الثلاثاء، 6 سبتمبر 2022

الخاطرة ٣١٥ : فلسفة تطور الحياة الجزء ٢٢

 خواطر من الكون المجاور

الخاطرة ٣١٥ : فلسفة تطور الحياة الجزء ٢٢
في المقالة الماضية تكلمنا عن صفة الرقبة الطويلة في أنواع مختلفة من الحيوانات وذكرنا الزرافة كمثال ، وقلنا بأن صفة الرقبة الطويلة لم تظهر في الزرافة كطفرة كما يعتقد علماء النظرية الداروينية الحديثة ، ولا عن طريق مد رقبتها المستمر لتتحول في النهاية إلى صفة مكتسبة يتم توريثها عبر الأجيال كما يعتقد علماء النظرية اللاماركية ، وإنما ظهرت هذه الصفة كرمز روحي له علاقة بالتكوين الإنساني والذي يُعبر عن إنفصال الكائن العلوي عن سيطرة الكائن السفلي في الإنسان .
في مقالة اليوم سنتكلم عن جهاز إصدار الصوت وتطوره في الحيوانات كرمز روحي له علاقة بالتكوين الإنساني.
إن مفهوم الصوت من الناحية الفيزيائية هو موجة تنتشر في وسط المحيط (هواء ، ماء ، مواد صلبة) حيث أن هذه الموجة تُحدث خللا في الضغط بشكل دوري فينتج عنها صوت يمكن سماعه من إذن الإنسان أو من أجهزة خاصة . أما مفهوم الصوت من الناحية الفلسفية فهو أداة تستخدمها الروح التي تكمن في داخل الكائن للتعبير عن هويتها . فنوعية كل صوت تحدد الهوية الروحية لصاحب الصوت . وحتى نوضح هذه الفكرة بشكل أفضل علينا توضيح الفرق بين الصوت والضوء :
حاسة البصر هي أرقى من حاسة السمع ، ولهذا النصوص الدينية تذكر درجة البصيرة في تقييم درجة الإيمان ، ومصدر مصطلح (البصيرة) هو كلمة (بصر) حيث حاسة البصر ترتبط بشكل مباشر مع وجود الضوء والذي هو سبب رؤية الأشياء . وبشكل عام الصوت والضوء هما شيء واحد تقريبا من حيث المنشأ العام ، فكليهما ينتجان عن موجة تقاس بالهيرتز كوحدة قياس التردد ، فعندما يكون طول الموجة كبير جدا تكون نتيجة هذه الموجة ظهور الصوت ، فالإنسان يستطيع سماع الصوت عند ترددات بين نحو ٢٠ هيرتز (أي ٢٠ اهتزازة في الثانية) و٢٠ كيلو هيرتز (أي ٢٠ ألف اهتزازة في الثانية). أما عندما تزيد تردداتها على أكثر من مليون هيرتز في الثانية عندها تتحول من شكلها الصوتي إلى شكلها الضوئي فتنتقل على هيئة أشعة دقيقة عالية الطاقة. وهذا يعني أنه كلما كان الصوت بتردد أكبر كلما كان التعبير الصوتي أرقى أي أنه مريح أكثر للروح . فالأطفال -مثلا- كونهم كائنات بريئة لها سلوك فطري نقي وضعه الله في الاطفال كتعبير روحي صادق عن التكوين الإنساني ، نجد أن تردد صوت الطفل يعادل (٣٠٠) هيرتز تقريبا ، بينما صوت المرأة يعادل (٢١٠) هيرتز ، أما صوت الرجل فيعادل (١٢٥) هيرتز ، ولهذا يكون صوت الطفل والمرأة ناعم ورقيق ، أما صوت الرجل فيكون خشن وغليظ .
نوعية الصوت له تأثير كبير على نفسية الإنسان فسماع الصوت الناعم والرقيق يزيد من إفراز هرمون السعادة في الإنسان الذي يساعد في تحسين الحالة المزاجية والتخلص من الإكتئاب ، أما سماع الصوت الخشن والغليظ فهو يزيد من إفراز هرمون الأدرينالين الذي يعمل على تحفيز يقظة واستجابة الجسم كله في حالات الخطر ليستعد للقتال أو الهروب . لهذا نجد أن جميع أنواع الحيوانات التي تمتلك صوت ناعم تكون حيوانات مسالمة ومحبوبة من الإنسان ، فأجمل أصوات الكائنات الحية بالنسبة للإنسان هي صوت البلابل والكناري والحسون وغيرها من العصافير فهذه الطيور تتصف بحجمها الصغير وألوانها الجميلة أما الطيور ذات الأحجام الكبيرة فتتصف بصوتها الخشن والمزعج لأذن الإنسان . وكذلك فصوت القطة أجمل من صوت الكلب ، فالإنسان عند سماعه صوت القطة يقترب منها ليرى ما تريد ، ولكنه عند سماع صوت الكلب ينزعج ويبتعد عنه . وبشكل عام فإن نوعية الصوت ليس لها علاقة بحجم الكائن الحي ولكن بنوعية روحه ، فالحصان رغم ضخامة جسده ولكن نجد أن صوته ناعم ورقيق يُعبر عن جمال روحه التي جعلته محبوبا لقلوب الناس بعكس صوت البقرة الخشن . وكذلك الدولفين رغم ضخامة جسده نجد أن صوته مريح لأذن الإنسان فهو مقارب للصفير الممزوج ببعض الطقطقه والزقزقه وسماعه له فوائد طبية للإنسان حيث يعمل على تحفيز الدماغ والجهاز العصبي بشكل مباشر حيث يساعد على الاسترخاء وخاصة الأطفال المصابين بمرض التوحد .
الصوت كجزء يُعبر من تكوين الكائن الحي لم يظهر عن طريق الصدفة أو بسبب طفرات حدثت عبر السنين كما تقول نظرية التطور الداروينية الحديثة ، ولكنه ظهر ضمن مخطط إلهي كونه جزء هام من التكوين الإنساني فهو أحد أهم عناصر الإدراك والتعبير الروحي . لذلك حتى تتم دراسة وفهم تطور الحياة بشكله الصحيح يجب دراسة تطور جهاز إصدار الصوت في الأنواع المختلفة من الكائنات الحية عبر مراحل تطور الحياة ، فجهاز إصدار الصوت في الإنسان لم يتطور عن طريق نسل متصل ولكن عن طريق فروع مختلفة ومتفرقة تم توحيدها في النهاية في كائن واحد وهو الإنسان ليستطيع إستخدامه بأفضل الطرق ، وهذا ما سنوضحه في الأسطر التالية.
في البداية لابد أن نذكر ملاحظة هامة وهي أن جهاز تكوين الصوت في الإنسان معقد جدا ، فهو يتكون من الرئة والحنجرة والفم وكذلك المخ الذي يعمل على تحديد نوعية الصوت ليشكل الأحرف والنبرة وكذلك النغمة الموسيقية . لهذا هنا لن ندخل في جميع تفاصيل هذا الموضوع كونه يحتاج إلى صفحات عديدة ، ولكن سنتكلم عن الخطوط العريضة لموضوع تطور الصوت كرمز روحي يساعدنا في فهم التكوين الروحي للإنسان. فالصوت عدا عن أنه يشكل وسيلة هامة للتخاطب بين الناس ولكنه في الحقيقة هو أحد أنواع التعبير الروحي لتلك الروح التي تكمن داخل الإنسان ، ولهذا -كما سنجد في الأسطر التالية - فإن جهاز إصدار الصوت خلال تطوره عبر المراحل المختلفة فقد إعتمد بشكل أساسي على القانون الإلهي (عفة - سلام) و (زنى - عنف) الذي تكلمنا عنه في المقالات الماضية .
هناك ملاحظة هامة أخرى يجب أن نذكرها وهي أننا سنذكر أمثلة من الكائنات الحية التي لا تزال حية حتى اليوم ، لا تلك التي إنقرضت ، والسبب هو أن معلوماتنا قليلة جدا عن أجهزة إصدار الصوت في الكائنات المنقرضة ، فهذه الكائنات المنقرضة من حيث المبدأ لها من تمثلها في الكائنات التي تعيش اليوم .
جميع الحيوانات البدائية كانت حيوانات صامتة لا تمتلك أجهزة إصدار الأصوات ، ولكن فقط كونها كانت تعيش في الماء ونتيجة حركتها في الماء كانت تُحدث إهتزازات مائية ينتج عنها أصوات خفيفية جدا ذات تعبير روحي باهت فقير بمعناه الروحي . ولكن مع ظهور الرخويات الصدفية ظهر نوع منها وهو المحار حيث تنقسم صدفة المحارة إلى مصرعين ، يلتصق هذان المصراعان بعضهما ببعض في أحد الأطراف عن طريق مفصل ، ويستند جسم المحارة على المصراع السفلي، بينما المصراع العلوي يعمل كغطاء. المحارة تحتفظ عادة بمصراعي صدفتها مفتوحين ، وعند اقتراب أي جسم متحرك يشكل خطرا على المحار عندها تُغلق المصراعين بحركة مفاجئة بوساطة عضلة قوية تُسمَّى العضلة المقربة. هذه الطريقة في إغلاق المصرعين الفجائي كان أول جهاز بدائي لإصدار الصوت . فالسبب الأول لظهور جهاز إصدار الصوت كتعبير روحي كان هدفه الدفاع عن النفس (أي أنه كائن مسالم) .
مع مرور الزمن وتطور الحياة يظهر فرعين جديدين من الكائنات الحية : الفرع الأول وهو حيوانات مفصليات الأرجل وهو يمثل التطور السلبي والذي ستكون نهايته ظهور الحشرات حيث من شكل جسمها ظهر رمز عدو المسيح (٦٦٦) في الديانة المسيحية . أما الفرع الثاني فهو الفقاريات ويمثل التطور الإيجابي والذي في نهايته ستكون ظهور الإنسان . (هذا الموضوع شرحناه بشكل مفصل في مقالات ماضية).
الجهاز الصوتي في المحار إنتقل إلى مفصليات الأرجل وبالتحديد إلى أحد أنواع القريدس والمعروف بأسم (الجمبري ذو المسدس) وهو حيوان مائي يشبه الجمبري المعروف، ولكن في الزوج الأول من الأرجل التي لها شكل الملقط نجد أن أحدهما له حجم أكبر بكثير من الآخر . حيث يكون فيه الملقط منتفخ وكبير جدا وكأنه قد أخذ هذه الآلية التي يعمل عليها (فتح - إغلاق) من المحار ، حيث تؤدي الحركة السريعة جدا عند إغلاق الملقط إلى حدوث تيار قوي جدا من الماء ، مما يخلق فقاعات في مناطق تكون تحت ضغط منخفضٍ لحظيٍّ للماء، خلال عملية تسمى التكهُّف. حيث يؤدي الاختلاف الكبير في الضغط بين الفقاعات والمياه المحيطة بها إلى انفجارها بسرعة إلى الداخل، مما يخلق موجة صادمةً قويّة في الماء. تبدو هذه الموجات الصادمة وكأنها صوت إنفجار يشبه صوت طلقة المسدس والتي تؤدي إلى قتل الخصم . الجمبري ذو المسدس يستخدم هذا الجهاز الصوتي لتأمين غذائه عن طريق قتل فريسته وكذلك يستخدمه كطريقة للدفاع عن نفسه من الكائنات التي تهدد حياته . فهذا النوع من الجمبري يستخدم جهاز إصدار الصوت بشكله السلبي كونه يستخدمه في عملية قتل الآخرين (أي أنه كائن مفترس).
أما الشكل الإيجابي لجهاز إصدار الصوت فقد إنتقل من المحار إلى أحد أنواع السمك والمعروف بإسم السمك البالون أو السمكة المنتفخة (الصورة) ، فعندما يشعر هذا النوع من الأسماك بأن حياتها في خطر تفتح فمها وتمتص كمية كبيرة من الماء والهواء فينتفخ جسمها ويصبح كالبالون وذلك عن طريق ملئ معدتها وملئ كيس خاص بالماء والهواء ليسمح لها بالطفو على سطح الماء ، وعندما ينكمش جسم السمكة يخرج الماء الهواء وبمساعدة هذا التجويف المعدي والهوائي مع حركة الأسنان يصدر صوت يشبه صوت المبرد . فجهاز إصدار الصوت عند سمكة البالون (عملية الإنتفاخ) تم إستخدامه كوسيلة للدفاع عن النفس فقط .
هنا قد يتسائل البعض ما علاقة سمكة البالون بحيوان المحار ؟ والجواب هو أن علاقة المحار مع سمكة البالون هي الفم ، فالفم في الفقريات يتكون من حنك سفلي وحنك علوي ،الحنك السفلي يمثل المصراع السفلي والحنك العلوي ويمثل مصراع العلوي (الغطاء) في المحار . فالصوت في الإنسان والحيوانات الفقارية بشكل عام يخرج من الفم . وليس من الصُدفة أن بعض أنواع المحار تقوم بتصنيع اللؤلؤ في داخلها . فتصنيع اللؤلؤ في المحار هو حكمة إلهية لها معنى أن الفم ليس للطعام فقط ولكن لإخراج الكلمة الطيبة منه .
الآن لنعود ثانية إلى موضوعنا الرئيسي . مع ظهور البرمائيات ككائنات أرقى من الأسماك إنتقل جهاز إصدار الصوت من سمكة البالون إلى أحد أنواع هذه البرمائيات وهي الضفادع . فنجد أن الكثير من أنواع الضفادع تستخدم نفس طريقة سمك البالون في إصدار الصوت، حيث تقوم بتجميع الهواء في أسفل حنكها السفلي الذي يتحول شكله إلى ما يشبه البالون (الصورة)، فعندما يغني الضفدع يعمل هذا البالون على تضخيم الصوت ويعطي صوت الضفدع نقيقه المميز. فذكر ضفدع الشجر الرمادي -مثلا- له نداءً عالياً يشبه صوت طائر يستمر لساعات بعد الغسق وخاصة في موسم التزاوج حيث يستخدمها كطريقة لإنشاء منطقة تكاثر وجذب الإناث لها .
في الضفادع الذكور هي فقط التي تقوم بإصدار الصوت ، أما الأناث فتصدر الأصوات فقط عندما تتعرض للأذى . حيث الصوت في الضفادع يُستخدم فقط كأداة مساعدة في موسم التزاوج وليس للقتل كما هو عند الجمبري ذو المسدس . وهنا نلاحظ أن جميع أنواع البرمائيات لا صوت لها ، فقط الضفادع هي التي تملك هذه الميزة ولهذا نجد أنها قد إكتسبت صفات أرقى من بقية أنواع البرمائيات وهي أنها بدون ذنب بعكس بقية البرمائيات التي تمتلك ذنب ، فبشكل عام فإن جميع انواع البرمائيات كونها تمتلك ذنب يكون جسدها بمستوى أفقي موازي لسطح الأرض أي أن خط أجسامها تكون موازية مع خط الأرض وتشكل زاوية درجة قيمتها الصفر تقريبا مع خط الأرض ، ولكن عند الضفادع وبسبب ميزة عدم وجود الذنب نجد أن مستوى إرتفاع الرأس والصدر في الكثير من أنواع الضفادع أعلى من مستوى القسم الخلفي لجسم الضفدع ، أي أن خط جسمها من الأمام إلى الوراء أصبح يشكل زاوية قريبة من درجة (٤٥) ، فالضفدع يُعتبر هو الذي أعطى الخطوة الأولى في عملية إنتصاب الجسم في الكائنات الحيوانية .
مع ظهور الزواحف ككائنات أرقى من البرمائيات نجد أن صفة الإنتفاخ في منطقة أسفل الحنك السفلي المسؤول عن إصدار الصوت تختفي في هذه الأنواع ، ولكن نجد ذكور بعض الأنواع تحوي على ثنية جلد تحت الحنك السفلي ومثال على ذلك الانول الأخضر (الصورة) الذي يستخدم هذه الميزة كأداة لجذب الأناث في موسم التكاثر حيث يقوم الذكر بتمديد هذه الثنية ذات اللون الوردي للحصول على الأنثى للتزاوج معه ، أي أن صفة الإنتفاخ تحولت من مؤثر صوتي إلى مؤثر بصري .
بشكل عام فإن العديد من الزواحف لا صوت لها ، فمعظم الزواحف لا تعتمد على إستخدام صوتها كتعبير روحي ، فقط التماسيح ، فيمكن للعديد من التماسيح إصدار الأصوات من أجل التواصل فيما بينها، حيث تستطيع صغار التماسيح إصدار أنواعاً مختلفة من الأصوات من الصرير والشخير أو الهمهمة، بينما يطلق البالغون أصواتاً متعددة تتراوح بين النخر والهمهمة والحفيف، فعلى سبيل المثال تقوم التماسيح السيامية بإصدار أصواتاً عالية من الحفيف عند الشعور بالتهديد، وبالإضافة إلى ذلك تقوم التماسيح من كلا الجنسين بإنتاج هدير عال خلال موسم التكاثر والتزاوج .
قبل أن ننتقل إلى الثديات والطيور لا بد أن نشير إلى ملاحظة هامة وهي أن معظم أنواع رباعيات الأطراف (برمائيات ، زواحف) تمتلك حنجرةً، ولكن بنيتها أبسط من تلك الموجودة عند الثدييات ، أما الطيور فتمتلك عضو إنتاج صوت منفصل وهو المصفار .
إن ظهور الثديات لم يكن له وظيفة في تطوير التعبير الصوتي ، وإنما دورها كان فقط في تطوير الحنجرة ، فالحنجرة هي عبارة عن صندوق الصوت يشترك في التنفس وإنتاج الأصوات . حيث أنها تحتوي على حبال صوتيّة تعمل على التلاعب في توتُّر هذه الحبال وبالتالي تواتر اهتزازاتها عند مرور الهواء فتعطي تدرج في الصوت (رقيق ، ناعم ، غليظ ..) وكذلك في قوة الصوت (عالي ، منخفض) ، فصحيح أن الحنجرة تلعب دور هام في عمليّة التصويت ، ولكن يظل دورها ضعيف في عملية التعبير الروحي ، ولهذا نجد أن استخدام الصوت عند الثديات من حيث النوعية هو تقريبا في نفس مستوى التعبير الروحي عند التماسيح والضفادع . حيث بعض أنواع الثديات تستخدمه لجذب الإناث في موسم التزاوج ، وبعضها الآخر في الدفاع عن نفسها ، وبعضها في التواصل فيما بينها ، ولكن يبقى هذا النوع من التواصل في مستوى الحاجة المادية فقط . ما يهمنا في الثديات هو أحد أنواع القردة وهو القرد العواء (الصورة) . حيث القرود العواءة تمتلك حلوق واسعة (إنتفاخ تحت الحنك السفلي) مما يمكنها من إصدار أصوات عالية للغاية يمكن استماعها على بعد ميلين في الغابة وغالبا ما تقوم الذكور البالغة عند قرد العواء بإصدار صيحاتها الأولى العالية ثم تقوم باقى أعضاء الأسرة بتقليدها ، حيث تتكرر تلك الصرخات العالية كلما تنقلت قبائل القردة من مكان لآخر في الغابات من أجل الحصول على الطعام والذى يتكون غالبا من أوراق الأشجار والتين البري. يستعمل القرد العواء مجموعة من الأصوات كوسيلة لجذب الأناث وكذلك للتواصل فيما بينها .
بالنسبة للطيور فهي في التسلسل الزمني ظهرت بعد الثديات ورغم أنها لا تمتلك حنجرة ولكن تمتلك جهاز صوتي آخر يدعى المصفار يقع عند قاعدة القصبة الهوائية، ويعمل على إصدار الأصوات من دون استخدام الحبال الصوتية، حيث ينتج الصوت في الطيور من خلال اهتزاز الجدار الخاص بالمصفار أو بعض أجزائه. هذه الاهتزازات تعمل على تنظيم تدفق الهواء وهو ما يقوم بإصدار الصوت. العضلات تعمل على تعديل شكل الصوت عن طريق تغيير توتر الأغشية وفتحات الشعب الهوائية.
الطيور لديها ميزة لا توجد في البرمائيات والزواحف ، فالطيور تستخدم صدى الجهاز الصوتي المعروف أيضًا بتردد الصوت لكي تشكل أغانيها المتناغمة المتميزة والتي يستخدمها الإنسان أيضا لتشكيل المقاطع لاسيما في الغناء، ويحدث ذلك باهتزاز الهواء الموجود داخل الأجهزة الصوتية . فالمصفار في الطيور هو بمثابة الحنجرة والفم في الإنسان ، فعن طريق الحبال الصوتية في حنجرة الإنسان يمكن تشكيل أصوات بإهتزازات مختلفة (رفيع ، ناعم ، متوسط ، خشن ، غليظ) وعن طريق اللسان والفم يمكن تشكيل إختلاف من نوع آخر وهو تشكيل الأحرف والكلمات . ولهذا تُعتبر الطيور بأنها أرقى الكائنات الحية من حيث التعبير الصوتي . حيث نجد بعض أنواعها لها القدرة العالية في إصدار أصوات موسيقية ذات أنغام جميلة كالبلبل والكناري وغيرها ، وأنواع أخرى لها القدرة على نطق الأحرف والكلمات كطائر الببغاء وطائر المينا.
في الطيور نجد أن صفة الإنتفاخ تحت الحنك السفلي تظهر في نوع من الحمام يسمى الحمام النفاخ (الصورة) ، ورغم أن هذا النوع من الحمام ليس له المقدرة على الغناء كالبلبل مثلا ، وليس له المقدرة على النطق كالببغاء ، ولكن نجد أن هناك نوع من الحمام وهو حمامة الستيتية (اليمامة المطوقة) تصدر صوت يُسمع وكأنها تقول (زكى أخته) أي (طَّهر أخته) في اللغة العربية ، وفي اللغة اليونانية تعني الرقم ثمانية عشر (δεκαοχτώ ذيكا أختو) والذي عليه تمت التسمية العلمية لهذا النوع من الحمام (Streptopelia decaocto decaocto) .
إن نطق هذه الحمامة عبارة ثمانية عشر (١٨) باللغة اليونانية والتي تُسمع بالعربية وكأنها عبارة (زكى أخته) أي طَّهر أخته ، لم تأتي لهذا الطير بالصدفة أو عن طريق طفرة ، ولكن عن طريق مخطط إلهي يحمل حكمة إلهية لها معنى أن الخطيئة (الزنى) التي حدثت في الجنة والتي كان نتيجتها ظهور غريزة القتل في قابيل والتي دفعته لقتل أخيه هابيل ، والتي أيضا أدت إلى طرد الإنسان من الجنة ، قد تم تصحيحها بعد مرور مليارات السنين من خلال الخطوات التي ذكرناها قبل قليل . فعبارة (زكى أخته) التي تصرخها اليمامة المطوقة تقصد أن روح حواء والتي تمثل (أخت وزوجة آدم) قد تم تطهيرها من تلك الخطيئة الاي حصلت في الجنة . فحمامة اليمامة المطوقة في علم الرموز هي رمز العفة والإخلاص في الحياة الزوجية كونها تختار شريك واحد يبقى معها طوال حياتها حيث يتعاون الذكر والأنثى في صناعة العش وتربية الصغار . وبما أنها نوع من أنواع الحمام والذي يرمز إلى السلام ، لهذا فرمز اليمامة المطوقة كتعبير روحي هو (العفة والسلام) . ولهذا نجد أن الآية القرآنية {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ( ٤١)} مذكورة في سورة النور والتي موضوعها يتعلق بالزنى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ..... (٢)} فذكر كلمة (الطير) في هذه الآية هدفها الإشارة إلى عبارة (زكى أخته) التي تطلقها اليمامة المطوقة .
الرمز (١٨) موجود في كف يد اليمنى للإنسان ، ونظيره في اليد اليسرى هو شكل الرقم (٨١) حيث مجموع الرقمين يعادل الرقم (٩٩) وهو عدد الأسماء الحسنى . فنهاية تطور مفصليات الأرجل كان ظهور الحشرات التي تمثل التطور السلبي ورمزه الرقم (٦٦٦) ، أما نهاية تطور الفقاريات فكان ظهور الطيور والذي أحد أنواعه يصرخ عبارة (زكى أخته) والتي في اليونانية تعني الرقم (١٨) . حيث تقسيم هذا الرقم على عدد المراحل العامة لتطور الحياة الثلاث {١- بحرية (أسماك) ، ٢- يابسة (زواحف وثديات) ، ٣- جوية (طيور)} هو الرقم ٦(١٨÷٣=٦) ، فرمز عدو المسيح (٦٦٦) يعني أن المراحل الثلاث في تطور الحياة كانت منفصلة عن بعضها البعض (٦-٦-٦) ، تماما كما تذكر نظرية التطور الداروينية الحديثة ، أما الرمز (١٨) فيعني أن مراحل تطور الحياة رغم أنها تبدو وكأنها منفصلة ولكن روحيا كانت مرتبطة تماما مع بعضها البعض عن طريق التشابك الروحي الذي تكلمنا عنه في المقالات الماضية . (الرمز الإلهي (١٨) والرمز (٦٦٦) تكلمنا عنهما بشكل مفصل في العديد من المقالات الماضية .
خلاصة الموضوع : إن التعبير الصوتي في الإنسان لم يأتي من القردة أو من الثديات بشكل عام ولكنه أتى من الطيور ، وأن نظرية التطور الداروينية الحديثة التي تقول بأن أصل الإنسان هو حيوان شبيه بالقرد هي نظرية باطلة تعاني من عمى البصيرة ، فأهم شيء في الإدراك هو رؤية المضمون وليس رؤية الشكل .
.... يتبع
ز . سانا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق