الاثنين، 19 سبتمبر 2022

الخاطرة ٣١٧ : فلسفة تطور الحياة الجزء ٢٤

خواطر من الكون المجاور
الخاطرة ٣١٧ : فلسفة تطور الحياة الجزء ٢٤
في المقالة الماضية شرحنا القاعدة العامة التي على أساسها تم تطور جهاز الحاسة البصرية (العين) ، وحتى لا نطيل أجزاء سلسلة (فلسفة تطور الحياة) يمكن للمهتمين بموضوع تطور الحياة أن يستخدموا هذه القاعدة لفهم طريقة تطور أجهزة الحواس الأخرى (الشم ، السمع ، اللمس ، الطعم) . لهذا في مقالة اليوم سنعرض موضوع مختلف يشرح قاعدة أخرى في فهم تطور جهاز آخر وهو جهاز الحركة ونقصد تطور الأطراف والأصابع لنفهم المغزى الروحي من هذا التطور وكيف وصلت الأطراف (اليد والرجل) إلى أرقى اشكالها في التكوين الإنساني .
بشكل عام فإن دراسة تطور الأطراف بالنسبة لعلماء نظرية التطور الداروينية الحديثة يعتمد على دراسة تلك التغيرات التي حدثت في الكائنات الحية التي تنتمي إلى ما يسمى رباعيات الأطراف (الاسم العلمي: Tetrapod ومعناها في اليونانية ذوات الأربع أرجل)، وهذه المجموعة هي عمارة (فوق صف) من الحيوانات الفقارية تشمل: الثدييات ، والطيور ، والزواحف ، والبرمائيات .
فحسب رأي هولاء العلماء أن تطور رباعيات الأطراف بدأ منذ حوالي /٤٠٠/ مليون عام خلال العصر الديفوني، وأنها تطوّرت من أسلاف مائية سمكية ، منها -مثلا- السمكة المسماة (Kenichthys) المُكتشفة في الصين ، والتي تعود ل /٣٩٥/ مليون عام مضى . فهذا النوع من الأسماك -حسب رأي علماء التطور- يُعتبر من أقدم أشباه رباعيات الأطراف المعروفة ، فكانت تمتلك زوج من الزعانف الأمامية ، وزوج من الزعانف الخلفية وكانت تستخدمهم كذراعين وساقين تستطيع بهم التحرك في المياه الضحلة وكذلك في الصعود إلى اليابسة . وأنه مع مرور الزمن تطورت هذه الزعانف إلى مايشبه أطراف الضفادع ثم إلى أطراف الزواحف ثم إلى أطراف الطيور والثديات والإنسان.
إذا تمعنا جيدا في تفاصيل تسلسل تطور الأطراف حسب آراء علماء التطور، سنجد أن الأمر نظريا منطقي ومقنع جدا ، ولكن إذا درسنا الأمور برؤية فلسفية (شاملة) سنجد أن هذا الرأي هو رأي فقير وسطحي كونه يُركز كل إهتمامه في موضوع واحد فقط يتعلق بطبيعة حركة الكائن كسلوك هدفه تأمين متطلبات حياته المادية (البحث عن طعامه ، الدفاع عن نفسه .....إلخ) . ولكن الأمر في الحقيقة مختلف تماما ، فصحيح أن وظيفة الأطراف هي تحقيق هذه المتطلبات المادية ولكن هناك شيء أهم من هذه المتطلبات المادية وهي المتطلبات الروحية والتي نراها بشكل واضح تماما في سلوك الإنسان ، فهذه الأطراف الأربعة لا تعمل بشكل لا إرادي ولكن من أوامر تأتيها من الدماغ ، وكما هو معروف عن الدماغ أنه يتألف من فصين ، فص روحي وفص مادي يعملان معا ، وهذه الإزدواجية في عمل المخ موجودة فقط في الإنسان. لهذا فإن دراسة تطور الأطراف يجب أن تتم على أساس هذه الإزدواجية في العمل وليس على الناحية المادية فقط، لأن الهدف الحقيقي من خطوات تطور الحياة بجميع نواحيها هو تكوين الإنسان والذي يختلف عن جميع الكائنات الحية الأخرى كونه يحوي في داخله على ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه فيه عند خلقه .
فالسؤال الذي يجعل من نظرية علماء التطور تنهار مباشرة من ناحية تطور الأطراف هو : لماذا الرقم النموذجي لعدد أصابع الأطراف هو خمسة أو أقل في جميع رباعيات الأطراف . فطالما أن التطور حسب نظرية التطور الداروينية الحديثة يعتمد على الطفرات كآلية في التطور، وهذه الطفرات تحدث عن طريق الصدفة ، لماذا إذن لا يوجد ولا حتى نوع واحد من رباعيات الأطراف في أحد أطرافه يملك ستة أصابع أو سبعة أو ثمانية أو أكثر؟ لماذا الرقم خمسة فقط هو الرقم النموذجي لعدد أصابع الأطراف ؟ نظرية التطور الداروينية الحديثة عاجزة وستبقى عاجزة عن الإجابة على هذا السؤال كونها نظرية مادية بحتة تدعي أنها تدرس تطور الحياة بينما هي في الحقيقة خالية من أي إحساس روحي ، فالرقم خمسة ليس رقما عشوائيا ولكنه تعبير روحي يحمل في مضمونه معنى له علاقة بهوية التكوين الروحي للإنسان . وحتى نفهم معنى هذا التعبير الروحي علينا أن نشرح تطور جهاز الحركة والهدف الحقيقي من هذا التطور .
كما ذكرنا في مقالات عديدة ماضية، بأن أصل الإنسان من خارج الكون (الجنة) ، وأنه بسبب تلك الخطيئة التي شوهت تكوينه تم طرده من الجنة والذي أدى إلى إنهيار تكوينه إلى أصغر مكوناتها {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥)التين} ، لهذا ومع تكوين أول أشكال الحياة ، كان لابد من البداية تكوين جهاز يسمح لها بالحركة ، لأن هدف ظهور الحياة على سطح وتكوين الإنسان من جديد هو تحقيق العودة إلى وطن الأم (الجنة) ، وتحقيق العودة يحتاج لجهاز حركة لهذا كانت الخطوة الأولى من بداية ظهور الحياة هو تشكيل جهاز الحركة والمقصود هنا جهاز حركة بمفهومه الشامل في الشكل والمضمون وليس بمفهومه الشكلي (المادي) فقط الذي تتكلم عنه نظرية التطور الداروينية الحديثة .
مع ظهور الكائنات البدائية (وحيدات الخلية) كان جهاز الحركة بسيط جدا ، فبعضها كانت تمتلك سوط تستخدمه كجهاز حركة في الوسط المائي الذي تعيش به لتبحث عن غذائها ، بعضها الآخر كان يتحرك بواسطة شعيرات عديدة على شكل أهداب تحيط بالغلاف الخارجي . ولكن كان هناك أنواع أخرى تلتصق في الصخور في قاع المياه وتبقى ثابتة وعن طريق اليخضور الذي تملكه كانت تستخدم أشعة الضوء لتأمين الطاقة لتقوم بوظائفها الحيوية . من هذه الأخيرة ستتكون الأنواع المختلفة من المملكة النباتية والتي من أهم صفاتها أنها رغم كونها ثابتة في مكانها ولكن حركة نموها تكون في إتجاه الضوء نحو السماء ، فالنباتات هي كائنات حية مسالمة لا تعتمد في تغذيتها ونموها على قتل الكائنات الحية الأخرى . إن صفة الإنتصاب التام في جسد الإنسان على أطرافه الخلفية أصله الحقيقي من الكائنات النباتية ، فحركة النباتات بإتجاه النور ليست صدفة ولكنها تعبير روحي رمزي له معنى بأن تحقيق عملية الصعود نحو السماء والعودة إلى الجنة يتطلب تحقيق تنمية عاطفة حب السلام في الإنسان {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨)المائدة} .
من الكائنات وحيدات الخلية التي تتحرك بواسطة السوط والأهداب ستتشكل المملكة الحيوانية. الكائنات الحيوانية البدائية الأكثر تطورا من وحيدات الخلية ستستخدم طرق مشابهة للسوط والأهداب في حركتها ، ولكن مع وصول مراحل تطور الحياة إلى المرحلة المعروفة بحقبة ما بعد الإنفجار الكامبري الذي حصل قبل حوالي ٥٣٠ مليون عام ، بدأت تظهر كائنات حية تتحرك عن طريق أرجل والمعروفة اليوم بمفصليات الأرجل والتي إليها تنتمي القشريات البحرية والحشرات والعناكب والعقارب . جميع هذه الحيوانات تمتلك إما خمسة أزواج من الأرجل أو أربعة أو ثلاثة (هناك بعض الأنواع تمتلك خمسة أزواج أمامية وخمسة أزواج خلفية) . أما لماذا الرقم خمسة هو الرقم النموذجي وليس ستة أوسبعة ؟ فالجواب هو أن الرقم خمسة هو رقم رمزي يمثل رقم عدد الحواس الخمسة (بصر، سمع ، شم ، لمس ، طعم) حيث كل رجل تمثل حاسة واحدة ، ولهذا كان عدد الأرجل في مفصليات الأرجل هو خمسة أو أقل في كل جانب من الجسم .
فموضوع تطور الأطراف هو موضوع فلسفي (روحي ومادي) وليس مادي فقط ، فالحواس في الحقيقة هي تلك الوسائل التي عن طريقها نحصل على الإدراك الشامل الذي يسمح لنا فهم حقيقة ما يحدث داخلنا وكذلك فهم حقيقة الأشياء والأحداث من حولنا . فعن طريق الإدراك الشامل سيتم تنقية تلك الشوائب التي شوهت تكوين الإنسان والتي كانت سببا في خروجه من الجنة ، فعن طريق الحواس (الإدراك) سيكتسب الإنسان حركة روحية يستطيع بها العودة إلى الجنة ، لهذا نجد في كف يد الإنسان خطوط على شكل (١٨) فهذا الشكل هو شكل الرقم ثمانية عشر ، الرقم (٨) يمثل عدد أجهزة أو فتحات الحواس (٢عين+٢أذن+٢فتحةأنف+٢ أجهزة لمس في كف اليد اليمنى واليسرى=٨) . أما الرقم (١) فهو رمز (الفم) المسؤول عن حاسة الطعم . الرقم إثنان في أعضاء الحواس ليس صدفة ولكنه رقم رمزي ، ففي حاسة البصر -مثلا- هناك رؤية مادية ورؤية روحية ، الرؤية المادية ترى الشكل الخارجي للأشياء والأحداث ، والرؤية الروحية ترى التعبير الروحي في عناصر هذا الشكل والذي يمثل مضمون هذه الأشياء والأحداث ، فبتوحيد النوعين من الرؤية نحصل على الرؤية الشاملة التي ترى علاقة الإنسجام والتناغم بين الشكل والمضمون والتي تسمح لنا فهم سبب وجود هذه الأشياء وهذه الأحداث وبالتالي فهم علاقتها بالتكوين الإنساني وبتالي فهم السبب الحقيقي من جودنا كبشر على سطح الأرض .
أيضا إن وجود شكل الرقم (١٨) في كف يد الإنسان ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تؤكد لنا أن منطق قوانين تطور الحياة هو منطق روحي أولا وهذا المنطق يعارض نهائيا منطق أبحاث نظرية التطور الداروينية والذي يعتمد فقط على الرؤية المادية . مقالات سلسلة (فلسفة تطور الحياة) تستخدم منطق الرؤية الشاملة.
في مفصليات الأرجل هناك خمس أرجل على الجانب الأيمن وخمس أرجل على الجانب الأيسر، وهذا أيضا ليس صدفة ولكن حكمة إلهية لها معنى بأنه يوجد حواس روحية وحواس مادية . الحواس الروحية هدفها تحقيق إحتياجات النمو الروحي لتحقيق العودة إلى الجنة، والحواس المادية هدفها تأمين الإحتياجات المادية لتأمين البقاء على قيد الحياة من أجل إستمرار النمو الروحي .
هنا لابد أن نشرح ملاحظة هامة وهي أن في الحواس الخمس هناك أربع منها حواس روحية ومادية وهي (البصر ، السمع ، الشم ، اللمس) وحاسة واحدة هي مادية فقط وهي حاسة الطعم. لهذا نجد في بعض مفصليات الأرجل (عقرب ، سرطان ، جمبري ...) بأنها تمتلك في مقدمة جسمها زوج من الأرجل يكون على شكل ملقط تكون حوافه الداخلية على شكل أسنان منشار ، هذا الملقط يساعدها في القبض على الفريسة وقتلها لتتغذى عليها . فهذه الرجل التي تحوي في مقدمتها الملقط هي رمز حاسة الطعم (الفم) ، فالحيوانات المفترسة تقتل فرائسها بنفس الطريقة عن طريق الأنياب وبقية أسنان الفم الموجودة في الحنك العلوي والحنك السفلي واللذان يعملان على نفس آلية عمل الملقط (الضغط على الفريسة وتقطيعها) .
رغم عدم وجود أي صلة بين مفصليات الأرجل وبين رباعية الأطراف بسبب الفجوة الزمنية الهائلة بينهم ، ولكن ومع ذلك نجد وعن طريق قوانين الفيزياء الكمومية (الكوانتم) إنتقال نظام الحركة في مفصليات الأرجل إلى حيوانات رباعية الأطراف ، وطريقة هذا الإنتقال يهدم نظرية التطور الداروينية الحديثة من أساسها . فعدد الأصابع (الرقم خمسة) في الزواحف والثديات لم يأتي بالصدفة عن طريق الطفرات ، ولكن مصدرها الحقيقي هو عدد الأرجل الموجودة في مفصليات الأرجل التي فيها الزوج الأول من الأرجل على شكل ملقط . لهذا نجد أن أصابع جميع رباعيات الأطراف (ما عدا البرمائيات) تمتلك في مقدمة أصابعها مخلب أو ظفر . فالأصبع فيها هو في الحقيقة عبارة عن تطور الزوج الأمامي من الأرجل التي تمتلك في مقدمتها الملقط (كما توضح الصورة) ، حيث يتحول الجزء الأعلى من الملقط إلى ظفر أو مخلب . وأقوى دليل على ذلك هو أن مخالب القطة والنمر وغيرها من الفصيلة القططية تمتلك مخالب متحركة (الصورة) ، فهذه الحركة في المخالب لم تأتي عن طريق الصدفة ولكن مصدرها الحقيقي هو الملقط الموجود في بعض مفصليات الأرجل (السرطان والعقرب ... وغيرها) .
والدليل الآخر والذي يعارض نظرية التطور الداروينية التي تقول بأن الزواحف قد تطورت من البرمائيات ، هو أن جميع البرمائيات (منها الضفدع مثلا) تمتلك أصابع بدون أظافر أو مخالب ، وهذا يعني أن مصدر أصابع البرمائيات قد أتى من تلك الأنواع من مفصليات الأرجل التي أرجلها لا تملك ملقط ، لهذا نجد أن الرقم النموذجي لعدد الأصابع في الأطراف الأمامية في جميع أنواع البرمائيات الموجودة حاليا هو الرقم أربعة أو أقل وليس خمسة ، وهذا يعني أن أطراف القسم العلوي من الضفدع قد أتى من مفصليات الأرجل التي تمتلك فقط أربع أرجل (كالعناكب مثلا) ، أما أطراف القسم السفلي في الضفادع فتمتلك خمسة أصابع ، وهذا يعني أن مصدر الأطراف الخلفية هي مفصليات أرجل ذات خمس أرجل والتي أيضا لا تمتلك ملقط (كحيوان القريدس الصغير مثلا) . فتكوين الضفدع - مثلا- يقول لنا بأنه لم يظهر من تطور الأسماك فقط ، فأطرافه الأمامية مصدرها من مفصليات أرجل ذوات الأربع أرجل ، وأطرافه الخلفية مصدرها من مفصليات الأرجل ذوات الخمس أرجل . بمعنى آخر أن تكوين الضفدع قد إحتاج إلى إتحاد ثلاثة أنواع من الكائنات الحية وليس كائن واحد ، إثنان منها بحري والثالث من اليابسة . ولهذا إستطاع الضفدع التكيف في الحياة المائية والحياة على اليابسة (برمائي) .
هناك معلومة هامة أخرى وهي أن البرمائيات والتي هي تُعتبر من أول كائنات رباعية الأطراف والتي قامت بأول حركة نحو الأعلى أي أنها إستطاعت الإنتقال من الماء إلى اليابسة، هي حيوانات لا تملك مخالب ولا أظافر ، أي أنها لا تملك أداة القتل التي مصدرها الملقط . وهذا ليس صدفة ولكن حكمة إلهية لها معنى أن كل حركة تحدث نحو الأعلى فإن السبب الرئيسي في حدوث هذه الحركة في التطور هو إعتماد قانون حب السلام . فبسبب ظهور غريزة القتل في قابيل (الذي قتل أخيه هابيل) والتي كانت نتيجة الخطيئة في الجنة ، كان جزاء هذه الخطيئة خروج الإنسان من الجنة .
بسبب تشعب وطول موضوع مقالة اليوم تم تجزئته إلى قسمين ، في المقالة القادمة إن شاء الله سنتابع القسم الثاني من الموضوع وسنتكلم عن تطور أطراف الزواحف والطيور والثديات لنوضح علاقتها في تكوين الأطراف الأمامية (الأيدي) والخلفية (الأرجل) في الإنسان والحكمة الإلهية من هذا التكوين .
ز . سانا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق