خواطر من الكون المجاور
الخاطرة ٣٠٧ : فلسفة تطور الحياة (الروحي والمادي) الجزء ١٥.
في المقالة الماضية ذكرنا بما معناه أن كل ما يحدث في الكون منذ نشوئه وحتى اليوم من تطورات هي مرتبطة ببعضها البعض بشكل مباشر ولا يمكن الفصل بينها . وأن جميع هذه التطورات ليست إلا عبارة عن عملية إعادة صنع (خلق) الإنسان من جديد بعد طرده من الجنة ، وأن الغاية من هذه التطورات هو تنقية التكوين الإنساني (الروحي والمادي) من تلك الشوائب التي دخلت في تكوينه نتيجة الخطيئة {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ(٥)التين} . فمع خروج الإنسان من الجنة حدث تفكك جميع روابط مكونات التكوين الإنساني حيث أنهارت إلى أصغر الأشياء التي يتكون منها وهي الأوتار الفائقة والتي تمثل الوحدة البنائية البدائية لتكوين كل شيء في الكون .
إن من أهم أسباب ذلك التعارض في الآراء والذي وصل إلى مستوى العداوة بين علماء نظريات التطور الأربع (الداروينية الحديثة والخلقية والتطور الموجه والتصميم الذكي) أن جميعهم يعتمدون في إثباتاتهم على قسم من القوانين الطبيعية ويهملون تماما القسم الآخر منها ، رغم أن هذه القوانين التي تم إهمالها هي أيضا مكون أساسي في التأثير على مجريات الأحداث التطورية منذ ولادة الكون وحتى الآن .
فللأسف بعد تشويه مفهوم الفلسفة الذي حصل في القرن التاسع عشر والذي أدى إلى إلغاء الرؤية الفلسفية (الرؤية الشاملة) من المنهج العلمي في البحث سواء كانت علوم مادية أو علوم إنسانية ، حصل إنفصال تام بين العلوم ، فرغم أنه يبدو لنا أن العلوم المادية تتعاون مع بعضها في العمل ولكن في الحقيقة هذا التعاون يتم من الناحية المادية فقط ، أي أنها تعمل فقط في العالم المادي ، وكما ذكرنا في المقالة الماضية أن هذا العالم المدروس بهذا المنهج المادي يعتمد على إدراك بنوعية مادية تمتلكه الكائنات الحيوانية أيضا ولا يرقى إلى الإدراك الإنساني الشامل والذي يمتلك نوع آخر أيضا من الإدراك وهو الإدراك الروحي والذي كان له الفضل الأول في ظهور السلوك الأخلاقي من خلال الديانات والحضارات والتي لم تكن موجودة في وعي العالم الحيواني.
فالمشكلة التي كانت تعاني منها الإنسانية في القرن التاسع عشر أن معظم علماء الدين في جميع الديانات العالمية كانوا يعانون من تعصب ديني ويرفضون أي نوع من أنواع التجديد في معاني النصوص الدينية ، ولكن التطور العلمي الذي بدأ يقفز قفزات واسعة في فترات قصيرة جدا فرض بقوة محاولة التجديد كي لا ينفصل الدين عن العلم فتتحول الأحداث في النصوص الدينية إلى مجرد قصص خرافية لا علاقة لها بقوانين العالم الواقعي الذي تعيشه الإنسانية . أتباع روح السوء (الدهريون) في ذلك الوقت إستغلوا هذا التناقض بين العلم والمفهوم الحرفي لمعاني النصوص الدينية والذي بدأ يشعر به المثقفون بشدة ، وحاولوا استخدامه في عملية تشويه التكوين الإنساني من أجل تحطيم ذلك التكوين المقدس الذي يتميز به الإنسان عن سائر المخلوقات ليستحق سجود هذه المخلوقات له . فبدأت تظهر آراء كارل الماركس الإلحادية من ناحية ، ومن ناحية أخرى بدأت تظهر تيارات الفن الحديث بشكل تدريجي والتي شوهت قوانين الإنسجام في التكوين الإنساني الجسدي والروحي في أعمالها سواء في الفن التشكيلي (تيار التأثيرية ، تيار الوحشية ، الدادية ... وغيرها) أو في فن الرواية ومنها مثلا روايات (الوحش داخل الإنسان ، الوحش البشري لأميل زولا وغيرها ) . فكانت نظرية داروين التي ظهرت بفكرة (أصل الإنسان قرد) بالنسبة لهؤلاء بمثابة سلاح علمي يمكن استخدامه في تحقيق هدفهم وهو إلغاء قدسية التكوين الإنساني .
في هذه البيئة المضطربة روحيا و التي كانت تسيطر على المجتمع الأوروبي والذي كان ولا يزال يقود الإنسانية ، كانت علوم الفيزياء قد وصلت إلى طريق مسدود بعد إكتشافهم الذرة ، فكان علماء الفيزياء يظنون أنهم قد إكتشفوا كل شيء وأن التخصص في علم الفيزياء لن يسمح لهم بإكتشافات جديدة وأن عملهم سيتوقف فقط على شرح ما وصل إليه العلماء الأسبقين واستخدامها في سبيل إختراع أشياء جديدة تعتمد نفس القوانين . ولكن في نهاية القرن التاسع وبالتحديد عام /١٩٠٠ / إكتشف العالم الألماني ماكس بلانك معلومة فيزيائية جديدة وهي أن الطاقة لا تسير على شكل حزم مستمرة ولكن على شكل حزم متقطعة سميت بالكوانتم (الكم) . هذه المعلومة البسيطة التي ظهرت في هذه البيئة المضطربة روحيا إستطاعت تدمير جدار الطريق المسدود وفتحت بابا واسعا جدا أمام الفيزيائين ليكتشفوا من خلاله وجود عالم عجيب لم يكن يتصوره أي عالم فيزيائي ، فمن خلال هذه الفيزياء الجديدة تم إثبات أن ذلك العالم الخرافي الذي كان يؤمن الإنسان بوجوده في الماضي (في النصوص المقدسة) والذي كان يبهر نفوس البشر هو عالم حقيقي وليس عالم مزيف تم صنعه من خيال العقل البشري .
في تلك الفترة وبسبب تمكن الرؤية الماركسية المادية من السيطرة على منهج البحث العلمي الحديث ، دفعت العلماء المؤيدين والمعارضين للنظرية الداروينية إلى دراسة موضوع نشوء الحياة وظهور الأنواع بمنطق قوانين العالم المادي الذي تنطبق عليه قوانين الفيزياء الكلاسيكية ، أما قوانين العالم الكمومي (الكونتم) ، فتم إهمالها تماما وكأنها تتبع إلى كون آخر لا علاقة لها بكوننا الذي ظهرت فيه الحياة وظهر فيه الإنسان والأنواع المختلفة من الكائنات الحية . فلم يكن هناك فيلسوف حقيقي يستطيع أن يفهم معنى مضمون تشابك الأحداث ليقول لهؤلاء العلماء أن ظهور فيزياء الكم في تلك الفترة المضطربة روحيا لم يكن صدفة ولكن حكمة إلهية هدفها المساعدة في وضع رؤية شاملة عن العالم الحقيقي الذي يعيشه ويشعر به الإنسان ولا تشعر بوجوده بقية الكائنات الحية الأخرى ، وأن الأحداث المذكورة في النصوص الدينية ليست من عالم خرافي ولكنها تستند على قوانين علمية ، وبهذه القوانين العلمية فقط يمكن فهم ظهور الحياة وتطورها .
مبادئ العالم الكمومي تحدثنا عنها بشيء من التفصيل في المقالة(الخاطرة ٢٩ : عالم عجيب جداً) ولكن هنا سنعيد شرحها بشكل مختصر وبما يناسب موضوع نشوء وتطور الحياة لنأخذ فكرة عامة عن تلك القوانين الموجودة في العالم الكمومي والتي لعبت دورا كبير في نشوء الحياة وتطورها وظهور الإنسان ، فبدون الإعتماد على هذه القوانين سيظل موضوع دراسة الحياة مسدودا أمام الجميع وستظل تلك التناقضات بين علماء النظريات المختلفة موجودة وسيبقى الإيمان بصحة أي دليل أمرا مزاجيا يتوقف على النظرية التي ينتمي إليها كل شخص .
في العالم الحيواني لا يوجد الإحساس بوجود شيء اسمه الروح ، فالأم الحيوان في العالم الحيواني عندما يموت صغيرها -مثلا- تبقى بقربه وتحاول تحريكه لعله يعود ويتحرك وعندما تفقد الأمل عندها تتركه وتتابع حياتها بدونه وينتهي أمر صغيرها بالنسبة لها وكأنه لم يولد أصلا . ولكن في العالم الإنساني عند موت أحد الأحباب يعلمون أن روحه قد فارقته فيقومون بعمل طقوس الجنازة ويترحمون عليه ويدعون له وكأنه لا يزال حي ولكن في عالم آخر وهو عالم الأرواح .
ففي العالم الإنساني يوجد عالمان : العالم الطبيعي الملموس، والعالم الروحي الذي لا نراه ولكن نشعر شيئا ما بوجوده . ما بين عالم الروح وعالم المادة هناك منطقة تفصل بينهما تسمى منطقة البرزخ . في العالم المادي فإن أقرب وجود من منطقة البرزخ هو العالم الكمي ونقصد عالم الجسيمات الأولية تحت الذرية (الإلكترونات ، الكوركات .... وغيرها) فهذا العالم القريب جدا من منطقة البرزخ هو بمثابة نافذة صغيرة تكشف لنا بعض مبادئ قوانين العالم الروحي بشكلها المبسط جدا . فقوانين هذا العالم هي التي تستطيع أن تشرح لنا تلك القوانين التي تم عن طريقها صنع المعجزات المذكورة في الكتب المقدسة ، فالله عز وجل لا يقوم بأي عمل عن طريق عشوائي ولكن جميع أعماله تحدث ضمن قوانين ، بعضها نستطيع فهمها وبعضها الآخر أرقى بكثير من مقدرات العقل البشري. فخلق الشيء من خلال عبارة (كن فيكون) تحدث بواسطة قوانين معينة من عالم الروح وضعها الله لتصنع من تلقاء نفسها كل ما يحتاجه هذا الخلق .
أهم مبادئ العالم الكمومي القريب جدا من منطقة البرزخ هي الآتية :
- مبدأ إزدواجية الحالة : بما أن الإنسان يتكون من مادة وروح ، لهذا في العالم الكمي الأشياء هناك أيضا فيها صفة الإزدواجية (مادة - روح) ولكن الوجود الروحي هناك ليس وجودا روحيا بحتا ولكن فيه جزء بسيط من الوجود المادي كونها موجودة في العالم الطبيعي وليس العالم الروحي لهذا تظهر الروح على شكل موجة لا مادية ، فالموجة يمكن إعتبارها بأنها الحالة الوسطية للوجود بين الحالة الروحية والحالة المادية ، ولهذا نجد أن الجسيمات الأولية تتصف بإزدواجية الحالة (جسيم - موجة ) . حتى يتم توضيح هذا المبدأ بشكل أبسط سنعطي هذا المثال من العالم الطبيعي الذي نعيش فيه :
إذا كانت لدينا كرة من الجليد بحجم البرتقالة موجودة فوق الطاولة ، في عالمنا العادي فإن الجميع سيرى هذه الكرة في حالة واحدة وهي الحالة المادية ويقول أن الكرة موجودة فوق الطاولة ، ولكن في عالم الكمومي فهذه الكرة قد توجد بشكلها المادي (كرة) فوق الطاولة أو قد توجد على شكل شبه روحي كسحابة تملىء الغرفة بأكملها ، فنحن داخلها ولكن لا نراها لأنها موجودة في كل مكان من الغرفة . فالكرة الجليدية في العالم العادي حتى تتحول إلى سحابة تحتاج إلى وقت كي تمر من الحالة الصلبة إلى الحالة السائلة إلى الحالة الغازية لتتحول إلى سحابة ، أما الجسيمات في العالم الكمومي فلها القدرة في التحول من الحالة الجسيمة إلى حالة الموجية في نفس اللحظة وبزمن يعادل الصفر (كما توضح الصورة الأولى) .
- مبدأ التراكب الكمي : الآن إذا وضعنا جداراً وأمام الجدار وضعنا جدار آخر فيه نافذة تسمح من خلالها بمرور الكرة الجليدية وإذا قذفنا بعدد كبير من هذه الكرات من خلال النافذة فإنها ستعبر النافذة وترتطم في الجدار الخلفي في المنطقة المقابلة تماما للنافذة . وهذا ما يحدث في عالمنا العادي والعالم الكمي أيضا ، ولكن إذا صنعنا نافذة ثانية في الجدار وقذفنا الكرات من النافذتين ، فالذي سيحصل في عالمنا العادي أنها الكرات سترطتم في الجدار الخلفي في المنطقتين المقابلتين للنافذتين تماما كما حدث عند قذفها من نافذة واحدة ، ولكن في العالم الكمومي سيحصل شيء مختلف تماما، فسنجد أن مكان التصادم مع الجدار الخلفي قد حدث في عدة مناطق وليس فقط منطقتين ، وهذا يعني أن الكرات عند عبورها من النافذتين كشفت عن حالتها الأخرى وهي الحالة الموجية (الشبه روحية) ولهذا كانت مناطق التصادم مع الجدار الخلفي عديدة (كما توضح الصورة الثانية).
الآن إذا وضعنا جهاز مراقبة دخل النافذة في الجدار لنرى سبب تحول الكرات من حالة جسم صلب إلى الحالة الموجية ، سنجد عندها أن الكرات ستغير من تصرفها وتتصرف وكأنها أجسام مادية فقط وستصطدم في منطقتين فقط في الجدار الخلفي ، وهذا يعني أن الكرات قد غيرت من سلوكها بسبب وجود جهاز المراقبة رغم أن الظروف جميعها هي نفسها التي كانت تظهر فيها الكرات كموجة . العلماء إندهشوا من هذا السلوك الغريب ولم يصدقوا أن هذه الجسيمات المتناهية في الصغر تمتلك نوع من الوعي يجعلها تدرك وجود جهاز يراقبها ولهذا غيرت سلوكها . العلماء حاولوا التحايل على هذه الجسيمات فوضعوا جهاز المراقبة خلف الجدار كي لا تنتبه الجسيمات لوجوده ، ولكن النتيجة كانت نفسها ، وكأن هذه الجسيمات قد قرأت أفكار العلماء وعلمت بوجود جهاز مراقبة في مكان مخفي ولهذا سلكت نفس السلوك وظهرت كجسيمات فقط وليس كموجة .
والسؤال هنا ماذا يحصل ؟ هل تسكن العفاريت هذه الجسيمات لتجعلها تتصرف بهذا الشكل أم ماذا؟. فالحيوانات والتي تعتبر كائنات حية لا تمتلك مثل هذا النوع من الوعي . الجواب ببساطة أن كل شيء داخل الكون فيه روح والروح لها وعي ، وهذا النوع من الوعي يمكن رؤيته فقط في تلك المنطقة القريبة من منطقة البرزخ ولهذا تظهر فيها الجسيمات على شكل موجة كتعبير روحي لها . ومن المعروف فيزيائيا أنه كلما كبر الجسم صغر طول موجته ، ولهذا السبب لا يمكن رؤية الحالة الموجية في الأجسام الكبيرة ، ولكن تعبير الروح عن وجودها يبقى موجودا ولكن بطريقة مختلفة ، ففي حالة الذرات فنجد هناك حالة وسطية بين الموجة (الشبه الروحية) وبين المادة ، بحيث تعطينا تعبير آخر عن الحالة الروحية ، فإذا سخنا قطعة من الحديد فإنها ستنصهر وتتحول إلى سائل ، وإذا تابعنا التسخين فسيتحول سائل الحديد إلى غاز -كما يحصل في بخار الماء- يصعب رؤيته . أي أن قطعة الحديد الصلبة المرئية والملموسة تحولت في النهاية إلى شيء غير مرئي وغير ملموس كشكل من أشكال محاولة لإثبات وجود الحالة الروحية في قطعة الحديد هذه . وكذلك نجد أن تطور الحياة هو أيضا قد إتبع هذه المراحل ، فنجد أن الكائنات الحية البدائية كانت ثابتة (الإسفنجيات) وهي رمز الحالة الصلبة ، ثم ظهرت كائنات أخر تسير وتنتقل من مكان إلى آخر وهي رمز الحالة الثانية السائلة (السرطان) ، ثم ظهرت كائنات أخرى تنتقل عن طريق الطيران نحو الأعلى وهي رمز الحالة الثالثة الغازية (الحشرات) . فظهور هذه المراحل الثلاثة في تطور الحياة ليس صدفة ولكنه ظاهرة طبيعية تحاول الروح من خلالها أن تعبر عن نفسها في توجيه تطور الحياة .
أينشتاين يقول " من الغباء أن تكرر نفس التجربة وفي نفس الظروف وتنتظر نتيجة مختلفة " . في مثالنا السابق (رمي الكرات من نافذتين) وجدنا أن رغم أن التجربة قد تمت بنفس الظروف ولكنها أعطت نتيجة مختلفة (بدل ظهور الحالة الموجية ظهرت الحالة الجسيمية). فجميع الظروف المادية في التجربة هي نفسها ، ولكن الذي إختلف هو ظرف روحي وهو إحساس الجسيم بالمراقبة ، هذا الإحساس في العالم المادي لا علاقة له بالتجربة نهائيا ، ولكن رغم ذلك قام بتغيير نتائج التجربة . وهذا تماما هو الإختلاف بين منطق العالم الحيواني ومنطق العالم الإنساني ، فوجود الإحساس الروحي الذي يتم التعبير عنه في الإنسان عن طريق الدعاء أو الصلاة أو أي سلوك روحي آخر يمكن له بتغيير النتيجة رغم أن النتيجة في العالم المادي وجبت أن تكون واحدة . فإنتصار الحق سيأتي في النهاية والتطور نحو الأصح والأجمل هو نتيجة حتمية مهما كانت الظروف .
- مبدأ النفق الكمومي : في عالمنا الواقعي إذا قذفنا الكرة الجليدية التي تحدثنا عنها في المبدأ السابق ، نحو جدار حجري فإنها سترتطم به وترتد أو تتحطم .ولكن في العالم الكمومي فإن الكرة الجليدية عندما سترى هذا الجدار أمامها فإنها ستتحول مباشرة إلى سحابة موجية تخترق هذا الجدار وتخرج إلى الطرف الآخر وتعود ثانية إلى حالتها الأولى ككرة جليدية وتتابع طريقها دون أن تصاب بشيء . هذا الفراغ الوهمي الذي سمح بمرور الكرة في العالم الكمومي يسمى بالنفق الكمي .
مبدأ النفق الكمي ساهم في تطور الأنواع ، فعند وجود نوعين من الكائنات الحية بجوار بعضهما البعض وإعتماد أحدهما على الآخر في التغذية مثلا ، فعندها يحدث نفق كمي يسمح من إنتقال صغة معينة منDNA الكائن الأول إلى DNA الكائن الآخر . وأفضل مثال على ذلك هو النبات المفترس آكل اللحم والحشرات (خناق الذباب) ،فإذا تمعنا في جهاز الإفتراس الذي يصطاد به فرائسه نجد مصدره حيواني وليس نباتي ، فشكله كشكل الفم تماما حيث الأشواك فيه تحولت على شكل أسنان أو مخالب حيوان مفترس (طما توضح الصورة الثالثة) . فمن أي أتى هذا العضو المفترس وأصبح صفة يتصف بها هذا النوع من النباتات ؟ من سيعلل ظهور هذا العضو عن طريق تراكم الطفرات فإنه يستخدم منطق خرافي مشابه تماما لمنطق الأساطير الخرافية التي أتت من عقل بشري عاش في العصور الماضية لأن المملكة النباتية إنفصلت عن المملكة الحيوانية منذ اكثر من /٣ مليار عام .
- مبدأ التشابك الكمي : لنفرض أن لدينا زوج من الحيوانات ، فطالما أنهما من نوع واحد فهما يمتلكان نفس الصفات ولنفرض أن أحد هذه الصفات هي صفة آكلة كل شيء . أي أنها عاشبة ولاحمة . في عالمنا العادي إذا فصلنا هذين الحيوانين عن بعضها بمسافة بعيدة ، وفرضنا على الأول أن يتغذى على العشب فقط ، فإن الحيوان الآخر لن يعلم بما حدث مع شريكه الآخر وسيتابع حياته ويتغذى على العشب واللحوم أيضا كما كان في السابق . أما في العالم الكمومي فالأمر مختلف تماما ، فإذا أبعدنا أحد هذين الحيوانين و وضعناه في كوكب آخر ، وفرضنا على الأول أن يتغذى فقط على الأعشاب ، فإن هذا الحيوان عندما يجد أن الظروف قد تغيرت وأجبرته على تناول العشب فقط ، فإنه مباشرة سيرسل رسالة إلى الحيوان الآخر شريكه ، ويخبره بما يحدث معه ، وحتى لا تضيع صفة نوعية التغذية من الهوية التي تعبر عن تكوينهما وهي (آكلة كل شيء) ، سنجد أن الحيوان الآخر سيتحول مباشرة إلى حيوان لاحم فقط بعكس شريكه الذي فرضنا عليه أن يكون حيوان عاشب . في عالمنا العادي لا شيء ينتقل بسرعة أكبر من سرعة الضوء ، ولكن في العالم الكمومي فالأشياء تنتقل بسرعة أكبر من سرعة الضوء بمليارات المرات . ففي نفس اللحظة التي سيشعر بها الحيوان الموجود على سطح الأرض أن الظروف تريد تحويله إلى حيوان عاشب ، ستصل مباشرة الرسالة إلى الحيوان شريكه الموجود في أبعد مكان في الكون وسيتحول إلى حيوان لاحم .
علاقة التشابك الكمي ليست صدفة ولكنها صورة متطورة عن صفة (إزدواجية الحالة) ، فعملية التشابك هدفها التعبير عن هذه الحالة ، فهو تشابك حالة الموجية (الروحية) مع الحالة الجسيمية (المادية) ، فأحد الأطراف يعبر عن الحالة الأولى والطرف الآخر المتشابك معه يُعبر عن الحالة الثانية . فظهور الجنس في الكائنات الحية لم يكن صدفة عن طريق الطفرات ، ولكن كان نتيجة حتمية لعلاقة التشابك . فالمؤنث يُعبر عن الحالة الموجية (الروحية) ، أما المذكر فيعبر عن الحالة الجسيمية (المادية) . وكذلك تحول الكائنات من جسم ذو شكل عشوائي إلى جسم قسمه اليميني مناظر تماما لقسمه اليساري لم يكن صدفة ولكن نتيحة حتمية لعلاقة التشابك . وكذلك العلاقة التناظرية في مخ الإنسان أيضا ليست صدفة ، حيث نجد أن الفص اليمني في المخ مناظر تماما للفص اليساري ، ولكن الفص اليمني مسؤول عن الإدراك الروحي ( أدب وفن) والفص اليساري مسؤول عن الإدراك المادي (علوم مادية) . كذلك أيضا العلاقة التناظرية بين خطوط كف اليد اليمنى (١٨) مع خطوط كف اليد اليسرى (٨١) ، هو نوع من التشابك ، لهذا الحديث الشريف ذكر أن مجموع الرمزين كشكل رقمي (١٨+٨١=٩٩) هو عدد الأسماءالحسنى ليعطينا فكرة مبسطة عن مضمون علاقة التشابك الكمي . اليوم جميع العلماء الذين يعملون في دراسة التطور يعتمدون على الفص اليساري من الدماغ وعلى الرمز (٨١) اليساري لفهم تطور الحياة وظهور النوع . أما إدراك الفص اليميني والرمز (١٨) اليميني فلا مكان لهما في هذه الأبحاث ، رغم أن الأساس الأول في دراسة الحياة هو الفص اليمني والرمز (١٨) .
الآن لنعود ثانية إلى المثال السابق (التشابك بين حيوانين) ونتابع ظواهر العالم الكمومي . في عالمنا الطبيعي إذا أردنا أن ننقل إنسان أو حيوان أو أي شيء له حجم ووزن من مكان إلى آخر فإننا نحتاج واسط نقل (سيارة ، طيارة ... إلخ) ، ولكن في العالم الكمومي الأمر مختلف . فإذا وضعنا شيء ما في الحيوان الأرضي بحيث يصبح هذا الشي جزء لا يمكن فصله عن هذا الحيوان ، وهذا الشيء يحوي على معلومات عديدة ، فبسبب وجود علاقة التشابك بين الحيوانين ، سنجد هذا الشيء بجميع تلك المعلومات الموجودة به سينتقل مباشرة إلى الحيوان الموجود في الطرف الآخر من الكون ، وسيظهر هذا الشيء هناك . وكأن هذا الشيء الذي وضعناه قد سافر وإنتقل وبدون أي واسطة نقل إلى ذلك المكان بسرعة تفوق مليارات المرات سرعة الضوء . علماء فيزياء الكم اليوم استطاعوا تحطيم قيود عالم الفيزياء الكلاسيكية وعالم الفيزياء النسبية وأصبح لديهم إمكانيات أن ينقلوا أشياء صغيرة جدا بهذه الطريقة والتي لا تحتاج إلى واسطة نقل ولكن تحتاج فقط إلى وجود علاقة التشابك الكمي ، فبمجرد تفاعل الشيء المراد إرساله مع الجسيم الأول ، فهذا الشيء سيظهر مباشرة في مكان تواجد الجسيم الآخر . القرآن الكريم تكلم عن هذا المبدأ والذي حصل في حادثة إنتقال عرش ملكة سبأ إلى سليمان عليه السلام {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي ... (٤٠) النمل} ، فعلم الكتاب المذكور في الآية المقصود به هو العلم الذي يعلم جميع قوانين العالم كمومي والعالم المادي .
إن العالم الكمومي له طبيعة عجيبة وكأنه عالم خرافي مسكون بالأشباح ، ولهذا الكثير من العلماء ومنهم أنشتاين رفضوا صحته وحاول تفسير نتائجه بشكل يلغي السلوك الخرافي للجسيمات ، ولكن جميع محاولاتهم فشلت ، فجميع تنبؤات مبادئ هذا العالم العجيب قد تم إثباتها بدقة ، فبفضل قوانين هذا العالم العجيب حصلت تلك الثورة في التكنولوجيا الألكترونية التي غيرت الكثير من الأشياء في نظام حياتنا اليومية ، كأجهزة الكومبيوتر والموبايلات والإنترنت ومجالات استخدام الليزر وغيرها . فأن تستطيع -مثلا- أن ترى وتتكلم مع شخص يعيش في أبعد منطقة من الكرة الأرضية في نفس اللحظة وكأنه يجلس معك في نفس الغرفة كما يحصل في برامج الواتساب والسكايب الخ هو بمثابة معجزة لأولئك الذين عاشوا قبل قرن من الزمان أو أكثر.
في بداية القرن العشرين عندما بدأت الأوساط العلمية تحاول أن تلغي وجود العالم الروحي من نفوس الناس وتتهمه بأنه عالم خرافي لا وجود له في الواقع لتفرض عليهم العيش في عالم مادي بحت ، ظهر علم فيزياء الكم ليعيد هذا الإحساس الروحي إلى الوجود ثانية ليجعل الإنسانية تشعر بأن عالم المعجزات عالم حقيقي وبأنها الآن تعيش عصر المعجزات البشرية لتقطع كل صلة بين منطق العالم الإنساني ومنطق العالم الحيواني . للأسف علماء نشوء الحياة وظهور الأنواع ، رغم أنهم يعلمون عن مبادئ العالم الكمومي ولكنهم يعتمدون فقط على مبادئ العالم الحيواني (المادي) في فهم موضوع تطور الحياة . فهم رغم أنهم يزعمون استخدامهم لأحدث الطرق العلمية كعلم الهندسة الوراثية مثلا ، ولكن ومع ذلك فإن منطق أبحاثهم لا يزال بدائي يعتمد على منطق العالم الحيواني الخالِ من المعجزات . فمعلومة (أصل الإنسان قرد) قد تمكنت من الدخول إلى العقل الباطني الخاص بعلماء المتخصصين بدراسة الحياة وجعلتهم يستخدمون منطق وعي القرد وليس الوعي الإنسان في أبحاثهم وتفسيراتهم لتلك الإحفوريات وتلك الأدلة التي يقدموها لإثبات صحة النظرية التي يؤيدونها .
لا يمكن تفسير ظهور الأنواع الجديدة وظهور الإنسان ككائن مختلف عن بقية الكائنات ، بشكل منطقي يُقنع الجميع إلا من خلال تطبيق منطق العالم الكمومي . فلولا -مثلا- وجود مبدأ النفق الكمومي لما كان الكون كما نعرفه اليوم أو بمعنى أصح ربما لم يكن هناك كون أصلا . فكما ذكرنا في المقالة الماضية أن أهم عملية ساهمت في تطور الكون هي تخليق الذرات والتي بدأت عن طريق إندماج ذرتين من الهيدروجين ، أي إندماج بروتون مع بروتون ، فهذا الإندماج لا يمكن أن يحدث إلا عند درجات حرارة مرتفعة جدا لم تكن موجودة في قلب النجوم . ولكن ومع ذلك فعملية الإندماج حدثت بسبب وجود ظاهرة النفق الكمي . فوجود الذرات ووجود الضوء الصادر عن الشمس والنجوم كان سببه وجود مبدأ النفق الكمي . ومن المعروف أنه بدون ذرات متنوعة وبدون ضوء وبدون ماء لا وجود للحياة أصلا .
إن تطور الحياة عملية معقدة جدا وظهور الأجهزة والأعضاء بشكلها المعقد وبشكل فجائي كما في مثال سوط البكتيريا الذي ذكرناه في المقالة الماضية أو ظهور صفة الريش بشكل فجائي في الطيور لا يمكننا فهمه إلا من خلال استخدام منطق مبادئ العالم الكمومي والذي يقول أن الطاقة تسير على شكل حزم متصلة ولكن على شكل حزم متقطعة . فالتطور أيضا لا يحصل من خلال نسل مستمر ، ولكن من نسل متقطع حيث الصفة الجديدة التي تظهر فجأة في النوع الجديد لا تأتيه من أمه أو أبيه أو من طفرة حدثت به ولكن تأتيه من عدة صفات موجودة في عدة أنواع مختلفة من الكائنات الحية اجتمعت فجأة لتصبح صفة جديدة يمتلكها فقط نوع جديد يظهر لأول مرة ، ولهذا يوجد فجوة بين النوع والنوع الأقرب المشابه له لا يمكن تبريرها عن طريق مبدأ التراكم التدريجي للطفرات .
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتابع الموضوع ... والله أعلم .
ز . سانا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق