الاثنين، 23 نوفمبر 2020

الخاطرة ٢٧٣ : النبي يوسف وعصر الاهرامات الجزء ٣

 خواطر من الكون المجاور

الخاطرة ٢٧٣ : النبي يوسف وعصر الاهرامات الجزء ٣

لي صديق فنان متخصص في فن النحت والرسم ، عمل كمدرس في احدى جامعات الفنون الجميلة في روسيا لفترة قصيرة ، وأعماله كنحات ورسام تم عرضها في معارض عديدة لمدة حوالي ٣٥ عاما ، وقام أيضا بصنع تمثالين بأحجام ضخمة في ساحتين في مدينة أثينا عاصمة اليونان . ما أريد أن أقوله أن صديقي هذا يملك معارف أكاديمية في فن النحت على مستوى عالي ، وله أيضا خبرة عملية طويلة في هذا المجال . في إحدى الأيام عندما كنا نتناقش في موضوع الفن في الحضارة المصرية أخبرني عن تمثال رآه في متحف القاهرة أثناء زيارته لمصر جعلته يشعر فجأة بصدمة إعجازية لم يشعر مثلها في أي زيارة له لمتاحف العالم . فكما أخبرني أنه في البداية عندما رأى التماثيل الضخمة وتلك الأدوات البدائية التي استخدمها فنانو مصر القديمة ، لم يشعر بأي نوع من الدهشة بل شعر بنوع من الشك من أن هذه الأدوات البدائية الغير دقيقة يمكن أن تصنع مثل هذه التماثيل ذات المستوى العالي من الدقة . ولكن أثناء مروره أمام أحد التماثيل رأى في التمثال فجوة ضيقة ومنحرفة إلى الداخل ، فاستغرب طريقة نحت هذه الفجوة بسبب صعوبة نحتها ، فكونه فنان نحت تساءل مع نفسه لو طُلب منه عمل مثل هذا التمثال كيف سينحت هذه الفجوة . فالحجر المصنوع منه التمثال من الغرانيت الذي يُعتبر من أقسى أنواع الحجارة ، والمشكلة الأصعب هي أن الفنان حتى يستطيع النحت يجب أن يتوفر له فراغ حول الجسم المنحوت بما يناسب مسافة تتسع لطول الإزميل وحجم المطرقة ومسافة قليلة بين الأزميل والمطرقة ليضرب بها الإزميل ليقوم بعملية النحت ، ولكن فراغ الفجوة في التمثال كان أصغر بكثير من طول الإزميل فقط ، فهي بالكاد تتسع لقبضة اليد فقط . فأراد صديقي أن يتأكد إذا كان الجزء الداخلي للفجوة والذي لا تراه العين منحوت بنفس الجودة التي تم صقلها في الأماكن الظاهرة لعين الإنسان، فمد يده ليتحسسه فشعر بصدمة أقوى من الأولى ، فقد كان مصقولا تماما بنفس الجودة التي عليها في بقية أجزاء التمثال . هنا شعر صديقي أن نحت هذه الفجوة بشكل يدوي شيء مستحيل ، فالذي صنع هذه الفجوة يجب أن يملك قوة عضلية جبارة تعادل عشرات أضعاف قوة الإنسان العادي وأن تكون لديه أظافر من الألماس يستخدمها في نحت هذه الفجوة داخل هذا الحجر العالي في درجة الصلادة .
المهندس المدني البلجيكي روبرت بوفال ولد في مصر وغادرها بعمر ١٩ عام ١٩٦٧ ثم عاد إليها ثانية عام ١٩٨٣ ، فيبدو أن إحساسه الفطري في طفولته ومراهقته وهو يرى الأهرامات كان يجعله يشعر بأن هناك شيء من روح الله في بناء هذه الأهرامات وأنها ليست مجرد قبور تتألف من كتل حجرية ضخمة مصفوفة فوق بعضها البعض ، لهذا عندما عاد إلى زيارة مصر وهو يحمل في داخله إحساس جديد وهو إحساس شخص متخصص في الهندسة المدنية ، يبدو أنه قد إندمج الإحساس الفطري الطفولي مع الإحساس الهندسي . فشعر عندها أن تواجد أهرامات الجيزة الثلاث مع بعضها البعض بالشكل التي هي عليه ليست صدفة ، فالهرم الصغير ينحرف قليلا عن الخط الوهمي الذي يمر من الاهرامات الثلاث . فحسب احساسه الهندسي ، أنه من المستحيل أن يكون مهندس الاهرام الصغير الذي بنى هذا الاهرام بهذه الدقة قد يقع بمثل هذا الخط الساذج . وأن هذا الآنحراف فيه معنى معين أراد مهندسو هذه الأهرامات أن ينقلوه لنا . هذا الشعور دفعه أن يبحث لسنوات لترجمة معنى أماكن موضع الأهرامات . وحتى يستطيع فهم ما يحدث وضعت الأقدار بقربه صديق له هواية بأبراج السماء ونجومها ، فأخبره صديقه عن المجموعة النجمية المعروفة بحزام الجبار (حزام أوريون) الذي يوجد به ثلاثة نجوم في وضعية مشابهة لأهرامات الجيزة ، وعندما بحث بوفال عن علاقة الشبه بين مواقع النجوم الثلاثة لحزام الجبار (حزام أوريون) مع مواقع أهرامات الجيزة ، فرأى تطابق كامل بينهما . وعندما بحث في جهاز (Stellarium) الذي يعرض مكان النجوم والأبراج في السماء حسب الزمن . رأى أن الزاوية التي تشكلها أهرامات الجيزة الثلاث مع نهر النيل كانت هي نفسها التي تشكلها نجوم حزام الجبار مع درب التبانة في عام ١٠٤٥٠ قبل الميلاد (الصورة) . للأسف الرؤية الماركسية التي اكتسبها روبرت بوفال من الكتب المدرسية شوهت فطرته الطفولية ، فجعلته يعتقد أن بناء الأهرامات قد حدث عام ١٠٤٥٠ قبل الميلاد . هذا الرقم سنعود إليه بعد قليل .
مثلما شعر صديقي كمتخصص في فن النحت وكما شعر بوفال كمتخصص في الهندسة المدنية ، بدأ يظهر متخصصون آخرين بعلوم أخرى : علماء جيولوجيا ، علماء فلك، علماء ميكانيك ، علماء طاقة وفيزياء علماء فلزات وغيرهم ، يعارضون آراء علماء التاريخ والآثار . هذا التناقض بين الطرفين نتج عنه تيارين متعاديين ، تم تسميتهم بإسمين: الأول التيار التقليدي ، والثاني تيار المتخصصين أو تيار الفلكي الجيولوجي . من يريد المزيد من التفاصيل عن كل تيار ، يمكنه العودة إلى المواقع في الانترنت ، ولكن هنا سنشرحهما بشكل مختصر جدا فقط لنوضح الإثباتات التي يعتمد عليها كل تيار .
- التيار الأول (التقليدي) : علماء هذا التيار لا يعترفون إلا بما تراه أعينهم ومما كُتب من معلومات على القطع الأثرية . فعلى الرغم من أنهم يعلمون تماما بأن ملوك مصر القديمة كانوا يسرقون أعمال الملوك الذين سبقوهم فيمحون أسمائهم ويضعون أسمائهم بدلا منها ، ومع ذلك علماء هذا التيار يصدقون كل ما كتبه المصريون القدماء عن أنفسهم . لهذا نجد أن قصة مصر القديمة كما هي مكتوبة في الكتب المدرسية تبدوا وكأنها قصة عشوائية تخلط بين الصالح والطالح ولا تبرر بشكل منطقي أسباب تلك التطورات الفجائية الإيجابية أو السلبية التي مر بها الشعب المصري القديم ، بحيث ينتج عنها حكمة معينة يمكن أن تنفع في تصحيح سلوك الإنسان المعاصر ، فاسلوب كتابة هذه القصة يعتمد على مبدأ العلم للعلم وليس العلم لخدمة الإنسان ، وكأن كتب التاريخ تم تأليفها هكذا فقط ليتعلمها الطالب بشكل ببغائي دون أن يستفيد من الماضي بأي معلومة حسنة تنمي تكوينه الروحي . فالآية القرآنية تذكر (الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الإِنسَانَ .عَلَّمَهُ الْبَيَانَ .الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) فرغم أن الشعب مصري مسلم ويؤمن بدينه ولكن نجد كتب تاريخ الحضارة المصرية لا تذكر أي شيء عن إبراهيم أو يوسف أو موسى (عليهم الصلاة والسلام) وكأن قصص هؤلاء الأنبياء هي مجرد قصص خرافية لا مكان لها في تاريخ مصر القديمة . لهذا كان من الطبيعي أن تكون هذه الكتب التاريخية خالية من روح الله .ومن الطبيعي أيضا أن يكون نتيجة هذه الكتب أن تنجب مصر زعيم ديني اسمه (حسن البنا) مؤسس حزب الأخوان المسلمين الذي تحول في سنوات قليلة إلى حزب إرهابي يتبع منهج الإغتيالات وتفجير الأبنية العامة والخاصة من أجل تحقيق أهدافه ، ونفس الشيء في الفن حيث غياب روح الله في كتب التاريخ أدى إلى أن تجعل ممثل بلطجي مثل محمد رمضان يتربع على عرش فن السينما العربية . ومن الطبيعي أيضا أن تكون بلاد مصر التي تملك أكبر معجزة إنسانية في حضارتها ، أن توجد اليوم في الدرجة رقم ٢٣ في قائمة الدول السياحية في العالم ، حيث المكسيك التي تملك أهرامات لا قيمة لها كمعنى روحي والتي توجد في آخر الدنيا ، رغم ذلك فعدد سواحها يفوق ضعف عدد سواح مصر . فهذه نتائج طبيعية لما يحدث اليوم في مصر فهي جزاء طبيعي لمن يكتم آيات الله التي تركها لنا من خلال آثار أنبيائه في هذه البلاد . فإن خلط حضارة النبي يوسف عليه الصلاة والسلام بالحضارة الفرعونية وكأنهما حضارة واحدة هو جريمة في حق تاريخ هذه البلاد .
لو تمعنا جيدا في آراء وسلوك الدكتور زاهي حواس والذي يترأس هذا التيار والذي يُعتبر من أشهر علماء المصريات عالميا حيث ظهر في برامج تلفزيونية عديدة في مختلف بلاد العالم ، سنجد أن فكره بشكل عام ينتمي للحضارة الفرعونية وليس لحضارة النبي يوسف ، فنجد أنه ليس فقط يرفض بشكل قاطع النقاش مع علماء التيار الثاني ، بل نجده أيضا بدلا من أن يثبت خطأ أدلتهم بشكل علمي نراه يتهمهم بالغباء ويسخر منهم بكلمات لاذعة تخالف جميع تعاليم القرآن الكريم في الحوار . فمن خلال رؤيتي لمعظم مقابلاته مع البرامج التلفزيونية وجدت أن جميع معلوماته الغزيرة عن الحضارة المصرية هي معلومات سطحية فقيرة لا تنفع في شيء فهي لا تفسر نهائيا حقيقة مرور ثلاثة أنبياء من هذه البلاد ونقصد ابراهيم ويوسف وموسى عليهم الصلاة والسلام . فعندما يتم سؤاله عن مكان هؤلاء الأنبياء في مصر القديمة نجد في صوته نبرة إصرار بأنه لا يوجد أي أثر في تاريخ مصر يذكر عنهم شيئا . أسلوبه في الإجابة وكأنه يؤكد وبإصرار أن الحضارة المصرية العريقة هي من صنع المصريين فقط ولا علاقة لها بهؤلاء الأنبياء بها . هذا الأسلوب في الاجابة إن دل على شيء فلا يدل سوى على تعصب قومي أعمى ، فكان بإمكانه أن يجعل أسلوبه فيه قليل من الاحترام لمبادئ الحوار الحضاري ويراعي ما تذكره نصوص الكتب المقدسة ، أن يقول مثلا ( للأسف حتى الآن لم نجد أي أثر لهؤلاء الأنبياء ولكننا نتابع البحث ونرجوا من الله أن يوفقنا في عملنا) ، فماذا ينتظر د. زاهي حواس وعلماء التيار الذي ينتمي إليه ، أن يذكر الله في قصة يوسف بأنه هو مؤسس عصر الاهرامات وأنه فعل كذا وكذا . فلو كانت مثل هذه الأشياء موجودة في الكتب المقدسة لما كانت هذه الكتب من وحي إلهي ولكن من صنع عقل بشري ، لأن مثل هكذا كتب لن تكون صالحة لمستوى معارف أناس عاشوا قبل ألف عام فهو سيعكر انسجام معارفهم مع نوعية حاجاتهم الروحية والمادية في تلك العصور . وكذلك كتب بمثل هذه النوعية من الشرح السطحي سيجعلها كتب تعتمد مبدأ (العلم للعلم وليس العلم لخدمة الإنسانية) . فالقرآن الكريم يذكر كل شيء ولكن بطريقة يستطيع فقط علماء كل عصر رؤية ما يناسب عصرهم وحاجاتهم ، تماما كما هو مذكور في الحديث الشريف (إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. فَاقْرَأُوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ) ، والمقصود هنا أن كل حرف هو رمز لمستوى علوم مرحلة زمنية معينة . والحديث الشريف عن تجديد الدين يؤكد معنى الحديث الشريف السابق (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا).
فعدم رؤية د. زاهي حواس لأي أثر من آثار الأنبياء الثلاثة في مصر ، سببه جهل علماء الدين اليوم بعظمة كتابهم المقدس وبنوعية المستويات من المعارف التي تعتمد عليها النصوص الدينية . فقصة يوسف في الكتب المقدسة تحتوي على العديد من الرموز تفسر لنا علاقة يوسف مع عصر الأهرامات ، فأول مدينة في مصر القديمة -مثلا- هي مدينة (منفر) ، وتعني الجمال الخالد ، صفة الجمال هي أهم صفة من صفات يوسف . وشكل الهرم وشكل المسلة لهما شكل خطوط اليد (١٨) وهما رمز اسم أم يوسف راحيل (راح - إيل) أي يد الله . وإذا تمعنا في وحدات القياس التي كان المصريون القدماء يستخدموها في البناء نجد أنها تعتمد على أبعاد يد إمرأة وليس رجل : (الذراع) ويعادل (٥٢،٥ سم) ، (راحة اليد) وعرضها يعادل (٧،٥ سم) ، (الأصبع) وعرضه يعادل (١،٨٧٥ سم) ، هذه المقاييس هي مقاييس يد إمرأة لها طول (١٦٠ سم ) . وإمرأة بهذا الطول في تلك الفترة كان يعتبر طول مثالي ﻷمرأة جميلة. هذا يعني أن عصر اﻷهرامات بدأ باستخدام وحدة قياس المسافات من يد إمرأة (كرمز لراحيل) ، فاليد في جسم الإنسان هو رمز روحي ، والنساء أيضا تمثل رمز القسم الروحي للمجتمع . هذا التعبير الروحي في القياس يقلب جميع المفاهيم المعروفة اليوم عن عصر اﻷهرامات . فالفرق بين الحضارة المصرية القديمة والحضارات الغربية أن الأولى استخدمت رمز المرأة كونها الرمز الروحي للإنسانية ، بينما الثانية استخدمت مقاييس رجل ضخم كونها حضارات مسؤولة عن تنمية العلوم المادية ، حيث تعتمد طول القدم (٣٠،٤٨ سم) والبوصة كعرض الأصبع (٢،٥٤ سم) وغيرها . فالمقاييس التي استخدمها المصريون القدماء توضح لنا أن هذه الحضارة هي حضارة روحية (أي من الأنبياء) وحتى نفهم حقيقتها يجب أن نستخدم الرؤية الشاملة (الروحية والمادية) وليس الرؤية الماركسيه التي يستخدمها د. زاهي حواس وجماعته والتي ترى الأشياء وكأنها خالية من الروح . فعلماء هذا التيار هم في الحقيقه يتكلمون عن عصر الفراعنة ، والفراعنة لا علاقة لهم بحضارة عصر الاهرامات ولهذا نجد بعض الباحثين من التيار الثاني قد كتبوا مقالات بعنوان (الفراعنة لصوص الحضارات) .
هناك رموز وأرقام وضعها يوسف في أعماله لتدل على وجوده ولتحدد لنا نوعية دوره في مصر ، ذكرنا بعضها في المقالات السابقة وسنذكر بعضها إن شاء الله في هذه المقالة والمقالات القادمة .
- التيار الثاني : وهو تيار المتخصصين ، حيث علماء هذا التيار رفضوا ما كتبته أيدي المؤرخين القدماء عن تاريخ مصر القديمة والتي كُتبت بعد مئات السنين من إنتهاء عصر الأهرامات ، وأهمها بردية تورين وتاريخها يعود إلى (١١٦٠ ق،م) أي بعد أكثر من ألف عام من انتهاء عصر الاهرامات ، وقائمة منانيتون (٢٨٠ ق،م) ، أما حجر باليرمو والذي يُعتبر -حسب رأي علماء التيار التقليدي- بأنه أقدم قائمة لتاريخ مصر القديمة ، فهناك خلافات عديدة حول تاريخ كتابته ولا يوجد دليل علمي واحد يؤكد بأنه قد كُتب في عصر الأهرامات ، فبعض العلماء يؤكدون أن تاريخه يعود إلى فترة عصر الأسرة الخامسة والعشرين (٧٧٤-٦٥٦ ق.م)، وبعضهم الآخر يعتقد أنه يعتمد على نسخة أصلية مفقودة تعود لفترة المملكة القديمة . فالحقيقة هي أن عصر الأهرامات لا يعطينا أي دليل علمي يؤكد بشكل يقيني على تاريخ بنائه ، فهو يستخدم الحجارة والتي لا يمكن قياس زمن قطعها وبنائها لا بمقياس الكربون المشع ولا بمقياس التألق الحراري ، لهذا علميا ليس لدينا أي طريقة علمية حتى الآن تسمح لنا بتحديد زمن بناء الاهرامات بشكل يقيني .فجميع الأهرامات تم فتحها في عصور لاحقة وتم استخدامها لأغراض مختلفة ، فهناك احتمال كبير أن تكون جميع الأشياء التي وجدت داخل الأهرامات هي من العصور اللاحقة وليست من عصر الاهرامات ، وقد تم إثبات ذلك بطرق علمية للكثير من هذه الأشياء . بمعنى آخر أن القاعدة العلمية التي اعتمد عليها علماء التيار الأول هي قاعدة تعاني من نقاط ضعف عديدة .
وبناء على هذه الحقائق التي ذكرناها اعتمد علماء التيار الثاني على نوعية بحث أخرى - حسب رأيهم - أرقى علميا وكلٌ حسب اختصاصه . فحسب رأيهم أنه ليس من المعقول أن يستطيع الإنسان بأدوات بدائية غير دقيقة أن يصنعوا أشياء في كامل الدقة فهذا يُعتبر تناقض علمي . فليس من المعقول - مثلا- ازميل من النحاس الذي درجة صلادته (٣،٥) أن ينحت حجر غرانيت درجة صلادته (٧،٢٥) ، وكأننا هنا نقبل بفكرة أنه يمكن حفر الحديد بقطعة من الخشب فهذا مرفوض علميا فالحديد هو الذي سيحفر الخشب وليس العكس . وليس من المعقول أيضا أن يستطيع الشعب المصري الذي عاش قبل ألفين ونصف عام قبل الميلاد بأدواته البدائية أن يضع الاهرامات ضمن مواقع محددة على نهر النيل لتكون بمثابة خريطة لها شكل مطابق تماما لخريطة مواقع النجوم بالنسبة لدرب التبانة عندما كانت على شكلها هذا في عام ١٠٤٥٠ قبل الميلاد أي قبل حوالي ثمانية آلاف قبل بناء الأهرامات ، فلماذا اختار مهندسي هذه الأهرامات هذا العام بالتحديد (١٠٤٥٠ قبل الميلاد) ، فهذا التطابق بين خريطة الأهرامات وخريطة نجوم السماء ، بالنسبة لهم يعني أن عام بنائها قد حصل في عام (١٠٤٥٠ ق،م) وليس في فترة (٢٥٠٠ ق،م) ، وكذلك من أين لهم تلك العلوم التي تستطيع تحديد مواقع النجوم قبل (٨٠٠٠) عام . والذي يؤكد على صحة اعتقادهم هو وجود عمليات نحت مائي على جسد تمثال أبو الهول تؤكد أن هذا النحت قد حصل في فترة قديمة حيث كان مناخ مصر وقتها مناخ ممطر ورطب ، وليس كما كان عليه في فترة (٢٥٠٠ ق،م) حيث كان المناخ فيها شبه صحراوي وجاف . عدا عن هذا فقد تم اكتشاف بيضة نعامة (الصورة) موجودة الآن في متحف النوبي بأسوان ، مرسوم عليها نهر النيل وعلى يساره ثلاث مثلثات مشابهة لأهرامات الجيزة ، ولكن تاريخ هذه البيضة حسب القياس بالكربون المشع يعود إلى حوالي ٢٠٠٠ عام قبل زمن بناء الأهرامات - الذي يؤكد عليه التيار التقليدي - أي إلى ٤٥٠٠ سنة قبل الميلاد ، وهذا يعني - حسب رأي علماء التيار الثاني - أن الأهرامات كانت موجودة في تلك الفترة التي تم فيها الرسم على بيضة النعامة .
للأسف علماء التيار الثاني رغم اختيارهم لمنطق بحث علمي مختلف وأكثر دقة من منطق علماء التيار الأول ، ولكنهم هم أيضا لم يُدخلوا في حساباتهم قصص الكتب المقدسة، أو بمعنى آخر ، لم يدخلوا في حساباتهم فكرة أن الله موجود وأن أمامه تنهار جميع القوانين المادية التي يعتمد عليها علماء تيار المتخصصين ، وأن جميع الأمور تسير وستسير على مخططه هو ..وهو فقط ، لهذا ظنوا أن كل شيء أو حدث يحصل ، هو إما من تدخل العقل البشري أو تدخل عشوائي من الطبيعة وكأنها هي أيضا تتصرف من نفسها وليس من تسخير إلهي . لهذا نجد أيضا أن قصتهم للحضارة المصرية هي أيضا قصة عشوائية لا تحمل أي حكمة أو معنى يُفيد في فهم حقيقة تطور الإنسانية . ولهذا نجد أن آراء بعض هؤلاء العلماء تدعي بأن الاهرامات قد بناه سكان الفضاء وليس المصريين . وبعضهم الآخر كان رأيه أن شعب عصر الاهرامات المصرية هم قوم عاد الذي دمرهم الله . للأسف جهل هؤلاء قد شوه حقيقة قوم يوسف فحُّولوهم من مؤمنين إلى كافرين .
بفضل هؤلاء العلماء من التيارين وبسبب المنهج العلمي الحديث الذي اعتمدوه تحولت قصة حضارة مصر القديمة إلى قصة عشوائية خالية من نور الله لا تفيد الطالب في تهذيب نفسه ولا تساهم في تمسكه بالمبادئ الإنسانية والأخلاق الحميدة . لهذا سنحاول هنا أن نبحث في هذا الموضوع برؤية شاملة تعتمد معاني آيات الكتب المقدسة والمعاني الموجودة في تلك الآثار التاريخية والتي لم يستطع علماء كلا التيارين فهم رموزها وتفسيرها بالمعنى الصحيح . وغاية هذا البحث هو الكشف عن الحكمة الإلهية من دخول إبراهيم عليه الصلاة والسلام بلاد مصر وخروجه بعد سنوات قليلة منها ، ومن ثم وجود يوسف عليه الصلاة والسلام في مصر ودوره هناك ، وكذلك سبب خروج قوم يوسف مع موسى عليه الصلاة والسلام من مصر .
سفر التكوين في قصة يوسف يذكر أن يوسف في صغره قد رأى حلمين وليس حلم واحد كما هو مذكور في القرآن . الحلم الأول هو (٧:٣٧ فها نحن حازمون حزما في الحقل و إذا حزمتي قامت و انتصبت فاحتاطت حزمكم و سجدت لحزمتي)، أما الحلم الثاني فهو {٩:٣٧ إِنِّي قَدْ حَلُمْتُ؟ حُلْمًا أَيْضًا، وَإِذَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا سَاجِدَةٌ لِي} . النسخة العربية في الحلم الثاني تذكر كلمة (كوكب) ، وهذه ترجمة غير صحيحة ، فالنسخة اليونانية وجميع النسخ الأخرى تذكر بدل كلمة كواكب كلمة (نجوم) “Lo, I have had still another dream; and behold, the sun and the moon and eleven(stars) were bowing down to me.” .
فالحلم الأول يذكر كلمة حزمة وهي الكلمة التي تُستخدم في علم الفلك ، فمصطلح (حزام) في علم الفلك هو الخط الوهمي الذي يضم مجموعة من النجوم في شكل معين كحزام الجبار (حزام أوريون) مثلا . بهذه الطريقة الله عز وجل في سفر التكوين ذكر علاقة الاهرامات مع نجوم السماء تماما كما أكد عليها المهندس روبرت بوفال والذي اعتمد على هذا التطابق بين اهرامات الجيزة وحزام أوريون فاعتقد أن بناء الاهرامات قد حصل عام ١٠٤٥٠ قبل الميلاد .
ما هو مذكور في سفر التكوين ، مذكور أيضا في القرآن الكريم ولكن بشكل رمزي ، ولكن القرآن أيضا من خلال تحويل كلمة (نجوم) إلى كلمة (كواكب) في حلم يوسف ، يضيف لنا معلومة جديدة تشرح لنا أيضا علاقة الأهرامات بكواكب المجموعة الشمسية {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤)}.
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتكلم عن علاقة النبي يوسف عليه الصلاة والسلام بالأهرامات وبنجوم حزام أوريون وكواكب المجموعة الشمسية . وأترك مجال أسبوع لأولئك الذي يشككون بمعلومات أبحاثي ، أن يقرأوا القرآن الكريم جيدا ويبحثوا فيه عن مكان وجود الرقم (١٠٤٥١) وعن الرموز التي تكشف علاقة يوسف عليه الصلاة والسلام بأهرامات مصر والنجوم والكواكب . فكل ما أذكره في مقالاتي ليس من خيالي ولكن يعتمد رؤية شاملة ينتج عنها تطابق كامل بين معلومات القرآن والكتب المقدسة مع ما هو موجود واقعيا في مصر ولا يمكن لأحد أن يشكك بوجوده ... ... والله أعلم .
ز . سانا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق