خواطر من الكون المجاور
الخاطرة ٣٢٦ : قصة صراع المسيح مع الدجال بين الحقيقة والخرافات .
في البداية أود أن أشير إلى أن جميع المعلومات التي يعتمدها موضوع المقالة قد تم شرحها بالتفصيل في مقالات عديدة ماضية ، وهنا نذكرها بشكل مختصر جدا حتى لا يتحول حجم المقالة من /١٠/ صفحات إلى /٥٠٠/ صفحة .
إن الإيمان بقصة الصراع بين المسيح والأعور الدجال في آخر الزمان هي عقيدة موجودة في جميع الديانات العالمية ولكن بأسماء وأوصاف مختلفة ، فجميع شعوب العالم تنتظر في نهاية الزمان ظهور شخصية عالمية شريرة ستملئ الأرض فسادا وجورا ، ثم ظهور مُنقذ عالمي سيأتي للقضاء عليه . هناك نصوص دينية عديدة تتكلم عن شخصيات هذه القصة ، وكثير من هذه النصوص ستبدو لنا وكأنها خرافات لا علاقة لها بالواقع الحقيقي الذي نعيشه ونلمسه . مثلا إذا تمعنا جيدا في النصوص الدينية الإسلامية سنجد أن معظمها يرفضها علماء الدين ويعتبرونها بأنها أحاديث باطلة مدسوسة ، الأمر الذي دفع حتى بعض العلماء المسلمين إلى رفض صحة عقيدة صراع المسيح مع الأعور الدجال من أساسها واعتبروها بأنها خرافة من خرافات الإسرائيليات التي تم دسها في العقيدة الإسلامية.
في الحقيقة إن قصة الصراع بين الخير والشر كانت في الماضي ولا تزال حتى اليوم من أكثر القصص الشيقة التي تجذب إنتباه الإنسان وتدفع فكره في التحليق في عالم الخيال ، لهذا كان من الطبيعي أن تأخذ قصة الصراع بين الخير (المنقذ المرسل من الله) والشر (المرسل من الشيطان) أشكال وأحداث متنوعة ومختلفة . وجميع هذا التنويع والإختلاف في هذه القصة بين شعوب العالم في الحقيقة ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تعطينا زوايا رؤية مختلفة لأحداث هذه القصة لكي نحصل على رؤية شاملة تشرح لنا حقيقة قصة تطور الإنسانية من البداية حتى النهاية . ولكن المشكلة هنا أن كل أتباع ديانة عالمية وبسبب التعصب الديني قد رفضوا نصوص الديانات الأخرى وإعتمدوا فقط على نصوص ديانتهم فقط ولم يحاولوا توحيد زاوية رؤيتهم مع زوايا رؤية نصوص بقية الديانات كما تقول الآية القرآنية{...وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ...(١٣) الحجرات} ولهذا وبدلا من الوصول إلى فهم حقيقة قصة هذا الصراع تحولت الأمور فيها إلى أشبه بالخرافات عند جميع شعوب العالم .
لنتمعن جيدا في خرافات فهم المسلمين اليوم لقصة الصراع بين عيسى عليه السلام مع الأعور الدجال . فالقصة بإختصار تقول " بأن أطراف العالم في نهاية الزمان ستتقلص ويصبح معظم سكان الأرض يعيشون في منطقة العرب (بلاد الشام وما حولها) حيث عندها سيتحرر الأعور الدجال من قيوده وسيطوف في جميع أرجاء العالم ليجعل معظم الناس يخضعون لسيطرته فيملئ الأرض فسادا وجورا وعندما يأتي إلى المكة المكرمة والمدينة المنورة يعجز في دخولها ، فيذهب إلى القدس حيث يختبئ هناك المؤمنون ليقتلهم ، ولكن عندها يبعث الله عيسى عليه السلام فيلحق به ويقتله ويملئ الأرض عدلا وقسطا " .
إذا عرضنا اليوم هذه القصة بتفاصيلها الدقيقة على الأطفال وبسطاء العقول سنجدها تجذبهم وتثير إنفعالاتهم . ولكن الله عز وجل يقول في الآية الكريمة { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ....(٣) يوسف} ، وثلث القرآن هي قصص ، ووجود هذه القصص العديدة في القرآن ليس من أجل التسلية أو الموعظة فقط ولكن حكمة إلهية ، فالقصة أو الرواية هي علم مثله مثل بقية العلوم حيث تم تطويره عبر القرون بخطة إلهية ليتحول فن الرواية من نشاط فكري إلى علم يستطيع عن طريق تناسق عناصر بناء الرواية (الموضوع ، الشخصيات ، تسلسل الأحداث وتطورها ، اسلوب السرد ،الحبكة ، النهاية) بحيث تستطيع الرواية أو القصة أن تنقل رسالة موضوع الرواية إلى نفوس القراء بأفضل صياغة بهدف تحسين سلوكهم اليومي من أجل المساهمة في بناء مجتمع أرقى .
إذا عرضنا قصة الصراع بين عيسى عليه السلام والأعور الدجال على شخص عالِم متخصص في فن الرواية ليبحث فيها عن شروط بناء الرواية سيجدها رواية ركيكة بأحداث عشوائية لا تحقق معظم شروط الرواية المتكاملة . فالموضوع الرئيسي لهذه الرواية مثلا هو تحقيق العدالة ، بينما العالم المتخصص سيجد أن العدالة من أساسها غير موجودة في هذه الرواية . فعيسى عليه السلام البطل الإيجابي للرواية والذي يمثل رمز الخير ، هو منذ تكوينه كجنين في بطن أمه كان تحت عناية إلهية فائقة تفرض عليه أن يكون إنسانا صالحا طوال حياته . أما الأعور الدجال البطل السلبي للقصة والذي يمثل رمز الشر ، فهو أيضا كان منذ ولادته تحت العناية الشيطانية الفائقة التي تفرض عليه أن يكون إنسان شريرا طوال حياته . فأين العدالة في هذا الصراع؟ فعيسى عليه السلام كما في الرواية هو كائن مسير ، وكذلك الأعور الدجال هو أيضا كائن مسير ، ولا مكان للإرادة الذاتية نهائيا في كلا الشخصيتين في هذا الصراع . فما ذنب الأعور الدجال في أن يعاقبه الله على أعمال هي مفروضة عليه أن يقوم بها سواء شاء أو أبى . هذا الخلل في الموضوع الرئيسي للرواية يجعل جميع عناصر بناء الرواية تنهار على نفسها لتجعل منها رواية بلا أي فائدة لأولئك الذين يبحثون عن الحقيقة . فصحيح أن هذه الرواية كانت ذات فائدة في العصور الماضية كون الإنسانية كانت آنذاك تعيش مرحلة الطفولة وعقل الطفل بسبب ضعف مستواه المعرفي وبشكل فطري يمنعه من البحث في العلاقة بين السبب ونتيجة السبب . ولكن اليوم وبعد مرور /١٤٠٠/ عام من تاريخ ظهور آخر ديانة سماوية أصبحت الإنسانية تعيش مرحلة الرشد ، فعقل الإنسان الراشد وبشكل فطري يدفعه إلى تحليل وفهم الأحداث والبحث في الأسباب ، لهذا المتخصص في فن الرواية سيشعر بضعف وركاكة هذه الرواية . فالقصة تتحدث عن معركة يُستخدم فيها السيف والرمح ، فأن تعود الإنسانية للقتال باستخدام هذه الاسلحة البدائية هذا يعني بأنه قد حدث إنهيار في جميع العلوم وأن المجتمعات الإنسانية قد عادت حوالي /٨٠٠/ عام إلى الوراء ، لأن تطور الأسلحة كان سببه الأول هو تطور معظم العلوم المادية التي استخدمها بعض العلماء في تطوير الأسلحة ، وعودة هذه الأسلحة إلى السيف والرمح يعني عودة مستوى العلوم إلى ما كانت عليه قبل /٨٠٠/ عام ، وهذا يتعارض مع الكثير من الأحاديث الشريف الصحيحة في وصف واقع آخر الزمان والتي تتكلم عن أشياء فقط التكنولوجيا الحديثة تستطيع القيام بها وأهمها علامة (تقارب الزمان والمكان) الذي لا يمكن أن يحدث إلا بوجود وسائل النقل والإتصالات الحديثة كالطائرات والإنترنت والهواتف الذكية التي من خلالها يستطيع الإنسان السفر إلى أماكن بعيدة خلال ساعات قليلة وكذلك يستطيع رؤية ومخاطبة شخص يبعد عنه آلاف الكيلو مترات في نفس اللحظة .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل حقا أن عيسى المسيح عليه السلام هو كائن مسير وأن اختياره من الله كان بالصدفة ، وهل حقا أن أعور الدجال هو أيضا كائن مسير لا ذنب له في هذا الصراع؟
إذا إعتمدنا فقط على النصوص الإسلامية بمعناها الحرفي سيبدو لنا أن عيسى عليه السلام هو فعلا كائن مسير . فالمعنى الحرفي للحديث الشريف (ما مِن بَني آدم مَوْلودٌ إلا يَمَسُّه الشيطانُ حِين يُولَد، فيَسْتَهِلُّ صارخا مِن مَسِّ الشيطان، غير مريم وابنها) . ولكن أيضا الآية القرآنية تنفي ذلك {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيم (٤٠) النساء} وكذلك الآية {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ(٣٠) الشورى} . وهذا يعني أن الله قد اختار عيسى عليه السلام دون غيره من الأنبياء ليكون هو رمز روح الخير في الصراع مع الأعور الدجال صاحب أكبر فتنة في تاريخ البشرية ، ليس صدفة ولكن كون تكوين عيسى الروحي خاليا من الشوائب الشيطانية ، ونقاء هذا التكوين من الشوائب كان بسبب مجهود عيسى شخصيا في تحديد نوعية سلوكه وليس هبة من الله ، الله فقط كافأه على مجهوده فرفعه إلى هذه المكانة التي يستحقها .فعبارة (الله يفعل ما يشاء) لا تعني فعل إلهي عشوائي ، ولكن فعل يحقق قمة العدالة ولا مقدرة لعقل الإنسان على فهم تفاصيل قوانين هذه العدالة الإلهية . فعيسى يقول في الإنجيل {قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يو ٨: ٥٨)} ، بمعنى أن عيسى يقصد في الآية بأنه ولد قبل إبراهيم عليه السلام ، وأنه عاش حياته آنذاك على الصراط المستقيم ولم يخالف تعاليم الله عز وجل . أيضا نصوص الديانة الهندوسية والبوذية تؤكد على صحة هذا المبدأ ، فهي تعطي أهمية كبيرة لعقيدة تعدد الحيوات للتخلص من الشوائب الشيطانية (التقمص وتجسد الروح) ، كذلك أيضا فإن معظم فلاسفة العصور الماضية الذين صنعوا العصر الذهبي لحضارة بلادهم كانوا يؤمنون بالتقمص وعودة الروح للولادة من جديد بهدف إستمرار عملية تنقية تكوينها الروحي من شوائب خطيئة الإنسان في الجنة . أيضا القرآن الكريم وبشكل غير مباشر لا ينفي عقيدة التقمص {... وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) البقرة} ، فهنا الآية تتكلم بشكل رمزي عن ثلاث حيوات يعيشها الإنسان وليس حياة واحدة . أما الديانة البوذية فهي تذكر أن المُخلص الذي سينقذ البشرية في آخر الزمان هو (بوذا الخامس) أي بوذا في حياته الخامسة أي أنه عاش قبلها أربع حيوات . وكذلك الديانة الهندوسية تقول عن المُخلص (كالكي) الذي سينقذ الإنسانية من الشر بأنه سيكون الظهور العاشر والأخير لفيشنو الحافظ .والمقصود هنا بالظهور العاشر (مادي - روحي) أي خمسة منها ظهور جسدي وخمسة منها ظهور روحي ، بمعنى طالما ولادة الإنسان تكون بجسد وروح فهذا يعني أنها الحياة الخامسة للمخلص كالكي كما تذكر البوذية .
الديانات العالمية هي أربع : الهندوسية واليهودية والمسيحية والإسلام ، من الهندوسية (تسمى أيضا البراهمية) خرجت الديانة البوذية وجميع ديانات شرق آسيا. هذه الديانات العالمية الأربع هي المقصود بها الديانات الإبراهيمية وهي كرمز تمثل الأصابع الأربعة الأمامية في كف يد الإنسان (السبابة ، الوسطى ، البنصر ، الخنصر) والتي تعمل معا كأصبع واحد مقابل أصبع الأبهام . فهذه الديانات الأربع مسؤولة عن تأمين الحاجات الروحية للإنسانية وتطويرها . أما الأصبع الخامس (الإبهام) فهو رمز المعارف المادية المسؤولة عن تأمين الحاجات المادية للإنسانية وتطويرها . الله عز وجل أعطى دليلا على هذه التشكيلة في الإسلام ، فهناك خمس مذاهب في الإسلام أربعة منها تمثل مذاهب السنة والجماعة (حنفي ، مالكي ، شافعي ، حنبلي) والطائفة الخامسة هي الشيعة ، فإنقسام المسلمين إلى خمسة طوائف ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تجعل من تكوين الأمة الإسلامية نموذج مصغر عن تكوين الإنسانية . ولهذا الديانات العالمية الأربع جميعها ظهرت في آسيا (القسم الشرقي من العالم) ومنها إنتشرت إلى جميع شعوب العالم ، أما الجزء الخامس (العلوم المادية) فكانت الدول الغربية هي الأكثر مساهمة في تطويرها حيث منها إنتشرت إلى جميع أنحاء العالم ولهذا نجد اليوم المصطلحات العلمية معظمها مصدرها اللغة اليونانية واللاتينية .
عيسى عليه السلام عندما سيأتي سيكون رمز الأصبع الخامس (الإبهام) ، ولهذا ليس من الصدفة أن أكثر المسلمين الذين يتكلمون عن المهدي هم من الشيعة ولكن سوء فهمهم للنصوص الدينية جعل روايتهم عن المهدي أكثر خرافية لأن المهدي وعيسى هم شخص واحد ، ولا علاقة له بقصة السرداب . فوجود شخصيتان منفصلتان (مهدي - عيسى) سيجعل الرواية أكثر ركاكة وعشوائية.
طالما أن عيسى عند بعثه سيكون رمز أصبع الإبهام ، لهذا فهو لن يأتي بديانة جديدة ولكن سيصحح جميع تلك التشويهات التي حصلت في الديانات العالمية التي أصبحت جميعها اليوم كما ذكرها الحديث الشريف (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء) ، فالإسلام المقصود هنا ليس فقط ذلك الدين الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم قبل /١٤/ قرن. ولكن المقصود به هو جميع الديانات العالمية ، فكلمة (إسلام) مصدرها الأول هو كلمة (سلم وسلام) . فجميع الديانات العالمية الهدف الأول في تعاليمها هو تحقيق السلام العالمي لتجعل من الإنسانية عائلة واحدة كبيرة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.... (١٣) الحجرات}. والآية القرآنية التي تقول {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) الزمر} المقصود بها هو عيسى في أول حياة له عندما كان يحمل إسم هابيل ، هابيل الذي قال لأخيه قبل مقتله {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨) البقرة} . هابيل إتبع تعاليم الله التي توضح تكوين وسلوك إنسان الجنة التي هي دار السلام ، ولكن أخاه خالف هذه التعاليم وإرتكب أول جريمة قتل في تاريخ البشرية. فكلمة (أُمِرْتُ) لا تعني أن هابيل كان مسيرا ولكنه كان مخيرا بين الخضوع لتعاليم الله أو رفضها وإتباع تعاليم الشيطان ، فاختار إتباع التعاليم الإلهية والتضحية بنفسه بدلا من أن يخالف هذه التعاليم ، لأن كلمة (إسلام) تعني أيضا الخضوع لأوامر الله وطاعته .
لو أراد الله أن يجعل لشعوب العالم جميعها دين واحد لسَّخر كل شيء في سبيل إنتشار هذا الدين في جميع شعوب العالم ولكن هذا لم يحصل مع أي دين . فحتى الإسلام الذي هو آخر ديانة سماوية نجد في القرن الأول من ظهور الإسلام أن جميع محاولات المسلمين في فتح القسطنطينة باءت بالفشل ، وفي آخر محاولة عند إصرار المسلمين على فتح القسطنطينة عام /٩٨/ هجري ، نجد أن الله قد سَّخر كل شيء ضدهم لصالح المسيحيين ، فكانت ضحايا جيش المسلمين أكثر من /٢٠٠/ ألف قتيل ، ومعظمهم استشهدوا بسبب الصقيع والثلوج والجوع والأمراض . هذه الحادثة ليست صدفة ولكن آية من آيات الله ، ولهذا لم يتجرأ بعد ذلك أي خليفة مسلم من القيام بمحاولة جديدة لفتح القسطنطينية حتى عام /٨٥٧/ هجري عندما كانت الأمة الإسلامية تعيش في عصر الإنحطاط وأوربا تعيش في عصر حضارة النهضة الأوربية .
إن أكبر مشكلة تعاني منها كليات الشريعة واللاهوت اليوم في جميع شعوب العالم هو التعصب الديني حيث أن علماء أتباع كل ديانة أو مذهب وبسبب هذا التعصب جعلوا من الدين أو المذهب ينغلق على نفسه ويمنعه من التعاون مع الأديان الأخرى من أجل فهم حقيقة الرواية الإلهية لقصة الخلق والمخطط الإلهي في تطور الإنسانية . فالخطيئة التي طردت الإنسان من الجنة لم تكن خطيئة بسيطة كما يفسرها علماء الديانات بحيث يمكن للإنسان أن يصححها في فترة حياة واحدة (٦٠ - ٩٠) عام ، ولكنها خطيئة شوهت التكوين الإنساني الروحي . وبما أن الروح هي التي تعطي صفات الجسد الذي يُعبر عنها لهذا تم طرد الإنسان من الجنة ليبدأ التكوين الإنساني من مرحلة الصفر .فقصة هابيل وقابيل قد حدثت في الجنة وليس خارجها لتعطينا مثل بسيط عن هذا التشويه وهو ظهور غريزة القتل في التكوين الروحي للإنسان والذي جعل تكوينه يتعارض مع التكوين الذي خلقه الله به . فمن جميع البشر هناك فقط أربعة أشخاص إنسانية ولدوا في الجنة (آدم ، حواء ، قابيل (قايين) ، هابيل) . وفقط هابيل الذي قُتل في الجنة هو الذي ولد خارج الجنة بجسد وروح ، أما آدم وحواء والشيطان وقابيل فإن وجودهم في الكون هو وجود روحي فقط ، لأن الله حرم عليهم إكتساب الجسد بسبب تلك الخطيئة التي شوهت تكوينهم ، الله عز وجل جعلنا نرى هذه التشويهات في المخلوقات التي ظهرت بشكل متقطع وأعطت انواع مختلفة منذ ولادة الحياة على سطح الأرض وحتى ظهور الإنسان . فظهور الإنسان لم يأتي من مخلوق شبيه القرد كما تقول النظرية الدراوينية ، ولكنه ظهر من إتحاد جميع الصفات الحسنة الموجودة في جميع المخلوقات الحية التي تعيش على سطح الأرض.
وبما أن هابيل كان هو فقط مِن بينهم مَن يمتلك تكوين روحي مناسب للعيش في الجنة (كما تقول الآية : الله تقبل قربانه) ، لهذا بعد موته في الجنة أعاده الله إلى الحياة وأرسله إلى خارج الجنة لكي يولد عدة مرات بروح وجسد ليساعد في تطوير التكوين الروحي للإنسانية عن طريق تنقية هذا التكوين من الشوائب الشيطانية التي دخلته بسبب الخطيئة.
الولادة الثانية لهابيل كانت بأسم أخنوخ (إدريس) معنى هذا الإسم صاحب العلم الكثير والفهم العظيم . ولادته حدثت قبل عشرات آلاف السنين عندما كان التكوين الإنساني قد أخذ شكله الحالي تقريبا ولكن كف يد الإنسان في ذلك الزمن لم تكن تحوي خطوط لها الشكل الرمز الإلهي (١٨) في اليد اليمنى و(٨١) في اليد اليسرى، والتي مجموعها كأرقام تعادل /٩٩/ وهو الرقم الذي يمثل أسماء الله الحسنى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء...(٣٠) البقرة} . فمع ظهور إدريس إكتسب الإنسان هذه الخطوط في كف يده والتي لها معنى روحي بأن تكوين الإنسان على سطح الأرض قد أصبح فيه ذلك الجزء من روح الله التي نفخها في آدم عند خلقه . هذه المعلومة ذكرها الله عن إدريس في سورة يوسف {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)} . هذه الحادثة ليست موجودة في قصة يوسف في التوراة ولكن الله أضافها في سورة يوسف كرمز لإدريس . إدريس علم الناس الخطوات الأولى لبناء مجتمع إنساني كمرحلة أولى تجعله مختلفا عن المجتمعات الحيوانية ، وعندما أنهى مهمته رفع الله إليه {وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ ٱللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ ٱللهَ أَخَذَهُ" (٥ : ٢٤) التكوين}.
هابيل في ولادته الثالثة كانت بأسم (يوسف بن يعقوب) في الديانات السماوية ، أما في الحضارة المصرية فأسمه (أمحوتب) ومعناه (الذي جاء في سلام) . يوسف (أمحوتب) هو أول من وحد مصر العليا مع مصر السفلى بشكل سلمي وبدون إستخدام القوة والسلاح كما كان يحصل من قبل والتي كانت نتائجها تفشل دوما بعد سنوات قليلة . حيث إستغل يوسف سنوات العجاف التي ضربت مصر ، فعندما رأى يوسف الجوع الذي يعاني منه شعب مصر العليا تعامل معهم بمحبة وسلام وأعطاعم الطعام مجانا وتوحدت مع مصر السفلى . أمحوتب المصري (يوسف) يُعتبر بالنسبة لعلماء التاريخ هو أكبر لغز في الشخصيات التاريخية مثله مثل لغز بناء الأهرامات . فلا أحد يعلم من أين أتى وأين أختفى فجأة ، ولا يعلم أحد كيف ظهر هذا الشخص فجأة وهو يملك جميع تلك المعارف والعلوم ، فهو أول مهندس معماري وأول طبيب في التاريخ ، وكان رئيسا للكهنة والنحاتين والرسامين ومسؤولا عن جميع نواحي إدارة البلاد . صفة شمولية المعارف في يوسف عليه السلام ذكرها سفر التكوين بشكل رمزي {وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه لأنه ابن شيخوخته، فصنع له قميصا ملونا (٣)} القميص الملون هو رمز تعدد وتنوع علوم يوسف ، فكل لون هو رمز لعلم خاص بذاته . القرآن الكريم أيضا إستخدم رمز القميص في سورة يوسف ، فكلمة (قميص) ذُكرت /٦/ مرات في /٣/ أحداث مختلفة . ولهذا النصوص الدينية المسيحية تستخدم الرقم (٦٦٦) كرمز لعدو المسيح (الأعور الدجال) لأن دوره الحقيقي هو إستخدام العلوم التي علمها يوسف للبشرية ولكن بعد حذف القسم الروحي منها من أجل تدمير البشرية ولهذا أسمه (الأعور) كونه يستخدم الرؤية المادية فقط . فالألوان الرئيسية للضوء التي هي رمز قميص يوسف هي ثلاثة (أزرق ، أخضر، أحمر) وهي التي تشكل ألوان قوس قزح حيث توحيد هذه الألوان يعطي اللون الأبيض وهو النور الذي منه إنبثق كل شيء في هذا الكون . أما الألوان الرئيسية في قميص الأعور الدجال فهي الألوان المادية (أحمر، أصفر، أزرق) المستخدمة في الرسم حيث إتحادها ينتج عنه لون داكن شبيه باللون الأسود ، حيث اللون الأسود هو لون الموت والفناء . ولهذا الآية القرآنية من سورة يوسف تذكر {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ.. (٦٧)} . والتفسير الصحيح لهذه الآية الملائم لعصرنا الحاضر هو أن من يريد معرفة شخصية يوسف في التاريخ عليه أن يستخدم جميع أنواع العلوم ، فكل باب هو علم . القرآن يستخدم الباب كرمز لعلم معين أما التوراة فتستخدم اللون كرمز لعلم معين .
النبي يوسف هو مؤسس عصر الأهرامات في مصر . المصريون القدماء ومن شدة إعجابهم بشخصيته رفعوه بعد وفاته بقرون عديدة (وبوحي إلهي) إلى درجة (إله) والإله في العقائد الدينية القديمة لا تعني (الله الذي خلق آدم) ولكن تعني الأعلى مكانة في المهنة أو العمل المسؤول عنه في تعليم كيفية تأمين الحاجات الروحية والمادية للإنسانية ، تماما كما تستخدم في العبارات (رب العائلة ، رب العمل ، ... إلخ) . المصريون القدماء أعطوا النبي يوسف عدة الألقاب حسب زوايا رؤية كل منهم له وكتبوا عنه بوحي إلهي أساطير عديدة تشير إلى أعماله وفكره وتأثيره على مصر والإنسانية ، فبعضهم سماه الإله (حوروس) إبن أوزريس (رمز آدم) وإيزيس (رمز حواء) ، الذي ولدته أمه عن طريق إتصال روحي بزوجها إوزريس بعد وفاته ، حيث إستطاع حوروس الإنتصار على ست (رمز الشيطان إله الفوضى) الذي أخذ العرش من والده أوزريس بعد أن قتله . البعض الآخر سماه (تحوت) الإله الذي خُلق من العدم بإرداته هو شخصيا (كرمز لظهور هابيل على سطح الأرض بتدخل إلهي وليس بسبب علاقة جنسية بين رجل وإمرأة) . تحوت عند المصريين القدماء يُمثل إله القوانين والفضيلة والأخلاق وهو الذي علمهم الكتابة والحساب .
اليونانيون والرومان القدماء أيضا وبوحي إلهي أطلقوا على تحوت (يوسف) أسم (هرمس ثلاثي العظمة) (باليونانية Ἑρμῆς ὁ Τρισμέγιστος، وباللاتينية Mercurius ter Maximus) أي ثلاثي التعليم ، والمقصود به في الحقيقة ثلاثي الألوان (ازرق ، أخضر، أحمر) حيث كل لون هو رمز لنوع من العلوم الثلاثة (دينية ، إنسانية ، مادية) حيث بتوحيدها تعطينا علم واحد شامل وهو الفلسفة (علوم الحكمة) والتي تمثل رمز اللون الأبيض (النور) ، الفلسفة هي لغة جميع الكتب المقدسة . وهنا نقصد الفلسفة كما كانت عليه قبل ظهور الفيلسوف المزيف كارل ماركس (١٨١٨-١٨٨٣) فجميع كليات الفلسفة اليوم لا تقوم بتدريس الفلسفة كعلم شامل لجميع أنواع المعارف ، فهي تعتمد منطق ماركس هذا الفيلسوف المزيف الذي حذف القسم الروحي منها وجعلها تبحث برؤية مادية بحتة في جميع الأمور والأحداث فتحولت الفلسفة الحديثة إلى علوم إجتماعية وسياسية لا علاقة لها نهائيا بعلوم الحكمة . (هذا الموضوع سنشرحه في المقالة القادمة إن شاء الله عندما نتكلم عن حقيقة شخصية الأعور الدجال).
بعد وفاة يوسف عليه السلام إنقسمت علومه إلى قسمين : روحية ورمزها (٨) ومادية ورمزها (١) . المادية (١) ذهبت إلى اليونان ومنها إلى أوروبا . أما الروحية (٨) فذهبت إلى الشرق (آسيا) وظهرت منها ديانتين : الهندوسية واليهودية .
من الديانة الهندوسية ظهرت جميع الديانات الشرقية والتي تعتمد عقيدة (التقمص) والتي تعني كمبدأ بأن الإنسان يولد عدة مرات وفي كل مرة يولد فيها يحمل معه صفات نتائج أعماله في حيواته السابقة لهذا لا يحق لأي شخص أن يتزمر ويعترض على القدر ويقول " لماذا ولدت قبيحا أو فقيرا أو غبيا ... إلخ" ، فجميع الصفات الجسدية والعقلية وكذلك نوعية ومستوى الحالة الإجتماعية المحيطة به عند ولادته سواء كانت حسنة أو سيئة هي جزاء أعماله في حيواته الماضية . تعاليم هذه الديانة بمختلف مذاهبها تعتمد منطق أن الإنسان خُلق كائنا ضعيفا مشوه التكوين كما تقول الآية القرآنية في سورة التين {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } . لهذا لكي يعود تكوينه إلى (أحسن تقويم) عليه أن يقوم بتنقية تكوينه من الشوائب ليستطيع الخلاص من العذاب وآلام وصعوبة ظروف الحياة . وأن صفات الإنسان الكامل قد وضعها الله حول الإنسان في الطبيعة ، فحتى يقوم الإنسان بتقويم نفسه عليه أن يختار أجمل صفات الطبيعة من حوله ويعمل بها ليكتسبها . لهذا كانت أبحاث الكهنة الهندوسيين القدماء تهتم بدراسة الطبيعة (مخلوقات وظواهر طبيعية) ، فتقديس المخلوقات في الهندوسية لا تعني عبادتها كما يفسرها المسلمون ويسخرون منها ، ولكن تعني فهم الصفة الحسنة في كل كائن حي وعلاقتها بالتكوين الإنساني لتحل مكان صفة قبيحة تشوه تكوينه الإنساني . فالهندوسيون يؤمنون بوجود إله واحد خلق الكون بأكمله ، وهذا الإله بالنسبة لهم هو في الحقيقة ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم ورمزه (١٨) والذي مع خلق حواء من آدم إنقسم إلى قسمين : آدم المذكر ورمزه (١) ، وحواء الأنثى ورمزها (٨) . لهذا في سورة النساء تذكر الآية {...لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ .. (١١)} . فرمز الذكر هو الشكل (١) الذي يتألف من خط واحد . أما رمز الأنثى فله الشكل (٨) الذي يتألف من خطين متحدين في الأعلى ، فالمقصود في الآية هو توضيح الفرق الروحي بين رمز الذكر ورمز الأنثى في الكون. فمن هذه الروح العالمية التي رمزها (١٨) تم خلق كل محتويات الكون من جماد وأحياء . الله الذي خلق آدم في الجنة ، لا يتدخل بما يحصل في الكون بشكل مباشر ولكن بشكل غير مباشر ، فهو وضع شفرة إلهية في ذلك الجزء من روحه (١٨) بحيث تسيطر على تطور كل شيء يحصل في داخل الكون ، تماما مثل شيفرة (DNA) الموجودة في البويضة الملقحة ، فهي التي تنظم وتعطي جميع صفات شكل الإنسان بأدق تفاصيله . أما هابيل فدوره داخل الكون مثل دور (RNA) الرسول وهو تنفيذ مراحل هذا المخطط الإلهي.
تحية المسلم للآخرين هي عبارة (السلام عليكم) أما التحية عند الهندوسيين فهي عبارة (أنمستيه) وتعني (أنا أركع لك) والمقصود بها ليس كما فهمها الدكتور زاكر نايك بأنها نوع من الشرك بالله ، ولكن تعني أن خطوط كف يد الإنسان التي تحوي شكل الرمز (١٨) تؤكد على أن الإنسان يحوي في تكوينه جزء من روح الله لهذا فواجب علينا أن نحترمه ونساعده لتظهر هذه الروح بأنقى أشكالها في تكوينه وسلوكه . وللأسف قتل الإنسان اليوم عند بعض المسلمين وغير المسلمين أصبح كقتل صرصور أو بعوضة دون الإحساس بأي تأنيب ضمير.
الديانة اليهودية هي رمز الخط الثاني من الرمز (٨) ، وظهرت عندما خرج موسى عليه السلام مع قومه من مصر حيث حملوا معهم تابوت جسد يوسف . وكما تشير الرموز في (سفر الخروج) أن جسد يوسف رغم مرور حوالي /١٤٠٠/ عام على وفاته لم يفسد وبقي كما كان عليه عندما كان على قيد الحياة . هذا التابوت هو الذي أضاء الطريق أمام موسى وقومه ليسلكوا الطريق الذي أختاره الله لهم لينقذهم من فرعون . وبما أن بعض المصريين القدماء عندما رأوا أن جسد يوسف لم يتحلل وأنه سيعود إلى الحياة ، لهذا قاموا بتشويه تعاليم يوسف واستخدموا التحنيط كوسيلة شخصية للحفاظ على الجسد من أجل ضمان عودتهم إلى الحياة ثانية . لهذا الديانة اليهودية إعتمدت مبدأ يكمل مبدأ عقيدة الديانة الهندوسية ، وهو أن الإنسان يحوي في تكوينه جزء بسيط من ذلك الجزء الروحي الذي نفخه الله في آدم (١٨) ، وأن عملية تنقية التكوين الإنساني والوصول إلى الكمال يحتاج إلى تنقية المجتمع الإنساني بأكمله ولهذا فإن هذا الهدف هو هدف جماعي وليس فردي . لهذا اليهود على زمن موسى عليه السلام لم يؤمنوا بعقيدة يوم الحساب (الجنة ، جهنم) وعقيدة التقمص ، فالإيمان بالله عند اليهود يفرض عليهم القيام بالأعمال الصالحة والإبتعاد عن المكروه والمنكر ليس من أجل مصلحة شخصية (دخول الجنة) كما أصبحت عند المسلمين والمسيحيين اليوم ، ولكن من أجل إستمرار العناية الإلهية بالمجتمع اليهودي بجميع أفراده لضمان سعادة الأبناء والأحفاد والأجيال القادمة .
الولادة الرابعة لهابيل كانت بأسم عيسى إبن مريم . ولادة عيسى تمت تماما مثل ولادة إله تحوت المصري بطريقة ذاتية . روح هابيل هي التي جاءت إلى مريم كملاك أرسله الله (جبريل) . فمريم هنا تمثل رمز حواء التائبة ، فبدلا من أن تخرج حواء من جسد آدم كما حصل في الجنة ، هذه المرة خرج عيسى من جسد مريم . لهذا كان أسم الرجل الذي خطب مريم قبل حملها بعيسى هو (يوسف بن يعقوب النجار) وهو نفس إسم النبي يوسف . فإسم خطيب مريم لم يكن صدفة ولكن علامة إلهية لها معنى أن سبب الحمل عند مريم هو النبي يوسف الذي ولد من جديد بأسم عيسى (يسوع) ، والذي معناه (الله ينجي) .
في زمن عيسى عليه السلام كان اليهود منقسمين إلى قسمين : الأول ساروا على عقيدة موسى عليه السلام، لهذا لم يؤمنوا بعقيدة يوم الحساب ، أما القسم الثاني وبسبب معاشرتهم لشعب بابل بعد دمار هيكل سليمان وذهابهم إلى بابل كأسرى حرب ، أخذوا منهم عقيدة يوم الحساب . لهذا كان من تعاليم عيسى عليه السلام هو الربط بين الأديان الشرقية مع الأديان السماوية ، فكان من تعاليمه هو التأكيد على وجود يوم البعث والحساب . وكذلك التأكيد على ضرورة عدم إستخدام العنف وحمل السلاح في تحقيق الأهداف السامية . لهذا نجد أن المسيحيون إستطاعوا وبدون عنف واستخدام السلاح رغم الإضطهاد التعسفي الذي عانوه من جنود الأمبراطورية الرومية الذي دام حوالي /٣٠٠/ عام ، أن ينتصروا وأن تصبح المسيحية هي الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومية . فبعد تحقيق هذا الإنتصار نجد أن المسيحيين إنقسموا إلى قسمين : الأول وهم من الشرق يؤمنون بأن عيسى هو إنسان ، والقسم الثاني وهم من الغرب الذين ثقافتهم كانت متأثرة جدا بآلهة الإغريق والرومان يؤمنون بأن عيسى هو إله . فكانت الحكمة الإلهية أن تكون النتيجة هو توحيد الرأيان معا بأن عيسى المسيح هو شخصية مزدوجة (إله - إنسان) لتوضح تماما حقيقة شخصية هابيل الذي يختلف عن جميع البشر كونه الوحيد الذي ولد في الجنة ، بينما جميع البشر بلا إستثناء ولدوا على سطح الأرض . وفي الإنجيل عندما يقول عيسى بأنه (ابن الرب) لا يعني أنه يقول بأنه ابن الله الذي خلق آدم في الجنة ولكن قصده أنه ابن تلك الروح العالمية التي رمزها (١٨) في أنقى أشكالها كما كانت في آدم قبل ظهور حواء ، والآية القرآنية تؤكد هذه الحقيقة {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (٥٩) آل عمران} . فمن هذه الروح العالمية خُلق كل شيء داخل الكون.
جميع البشر بلا استثناء ولدوا وماتوا عدة مرات ، وجميع الرجال إستخدموا السلاح وقَتلوا أو إضطروا إلى ذلك ، فقط هابيل في جميع حيواته (إدريس، يوسف ، عيسى) هو الوحيد الذي يداه نظيفة من دماء أي إنسان ولهذا اختاره الله من بين جميع البشر لينقذهم في آخر الزمان . الله عز وجل يؤكد على صحة هذه المعلومة ، لهذا يذكر في سفر الخروج أن حتى موسى عليه السلام والذي هو نبي الله قد قتل وإضطر إلى الهروب إلى خارج مصر ، وكذلك خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم رغم أنه طوال حياته قبل الهجرة كان إنسان محب للسلام وسلوكه بعيد نهائيا عن أسلوب العنف ولكن في غزوة أُحد نجد أن رسول الله قد إضطر بيده أن يقتل أبي بن حلف . الله عز وجل وضع هذه الحادثة كعلامة يفهم منها جميع المسلمين أن رسول الله في فترة من فترات حيواته السابقة كانت يده ملطخة بالدماء مثله مثل بقية الأنبياء ، ولكن مع الفارق أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانت أعماله في حياته السابقة أرقى منهم فجعلته أكثر شخص مناسب لأن يكون هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، ولهذا اختاره الله لهذه المهمة . وأن يدركوا أيضا أن دين الإسلام العالمي هو دين يوسف عليه السلام والذي في السورة التي تحمل أسمه قال الله {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣)} . قصة حياة يوسف هي أحسن قصة في تاريخ البشرية ، فيوسف رغم أنه كان عبدا في مصر ولكنه وبدون إستخدام العنف والخداع وفقط بعلومه وحكمته إستطاع أن يصبح الحاكم الفعلي لبلاد مصر ، ورغم تلك القوة التي إكتسبها في مصر لم ينتقم من إخوته الذين في البداية أرادوا قتله ولكنهم باعوه ليجعلوه عبدا في مصر ، فرغم ذلك نجده سامحهم وساعدهم ليأتوا بقربه ليعيشوا بسعادة وهناء في سنوات العجاف .
ليس من الصدفة أن الكتاب الأول (سفر التكوين) من التوراة يبدأ بقصة الخلق وينتهي بقصة يوسف ، فعنوان الكتاب( التكوين) المقصود به رمزيا ما حصل وما سيحصل منذ بداية الخلق وحتى قيام الساعة ونهاية الكون . فمع الظهور الأخير للنبي يوسف ستصل الإنسانية إلى الكمال ، ولهذا وضع الله الآية القرآنية (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ..) في سورة يوسف . فالنبي يوسف هو الذي سيحقق الإنتصار الأخير على روح السوء العالمية ليجعل البشرية بأكملها لها أصل روحي واحد وهو آدم وحواء بحيث تكون خالية من أي شائبة شيطانية .
إذا جمعنا كل ما كتب عن (المُخلص) الذي سينقذ البشرية في آخر الزمان وتمعنا في رموزها جيدا سنجد أن هذا المخلص العالمي الذي سينقذ البشرية سيأتي على شخصية النبي يوسف صاحب أجمل تكوين بين البشر كونه ولد في الجنة ، فصاحب هذا التكوين الذي وصفه الله في الآية (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) سيستخدم أجمل وأرقى الطرق في الإنتصار على روح السوء العالمية ، لهذا فهو لن يستخدم الأسلوب الهمجي من عنف وقتل وإنتقام كما يظن علماء الديانات العالمية ، فاستخدام العنف وأسلحة الدمار في الحروب هو أسوأ وسيلة لتحقيق الأهداف فهو يعني إحتواء التكوين الإنساني على غريزة القتل وكذلك يدل على غياب الحكمة ، فاستخدام (المُخلص العالمي) وسيلة العنف والقتل يعني أنه لم يستفد شيئا لا من ظهور الديانات ولا من المعارف والعلوم والتي سار تطورها تحت سيطرة المخطط الإلهي للبشرية . ولهذا في الإسلام يسمى أيضا (المهدي) فهداية الآخرين لا تكون بالعنف والحروب كما تذكر الآية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ .... (٢٥٦) البقرة} . كذلك في الإنجيل نجد أن الله يستخدم (الخروف) كرمز في وصف الشخص الذي سينقذ البشرية من شر المسيح المزيف (الأعور الدجال) في آخر الزمان ، فالخروف هو ابن النعجة ، حيث أسم أم يوسف هو (راحيل) ويعني بالعبرية (النعجة) . ولكن رغم أن يوسف سيكون كالحمل الوديع في تعامله مع الآخرين ولكنه سيستطيع بحكمته وقدراته التي وهبها الله له أن يقضي على الأعور الدجال لأن هذه الشخصية هي روح عالمية وليست جسد حتى يتوجب قتلها ، فهي بدأت تدخل نفوس معظم البشر في عصرنا الحاضر بشكل تدريجي وبشكل مخادع بطرق عديدة ومختلفة منذ أكثر من /١٥٠/ عام ، ولهذا لم ينتبه إليها حتى علماء الدين فكانت النتيجة هي ما نراه يحدث اليوم في الواقع في جميع أنحاء العالم ، فالتاريخ اليوم يكتب في صفحاته (لم تعرف الإنسانية وحشية مثل وحشية العصر الحديث) . إن وصول الإنسانية بأكملها إلى هذا المستوى من الوحشية سببه الحقيقي هو عمى البصيرة (أعور) الذي أصاب جميع شعوب العالم .
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتكلم عن حقيقة شخصية الأعور الدجال ، ليتوضح لنا بشكل أفضل حقيقة ما يحصل اليوم ...... والله أعلى وأعلم .
ز . سانا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق