الاثنين، 18 يوليو 2022

الخاطر ٣١٢ : فلسفة تطور الحياة الجزء ١٩

 خواطر من الكون المجاور

الخاطر ٣١٢ : فلسفة تطور الحياة الجزء ١٩
في المقالة الماضية تكلمنا عن مبدأ هام جدا حيث يُعتبر أساس كل أنواع التطورات ، وبسبب أهمية هذا المبدأ الذي سيسهل علينا فهم آلية التطور وظهور الأنواع الجديدة وإنقراض بعضها الآخر ، سنحاول في هذه المقالة شرح هذا المبدأ بشيء من التفصيل مع ذكر أمثلة من الواقع الحياتي الذي حولنا لتساعدنا في فهم أكثر وضوحا لهذا المبدأ .
في المقالة الماضية تكلمنا عن علاقة التشابك بين الذكر والأنثى ، وذكرنا أنه يوجد نوعين من هذا التشابك : إنثوي وهو التشابك الإيجابي (العفة والحب العذري) ، وذكوري وهو التشابك السلبي (الزنى والشذوذ الجنسي) . وبما يخص موضوع التطور فنحن هنا عندما نتكلم عن علاقة التشابك لا نقصد بها التشابك المادي الذي يحصل بين الذكر والأنثى في نفس النوع كما ينظر إليه علماء نظرية التطور الداروينية والتي بالنسبة لهم تعتبر أساس التطور . ولكن نقصد التشابك الروحي تماما مثلما يحصل في الجسيمات الأولية التي تتكون منها الذرة أي التشابك الكمومي . فمزج الألوان -مثلا- المستخدمة في الرسم تعطي نتائج مختلفة عن مزج ألوان الضوء رغم أنها نفس الألوان بالنسبة لعين الإنسان. فمزج ألوان قوس قزح في ألوان الرسم تعطي لون داكن مشابه للون الأسود ، أما مزج ألوان ضوء قوس قزح فيعطي اللون الأبيض ، حيث أن اللون الأبيض هو معاكس تماما للون الأسود ، اللون الأبيض هو النور الذي يسمح لنا برؤية الأشياء من حولنا أما اللون الأسود فهو الظلمة التي تمنعنا من رؤية أي شيء . فالنور هو مصدر الحياة ومصدر كل شيء إيجابي في الكون ولهذا تذكر الآية القرآنية {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ...... (٣٥)النور}، أما الظلمة فهي مصدر الموت والفناء .
نوعية علاقة التشابك بين الذكر والأنثى هي المسؤولة عن تطور كل شيء في هذا الكون {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)الذاريات} . وكما يحصل في مزج ألوان الضوء (مزج روحي) أيضا يحصل إتحاد روحي بين الذكر والأنثى خارج حدود المكان والزمان .فذكر الآية السابقة (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ....) في سورة النور ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تساعدنا في فهم العلاقة بين النور وبين علاقة التشابك في الذكر والأنثى ، ولهذا نجد أن بداية سورة النور تتكلم عن الزنى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي...) ، أما الآية السابقة فتذكر شجرة الزيتون (شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ....) هذه الشجرة لا شرقية ولا غربية فهي في المركز ومنها تنتشر صفاتها إلى جميع أنحاء العالم . فحتى نفهم ماهية العلاقة بين شجرة الزيتون وبين علاقة التشابك في الذكر والأنثى ، يجب أن نذهب إلى سورة التين التي تعطينا تفسير لهذه العلاقة (التين والزيتون) . نلاحظ هنا أن سورة النور تبدأ بعبارة (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي...) ، وسورة التين تبدأ أيضا بـ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) . فكما ذكرنا في مقالات كثيرة أن حواء هي التي أغواها الشيطان أولا وهي بدورها أغوت آدم ليأكلا من الشجرة ، هكذا تذكر الكتب السماوية اليهودية والمسيحية وهكذا تماما كان يعتقد مسلمو الحضارة الإسلامية ، أما بعد دخول الحضارة الإسلامية في عصر الإنحطاط فبدأت تظهر إجتهادات تخالف هذا الرأي ، وللأسف معظم مسلمي اليوم يعتنقون هذه الإجتهادات الخاطئة . فالآية في سورة النور تبدأ بكلمة (الزانية) كرمز مقصود منه أن حواء ( الأنثى) هي من قامت بعملية الزنى لأول مرة. والمقصود بكلمة (زنى) عن حواء هو زنى روحي وليس بمعناها المادي المتعارف عليه لغويا ، فالفرق بين الزيتون والتين ، أن شجرة الزيتون تزهر وتثمر (تلقيح جنسي) في عمر أكثر من (١٠) سنوات من زراعتها ، أما التلقيح الجنسي في شجرة التين فيحدث بعمر من (٢-٣) سنوات . لهذا جعل الله شجرة الزيتون شجرة مباركة . فشجرة الزيتون هي رمز يساعدنا في فهم حقيقة نوعية العلاقة بين الذكر والأنثى ، فعندما تكون هذه العلاقة سببها الأول هو إشباع الرغبة الجنسية فهي علاقة زنى كونها رغبة غريزية تحقق المتعة الشخصية فقط . أما عندما تكون العلاقة سببها الأول هو حاجة روحية ناتجة عن الشعور بالنقص في الكمال الروحي والذي يدفع إلى الإتحاد بالنصف الروحي الآخر لتكوين كائن كامل فهي علاقة مباركة كون هذا الإحساس لا يظهر إلا عندما يكون النمو الروحي هو المسيطر على سلوك الإنسان ، حيث النمو الروحي ينتج عن الإحساس بالآخرين وليس عن الإحساس بالرغبات الغريزية .
فالمقصود من الخطيئة التي إرتكبها الإنسان في الجنة وتسببت في طرده منها أن خطيئة حواء هي أنها طلبت من آدم ممارسة الجنس قبل أن تصل إلى كامل نموها الروحي (سن الرشد الروحي) .
فطالما أن حواء هي التي بدأت الخطيئة لهذا كان المبدأ الأول في القانون الكوني أن الأنثى هي المسؤولة عن تصحيح ذلك التشويه الذي حصل في التكوين الإنساني (الجنة تحت أقدام الأمهات) والذي أدى إلى ولادة قابيل (قايين) الذي قتل أخيه هابيل . وهذا التصحيح الذي قامت به حواء بدأ منذ ولادة الكون . ولهذا عندما تكون علاقة التشابك بين الذكر والأنثى هي من النوع الإيجابي تكون إنثوية ، بمعنى أن الأنثى إنتصرت على الذكر وفرضت عليه أن يرتبط بها بعلاقة تشابك إيجابي يوافق تكوينها الروحي الخالي من الشوائب . أما عندما تكون علاقة التشابك من النوع السلبي أي ذكوري فهذا يعني أن الذكر إنتصر على الأنثى وفرض عليها أن ترتبط به بعلاقة تشابك سلبي موافق للتكوين الروحي المشوه .
إذا تمعنا في سلوك الكائنات الحية في مملكة الحيوان - والإنسان أيضا - سنلاحظ أن الذكر - بشكل عام - هو الذي يطارد الأنثى ليتزاوج معها . فسلوك الذكر سببه الأول هو حاجته لإشباع غريزته الجنسية ، أما هروب الأنثى من الذكر فسببه الأول هو رغبة الأنثى في إختيار الذكر المناسب الذي ستنجب منه صغارا أفضل في التكوين الروحي وليس بسبب حاجتها لإشباع رغبة الغريزة الجنسية. وبسبب تعدد الميزات التي تريد الأنثى إكتسابها في أطفالها لهذا نجد أن كل نوع من الحيوانات قد إختار ذكورها طريقة معينة يقنع بها الأنثى لتفضله على الذكر الآخر . في الفيلة -مثلا- نجد الذكور تتصارع مع بعضها والذي ينتصر يفوز برضى الأنثى لتقبل التزاوج معه . في طيور الكناري نجد أن الذكور تجتمع وتبدأ بالغناء وصاحب أجمل تغريدة يفوز برضى الأنثى لتتزاوج معه . في النسور نجد أن الذكر الأكثر براعة في الطيران هو الذي يفوز برضى الأنثى .... وهكذا يحصل في معظم الكائنات الحيوانية ، فكل ذكر يُظهر مهارته بميزة معينة يبهر بها الأنثى . إذا تمعنا جيدا في تلك الميزات التي تستخدمها ذكور الأنواع المختلفة لإبهار الإناث سنجد أنها ليست صدفة أتت من عقل الذكر ولكنها ميزات تحدد نوعية مصدرها ، فالميزات الإيجابية أتت من روح آدم لتفسر لنا التكوين الروحي الإنساني ، أما الميزات السلبية فهي من روح إبليس لتفسر لنا نوعية ذلك التشويه الذي حصل في التكوين الإنساني.
الطيور تُعتبر أرقى الكائنات الحيوانية روحيا ولهذا إكتسبت المقدرة في الإنتصار على الجاذبية الأرضية واستطاعت أن تحلق في السماء ، فالمقدرة على الطيران هي رمز يُعبر عن المقدرة للعودة ثانية إلى الجنة التي طُرد منها الإنسان ، وسورة النور تذكر الطيور كرمز لعلاقة التشابك الإيجابي بين الذكر والأنثى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (٤١)} . وكذلك الآية {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ(١٦)النمل} . في الطيور -بشكل عام- نجد أن الذكور قد إختارت الميزات الحسنة في إبهار الإناث ، البراعة في الطيران ، البراعة في الغناء ، البراعة في بناء العش ، جمال ألوان الريش ، الإخلاص في الحياة الزوجية وغيرها . أما في الثديات فبشكل عام نجد أن الذكور تعتمد على صفة القوة في إبهار النساء . ولهذا في موسم التزاوج يحصل صراع بين الذكور ليظهر من هو الأقوى بينهم . لهذا فالطيور تُعتبر روحيا كائنات أنثوية ظهرت نتيجة تشابك إيجابي (أنثوي) بين الذكر والأنثى ، أما الثديات فهي روحيا كائنات ذكورية ظهرت نتيجة تشابك سلبي (ذكوري) بين الذكر والأنثى . ولكن بما أن الطيور والثديات ليست كائنات كاملة وإنما تمثل فقط أجزاء من التكوين الإنساني ، لهذا وبسبب تلك الشوائب فيها حصل نوع من الإختلاف في التنوع ، ولهذا نجد أنه وبسبب تلك الشوائب في الطيور قد نتجت عنها أنواع مفترسة ، أو أنواع لا تستطيع الطيران .فهذا الشذوذ لم يحصل بالصدفة ولكن ضمن قوانين محددة تساعدنا في فهم تلك الشوائب التي دخلت التكوين الإنساني ، فذكور أنواع الفصيلة التدرجية -مثلا- تعتمد على طول وجمال ريش ذنبها ، فالذنب هو رمز الكائن السفلي (الأعضاء الجنسية) أي رمز الرغبة الجنسية ، لهذا نجد أن الذكر فيها يُعتبر عديم العاطفة الأبوية فهو بعد التزاوج يهجر الأنثى ويتركها بمفردها تصنع العش وتحضن البيض وتقوم برعاية صغارها بمفردها . لهذا نجد أن جميع أنواع هذه الفصيلة التدرجية ليس لها المقدرة على الطيران كالطاووس والديك مثلا ، فصفة عدم المقدرة على الطيران في أنواع الفصيلة التدرجية ليست صدفة كما يظن علماء نظرية التطور الداروينية، ولكنها تعتمد قانون نوعية التشابك ، فالأنثى هنا قد إختارت طول وجمال ريش الذنب في الذكر الذي يعُتبر رمز الغريزة الجنسية ولذلك أنجبت نوع غير قادر على الطيران كرمز له معنى أن سلوك الأنثى هذا يمنع من إكتساب صفات الكائن الكامل الذي يستحق العودة إلى الجنة . و للتأكيد على صحة هذه المعلومة نجد وجود نوع واحد في فصيلة التدرجية يختلف عن بقية أشقائه حيث أنه يملك المقدرة على الطيران وهو (الحجل) فنجد أن ذكور الحجل ليس لها ذنب طويل وملون مثل الطاووس ولكنه يملك ميزة حسنة وهي الإخلاص في الحياة الزوجية ، فالذكر بعد التزاوح يقوم بمساعدة الأنثى في بناء العش ورعاية الفراخ ، وكذلك يتميز ذكر الحجل بشجاعته الكبيرة، وخصوصًا إذا تعلق الأمر بحياة زوجته وأطفاله، بحيث يستطيع الهجوم على الأعداء في أيّ وقت من أجل حماية أفراد عائلته.
أيضا في الثديات والتي تعتبر روحيا رمز للتشابك الذكوري في العلاقة بين الذكر والأنثى ، نجد أن هناك أنواع مفترسة (لاحمة) وأنواع غير مفترسة (عاشبة) ، المفترسة هي رمز روحي له معنى أن نسبة التشابك الذكوري فيها أكثر من الأنواع غير المفترسة ، وأيضا توجد أنواع مفترسة فيها نسبة العلاقة الذكورية أكبر من الأنواع الأخرى ، فمثلا العائلة القططية والعائلة الكلبية كليهما من الأنواع المفترسة ، ولكن نجد أن القططية (أسد ، نمر ، فهد ، قطة ...) بشكل عام أنها تفترس الحيوانات الأخرى فقط عندما تكون جائعة ، أي أنها تقتل الكائنات الأخرى دفاعا عن النفس لكي لا تموت جوعا كونها أنواع تتغذى على اللحوم فقط ، فهذه الأنواع رغم أنها كانت نتيجة علاقة تشابك ذكورية ولكن نمت في داخلها الصفات الذكورية التي أتت من آدم والتي ستنتقل إلى الرجل ليستخدمها في الدفاع عن أفراد عائلته وأفراد وطنه. أما العائلة الكلبية (كلب ، ذئب ، إبن آوى ...إلخ) نجد أنها تقتل الكائنات الأخرى ليس فقط لتأمين طعامها ولكن بسبب حاجتها في إشباع غريزة القتل داخلها ، فقطيع الذئاب -مثلا- عندما يدخل حظيرة المواشي فهو يقتل أكبر عدد ممكن من الخرفان رغم أن خروف واحد أو إثنين يكفي لإشباع قطيع الذئاب بأكمله . فالذئاب هي كائنات ذكورية نمت في داخلها صفاتها من روح إبليس . لهذا نجد أن الديانات القديمة كانت تعتبر الأسد والقطة والنمر كائنات مقدسة ، أما الكلب وأشقائه في الديانات السماوية فهي تُعتبر كائنات نجسة . وإذا تمعنا في الفرق بين سلوك الأسد وسلوك الذئب -مثلا- سنجد وجود تناقض بينهما ، فالأسد يهاجم فريسته بأطرافه الأمامية ولا يبدأ بأكله حتى يخنقه ويموت ، أما الذئاب فتهاجم بفمها وأنيابها وتأكل الفريسة وهي حية . فمن صفة الإفتراس في الذئاب ظهرت صفة العنف والقتل وحب إستعمار وإستغلال الشعوب الضعيفة في الإنسان .
أيضا نفس الأمر ينطبق على الأنواع العاشبة فرغم أنها عاشبة غير مفترسة ولكنها تمتلك عضو كسلاح يساعدها في الدفاع عن نفسها . ففي فصيلة البقريات -مثلا- نجد بشكل عام أن الذكور تمتلك قرون في رأسها كوسيلة لتدافع عن نفسها ، أما الإناث فبعض أنواعها يمتلك قرون وبعضها لا يمتلكها . في هذه الفصيلة نجد أن بعض إناث هذه الأنواع قد إهتمت بحجم القرون ، فحجم القرن كدليل للقوة كان نوع من وسائل إبهار الأنثى لتحقيق التزاوج معها . ولكن إناث بعضها الآخر أهتم بسرعة الجري ، أي انها إختارت السلام ونبذ العنف كصفة مناسبة لتحقيق حماية النفس من الأعداء عن طريق هروبها منه . فالأنثى التي إنبهرت من ضخامة حجم القرون في الذكر هي أنثى قد تخلت عن أنوثتها وإختارت علاقة تشابك من النوع الذكوري مع الذكر ، أما الأنثى التي انبهرت من سرعة الجري فهي أنثى حافظت على أنوثتها وإختارت علاقة تشابك من النوع الأنثوي مع الذكر . فالأيل الإيرلندي العملاق -مثلا- وبسبب إهتمام الأنثى بضخامة حجم القرون في الذكر ، وصل طول مسافة القرون في الذكر إلى /٣/ أمتار فأصبحت ضخامة القرون عائق يمنع الذكر في الجري السريع بين الأشجار ، مما أدى إلى سهولة إفتراسه من أعدائه ، فبدلا من أن تكون صفة ضخامة القرون صفة إيجابية تساعد في تأمين حياة النوع تحولت في النهاية إلى صفة سلبية أدت إلى إنقراض هذا النوع . بينما على العكس تماما في غزال الريم (الغزال الدرقي) حيث نجد أن الأنثى إهتمت بحجم الإنتفاخ الموجود تحت الفك السفلي في الذكر ، والتي أعطته صوت قوي ، فكانت النتيجة أن أفراد هذا النوع إكتسبت مقدرة على السرعة في الجري حتى وصلت سرعتها إلى (١٠٠) كم في الساعة في المسافات القصيرة وبسرعة (٥٠) كم في الساعة في المسافات الطويلة جدا بحيث يصعب على أي حيوان مفترس أن يلحق بها . فغزال الريم رغم أنه قد نتج من تشابك ذكوري ولكن الأنثى فيه إستطاعت أن تختار الذكر المناسب ليكتسب صغارها الميزات الحسنة ويجعلها من النوع الأنثوي ، أما الأيل الإيرلندي وبسبب إختيار الأنثى الخاطئ للذكر جعل صغارها من النوع الذكوري والذي دفع بهم إلى الإنقراض. فاستمرار النوع أو إنقراضه لا يحدث صدفة ولكن يتوقف على نوعية التشابك بين الذكر والأنثى . فعندما يكون التشابك من النوع الأنثوي عندها يستمر النوع والميزات التي يحملها تستمر في التطور . أما عندما يكون التشابك من النوع الذكوري عندها ينقرض النوع وتلك الميزات التي يحملها تبدأ بالإنقراض .
إذا تمعنا جيدا في قدرة أنواع الكائنات الحية على البقاء والإستمرار في الحياة سنجد أن الأنواع الأنثوية (مسالمة تنبذ العنف) تملك مقدرة أكبر من الأنواع الذكورية (مفترسة) . فكتلة أنواع المملكة النباتية (والتي تُعتبر كائنات إنثوية) على سطح الكرة الأرضية أكبر بآلاف المرات من كتلة أنواع المملكة الحيوانية رغم أن الحيوانات هي التي تفترس الكائنات النباتية وتتغذى عليها ، فإحتمال إنقراض أنواع المملكة الحيوانية أسهل بكثير من إنقراض أنواع المملكة النباتية . وكذلك نجد أن كتلة أنواع الحيوانات العاشبة أكبر بمئات المرات من كتلة الحيوانات المفترسة في الغابة الواحدة ، رغم أن أنثى الحيوان المفترس تلد عدد من الصغار أكبر بكثير من أنثى الحيوان العاشب في الولادة الواحدة ، فالذئبة تلد من ٦-٧ ذئاب صغيرة ، أما النعجة فتلد من ١-٢ حمل فقط . أيضا في الإنسان فنجد أن في العصور الماضية كان عدد النساء في المجتمع أكبر بكثير من عدد الرجال ولهذا سمح الإسلام بالزواج بأكثر من واحدة ليحافظ على التوازن الإجتماعي (اليوم عدد النساء يعادل تقريبا عدد الرجال) ، وكذلك نجد في جميع شعوب العالم أن متوسط عمر المرأة أكبر من متوسط عمر الرجل بحوالي (٥-٨) سنوات .
فالإنتخاب الطبيعي والذي يعتبر أحد أهم أسس النظرية الداروينية الحديثة في التطور ، هو مفهوم فقير لا يفيدنا في شيء لفهم حقيقية ما يحدث في تطور الحياة ، لأن التطور وظهور الأنواع الجديدة وإنقراض أنواع أخرى يتوقف على قانون إلهي وهو نوعية التشابك في علاقة الذكر مع الأنثى ، هل هو من النوع الأنثوي أم هو من النوع الذكوري .
...... يتبع
ز .سانا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق