الجمعة، 12 يونيو 2015

خواطر من الكون المجاور الخاطرة 38 .. تشويه الزمن

الخاطرة 38 : تشويه الزمن

في فيلم سوبرمان الجزء اﻷول توجد حادثة ملفتة للنظر ، حيث يحدث زلزال نتيجة إنفجار صاروخ نووي فتنشق اﻷرض وتسقط في الشق سيارة الصحفية حبيبة سوبرمان أثناء ذهابها إلى إحدى المناطق ، فتنهمر اﻷتربة على السيارة وعندما يصل إليها سوبرمان لينقذها تكون قد فارقت الحياة ،
فيغضب سوبرمان بشدة ويصرخ بقوة متحديا ما حدث ، ثم يحلق بالسماء وبسرعة خارقة يبدأ بالدوران حول الكرة اﻷرضية بجهة معاكسة لدوران اﻷرض ، فينشأ من دورانه الخارق نوع من الخلل في الجاذبية ويجبر الكرة اﻷرضية في الدوران بجهة معاكسة ، ومع دورانها المعاكس يعود الزمن أيضا إلى الماضي إلى فترة ما قبل إنفجار الصاروخ النووي فتعود حبيبته إلى الحياة وطبعا يعود كل شيء على ما كان عليه قبل حدوث اﻹنفجار.
حسب رأي كاتب قصة هذا الفيلم أن سريان الزمن إلى المستقبل يحدث بسبب دوران اﻷرض حول نفسها من اليسار إلى اليمين ، وهذا يعني أنه إذا إستطعنا بطريقة ما أن نجعل الكرة اﻷرضية تدور بجهة معاكسة أي من اليمين إلى اليسار ( كما فعل سوبرمان ) فإن سريان الزمن سيجري بشكل معاكس وسنعود إلى الماضي. وهذا يعني - حسب إعتقاد كاتب قصة سوبرمان- أن الزمن في كوكب الزهرة يعود إلى الماضي بشكل مستمر ﻷن دورانها حول نفسها له جهة معاكسة لدوران اﻷرض حول نفسها بشكل دائم.
قد يقول البعض بأنه فيلم سينمائي و ان مثل هذه اﻷفكار الساذجة موجودة في أغلب قصص اﻷفلام السينمائية ، فمن المعروف عن اﻷفلام السينمائية أنها تعتمد على مثل هذا النوع من اﻷفكار الساذجة لتخلق نوع من الغرابة والتشويق في نفس المشاهد. ولكن من يحاول تحليل آراء علماء العصر الحديث عن مفهوم الزمن سيجد أن آرائهم عنه بشكل عام تؤدي إلى ظهور آراء ساذجة كالذي رأيناه في فيلم سوبرمان ، فآراءهم تخفي داخلها نفس السذاجة ولكن مع إختلاف واحد هو أن العلماء يستخدمون قوانين فيزيائية ورياضية تجعل اﻹنسان غير المتخصص في مثل هذه العلوم أن يقف أمامهم دون أن يستطيع أن يفهم شيء مما يقولونه، ولذلك فهو لا يستطيع أن يتحقق فيما إذا كانت آرائهم منطقية فعلا أم دجل، فمن يتمعن فيها جيدا يفهم أن هدف رأي كل عالم هو فقط إثارة الرأي العام نحوه لتنتشر أرائه عبر وسائل اﻹعلام لينال الشهرة والمجد. فنحن وللأسف نعيش في عصر حيث معظم علمائه يهتمون بمصلحتهم الشخصية أكثر بألف مرة من إهتمامهم بمصلحة اﻹنسانية. فعصرنا نفسه بدأ بتيار فني إسمه التأثرية ، فما هو المهم في اللوحة التشكيلية هو فقط خلق نوع من التأثير داخل نفس المشاهد ، أما عن نوعية و نتيجة هذا التأثير ، فيما إذا كانت نتيجته سلبية أم إيجابية على نظام المجتمع وسلوك أفراده فهذا لا يهم الفنان نهائيا ، المهم هو خلق نوع من التأثير في نفوس المشاهدين لينال الشهرة والمجد . وهذا تماما وللأسف ما يحدث اﻵن في آراء علماء الفيزياء وعلماء الكوزمولوجيا ( الكون)، والمشكلة الكبرى أن علم الفيزياء وصل إلى مستوى معقد من حيث قوانينه الرياضية بشكل لا تسمح لبقية اﻷختصاصات التأكد من صحة هذه القوانين أو خطأها ، فنجد العالم الفيزيائي الكوني ستيفن هوكنج يقول بما معناه ( أن علم الفيزياء تقدم جدا ولم يعد بمقدور الفلاسفة إستيعاب معلوماته ليستطيعوا تفسير ما يحدث في الكون).
إن ظهور خرافة السفر عبر الزمن في عصرنا ومحاولة إثبات إمكانيتها من علماء الفيزياء لم يحدث صدفة ،ولكن كان نتيجة حتمية للإنحطاط الروحي الذي بدأ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في جميع مجالاته الفكرية والذي اليوم تعاني منه المجتمعات اﻹنسانية في جميع مناطق العالم. ، فالتقدم التكنولوجي الفجائي الذي حدث على حساب التقدم الروحي في بداية القرن الماضي ، جعل اﻹنسان يشعر بشيء من العظمة ،تماما مثل ذلك الإنسان الفقير الذي فجأة ربح الجائزة اﻷولى في اليانصيب فإختل عقله نتيجة تحوله الفجائي من شخص ضعيف عاجز إلى إنسان غني قوي يستطيع أن يفعل كل ما يحلو له عن طريق أمواله. فظن نفسه أنه أصبح شيء عظيم ، عظيم جدا، وهذا ما حصل مع علماء عصرنا فمع هذه اﻹكتشافات الجديدة كثير منهم ظنوا أنفسهم أنهم أصبحوا آلهة يستطيعون تحقيق كل ما يحلمون به وأنه لا يوجد أي قوة تمنعهم من ذلك ، وأحد أحلامهم هذه كانت السفر عبر الزمن ، سواء السفر إلى المستقبل أو إلى الماضي. ورغم أن معظم العلماء في السنوات اﻷخيرة قد تأكدوا تماما بأن السفر عبر الزمن يمكن أن يحدث فقط إلى المستقبل ولكن بعضهم لايزال مصرا ويحاول إثبات أن السفر إلى الماضي يمكن تحقيقه أيضا. هذه الفكرة بالذات تحمل في داخلها الشعور باﻷلوهية ﻷن تحقيقها يعني إمكانية تغيير سنة الله في الخلق، وفي اﻷسطر التالية سنحاول شرح مفهوم الزمن لنستطيع فهم مدى إنحطاط اﻹدراك الروحي الذي يعاني منه علماء العصر الحديث.
منذ ولادة العلوم واﻹنسان يحاول فهم معنى الزمن، كثير من الفلاسفة عبر التاريخ حاولوا وضع مفهوم متكامل لمصطلح الزمن، ورغم المحاولات الكثيرة كان العلماء والفلاسفة دوما يجدون أن مفهوم الزمن كما وضعه السابقون يعاني من بعض النقص، لذلك حاولوا بدورهم تعديله وتصحيحه وكانت جميع محاولاتهم تحاول كشف جانبه الروحي ، حتى جاء العالم الفيزيائي الشهير ألبرت أنشتاين في عام 1905 ومن خلال نظريته الشهيرة ( النسبية ) جرد مفهوم الزمن من روحانيته وجعله شيء مادي وذلك حين وصفه بأنه البعد الرابع للأشياء ، فكل شيء كما هو معروف من اﻷزل له ثلاثة أبعاد (الطول ، العرض ،اﻹرتفاع ) ومع ظهور النظرية النسبية أضاف أنشتاين الزمن لهذه اﻷبعاد الثلاثة وأصبح البعد الرابع. وكانت هذه هي المحاولة اﻷولى في تشويه مفهوم الزمن ورغم معارضة معظم العلماء هذه الفكرة في البداية ، ولكن التجارب العلمية المستمرة التي حدثت سواء أثناء وجود أنشتاين على قيد الحياة أو بعد وفاته كانت تؤكد دوما على صحة قوانين أنشتاين وبدقة كبيرة جدا وهذا ما دفع العديد من العلماء بعد وفاته أن يؤمنوا بصحة آرائه وقوانينه أكثر من إيمانهم بآيات الكتب المقدسة ،وهكذا تحول أنشتاين في فكر العديد من العلماء من عالم فيزيائي إلى رمز للعبقرية والذكاء.
الكون بأكمله كما يعرفه علماء العصر الحديث وكما يدرس في المدارس هو كون آنشتاين ، وذلك ﻷنهم إما أنهم يستخدمون نفس القوانين التي وضعها أنشتاين لتفسير الظواهر الكونية ، أو أنهم يستخدمون قوانين جديدة ولكنها هي أيضا تعتمد نفس مبدا فكر أنشتاين. لذلك نجد أن علم الفيزياء نفسه اليوم يعاني من مشكلة كبيرة حيث نجد أن فيزياء أنشتاين النسبية (الفيزياء التي تدرس عالم الكبائر ) تتعارض نهائيا مع الفيزياء الكمية ( الفيزياء التي تدرس عالم الصغائر) فكل واحدة منهما تحاول فناء اﻷخرى. وكأن كل فيزياء منهما وضعها خالق يختلف عن الخالق اﻵخر، لذلك نجد أن الكثير من علماء الفيزياء اليوم في محاولتهم توحيد فيزياء الكم وفيزياء النسبية ، قد خرجوا بأراء لا يمكن وصفها سوى بـ (الهلوسة) ، والمشكلة أنه لا أحد يستطيع وضع حد لمنع إستمرار هذه الهلوسات ﻷن آرائهم تعتمد على قوانين رياضية معقدة جدا لا يفهمها سوى أصحاب هذه اﻵراء أنفسهم ، لذلك نجد أن الهلوسة في محاولة تفسير الظواهر الكونية، تسير من السيء إلى اﻷسوء، فنجد بعد سنوات قليلة من ظهور نظرية أنشتاين التي تؤكد على وجود بعد رابع للأشياء ،ظهرت نظرية أخرى تؤكد على أن اﻷبعاد ليست فقط أربعة ولكنها خمسة وبعد بضع سنوات أخرى ظهرت نظرية آخرى تؤكد على أن اﻷبعاد هي إحد عشر بعدا وأخر يقول بأنها ستة عشر وأخر يقول واحد وعشرون بعدا!! ... وإعتمادا على هذه النظريات الجديدة نجد أن أحد العلماء يبرر مشكلة تغيير اﻷحداث إذا ما تحقق السفر عبر الزمن إلى الماضي ، فيقول إنه إذا عاد شخص ما إلى الماضي وحاول قتل جده قبل أن يلد والده ، فإنه لن يقتل جده ولكن سيقتل شخص آخر مشابه تماما لجده ﻷنه يوجد في كون آخر ، فبهذه الطريقة حسب رأيه لن يكون هناك المقدرة في التدخل لتغيير اﻷحداث.
أنشتاين نفسه يقول ( إنه من الغباء أن نكرر نفس التجربة وفي نفس الشروط ونأمل أن نحصل على نتيجة مختلفة ) . وهذه هي تماما مشكلة عصرنا الحديث حيث العلماء والمفكرين يؤمنون بصحة جميع النظريات الحديثة التي تدرس في المدارس والجامعات ويأملون بواسطتها أن يتوقف هذا اﻹنحطاط الروحي الذي تعاني من اﻹنسانية والذي يسير بإستمرار من السيء إلى اﻷسوأ.
في اللغة العربية نستخدم كلمة ( وقت ) للتعبير عن الزمن بشكله العام، فنقول مثلا ( مضى الوقت بسرعة ) .أما كلمة ( الزمن ) فتستخدم لتحديد الوقت بدقة أو كمقياس فنقول ( زمن دوران اﻷرض حول نفسها يعادل 24 ساعة ). فكلمة الزمن والوقت بشكل عام هي مصطلحات تستخدم في التعبير عن حالة تغيير. فكل شيء في هذا الكون في حالة حركة والحركة تخلق نوع من التغيير. وعندما يكون هذا التغيير بشكل منتظم عندها يأخذ مصطلح زمني ، مثلا دوران اﻷرض حول نفسها يحدث مرة واحدة كل يوم ومع دورانها ينقسم اليوم إلى قسمين نهار وليل ، كل قسم مدته -في منطقة خط اﻹستواء - يعادل 12 ساعة ،هذا التغيير في الضوء والظلام يحدث بإنتظام، وبشكل دائم.
أيضا من دوران الأرض المنتظم حول الشمس ، ظهر المصطلح الزمني ( السنة ) ومدتها 365 يوما ، وتم تقسيمها إلى أربعة فصول حسب تغيرات الطقس ( شتاء، ربيع ، صيف ، خريف ) وكل فصل تم تقسيمه إلى ثلاثة أشهر ليعبر عن بداية الفصل وشدته ونهايته. وكل شهر تم تقسيمه إلى أربعة أسابيع ، واﻷسابيع إلى سبعة أيام. واﻷيام إلى 24 ساعة. جميع هذه المصطلحات هي كلمات مساعدة تسمح للإنسان المقدرة على تحديد مقدار التغيير ، فالنهار يبدأ بشروق الشمس ومعها يبدأ تزايد درجة اﻹضاءة إلى أن تصل في أوجها عند الظهر ثم تقل حتى تصل إلى الغروب ويبدأ المساء ، جميع هذه التغيرات تم قياسها ووضعها في نظام معين لتسهل أسلوب عمل الإنسان يوميا من حيث مدة النوم واليقظة، وكذلك نفس الشيء يحمل مصطلح (السنة ) فهو يبدأ بفصل الشتاء حيث درجة الحرارة منخفضة جدا ومع دخول فصل الربيع تبدأ درجة الحرارة باﻹرتفاع وفي فصل الصيف تصل إلى أوجها ، ثم تبدأ باإنخفاض ثانية مع الدخول في فصل الخريف ، فهذا التقسيم وهذه المصطلحات الزمنية كان هدفها فهمم وتقدير درجة التغيير في درجات الحرارة واﻹضاءة لتحديد موعد نشاط اﻹنسان كالحراسة والزراعة والحصاد مثلا .. وعلى نفس المبدأ ظهرت جميع المصطلحات الزمنية لتقدير كمية التغيير بشكل دقيق ضمن نشاطات اﻹنسان اليومية والسنوية .لذلك نجد حدوث تطور أجهزة قياس الزمن مع تطور حاجات اﻹنسان. ففي اﻷزمنة القديمة كان اﻹنسان يعتمد على الساعة الرملية والمائية والشمسية وكانت نسبة الدقة فيها ضئيلة جدا، لعدم وجود أي حاجة ضرورية في الدقة ، وفي القرن الثامن عشر نجد ظهور ساعة تحوي عقارب الدقائق ، وفي القرن التاسع عشر نجد ظهور الساعة التي تحوي عقارب الثواني، واليوم ظهرت الساعة الذرية ولديها المقدرة على قياس زمن قدره جزء من المليار من الثانية.
إن عمليات إكتشاف هذه المصطلحات وهذه اﻷجهزة التي تقيس الزمن جميعها سببه هو شيء واحد المقدرة في قياس حجم التغيير الذي يحصل في الشيء ، فكل شيء في هذا الكون يوجد في حالة تغيير أو بشكل أصح يوجد في حالة تطور ، لذلك فإن إعتبار الزمن كبعد رابع للأشياء أدى إلى تشويه مفهوم الزمن ﻷن الزمن ليس بعدا فهو الذي يخلق الأبعاد الثلاثة اﻷخرى ، الزمن هو روح الشيء والتي تقوم بعملية التغيير والتطوير.وكما يقول الحديث الشريف ( الدهر هو الله ).
الله عز وجل عدا الكتب المقدسة أوحى لبعض الناس بأفكار وصور والتي منها نتجت ما نسميه أساطير، هذه اﻷساطير هي حكايات تساعدنا في فهم بعض أﻷشياء الروحية والتي يصعب على عقل اﻹنسان إكتشافها بمفرده ، رغم أن كثير من هذه اﻷساطير عبر التاريخ تم تشويهها فظهرت بصور مختلفة عن شكلها البدائي ولكن اﻷساطير التي جاءت من عند الله بقيت كما هي ، ومن يبحث في مضمون اﻷساطير ويقارنها بقصة الخلق وقصص اﻷنبياء ، وباﻹستعانة بالعلوم المختلفة يمكن للباحث أن يحدد تلك اﻷساطير التي بقيت كما أوحى بها الله في شكلها الصحيح. إحدى هذه اﻷساطير هي اﻷسطورة اﻹغريقية عن إله الزمن ( كرونوس ).
اﻷسطورة تذكر أن إله الزمن ( كرونوس ) قتل والده وإستولى على عرشه، وﻷن والده قبل موته قد أخبره بأن أحد أبنائه سيفعل به كما فعل هو بأبيه ، لذلك راح يلتهم كل طفل مذكر تنجبه له زوجته ليحافظ على حياته وعرشه. وعندما رأت زوجته (ريا ) يلتهم إبنها ( آذيس ) ثم إبنها الثاني (بوسيذون ) قررت أن تحتال على زوجها لإنقاذ حياة أطفالها. لذلك عندما أنجبت إبنها الثالث ( زبوس) أرسلته إلى جزيرة كريت ليكبر هناك بعيدا عن أعين زوجها ، وبدلا منه راحت وقدمت لزوجها حجرة على شكل طفل رضيع ،فأخذها وإلتهمها ظانا بأنها إبنه الجديد.
عندما كبر اﻹبن الثالث زيوس وأصبح شابا عاد إلى بلاده لينتقم من أبيه ، وطلب المساعدة من زوجته ( ميتيس) ، وهذه بدورها ذهبت وأعطت إله الزمن ( كرونوس ) شرابا جعله يتقيأ ويخرج إخوة زيوس (أذيس وبوسيذون ) من معدته. وهكذا وبمساعدة إخوته اﻹثنين شن زيوس معركة ضد أبيه دامت عشر سنوات ومعروفة بإسم ( صراع الجبابرة ) حيث إنتصر فيها زيوس على أبيه وأخذ العرش منه، تماما كما تنبأ له والد كرونوس قبل وفاته.ومنذ ذلك الوقت راح سكان تلك المنطقة المعروفة اليوم بإسم ( أولمبيا ) يقومون بتنظيم اﻷلعاب اﻷولمبية كل أربع أعوام إحتفالا بذكرى إنتصار زيوس على أبيه كرنوس إله الزمن.
للأسف جميع العلماء والمفكرون - وخاصة علماء الدين - ينظرون إلى هذه اﻹسطورة على أنها خرافة من خرافات الشعوب القديمة، لذلك فهم لا يحاولون الربط بين ما يحدث في هذا الكون وبين أحداث هذه الأسطورة، ولكن من يتمعن بها جيدا ويحاول فهم مضمونها يستنتج أنها ليست من عقل إنسان ولكنها من عند الله ،وأن أحداثها لها معاني رمزية تساعدنا في فهم الناحية المادية لقصة الخلق. فقصة الخلق المذكورة في الكتب المقدسة هي القسم الروحي منها أما اﻷساطير فهي قسمها المادي لذلك حتى نفهم قصص الكتب المقدسة ونحدد مكانها في الكون وتطوره لا بد من دمجها مع اﻷساطير التي تناسبها.
أنظروا جيدا إلى توافق أبطال االأسطورة مع أﻷبعاد اﻷربعة كما وضعها أنشتاين في نظريته النسبية ، ولكن بطريقة محرفة تماما. في النظرية النسبية، نجد أن الزمن هو بعد رابع مثله مثل بقية اﻷبعاد الثلاثة اﻷخرى ( الطول ،العرض ،اﻹرتفاع ) ، ولكن في الأسطورة ، نجد أن الزمن ليس بعدا ولكنه هو الذي يصنع اﻷبعاد الثلاثة اﻷخرى فالزمن هو اﻷب الذي ينجب اﻷبعاد الثلاثة اﻷخرى ( أبنائه : أذيس، بوسيذون، زيوس)، أنظروا إلى التوافق بين معاني اﻷبعاد ونوعية عمل كل إبن :
- اﻷبن اﻷول آذيس هو إله العالم السفلي ويمكن إعتباره البعد الأول من بعدي القاعدة وهو ( الطول).
- اﻷبن الثاني بوسيذون وهو إله البحار ، ويمثل البعد الثاني من بعدي القاعدة وهو (العرض) ، فإجتماعه مع البعد اﻷول يعطينا مستوى القاعدة اﻷفقي، تماما كما يحدث في سطح الماء المستوي. لذلك كان اﻹبن الثاني رمزه إله البحار.
- اﻹبن الثالث زيوس وهو إله السماء (البرق ) والذي يمثل البعد الثالث ( اﻹرتفاع).
هذه اﻷسطورة تصور لنا ما حدث قبل ااﻹنفجار الكبير حيث كان الزمن فيها من النوع السلبي أي التغيير فيها كان يسير نحو الفناء المطلق، وعندما ظهر البعد الثالث وإتحد مع اﻷبعاد (الطول والعرض ) أدى إلى التضخم الفجائي المعروف بإسم اﻹنفجار الكبير (big bang) والذي يمثل (صراع الجبارة) وعندها ولد الزمن اﻹيجابي وظهرت المادة ( الحجم ) ، وتشكلت جميع مكونات الكون كما نعرفها اﻵن. فما حدث قبل اﻹنفجار الكبير يحدث بنفس الطريقة في الثقوب السوداء ،حيث يتحول الزمن من زمن إيجابي ( مولد للمادة ) إلى زمن سلبي ( مستهلك للمادة ).لذلك نجد أن كلمة الزمن بمعناه العام في اللغة اليونانية هي ( خرنوس ) وتعبر عن الزمن اﻹيجابي حيث الحرف الأول فيها يختلف عن كلمة إله الزمن السلبي فبدل حرف (ك) نجده قد تحول إلى حرف (خ ) للتفريق بين الزمن السلبي (كرونوس ) والزمن اﻹيجابي( خرونوس)، فالزمن في الثقوب السوداء هو من النوع السلبي ( كرونوس ) أما خارج الثقوب السوداء فهو إيجابي من النوع (خرونوس ) ، فما يعرفه علماء الكون عن الثقوب السوداء وعن إستخدامها في تحقيق عملية السفر عبر الزمن هو من أغبى الخرافات التي ظهرت في تاريخ اﻹنسانية ، ﻷن كل شيء يدخل الثقب الأسود يتحول فيه الزمن مباشرة من إيجابي إلى زمن سلبي حيث تنهار اﻷبعاد الثلاثة للمادة (الطول والعرص واﻹرتفاع ) ويختفي من الوجود نهائيا ، فما يحدث في الثقوب السوداء هو في الحقيقة الموت المطلق وليس السفر عبر الزمن. لذلك فإن فكرة وجود ثقوب دودية داخل الثقوب السوداء وأن العبور منها يؤدي إلى الظهور في زمن آخر هي فكرة خرافية غبية واﻹيمان بصحتها لا يدل سوى على جهل مطلق لمفهوم التطور الكوني. والشيء نفسه ينطبق على جميع طرق السفر عبر الزمن سواء إلى المستقبل أو إلى الماضي.
النظرية النسبية تحوي معلومات هامة وهذا لايمكن الشك به ولكن سلبيتها تكمن في طريقة طرحها فقد طرحها أنشتاين بشكل خاطئ ومضلل، لذلك وللأسف بدلا من أن تساهم في محاولة فهم المبدأ العام في تطور الكون لنستطيع فهم سبب وجودنا فيه ، ساعدت آرائه في تشتت جميع زوايا النظر لما يحدث في الكون وحولته من كون ذو مفهوم روحي إلى كون مادي خالي من الروح، حيث كل منطقة منه تسير على هواها ، لذلك فإن ظهور نظرية تعدد اﻷكوان كان نتيجة حتمية لهذا المنطق المادي في البحث.
الزمن بمعناه الروحي هو واحد في كل مناطق الكون ، ﻷنه يسير على ساعة مراقب واحد فقط وهذا المراقب هو الله عز وجل. واﻹنسان نفسه يتبع هذه الساعة في محاولة فهمه لما يحصل في داخل الكون ، فحادثة ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام مثلا كحدث تاريخي هي حدث ثابت حدث في نفس اللحظة في جميع أنحاء الكون ، فهو حدث روحي حصل عندما وصل التطور الروحي للكون بأكمله إلى اللحظة المناسبة لولادة عيسى ، لذلك حدثت هذه الولادة ،فهذا الحدث إنتهى قبل 2000 عام بالنسبة للكون بأكمله وليس فقط بالنسبة للكرة اﻷرضية. هذه الحادثة تم تسجيلها في الساعة اﻹلهية وهي الساعة التي تسير عليها أحداث الكون بأكملها حيث جميع عناصره مترابطة فيما بينها ترابط مطلق.
أما أن نفكر بنفس منطق فكر أنشتاين في نظريته النسبية ،فنقول بأن حادثة ولادة عيسى بالنسبة لمخلوقات تعيش في مجموعات نجمية تبعد عنا مسافة 3000 سنة ضوئية لم تحدث بعد ، ﻷن الضوء يحتاج إلى 3000 سنة ضوئية ليصل إليها وهذا يعني أن ولادة عيسى ستحصل بالنسبة لهم بعد 1000 عام ،فهذا اﻹعتقاد ، إعتقاد ساذج ،ﻷنه لا يوجد هناك مخلوقات ذات وعي لتستطيع فهم المعنى الروحي لولادة عيسى . فولادة عيسى كانت حدث روحي عظيم ولا يهم سوى اﻹنسانية نفسها ﻷن اﻹنسان هو فقط المخلوق الذي يحوي في داخله جزء من روح الله. فالكون بأكمله يسير بناء على تطور روح اﻹنسان. والكرة اﻷرضية هي مركز الكون روحيا ﻷنها المنطقة الوحيدة التي تحوي على وعي ،والوعي موجود فقط في اﻹنسان الذي يعيش عليها. وهو سيد مخلوقات هذا الكون الفسيح. فما يحدث في الكرة اﻷرضية مشابه تماما لما يحدث في دماغ اﻹنسان ، فبدون الدماغ ، يخسر اﻹنسان إحساس الوعي لما يجري حوله وينتهي وجوده ككائن حي ، هكذا هو تماما الكون أيضا ، بدون اﻹنسان الكون بأكمله ينتهي كوجود. ( في المقالة القادمة سنتكلم إن شاءالله عن خرافة سكان الفضاء )
كثير من المفكرين المسلمين يستخدمون قصة أصحاب الكهف المذكورة في القرآن الكريم ليثبتوا صحة نظرية أنشتاين في إمكانية السفر عبر الزمن ، فهذه القصة فعلا يبدوا فيها وكأن أصحاب الكهف خلال زمن يعادل يوم وبعض اليوم إنتقلوا إلى المستقبل لفترة زمنية تعادل 300 سنة ، أي أنهم سافروا إلى المستقبل نحو 300 عام خلال يوم وساعات قليلة ، ولكن الحقيقة أنهم لم يسافروا ولكن الله رفع عنهم تغيرات سريان الزمن في أجسامهم لمدة 300 عام. وهذه المقدرة هي خارج قوى اﻹنسان الحالية والمستقبلية ، ﻷن جسم اﻹنسان تم تكوينه بشكل مناسب ليعيش في بيئة الكرة اﻷرضية وهذه البيئة نتجت عن تطور روحي دام أكثر من 14 مليار سنة ،لذلك فإن إي تغيير في هذه البيئة ستؤدي إلى خروج الروح من الجسم الذي يحويها .
فمثلا كاتب سيناريو الفيلم العلمي الوثائقي (هل السفر عبر الزمن ممكن) يأتي بمثال عن إمكانية السفر عبر الزمن فيقول أن رائد الفضاء (سيرغي كريكاليف ) عاش 803 يوم في مركبة قمر صناعي يسير بسرعة 27353 كم في الساعة حول اﻷرض ، لذلك فهو سافر عبر الزمن بمقدار 1 على 48 جزء من الثانية ، وهذا يعني أنه حتى يستطيع السفر عبر الزمن لمدة ثانية واحدة فقط فهو يحتاج أن يعيش في مركبته لمدة 105 سنوات، تصوروا يجب أن يعيش في المركبة الفضائية لمدة 105 عام ليستطيع أن يسبق الزمن الموجود في الكرة اﻷرضية لمدة ثانية واحدة فقط.
لنفرض أننا إستطعنا أن نضاعف سرعة المركبة عشرات المرات حتى تصل إلى سرعة قريبة من سرعة الضوء وكان لهذا الشخص أخ توأم في اﻷرض فإنه بعد مكوثه لمدة 10 سنوات في المركبة الفضائية سيجعله يسافر عبر الزمن إلى المستقبل لمدة عام واحد ، فهذا يعني - حسب أنشتاين - أنه سيكون أصغر من أخاه التوأم بعام واحد ، ولكن الحقيقة إذا ما قارنا بين حالة الأخوين سنجد أن اﻷخ الذي أمضى حياته على سطح اﻷرض في أحضان الطبيعة وألوانها الجميلة وتغيرات طقسها المختلفة سيبدو عليه هو الأصغر ببضع سنوات وليس أخيه الذي أمضى حياته في المركبة الفضائية لمدة عشر سنوات. ﻷن اﻷخ اﻷول عاش في بيئة روحية ومادية مناسبة لحياة اﻹنسان ، أما اﻵخر فعاش في بيئة مختلفة عما يناسب روحه وجسده، لذلك فإن مثال مفارقة التوائم الذي ذكره أنشتاين ليشرح فكرة إمكانية السفر عبر الزمن عن طريق السفر بسرعة قريبة من الضوء قد تبدو نظريا صحيحة ولكن واقعيا ليس لها مكان من الصحة ﻷنها لا تنظر إلى اﻹنسان ككائن روحي حي. ولكن كقطعة من حديد ،وهذه هي مشكلة منطق أنشتاين.
لذلك لا يمكن تشبيه قصة أصحاب الكهف مع مثال مفارقة التوائم ﻹنشتاين. فما حدث في قصة أصحاب الكهف هو أن الله جعلهم يدخلون في سبات عميق، عميق جدا، لتمر عليهم اﻷيام وكأنها ثواني، دون أن تتأثر خلايا أعضاء أجسامهم بشيء ، وهنا تكمن المعجزة اﻹلهية في هذه الحادثة. والمعنى المراد من هذه القصة ليس ﻹثبات صحة نظرية أنشتاين كما يدعي بعض المفكرين المسلمين ولكن المراد منها هو إثبات أن اﻹيمان العميق بالله يمنح المؤمن قوة تفوق قوانين الطبيعة ويجعلها عاجزة في التأثير على جسد المؤمن، تماما كما حصل مع نبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث تحولت النار إلى بردا وسلاما بدل من أن تحرق خلايا جسمه كما يحدث عادة حسب قانون الطبيعة .

ز.سانا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق