا هذه ، فالسيارات والهواتف المتحركه المستخدمة في المسلسل من أحدث انواع السيارات والهواتف الحالية . فنجد - مثلا - البطل الأول عساف (أحمد السقا) في المسلسل ، يتصرف وكأنه إبن شيطان لا يملك أي إحساس إنساني ، فبعد خروجه من السجن وبدلا من أن يحاول بكل جهده أن يكسب حب ابنه له ليقربه منه ليشعر بعاطفته الأبوية نحوه ، نجده لا يهتم لهذا الأمر على الإطلاق ، و الشيء نفسه في تصرف ابنه حمزة (أحمد مالك) فبدلا من أن تُحرك به مشاعر صلة الدم نحو أبيه ليرى حقيقة أبيه وليتقرب منه أيضا ، يحدث العكس تماما ، كلاهما يبغض الآخر إلى درجة لا تصدق فقط من أجل أن تسير الأمور هكذا حتى نهاية المسلسل ، فنجد -مثلا- عساف عندما يرى جثة ابنه أمامه بعد أن قتله عدوه اللدود غفران (أمير كرارة) إنتقاما على مقتل إبنه ، عساف لا يتأثر نهائيا ، فقط يطلب من رجاله أن يرسلوا جثة ابنه إلى زوجته أم ولده . والشيء نفسه بالنسبة لسلوك غفران ، فرغم أنه قام بتربية ابن عساف وأحبه وجعله بمثابة ابنه لمدة /٢٠/ عام ، ومع ذلك نجده وبلا أي سبب منطقي يقوم بقتله وبطريقة وحشية فظيعة لا يجوز عرضها أمام المشاهدين ، هكذا فقط لينتقم من عساف .
والشيء الأكثر سذاجة أن أحداث قصة المسلسل تجري في منطقة الصعيد في مصر ولكنها تبدو وكأنها تحدث في منطقة تقع خارج مصر في منطقة متخلفة وكأنها منطقة بلا حكومة ، فرغم وجود مركز أمن يحوي على رجال أمن ، وضابط الأمن في المنطقة يعلم تماما حقيقة ما يجري في المنطقة كونه ابن عم عساف وغفران ومع ذلك نجد أن تهريب المخدرات وتهريب الأسلحة وعمليات القتل الفردي والجماعي ، تحدث يوميا ورغم ذلك لا أحد من المجرمين يدخل السجن ، وكأن رجال الأمن مجرد أشخاص أغبياء يمكن للمجرمين وبكل سهولة أن يخدعوا رجال الأمن بحجج ساذجة كافية ليبرؤوا أنفسهم من هذه التهم .
أما من ناحية التمثيل ، فرغم أن محمد سامي استخدم أكبر نجوم السينما المصرية شهرة ، ولكن تدخله كمخرج في طريقة التمثيل جعل من ملامح وجههم وكأنهم يمثلون في أفلام كرتون للأطفال ، وخاصة تمثيل (احمد داش) و(أحمد مالك) فرغم موهبتهما العالية في التمثيل ولكن في هذا المسلسل كانت ملامح وجوههما فيها مبالغة جدا في التعبير بحيث جعلت منهما شخصيات ساذجة ومضحكة وربما هذا ما ساعد قليلا - ومن دون قصد- في تقليل شدة الشعور بمناخ العنف والكراهية في حلقات المسلسل .
من عيوب المسلسل أيضا أن تم حشوه بالعديد من الأحداث بدون معنى واضح . وكذلك تم تكرار عدة مشاهد وبالتفصيل الممل بهدف فقط تحويل المسلسل من /١٠/ حلقات إلى /٣٠/ حلقة ، مثل مشهد جليلة وهي تبرر سبب هجرها لغفران وقبولها الزواج من عساف .
رغم أن في نهاية المسلسل الأشرار يأخذون جزاءهم العادل ، ولكن طريقة تحقيق هذه العدالة تتم بشكل ساذج يؤكد بأن محمد سامي لم يتعامل مع الأمور بشكل إحترافي ولكن لمصلحة شخصية له وهي رفع مكانة زوجته مي عمر كممثلة ، فجليلة (مي عمر) زوجة عساف التي بسلوكها اللاعقلاني كانت هي السبب الأول في تطور الأحداث من السيء إلى الأسوأ من بداية المسلسل حتى نهايته ، فنجدها هي لا أحد غيرها من جميع شخصيات المسلسل التي تستطيع إقناع أفراد المنطقة المظلومين بالقيام بثورة ضد عساف وغفران . هكذا ينتهي المسلسل ليجعل محمد سامي من زوجته مي عمر تبدو وكأنها هي التي أخذت الدور الأول في بطولة المسلسل وليس أحمد السقا أو أمير كرارة.
قصة مسلسل (نسل الأغراب) تم بناؤها على أحداث بعضها هشة وبعضها ركيكة وسذاجة هدفها ليس توضيح ومعالجة مشكلة من مشاكل المجتمع ولكن هدفها الحقيقي خلق مناخ روحي خيالي يجعل المشاهد يشعر بالإستمتاع بمشاعر الكراهية والحقد والعنف والإنتقام . فمشكلة المسلسل ليس فقط أنه مسلسل غير مناسب لعرضه في شهر رمضان ولكنه في الحقيقة مسلسل معادي لشهر رمضان ، فالحديث الشريف يقول ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم ) ، فالمقصود بهذا الحديث ليس فقط إلقاء تحية (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) على من عرفت ومن لم تعرف ، ولكن المقصود به في الحقيقة نشر السلام بين الناس ، فنشر السلام يعني نشر المحبة والتعاون والتسامح بين أفراد المجتمع . وكل مسلسل رمضاني يجب وبشتى الوسائل أن يقوم بهذا الهدف ، بينما مسلسل (نسل الأغراب) يفعل العكس تماما فهو ينمي في نفوس المشاهدين المتعة في مشاهدة لقطات الكراهية والعنف والإنتقام .فمن يتابع حلقات المسلسل من اوله إلى آخره سيشعر في الحلقة الأخيرة بحقيقة وحشية روح كاتب هذه القصة ، فالمشاهد فظيعة ومقرفة حيث تجعل الإنسان الطبيعي يشعر نفسيا بالإشمئزاز من هذا السلوك اللإنساني الذي يراه أمامه ، فيشعر وكأنه يريد أن يشتم نفسه لأنه تابع حلقات هذا المسلسل وأضاع من وقته نصف ساعة على الأقل ولمدة ثلاثين يوما يتابع فيها مشاهد بشعة بملامح وجوه أبطاله وسلوكهم الوحشي .
كل ما كتبناه عن سلبيات روايات أميل زولا وقذارتها الروحية ، تنطبق تماما على مسلسلات المخرج محمد سامي فبمثل هذه النوعية من الأعمال القذرة روحيا التي يقدمها للمجتمع سيساهم في تدمير الروابط الإنسانية وكذلك سيساهم في تشويه ذوق أطفال وشباب المجتمع العربي وخاصة المجتمع المصري . فليس من الصدفة أن الأخبار التي تتعلق بهذا المسلسل من خلافات ومشاحنات وشجارات بين الذين عملوا في هذا المسلسل مع المخرج محمد سامي ، أصبحت ترند في وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي ، فقد أظهرت هذه الأخبار حقيقة شخصية هذا المخرج الذي استغل مسلسله أبشع الإستغلال في تأمين مصالحه الشخصية ، حيث قام بتغير سيناريو المسلسل دون إعلام الممثلين أبطال المسلسل ، ليجعل من زوجته (مي عمر) تظهر في مشاهد أكثر مما تستحق، وكأنها هي البطلة الأولى للمسلسل . وكذلك تلك الإتهامات التي تم توجيهها لمحمد سامي بسبب سلوكه العصبي السيء مع الكومبارس أثناء تصوير المسلسل ، حيث كان يقوم بشتمهم وشتم دينهم وأحيانا ضربهم وكأنهم عبيد يعملون عنده وليس كأنهم طاقم فني يعمل معه في صنع مسلسل تلفزيوني .
وأخيرا أود أن أقول بأن الفن هو تعبير روح الخير في الإنسان ولهذا سمي بالفنون الجميلة ، أما أعمال المخرج محمد سامي وأعمال الممثل محمد رمضان فهي تعبير الروح الخبيثة في الإنسان ولا علاقة لها بالفن نهائيا ، فأعمال محمد سامي وأعمال محمد رمضان هي أعمال بلطجة ذات ذوق قبيح ووحشي ، وستبقى هذه الأعمال عارا على كليات فنون السينما والمسرح وأساتذتها في مصر كون تلامذة مثل محمد سامي ومحمد رمضان قد تخرجوا منها ليصنعوا مثل هذه الأعمال القبيحة اللاإنسانية . وأتمنى من كل شخص يحترم تكوينه الإنساني ويخاف على سعادة ومستقبل أفراد عائلته وأفراد شعبه أن يأخذ موقف جدي نحو مثل هذه النوعية من المسلسلات التي تبعد الإنسان عن دينه وتساهم في تدمير المجتمع الإنساني .
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتكلم عن علم الجمال في نقد مسلسل كوفيد ٢٥ .
ز . سانا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق