خواطر من الكون المجاور
الخاطرة ٢٧٠ : النبي يوسف وعلاقته بهاروت وماروت الجزء ٤
يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦) الحجرات} ، الله عز وجل من خلال هذه الآية يوضح لنا مبدأ هام في تطور المعارف والعلوم في تاريخ الإنسانية وهذا المبدأ يقول : حتى الإنسان الفاسق إذا نقلنا إلينا معلومة ما ، علينا أن نبحث فيها جيدا لنتأكد من صحتها أو خطئها. فكل معلومة تدخل عقلنا ستؤثر في النهاية بشكل مباشر او غير مباشر على تطور تكويننا الروحي . لهذا يجب علينا أن نكون حذرين في تقبل أو رفض كل معلومة جديدة نسمعها . وللأسف فرغم أن هذا المبدأ ذكره الله في قرآنه الكريم منذ ١٤٠٠ عام ، ولكن الذي يحدث اليوم أن حتى علماء الدين المسلمين وغير المسلمين لا يطبقونه في الواقع ، فعندما يسمعوا أي شيء معارض لما تعلموه في تفسيرات النصوص الدينية ، نجدهم يهاجمون صاحب المعلومة الجديدة ، وكأن تفسيرات علماء الأقدمين لهذه النصوص هي من عند الله وليس من اجتهادات عقل بشري . فكانت نتيجة سلوك علماء الدين بالتشبث بآراء علماء العصور القديمة ورفض تجديدها أن ينتقل هذا السلوك ليصبح من صفات سلوك المجتمع بأكمله نحو معاني النصوص الدينية ، مما دفع أفراد المجتمع العلماني أن يهجروا الدين وأن يفصلوا تعاليمه عن أبحاثهم العلمية لأنها تسبب لهم عائق في البحث عن الحقيقة
الله عز وجل قبل ظهور الإسلام وضع طريقة لتنمية هذا المبدأ في سلوك المؤمنين، فكانت أحد مبادئ حكمة سليمان والمعروفة اليوم بمصطلح الكابالا اليهودية ، هو أن يمتنع الباحث في نقل نتائج اجتهاداته في الأمور الروحية والإنسانية حتى يصل سن الأربعين، وقد أثبتت التجارب العلمية الحديثة صحة هذا المبدأ ، حيث وجدوا أن دماغ الإنسان يستمر في النمو إلى سن الأربعين ، فالمعنى الحقيقي لمعلومة معينة يتطور مع نمو دماغ الإنسان، فمعناها لشخص في سن (١٥) يختلف عندما يصل إلى سن (٢٥) ويختلف عن معناها عندما يصل سن (٤٠) . فحتى تصل المعلومة إلى شكلها الصحيح والمفيد للمجتمع ، يجب ان تصل إلى كمال نضجها وهذا لا يحدث إلا إذا احتفظ بها صاحبها حتى وصوله إلى حوالي سن الأربعين . لهذا نجد أن البعثة النبوية حدثت عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ سن الأربعين ليكون هذا السن من عمر الإنسان رمز لسن الرشد الروحي الذي يسمح للباحث بنشر اجتهاداته إلى الناس . وللأسف هذا المبدأ أخذه فقط أتباع مذهب الموحدون (الدروز) ، وللأسف بعض علماء السنة اليوم يشككون في إنتماء هذا المذهب إلى دين الإسلام .
أبحاثي التي أعرضها في هذه الصفحة تتبع هذا المبدأ بحذافيره ، فأول مرة شعرت بنوع من معارضة لبعض آراء الكبار، كان في سن العاشرة من عمري . ولكن ومع ذلك وبسبب أحترامي لهم وبسبب الفارق الكبير في السن بيني وبينهم جعلني أصمت ولا أبوح لأحد برأيي . ولكني لم أنسى ذلك الشعور الفطري في داخلي ، والذي حثني على عدم التوقف في البحث عن الحقيقة . وأول مرة عرضت فيها نتائج أبحاثي على الآخرين كانت عندما وصلت إلى سن (٤٨) من عمري . والمعلومات التي أذكرها هنا هي نتائج مجهود طويل لا يعلم به إلا الله. ولهذا أنشرها بشكل تدريجي لأن كل معلومة غير مألوفة فيها تعتمد على العديد من المعلومات الأخرى الغير مألوفة أيضا ، لهذا القارئ الجديد الذي سيقرأ مقالاتي الأخيرة لن يستوعب منها شيء وسيكون مثل ذلك الشخص الذي لا يعرف شيئا عن علم الكيمياء والفيزياء عندما يسمع أن الماء يتألف من غازين ( هيدروجين وأكسجين ) . وللأسف بسبب الإنحطاط الروحي الذي تعاني منه الإنسانية اليوم ، وبسبب هذه المعلومات الغير المألوفة في مقالاتي ، أجد تعليقات من قراء جدد وبحجة أنهم يدافعون عن دينهم ، فبدلا من أن يستخدموا تعاليم الدين الإسلامي في الحوار ، يستخدمون تعاليم الشيطان في الحوار فتكون تعليقاتهم مجرد شتائم وسخرية فقط ، والتي تضطرني دوما إلى حذفها من الصفحة كوني لا أسمح لروح الشيطان ان تدخل صفحتي . ما أود أن يعرفه القراء الجدد أن تعاليم القرآن الكريم هي التي تفرض علي ما أقدمه من معلومات في مقالتي ، يقول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) البقرة} ، مقالاتي هدفها توضيح ما تراه عيني من بينات ، أنا أعرضها والأدلة التي أعتمد عليها ليست من ثقافة الشارع ولكن أدلة من القرآن والكتب المقدسة السماوية ومما توصلت إليه جميع العلوم بمختلف فروعها ، لأصل إلى رؤية شاملة للموضوع الذي أتكلم عنه . ليس هدفي إقناع أحد بصحة ما أنشر ولكن أنا أعرضها فقط وأترك أمرها لرب العالمين فهو أعلم العالمين. (ملاحظة : مقالة اليوم ثقيلة وكثيفة بالمعلومات لهذا تحتاج إلى تركيز وصبر أثناء قراءتها)
هذه المقدمة التي ذكرتها في الأسطر السابقة ليست خارج موضوع مقالتنا ولكنها تساعدنا في فهم نوعية علوم (هاروت وماروت) . فسورة الرحمن تبدأ بالآيات التالية (الرَّحْمَنُ .عَلَّمَ الْقُرْآنَ .خَلَقَ الإِنسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) ومعنى البيان هنا بشكل مختصر هو فهم وإدراك ما يحدث حولنا بحيث يجعلنا نفرق بين الصح الذي يسير مع سنة الخلق وتطوره ، وبين الخطأ الذي يعارض سنة الخلق ويخرجنا عن الصراط المستقيم . في هذه السورة نجد عبارة (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) تتكرر ٣١ مرة . علماء الدين فسروها بأن الله هنا يخاطب (الإنس والجن) والمقصود بالجن حسب تفسيرهم هم مخلوقات غير مرئية تعيش مع البشر . ولكن التفسير الصحيح - والله أعلم - هو أن الله في هذه الآية يخاطب البشر فقط ، لأن التكوين الروحي للإنسان يتألف من (إنس وجن ) ، فالمقصود هنا هو أن (البيان) يشتمل على نوعين من العلوم وقد ذكرها الله في قرآنه الكريم برمز علوم (هاروت وماروت) . فعندما يتم استخدام هذين النوعين من العلوم في تحقيق رغبات النفس الدنيئة عندها تأخذ هذه العلوم مصطلح رمزي آخر وهو (علوم يأجوج ومأجوج) ، فالآية (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) هنا يخاطب يأجوج ومأجوج .
حتى نفهم الفرق بين علوم (هاروت) وعلوم (ماروت) ، والفرق بينهما واختلافهما عن علوم (يأجوج ومأجوج ) لا بد في البداية من شرح أصل معاني الكلمتين (هاروت وماروت) .
يقول الله عز وجل في الآيه الأولى من سورة الهمزة (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) وحسب تفسير العلماء بأن الهمزة واللمزة (الهماز واللماز) لهما معنى واحد، وهو الطعن في الناس وفي عيوبهم، والفرق بينهما أن اللمز يكون باللسان، والهمز بالفعل، كالإشارة باليد أو الرأس، أو الغمز بالعين . ولكن إذا تمعنا جيدا في الآية الثانية من هذه السورة (الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ) نجد أن معناها غير مرتبط بمعنى الآية الأولى كما فسرها العلماء ، فما علاقة الطعن بالناس من خلف ظهورهم والفخر بالمال والثروة ، ثم إذا قبلنا بهذا التفسير فقط للآية فستصبح السورة ذات معاني فقيرة لعصرنا الحاضر ، فآيات السورة بهذا المعنى كان مناسبا لعصر ظهور الإسلام ، أما اليوم فكتب المواعظ والأخلاق تملأ المكتبات ولا يشتريها أحد لأن الجميع يعلمها ولكن لا أحد يُطبقها في حياته اليومية ، بمعنى آخر أن سورة الهمزة إذا أخذناها بهذا التفسير فقط فلا حاجة لها في عصرنا الحاضر ، ولكن القرآن الكريم هو كلام الله وهو لكل العصور . فلا بد من وجود تفسيرات أخرى لهذه الآية.
حتى نفهم معنى (هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) بمعناها الذي يناسب عصرنا ، يجب أن نتمعن في عنوان وآيات السورة التي تسبقها وهي سورة العصر ، فآيات هذه السورة هي {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)﴾ معنى (العصر) هنا هو زمن العصور الماضية . ومعنى آيات السورة بشكل مختصر ، ان الله يطلب منا أن ننظر إلى ما حدث في العصور الماضية، فكل أمة أفرادها لم يعملوا الصالحات ولم يتواصوا بالحق والصبر كان نتيجتهم الخسارة والهلاك . الحكمة الإلهية في هذه السورة وضعت أرقامها بشكل يحدد لنا عصر معين يساعدنا في فهم حقيقة مضمون ما حدث في العصور القديمة . فترتيب السورة هو الرقم (١٠٣) ورقم عدد آياتها هو (٣) . حيث حاصل ضرب الرقمين (١٠٣×٣=٣٠٩) ، الرقم (٣٠٩) مذكور في قصة أصحاب الكهف في سورة الكهف . فقصة أصحاب الكهف هي رمز لأولئك الناس الذي عملوا الصالحات وتواصوا بالحق والصبر ، لهذا عادوا إلى الحياة من جديد ، أما الذين اضطهدوهم بسبب إيمانهم فقد ماتوا وانتهى أمرهم . لهذا نجد قصة أصحاب الكهف تنتهي بنفس المعنى المذكور في سورة العصر {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّلِحَٰتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ مَنۡ أَحۡسَنَ عَمَلًا (٣٠) أُوْلَٰئِكَ لَهُمۡ جَنَّتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ .......(٣١) الكهف} . ثم نجد بعد قصة أصحاب الكهف أن الله يضرب مثلا في رجلين حيث يتفاخر أحدهما بنفسه { وَكَانَ لَهُۥ ثَمَرٞ فَقَالَ لِصَٰحِبِهِۦ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَنَا۠ أَكۡثَرُ مِنكَ مَالٗا وَأَعَزُّ نَفَرٗا (٣٤)} ، ومعنى هذه الآية نفسه نجده في الآية الثانية من سورة الهمزة . فتفسير آية الأولى من سورة الهمزة (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) ، له علاقة بسورة الكهف . فالرقم (٣٠٩) كما ذكرنا في المقالة الماضية هو رقم القيمة الرقمية لأسم (اريس ΑΡΗΣ) إله الحرب (كوكب المريخ) وهو رمز قابيل ابن آدم الذي قتل أخيه هابيل ، وأسم (قابيل) في اللغة اليونانية هو قايين (ΚΑΪΝ) له القيمة الرقمية (٨١) في الكابالا اليونانية . الرقم (٨١) والذي شكله يوجد في كف اليد اليسرى، هو عكس رقم (١٨) الموجود في كف اليد اليمنى ، وهو رمز هابيل . فعندما يكون الرمز (٨١) بجانب الرمز (١٨) يعمل معه ويساعده عندها يكون معناه العلوم المادية بشكلها الصحيح ، أما عندما يكون بمفرده ويعمل بشكل منفصل عن الرمز (١٨) عندها تتحول العلوم المادية إلى علوم (يأجوج ومأجوج) تساعد في دمار الحضارات . هذا المعنى نجده في رموز الآية (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) ، فحروف كلمة (همزة) هي في الحقيقة حروف تهجئة الحرف (ء) والذي يأخذ الشكل (إ) عندما يكون في بداية الكلمة ، أما حروف كلمة (لمزة) فهي تهجئة حرف اللام (Λ) في اللغة اليونانية (Λάμδα) . فإذا وضعنا الرمزين بحانب بعضهما البعض سنحصل على رمز قابيل (٨١) . حيث الرمز (إ) هنا يمثل علوم (مأجوج) والرمز (٨) يمثل علوم يأجوج . أيضا رمز هابيل (١٨) يقسم إلى قسمين : الأول (٨) ويمثل علوم (ماروت) والرمز (١) يمثل علوم (هاروت) . لهذا نجد الآية التي تذكر هاروت وماروت تحدد لنا كيفية التحول من علوم هاروت وماروت إلى علوم يأجوج ومأجوج .
في الجزء الأول من سلسلة موضوعنا (النبي يوسف وعلاقته (بهاروت وماروت) ذكرنا تفسير علماء الدين لقصة (هاروت وماروت) والتناقضات فيما بينها . وهنا إن شاء الله سنحاول أن نعرض هذا الموضوع برؤية شاملة :
إذا بحثنا في عن أسم (هاروت) اليوم في الأسماء التي تستخدمها جميع شعوب العالم، سنجد هذا الأسم يستخدمه فقط الشعب الأرمني . فأحد أعز أصدقاء الطفولة والذي المسافة بين شرفة بيته وشرفة بيتي لا تزيد عن مترين ونصف فقط ، كان أسمه (هاروت) ، هذا الأسم جعلني ومنذ ذلك الوقت أن أتساءل مع نفسي ما علاقة أسم صديقي هذا مع ذلك الأسم المذكور في القرآن الكريم. كل الذي أستطيع أن أقوله هنا هو أن وجود صديقي (هاروت) في حياتي كصديق فتح لي الباب الصحيح الذي من خلاله سيساعدني في البحث عن تفسير آية (هاروت وماروت) . فصديقي هاروت لم أجد منه أي عمل سوء نحوي ، بل على العكس كان سلوكه معي ومع الآخرين تجعلني أشعر تماما بأنه إنسان طيب القلب ، سلوكه هذا كان دوما يدفعني في الإيمان بأن (هاروت ماروت) هما شخصيتان صالحتان ، وليس كما يفسرها بعض العلماء بأنهما ملائكة أو ملوك قاموا بعمل سوء فغضب الله منهم .
الكلمتان (هاروت وماروت) هما من اللغة الأرمنية . وحسب ما توصلت إليه ، أن أصلهما مشتق من اثنين من رؤساء الملائكة لإله الخير (أهورا مزدا) في الأساطير الزرادشتية، وهما : هاورواتات (القداسة) وأميريتات (الخلود) . الأرمن أخذوا أسماء هذين الملكين وتم تحويلهما إلى (هوروت وموروت) وحسب الأساطير الأرمنية أنهما كانا إلهان (ارواح إلهية) يسيطران على الرياح، فهما اللذان يُسخران الرياح لتجمع وتحمل السحاب لتسبب هطول الأمطار على الأرض، فتتم عملية إنبات النباتات وإخراج المحصولات. لفظ كلمة موروت ، كانت مشابهة لأسم إله (مرتون) إلهة الرياح والعواصف في الهند القديمة ، بسبب التشابه باللفظ لكلمة (ماير) والتي تعني (أم) في اللغة الأرمنية وكلمة (موروت) ، وكذلك بين كلمة (هوروت) وكلمة (هاير) والتي تعني (أب) في الأرمنية . أدى إلى الإعتقاد عند الشعب الأرمني أن (هوروت وموروت) هما إلهين هبطا من السماء وتناسلا ونتج عن هذا التناسل الإنسان وجميع الكائنات الحية .
الحكمة الإلهية في تصميم القرآن الكريم اختارت الأسمين (هاروت وماروت) لتشرح لنا ما حصل بعد طرد الإنسان من الجنة ، فإضافة الحرفين (وت) في آخر الكلمة يعطي مبالغة في معنى الأسم مثل (جبار : جبروت ، طاغية : طاغوت ، ملك: ملكوت ) فمعنى هاروت هو الأب الأكبر أو الأب الأول، ومعنى ماروت هو الأم الكبيرة أو الأم الأولى . فهاروت وماروت هما في الحقيقة آدم وحواء بعد خروجهما من الجنة ، فهما لم يكتسبا جسدا وأنما بقيا على هيئة روح عالمية تحمل في داخلها ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم قبل إنقسامه إلى (آدم وحواء) هذه الروح الإلهية هي بمثابة (DNA) الكون بأكمله والذي يتحكم في خلق كل شيء في داخل الكون . ولهذا كان أسم آدم (ΑΔΑΜ) في اللغة اليونانية يحمل القيمة الرقمية بالنظام البسيط الرقم (١٨) . ولهذا كانا (هوروت ، وموروت) في الآساطير الأرمنية والزرادشتية يمثلان آلهة الرياح . فالعين لا ترى الرياح وإنما ترى ما تحمله معها وما تسببه حولها وهكذا هي الروح أيضا ، لهذا نجد أن الحروف الأصلية (ر ، ح) من كلمة (روح) هي نفسها في كلمة (ريح) .
إن رمز ذلك الجزء من روح الله التي نفخها في آدم هو (١٨) ، هذا الرمز مع ظهور حواء من آدم إنقسم قسمين : آدم أخذ القسم المذكر (١) وحواء أخذت القسم المؤنث(٨) . وبسبب الخطيئة تمت ولادة قابيل وهابيل . قابيل سلك سلوك يعارض قوانين الجنة لهذا لم يتقبل الله عز وجل قربانه فأخذ الرمز (٨١) أما هابيل فسار على قوانين الجنة فتقبل الله قربانه فأخذ الرمز (١٨) والذي يمثل آدم قبل إنقسامه إلى آدم وحواء (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب) . قابيل قام بقتل أخيه هابيل . فتم طرد آدم وحواء وقابيل ومعهم الشيطان من الجنة .وكان عقابهم جميعا بألا يكتسبوا جسدا وأن يبقوا على هيئة روح فقط من هذه الأرواح نشأ الكون . الله عز وجل أرسل روح هابيل ليساعد أمه وأبيه في الإنتصار على الشيطان وقابيل من أجل تصحيح تلك الخطيئة التي كانت سببا في ظهور غريزة القتل في قابيل . هابيل هو الوحيد من ولد في الجنة واكتسب جسدا ليراه الناس بأعينهم. فظهر بأسم (ذي القرنين) نسبة إلى أمه التي ستلده بإسم يوسف (راحيل) ومعنى هذا الأسم (نعجة) في اللغة العبرية .
فأحد أهم تفسيرات قصة ذي القرنين هو هذا التفسير : من روح ذي القرنين تم وضع نظام صناعة النجوم ، فولادة النجم تحصل عندما يبدأ تجمع غاز الهيدروجين في مركز هذه المنطقة فيتكون نجم بدائي وبسبب ارتفاع درجة الحرارة والضغط الناتج من جاذبية مركز النجم يحصل عملية إحتراق الهيدروجين حيث تندمج انوية الهيدروجين وتتحول إلى عنصر الهيليوم ومع استمرار ارتفاع الحرارة والضغط يحدث بعدها احتراق الهيليوم واندماج أنويته فينتج عنصر جديد وهو الكربون ثم تبدأ عملية احتراق الكربون ومع اندماج انويته يتحول إلى عنصر جديد وهو الأكسجين ، ثم من عملية احتراق الأكسجين يظهر السيليكون وهكذا مع ازدياد درجة الحرارة والضغط المستمر في مركز النجم تظهر عناصر جديدة حتى في النهاية يظهر عنصر الحديد ، وهنا تتوقف عملية التحول ، حيث التفاعلات الاندماجية مع ظهور الحديد لا تنتج طاقة بل تستهلك طاقة . فعندها يحصل إنفجار (سوبر نوفا) في النجم ومن هذا الإنفجار تتكون العناصر الأثقل من الحديد، مثل الزنك والفضة والذهب واليورانيوم وغيرها التي تنتشر في الفضاء على شكل سحابة ، ويتحول النجم إلى نجم نيوتروني صغير أو إلى قزم الأبيض . هذه العملية تحدث عندما يكون كتلة النجم البدائية قريبة من حجم شمسنا . أما إذا كانت كتلة النجم البدائية أكبر من كتلة الشمس بحوالي عشرين مرة، فعندها يستمر إنهيار نواة النجم ويتحول النجم إلى ثقب اسود يأكل نفسه ومن حوله . قصة ذي القرنين في سورة الكهف تشرح لنا الفرق بين علوم يأجوج ومأجوج وعلوم هاروت وماروت . فعلوم يأجوج ومأجوج التي تهتم فقط بتحقيق رغبات الغرائز المادية ولا تهتم بالتنمية الروحية ، مصيرها الفناء كما يحصل في تكوين الثقوب السوداء . أما علوم هاروت وماروت التي تُحول العلوم المادية إلى علوم مساعدة للعلوم الروحية في تنمية التكوين الروحي للإنسانية تكون نتيجتها مشابهة لولادة النجوم التي تقارب كتلتها كتلة شمسنا فعدا أنها تنشر الضوء في الكون فهي أيضا قد قامت بتصنيع جميع العناصر الكيميائية التي يتكون منها جسدنا وكل شيء يفيدنا من حولنا ، فلولا ذلك الجدار الحديدي الذي أوقف عملية استمرار إنهيار نواة النجم . لكان الكون قد دمر نفسه خلال فترة زمنية قصيرة . عنوان سورة الكهف التي تم فيها ذكر قصة ذو القرنين ، هو أسم رمزي فكلمة الكهف هنا هي رمز للكون .
أما دور ذو القرنين في تاريخ البشرية ، فقد حدث عندما ولد هابيل بأسم يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام ، فمدينة منف في مصر القديمة التي بدأ إبراهيم عليه الصلاة والسلام في تأسيسها ثم أتى يوسف وحولها إلى اعظم مدينة في العالم في ذلك الوقت ، هذه المدينة كان أسمها (إنـب حـچ) أي الجـدار الأبيـض وهو رمز للجدار الذي صنعه ذي القرنين ليكون بمثابة سد يفصل قوم يأجوج ومأجوج عن المؤمنين ، فالمقصود بهذا الجدار هو منع روح السوء في القارة الأفريقية (التي تمثل رمز الشيطان) من دخول آسيا ، لهذا أخذت هذه المدينة اسما آخر ولا يزال يستخدمه المصريون حتى اليوم وهو (ميت رهنية) وأصله في اللغة المصرية القديمة (ميـت رهنـت) ومعناها طريـق الكبـاش ، وكلمة كبش هو أحد رموز يوسف كون أسم أمه راحيل يعني نعجة . فذو القرنين بدلا من أن يستخدم غريزة القتل في الإنتصار على أعدائه استخدم سلوك سلمي ليحقق غرضه ، فكما هو مذكور في سفر التكوين "فَاشْتَرَى يُوسُفُ كُلَّ أَرْضِ مِصْرَ لِفِرْعَوْنَ، إِذْ بَاعَ الْمِصْرِيُّونَ كُلُّ وَاحِدٍ حَقْلَهُ، لأَنَّ الْجُوعَ اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ. فَصَارَتِ الأَرْضُ لِفِرْعَوْنَ." (٤٧: ٢٠) ، والمقصود هنا أن يوسف سيطر على منطقة مصر الجنوبية (مصر العليا) بأكملها بهذه الطريقة دون حدوث أي معركة ، ومنذ ذلك الوقت اصبحت مصر العليا ومصر السفلى دولة واحدة برضا جميع أفراد المنطقتين ، فكانت تلك المرة الأولى التي يحدث فيها توحيد المنطقتين (مصر العليا والسفلى) تحت حكم ملك واحد دون حدوث معارك بينهما . المدينة التي أسسها يوسف تسمى اليوم (منف) وهذا الأسم ليس صدفة ولكن لُتعبر عن المكان الذي تم طرد إنسان إليه بعد خروجه من الجنة فكلمة منف لها لفظ يشابه لفظ كلمة (منفى) فالكرة الأرضية والكون بأكمله هو مجرد مكان تم نفي الإنسان إليه بعد طرده من الجنة . وأسم (هاروت) في اللغة الأرمنية هو أختصار لكلمة (هاروتيون) ومعناها (القيامة بعد الموت) ، هذا الأسم هو ترجمة للأسم اليوناني أناستسيوس (ΑΝΑΣΤΑΣΙΟΣ) وهو تعبير عن قيامة يسوع بعد وفاته حسب الإنجيل . فاستخدام كلمة (هاروت) في القرآن هو رمز لعودة هابيل إلى الحياة بعد وفاته عندما قتله أخيه قابيل .
أيضا في سفر رؤيا يوحنا نجد ذكر المخلص (المهدي) الذي سيأتي في آخر الزمان بأسم الخروف في الإصحاح الخامس (٧- فاتى واخذ السفر من يمين الجالس على العرش. ٨- ولما اخذ السفر خرت الاربعة الحيوانات والاربعة والعشرون شيخا امام الخروف) السفر هنا استخدم كلمة (الخروف) هنا كرمز ليوسف (الكبش ، ذو القرنين) ليعبر عما حصل مع هابيل الذي ذبحه أخيه قابيل وكأنه يذبح خروف .
مما شرحناه قبل قليل يمكن توضيح معنى رمز (هاروت وماروت) بأن هاروت هو رمز لجميع العلوم المادية أي أنها علوم ذكرية يُبدع بها الرجال أكثر من النساء ، أما رمز ماروت فهو رمز للعلوم الروحية التي تُبدع بها النساء أكثر من الرجال . يوسف هو الذي وضع أسس النوعين من العلوم (هاروت وماروت) عندما عاش في مصر ، لهذا الآية القرآنية التي تتكلم عن هاروت وماروت تذكر بأنهما (مَلَكين) فهذه الكلمة لا تنطبق إلا على شخصية يوسف فعندما يكون تشكيل الكلمة مقصود بها (الملائكة) ، فهي تفسر لنا طبيعة كينونة يوسف فهو ولد في الجنة وروحه هبطت إلى الأرض مثله مثل الملائكة ، والآية القرآنية أعطت هذا الرمز عن شخصية يوسف ، في سورة يوسف {....فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)}، أما عندما يكون تشكيل كلمة (المَلِكين ) مقصود بها (ملوك) فيوسف أيضا قد أصبح وزيرا وكان باستطاعته أن يفعل ما يشاء في إدارة أمور بلاد مصر وكأنه هو ملك مصر الحقيقي .
يأجوج ومأجوج تم ذكرهما في سفر حزقيال ، وسفر رؤيا يوحنا : {ثم متى تمت الألف السنة يحل الشيطان من سجنه. و يخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض جوج وماجوج ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر..... (رؤيا ٢٠ : ٧)} ، فهنا كلمة (يأجوج ) تم ذكرها بأسم (جوج) ، الرومان أخذوا هذه الكلمة من الشعوب القديمة بمعناها الحقيقي وأصبحت في اللغة اللاتينية كلمة "gioco" وتعني (ألعاب الحظ) . فعلوم (يأجوج) هي عبارة عن تشويه علوم (ماروت) والتي بدلا من أن تبحث في الرموز الروحية للأحداث والأشياء للوصول إلى فهم مضمون الأحداث والأشياء، تحولت هذه العلوم إلى خرافات ترى الأمور وكأنها حدثت نتيجة حظوظ معينة ، فبسبب هذا التشويه ظهرت العلوم المزيفة التي تدعي انها تستطيع التنبؤ بالمستقبل عن طريق قراءة الأبراج والكف والتارو وغيرها .
أما كلمة مأجوج فأصلها الحقيقي من اللغة الفارسية القديمة (ماجو) وتعني سحر ، ساحر والتي أخذها اليونانيين وأعطوها لفظ يوناني (ماغوس) ، الرومان أخذوها من اليونانيين وأعطوها اللفظ (ماجوس) ، وبما أن الكلمة تنتهي بحرف (س)، أستخدموا الحرف اللاتيني(C) بدل (S) . فتحول لفظها في اللغات الأخرى إلى (ماجوك) ومنها تحولت إلى (ماجوج) . علوم مأجوج هي تشويه لعلوم (هاروت) فبدلا من أن يتم البحث في دراسة سلوك العناصر المادية لتساعد العلوم الروحية في تحقيق حاجات المادية للإنسان (طائرات ، هواتف، كومبيوتر ، آلات طبية ....) لتجعله يعيش في ظروف إنسانية مريحة تسمح له في تأمل نفسه وما يحيط به بشكل أفضل ليفهم المخطط الإلهي في التطور ليتابع تطوره نحو الكمال ، حولت هذه العلوم إلى علوم تسحر عيون الناس وتجعلهم يعتقدون أن العلوم المادية هي كل شيء وتستطيع أن تؤمن جميع الحاجات الإنسانية فجعلت الإنسان يفقد إحساسه بروحه التي تكمن داخله والتي هي الأخرى بحاجة لتنميتها .
الإنحطاط الروحي الذي يعاني منه عصرنا الحديث دفع المسلمين والمسيحيين اليوم بالإعتقاد أن ذلك السد الذي يمنع قوم يأجوج ومأجوج من الخروج سيتحطم وسيسمح لهم بالخروج لمساعدة أعور الدجال في حربه على المسيح المنتظر . للأسف هؤلاء لا يعلمون أن علماء العصر الحديث الذين صنعوا المنهج العلمي الحديث والذي يتبعه جميع العلماء في العالم بمختلف فروع علومهم ، قد حولوا البشرية بمعظم افرادها إلى قوم يأجوج ومأجوج . فكل شيء جديد يتم اختراعه اليوم يتم تحويله مباشرة إلى أداة تساهم في إنحطاط المجتمع الروحي ( عنف ، إباحة جنسية ، إنحلال خلقي) ، حتى علماء الديانات أصبحوا يفسرون النصوص الدينية بعلوم يأجوج لهذا بدلا من أن تساهم تفسيراتهم في تنمية تعاون بين الشعوب أصبحت تساهم في خلق العداوة والبغضاء بينهم . ولهذا تذكر الآيه الكريمة بأن (....وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ.....) فعلوم يأجوج ومأجوج حطمت جميع الروابط الإنسانية ، فحولت العلاقة بين الرجل والمرأة والتي تعتبر أهم علاقة في المجتمع ، إلى علاقة جسدية مدتها زمن قصير وبعدها يحدث الفراق بينهما . فتحولت الإنسانية إلى عائلة متفككة الأب منفصل عن الأم ، وضحية هذه الإنفصال هم الأطفال الذين تم إهمالهم فلا رعاية ولا تربية تساعدهم في تنمية تكوينهم الروحي ليشعروا بأنهم جزء من تلك الروح الإلهية التي تتحكم في جميع محتويات الكون وأنه عليهم السير في مخططها .
أحد أهم أسباب عدم رؤية علماء التاريخ والآثار لأي قطعة أثرية تدل على وجود يوسف في بداية زمن عصر الاهرامات هو أنه لم يسمح بكتابة علومه كي لا يتعلمها أي شخص بشكل ببغائي فتسمح روح السوء في داخله أن يحولها إلى علوم يأجوج ومأجوج . لهذا علومه تناقلها تلامذته عبر الأجيال بهذه الطريقة الخفية فوصل إلينا بعضها عن طريق الكابالا اليهودية وبعضها في كتب الحكيم المصري هرمس ثلاثي القوة ، وبعضها في العقيدة الأورفية اليونانية . يوسف ترك للبشرية أدلة عديدة عن زمن وجوده وعن أعماله في مصر لا يراها إلا من لديه علوم هاروت وماروت ..... والله أعلم
ز . سانا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق