الأحد، 7 فبراير 2021

الخاطرة ٢٧٨ : النبي يوسف وعصر الأهرامات الجزء ٨

 خواطر من الكون المجاور

الخاطرة ٢٧٨ : النبي يوسف وعصر الأهرامات الجزء ٨
في المقالة الماضية تكلمنا عن علاقة نفرتيتي بالنبي يوسف عليه الصلاة والسلام، وشرحنا أوجه التشابه بينهما في الشخصية وفي دورهما في التأثير على تطور الحضارة المصرية القديمة . وذكرنا أيضا أن الحكمة الإلهية تركت لنا أدلة عديدة على شكل رموز في النصوص الدينية والآثار المصرية القديمة . وأن سفر أستير من أسفار العهد القديم هو في الحقيقة رواية تاريخية من وحي إلهي توضح لنا دور النبي يوسف ودور نفرتيتي الروحي والعلاقة بينهما ليس في مصر فقط ولكن على الإنسانية بأكملها .
ملخص قصة سفر أستير هو كالآتي :
" القصة تقع أحداثها في بلاد فارس ، حيث نرى (أحشويروش) ملك فارس يقرر التخلص من زوجته الملكة (وشتي) لأنها رفضت طلبه بأن تأتي إلى مجلسه ليرى الحضور جمالها . وكونه بحاجة إلى زوجة تحل مكانها لتكون ملكة البلاد ، طلب من رجاله أن يبحثوا في جميع مناطق سيطرته عن أجمل الفتيات العذارى ليختار واحدة منهن لتكون زوجته . في تلك الأيام كان يعيش في المدينة رجل يهودي يُدعى (مردخاي) يعمل كبواب في قصر الملك ، وكانت تعيش معه ابنة عمه (هدسة) اليتيمة والتي أخذها في رعايته وهي صغيرة بعد وفاة والديها . عندما علم مردخاي عن قرار الملك ، طلب من هدسة في حال اختيار رجال الملك لها ، أن تخفي قوميتها وتغير إسمها إلى (أستير) ، وهذا ما حصل . وكونها كانت أجمل الفتيات واشدهن حكمة وقع الملك بحبها فاختارها لتكون زوجته . في أحد الأيام سمع مردوخاي أن رجلين من خصيان الملك يُدبران خطة لإغتيال الملك ، فأخبر أستير بهذه الخطة ، وأخبرت هي بدورها الملك فقبض على الرجلين وأمر باعدامهما . أمور أستير في القصر سارت على أجمل ما يرام ، ولكن في أحد الأيام عين الملك أحد المقربين إليه وأسمه (هامان) وزيرا على المملكة وأعطاه الصلاحية الكاملة في إدارة أمور البلاد . فاستغل هامان منصبه ليحقق رغباته ليجعل من نفسه وكأنه الملك الثاني في المملكة ، فأمر الجميع بأن يسجدوا له كلما مر أمامهم ، ولكن مردخاي رفض أن يسجد له ، وهذا ما جعل هامان يغتاظ كثير منه كونه أيضا علم أنه يهودي وكونه يشعر بكراهية شديدة للشعب اليهودي قرر أن يتخلص منه ومن اليهود جميعهم ولا يترك منهم أحدا لا كبير ولا صغير في بلاد فارس. فذهب إلى الملك وذكر له الكثير من الأكاذيب عن الأقلية اليهودية وأقنعه بضرورة التخلص منهم لأن وجودهم في مملكته سيشكل خطرا على عرشه ، فاقتنع الملك بكلامه وأعطاه الحرية الكاملة في التصرف بهم كما يشاء . فلجأ هامان إلى أحد الكهنة ليحدد له يوم تنفيذ عملية إبادة اليهود ، القرعة التي قام بها الكاهن حددت يوم (١٣) من شهر آذار . سمع مردخاي الخبر ، وكونه أحد كبار رجال قومه شعر بالمسؤولية في حمايتهم ولكنه رأى نفسه عاجزا عن فعل أي شيء ، لأن القرار كان قرارا ملكيا ولا يمكن إلغائه . فذهب إلى أستير وطلب منها التدخل لتقنع الملك في منع تنفيذ القرار . ولكن في تلك الأيام كانت أستير منعزلة عن الملك بسبب أشغاله الكثيرة ، وقوانين المملكة كانت تمنع أي شخص أن يقتحم مجلس الملك دون استئذان ، حتى الملكة نفسها ، وأي محاولة في كسر هذا القانون سيؤدي إلى طردها من منصبها كما حصل مع الملكة السابقة أو حتى إلى إعدامها . ولكن خوفها على قومها حثها على ضرورة فعل شيئا ما ، فطلبت من مردخاي أن يجمع اليهود الموجودين في المدينة ليصوموا ثلاثة أيام ليلا و نهارا ليساعدها الله في تحقيق عملها . في تلك الأيام قام هامان بصنع خشبة عالية في ساحة المدينة ليصلب عليها مردخاي لينتقم منه أمام جميع الناس . ولكن الملك في إحدى الليالي طلب من قارئ البلاط ، أن يقرأ له أخبار الأيام المدونة في كتب البلاط ، فقرأ عليه خبر إنقاذ حياته من محاولة الإغتيال ، فتذكر الملك عندها أنه لم يُكافئ مردخاي لما فعله في كشف المؤامرة ، فدعى هامان وطلب منه رأيه في طريقة يستطيع بها تكريم شخص قام بعمل عظيم للملك ، فظن هامان أن الملك يقصده هو ، فعرض على الملك أن يكون التكريم بأن يمر هذا الشخص امام الناس راكب على الحصان وهو يرتدي ثيابا فاخرة وعلى رأسه تاج الملك ليسجد أمامه جميع سكان المدينة . فوافق الملك على فكرة هامان وذكر له أسم الشخص الذي يجب تكريمه ، عندها علم هامان أن المقصود ليس هو ولكنه عدوه اللدود مردخاي ، ففعل ما أمره الملك ، وهذا ما جعله يشعر أن مردخاي أهانه مرة أخرى ، فحقد أكثر على مردخاي وعلى اليهود ، وراح ينتظر يوم تنفيذ قرار إبادة اليهود بفارغ الصبر . قبل إقتراب موعد تنفيذ القرار ، دخلت استير في مجلس الملك ، ورغم أن الملك كان عليه تطبيق قانون شريعة المملكة ، ولكن حبه الشديد لها جعل قلبه يرق عليها فسألها عن سبب قدومها ، فأخبرته بأنها تدعوه غدا إلى وليمتها هو وهامان أيضا ، فقبل الملك دعوتها ، وفرح هامان لأن الملكة رفعت من شأنه أمام الملك ودعته هو أيضا . في الوليمة أخبرت استير الملك بأنها يهودية وأن جميع تلك الإتهامات التي ذكرها هامان عن اليهود كانت أكاذيب . فلم يصدق الملك أن هامان أشد المقربين إليه قد قام بخداعه فقط لتحقيق رغباته الشريرة ، فخرج غاضبا من بلاط الملكة ، فأسرع هامان إلى سرير الملكة ليتوسل إليها أن تفعل شيئا ليسامحه الملك على فعلته ، ولكن بعد لحظات عاد الملك ورأى هامان على سرير الملكة زوجته، فأشتد غضبه لأن هامان لم يراعي حرمة سرير زوجته فأمر رجاله أن يقبضوا عليه ويصلبوه على نفس الخشبة التي أراد أن يُصلب عليها مردخاي، وأمر أيضا أن يُعين مردخاي وزيرا للملك بدلا من هامان . ورغم إعدام هامان ولكن قرار يوم تنفيذ عملية إبادة اليهود ظل ساريا كونه قرارا ملكيا ولا يمكن إلغائه ، وكان أعداء اليهود ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر ليقتلوا كل شخص يهودي . فطلب الملك من مردخاي وأستير أن يتصرفا هما لحل هذه المشكلة لحماية شعبهم ، فأصدر مردخاي أمرا بتسليح اليهود ليستطيعوا الدفاع عن أنفسهم ضد كل من يحاول الإعتداء عليهم . وفي يوم الثالث من آذار حدث القتال بين اليهود وأعدائهم فنجحوا في الإنتصار عليهم واستطاعوا حماية شعبهم من الإبادة " .
إذا تمعنا جيدا في تفاصيل أحداث قصة أستير ، سنجد أن تطور أحداثها يحصل لأسباب سطحية خالية من الحكمة والموعظة وربما غير مقنعة كونها تعتمد في الدرجة الأولى على سذاجة تصرفات الملك . وهذا ما جعل سفر أستير يختلف كثيرا عن بقية أسفار العهد القديم فعدا أن أحداث القصة قد حصلت في زمن غير ببعيد ما بين نهاية القرن السادس وبداية القرن الخامس فهي غير مطابقة للأحداث التاريخية الواقعية ، وكذلك نهايتها غير مناسبة لقصة دينية ، حيث أن قرار ملكي بسيط يفرض استخدام أسلوب عنف دموي في حل مشكلة الشعب اليهودي .
نقاط الضعف هذه في سفر أستير دفعت بعض الباحثين الى رفض هذا السفر كنص إلهي يتحدث عن أحداث واقعية ، فحسب رأيهم أنه سفر أستير هو مجرد رواية تاريخية من خيال بشري . ولكن في الحقيقة من لديه معرفة بعلم الرموز ، سيجد أن سفر استير هو من وحي إلهي يوضح فيه أشياء كثيرة تساعدنا على فهم تطور العقائد الدينية والأساطير في الشعوب عبر التاريخ وعلاقتها مع بعضها البعض . ويوضح لنا أيضا أشياء لا نعرفها عن النبي يوسف وكذلك عن نفرتيتي التي اختارها الله لتكون الأم الروحية لموسى عليه الصلاة والسلام ، فمردخاي في الحقيقة هو يوسف وأستير هي نفرتيتي . وسنحاول هنا شرح هذه الرموز بشكل مختصر :
أهم شخصيات قصة سفر أستير هم : مردوخاي ، أستير ، الملك احشويروش،الوزير هامان.
- مردخاي : أسم مردخاي يعني ملك الإله مردوخ ، وهو في الحقيقة رمز للإله مردوخ نفسه . الإله مردوخ هو إله الحكمة في العقيدة البابلية ، وكانت له عدة صفات خارقة لكن أهمها أن له المقدرة على الرؤية بزاوية ٣٦٠ درجة ، وهذه الصفة هي من أهم صفات النبي يوسف والتي أشار إليها القرآن الكريم في سورة يوسف (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ... ٦٧) حيث كل باب هو رمز لزاوية رؤية علم معين ، فكل علم له زاوية رؤية خاصة به ، لهذا كان هناك عدة أنواع من العلوم بحيث من خلال جميعها يمكن دراسة الشيء أو الحدث من جميع زواياه لنحصل على رؤية شاملة للشيء أو الحدث المدروس . لهذا كان مجموع زوايا الرؤية رمزيا يعادل ٣٦٠ درجة وهو عدد الزوايا الموجوده في الدائرة والتي ترمز هنا إلى نوعين من الرؤية : الأولى وهي رؤية الشيء أو الحدث من جميع جهاته ، والثانية هي رؤية كل ما يحصل من حولنا .
أيضا من الأشياء التي تجمع بين يوسف والإله مردوخ أن معبده في بابل يسمى ( اي ساغ ايلا ) ويعني (البيت الذي يرفع الرأس) وهو المشهور بأسم برج بابل . فالبرج كرمز يمثل الرمز (٨) الذي استخدمه يوسف في بناء الأهرامات المصرية الحجرية ، والتي حلت محل برج بابل الذي بني بالطوب بدلا من الحجارة والذي دمره الله تعالى ، فالطوب يعني الشيء المصنوع والذي يتألف تركيبه من عدة أشياء ، أما الحجر فهو كتلة متماسكة وكأنه يتألف من شيء واحد فقط ، فبناء الهرم بالحجارة يعني أن الرمز (٨) هو شيء متماسك لا يمكن تجزئته إلى أجزاء عديدة لأنه يمثل روح الكون الاولى التي بدأ منها كل شيء . أيضا الهرم هو بناء له شكل عندما نقف بقربه وننظر إليه يجعلنا نرفع ببصرنا بشكل تدريجي نحو الأعلى لنرى قمته وكأنه بهذه القدرة التي يحملها الشكل الهرمي يجعلنا نشعر وكأنه سلم يصعد بأحاسيسنا نحو السماء ، أي بمعنى آخر أن الشكل الهرمي يربط بين الأرض والسماء أي أنه وسيلة إتصال بين الناس والإله الأكبر. فاختيار اسم مردخاي ليكون هو أسم الشخص الذي ساهم في إنقاذ الشعب اليهودي في سفر أستير ، ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تشرح لنا معلومة هامة وهي أن شخصية يوسف قد إنتقلت من شعب مصر القديمة إلى شعوب منطقة بلاد بابل وتحولت إلى شخصية روحية سماوية (إله) تربط بين الخالق الأعظم والبشر ، فعن طريق هذه الشخصية السماوية يتم الإتصال بين الله والبشر ، الديانات السماوية دعت هذه الشخصية (ملاك) أما الديانات القديمة فدعتها (إله) ، ولهذا نجد في قصة النبي يوسف أن الوسيط بين الخالق الأعظم والبشرية كان هو يوسف نفسه ولهذا في سورة يوسف تذكر الآية (٣١) عن يوسف (.....فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) . وفي سفر أستير لا نجد أي ذكر لأسم الله ولكن كل شيء حصل بحكمة مردخاي ، فمردخاي في سفر أستير يمثل الملاك المرسل من الله الذي أخبر أستير عما يجب أن تفعله لإنقاذ الشعب اليهودي ، لهذا نجد أن عمل مردخاي كان بواب القصر وهو عمل رمزي حيث باب القصر هنا له معنى رمزي وهو الفاصل بين السماء والأرض . وأيضا نجد أنه هو الذي اكتشف مؤامرة اغتيال الملك ، وهذه الحادثة هي أيضا رمزية وتعني قدرة الملائكة على رؤية ما لا يستطيع البشر رؤيته . فمردخاي في سفر أستير هو المقصود من الآية القرآنية {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ...... {٣٠ التوبة} فاليهود عندما سمعوا هذه الآية استغربوا وجودها ومصدرها واعتبروها خيالية من تأليف نبي الإسلام ، لأن نصوصهم الدينية لا تحوي على أي نص يؤكد أنهم آمنوا بأن شخص أسمه (عزير) هو ابن الله ، لأن هذا الإعتقاد يتنافى مع تعاليم دينهم والذي يؤمن بعقيدة "الله الذي لم يلد ولم يولد" . فالحقيقة أن تفسير المسلمين بأن عزير هو عزرا بن شريه المذكور في سفر عزرا الذي أعطاه الملك قورش ملك الفرس قرار إعادة بناء هيكل أورشليم ، وأنه هو الذي وردت قصته في القرآن بأن الله أماته مائة عام ثم بعثه في قصته المعروفة الواردة في سورة البقرة ، فهذا التفسير غير صحيح فعزير الموجود في القرآن الكريم وقصة بعثه لا علاقة له بشخص عزرا نفسه الذي يُعتبر عند اليهود من أنبياء بني اسرائيل ، لأن عزير هو رمز للنبي يوسف في سفر أستير . ولكن الحكمة الإلهية اختارت أسم عزير ليكون رمز مردخاي ، فعزرا ومردخاي عاشا في نفس الفترة الزمنية ولكن قصة عزرا واقعية تاريخيا أما سفر أستير فهي رواية من وحي إلهي . فالربط بين مردخاي وعزرا هو ربط رمزي يساعدنا في فهم شخصية ودور النبي يوسف ، فعزرا هو الذي أعاد بناء هيكل سليمان في القدس ، وهذه الحادثة تشير إلى دور يوسف في بناء أول هرم في تاريخ البشرية ، لأن الشكل الهرم والمسلة معا يُشكلان رمز الروح الإلهية(١٨) ، فهيكل سليمان في القدس الذي أشرف عزرا على بنائه هو رمز يشير إلى علاقة سليمان المذكور في القرآن مع النبي يوسف والتي تحدثنا عنها في المقالات الماضية . الحكمة الإلهية اختارت أسم (عزير) كون مصدرها فعل عَزَرَ وله عدة معاني متشابهة لها علاقة بصفات ودور النبي يوسف : عَزَرَ أَخَاهُ: أَعَانَهُ ، عَزَرَهُ عَنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ : مَنَعَهُ، صَرَفَهُ، رَدَّهُ ، عَزَرَهُ عَلَى الأَمْرِ : أَخْبَرَهُ بِهِ ، عَزَرَهُ عَلَى فَرَائِضِ الدِّينِ: عَرَّفَهُ بِهَا وَوَقَّفَهُ عَلَيْهَا . الحكمة الإلهية ذكرت أسم (عزير) في تلك الآية القرآنية لتشرح لنا الفرق بين كلمة (إله) المذكورة في الديانات القديمة وكلمة (إله) المذكورة في الديانات السماوية . فاليهود الذين قالوا أن عزير ابن الله ، هم جزء من قوم موسى الذين لم يتبعوا تعاليم ديانة موسى السماوية الجديدة ولكنهم ظلوا على اعتقادهم السابق بأن يوسف هو ابن الله الخالق الأعظم وليس ابن ذلك الجزء من روح الله (١٨) الذي نفخه في آدم . فقصة موت عزير وبعثه بعد مائة عام هي قصة رمزية يُقصد بها بعث يوسف بعد وفاته الأولى والتي شرحناها في مقالات ماضية عندما تكلمنا عن قصة أصحاب الكهف . فعزير هو نفسه يوسف ، ولكن حتى نفهم العلاقة بينهما يجب فهم سفر أستير ومعنى رمز مردخاي في هذا السفر وسبب عدم ذكر أسم الله في هذا السفر . لهذا نجد أنه وبسبب عدم وجود أسم الله في هذا السفر ، ظهرت تتمة لسفر أستير في النسخة السبعينية (اليونانية) حيث تذكر فيها صلوات أستير لله ليساعدها في إنقاذ الشعب اليهودي من قرار الإبادة. فظهور تتمة سفر أستير ليس تحريف لنص سفر أستير ولكن حكمة إلهية تشرح لنا الفرق بين مفهوم كلمة (إله) في عصر يوسف ومفهوم هذه الكلمة بعد ظهور الديانة السماوية الأولى (اليهودية) . ففي عصر يوسف كانت الإنسانية تعيش مرحلة الطفل الرضيع ، وفي هذه المرحلة العقل الإنساني ليس لديه المقدرة على استيعاب معنى مفهوم الخالق الأعظم ، لهذا وجب أن تكون بداية الأحساس بوجود خالق على شكل آلهة متعددة جميعها تعمل لهدف واحد وهو تحقيق تصحيح التكوين الروحي للإنسان من جميع الشوائب الشيطانية التي بسببها تم طرد الإنسان من الجنة.
من صفات الإله مردوخ أيضا أنه يستخدم كلمات سحرية لها المقدرة على حل المشاكل والإنتصار على الأشرار . وهذه الصفة تُعتبر من أهم الأشياء في عقيدة الشعب المصري القديم حيث كانوا يؤمنون بوجود كلمات سحرية لها قدرات خارقة . فهذه الصفة في الحقيقة تعني أن الأسماء والكلمات هي ليست من صنع البشر ولكن من وحي إلهي كما تذكر الآية القرآنية {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ على الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٣١) البقرة} حيث أن اسم الشيء يوضح لنا مضمونه الذي يُفسر لنا سبب خلقه ووجوده وعلاقته بتطور الإنسانية الروحي والمادي . فتطور المعارف بشكلها السليم (الصراط المستقيم) يعني في الحقيقة تطور الإنسانية ، وتطور الإنسانية يعني بحد ذاته الإنتصار على روح السوء العالمية ومواصلة المخطط الإلهي . لهذا ذكرنا في مقالات ماضية بأن الكتابة ظهرت في بلاد ما بين النهرين ولكن النبي يوسف (أمحوتب) في عصر الأهرامات هو الذي أسس علم الكتابة بشكله المثالي ، حيث أعطى الكلمة شكلها المناسب بحيث تحقق الكلمة نوع من الإنسجام بين شكلها الظاهري ومضمونها لتستطيع التعبير عن نفسها كمعنى يساهم في فهم الإنسان حقيقة الأشياء وعلاقتها في تكوينه الروحي وتطوره . لهذا نجد أن صفات الإله تحوت المصري مشابهة لصفات الإله مردوخ البابلي فهو أيضا صاحب جميع العلوم ولهذا يُعتبر إله الحكمة والكتابة والسحر ، ولكن إذا تمعنا بصفاته بشكل مفصل سنجد أنه مخترع علم الكتابة والفلك والطب والأعداد والتنجيم والزراعة والديانة وهندسة بناء المباني . فجميع هذه الصفات هي في الحقيقة صفات الوزير أمحوتب (يوسف) مؤسس عصر الاهرامات . أيضا من صفات الإله تحوت أنه خلق نفسه بنفسه ، وهذه الصفة هنا لا تعني الشرك بالله ولكن تشرح لنا حقيقة كيفية خلق الكون والذي يمثل مكان طرد الإنسان بعد خروجه من الجنة ، فيوسف هو هابيل الذي قتله أخيه هابيل في الجنة ، فروح هابيل دخلت هذا الكون عندما كان على شكل ثقب أسود صغير فأدى إلى إنفجاره (ظاهرة الإنفجار الكبير ) والتي نتجت عنها ولادة الكون ، والذي منه تم خلق جميع محتويات الكون كما هو عليه اليوم . فمعنى أن يوسف خلق نفسه بنفسه أي أنه خُلق خارج هذا الكون وروحه التي دخلت الكون هي التي صنعته وأعطته شكله وكيانه في الأرض بعكس جميع المخلوقات التي خُلقت في الأرض ، فهنا نحن نتكلم عن الخلق المادي فقط وليس الخلق الكامل من اللاشيء . ولهذا يقول الإله تحوت ( كنت واحدا وأصبحت ثلاثة ) بمعنى أنه في الجنة كان على رمز (١٨) كوحدة متكاملة ولكن عندما دخل الكون أصبح ثلاثة ، أي إنقسم قسمين : الأول (٨) ويحوي على خطين إثنين (\ /) ، والثاني خط واحد (١) ، فمجموع عدد الخطوط هو ثلاثة . ولهذا إله تحوت عند الأغريق يسمى (هرمس ثلاثي القوة ) أي بمعنى ان كل خط له وظيفة خاصة به . ولهذا كان أسم هرمس في اليونانية (ΕΡΜΗΣ) يعني (المفسر) حيث القدرة على التفسير تحتاج إلى القوى الثلاثة معا . وكما نعلم أن المقدرة على (التفسير) هي من أهم صفات يوسف . لهذا وبسبب هذه الصفات العديدة في يوسف جعلته لا يسجد لأحد غير الله لأنه هو أعلم مخلوقات الله {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤) البقرة} ، وهكذا كان مردخاي أيضا في سفر أستير لم يسجد لأحد . الحكمة الإلهية من خلال اختيار اسم مردخاي وتلك الأشياء البسيطة التي فعلها في سفر أستير شرحت لنا جميع ما ذكرناه قبل قليل عن النبي يوسف والتي شرحناها بالتفصيل في المقالات الماضية.
- أستير : صفات الملكة أستير كما هي مذكورة في سفر أستير هي في الحقيقة الصفات الروحية في نفرتيتي امرأة فرعون التي أخذت موسى الرضيع من النهر وجعلته بمثابة ابنها . فأسم امرأة فرعون في الإسلام هو (آسية) كما هو مذكور في الأحاديث الشريفة (أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين ) . اسم (آسية) مذكور في سفر أستير بطريقة مخفية ، فأسم أستير هو أسم فارسي ، أما أسمها اليهودي فهو (هدسة) ويعني في اللغة اليهودية (شجر الآس) الحكمة الإلهية حولت هذا الأسم في الإسلام إلى (آسيا) ليضيف لنا معلومة عن زوجة فرعون بأنها ليست مصرية (أفريقية) ولكن أصلها من شمال سوريا (آسيا) والمعروفة بأسم الدولة الميتانية والتي تقع في نفس المنطقة التي هاجر إليها قوم نوح بعد الطوفان والمعروفة بالشعب الحلفي الذي تكلمنا عنه في المقالات الماضية . فنفرتيتي رمزيا تمثل عودة سيطرة روح الخير العالمية (روح آل عمران) على تطور الإنسانية بعدما حاول فراعنة مصر تشويه عقيدة يوسف في بلادهم . ولهذا تم تسميتها بالمصرية (نفرتيتي) ومعناها (الجميلة قدمت إلينا) أو الجميلة وصلت ، أي أنها أتت من خارج مصر ومن آسيا بالتحديد . فعبارة (الجميلة قادمة إلينا) تخص جميع أفراد شعب مصر وليس أفراد مدينة واحدة في مصر .
إذا تمعنا جيدا في بداية سفر أستير سنجد أنه يصف عظمة المملكة الفارسية في عهد الملك أحشويروش وحدودها الواسعة . هكذا تماما كان حال الدولة المصرية في زمن ظهور نفرتيتي ، فعندما استلم الفرعون أمنحتب الثالث الحكم كانت مصر من أقوى وأغنى دول العالم فكانت حدود سيطرتها من نهر الفرات وشمال سوريا إلى ليبيا والسودان . لهذا كانت حياة الفرعون خالية تماما من التوتر والصراعات ، ولكن الذي حصل أن فرعون بدلا من أن يهتم بأمور شعبه وعبيده ويؤمن لهم حقوقهم الإنسانية الروحية والمادية ، حاول أن يستخدم ثروات بلاده لمصالحه الشخصية فقط ، فعاش حياة الترف وإشباع الشهوات . الفرعون أمنحتب الثالث هنا يمثله الملك أحشويروش في فترة قبل زواجه من أستير ، حيث كان يعمل ولائم لحاشيته ليفتخر بغنى مجد ملكه وعظمته ، هكذا فعل أمنحتب الثالث حتى وصل به الأمر أنه ادعى نفسه بأنه ابن الإله آمون وله الحق أن يفعل ما يشاء . أما حادثة طلب الملك أحشويروش من زوجته (وشتي) أن تحضر ليرى رجال حاشيته جمالها ، وكذلك حادثة اختيار أجمل فتيات مناطق بلاده للزواج منها ، فهي في الحقيقة رمز لصفة من صفات الفرعون امنحتب الثالث ، حيث كان يبحث عن أجمل الفتيات العالم لتكون في حريمه فكان يدفع مبالغ كثيرة من الذهب للحصول عليهن . والذي حصل في ذلك الوقت أن فرعون سمع بوجود أميرة تدعى (تادوخيبا) في الدولة الميتانية يقال عنها بأنها أجمل نساء العالم ، فأراد فرعون الحصول عليها ، ولكن والدها الملك الميتاني طلب مبلغ هائل من الذهب لإرسال ابنته إلى مصر ، ولكن تكليف التماثيل والمعابد التي تمجد به وكذلك حياة البذخ والمجون التي كان يعيشها الفرعون كانت قد جعلت مملكته عاجزة عن دفع مثل هذا المبلغ الخيالي من الذهب . فكتب إلى الملك الميتاني عدة رسائل يحاول أن يقنعه بها بأنه سيدفع له في البداية قسم من هذا المبلغ ومن ثم سيدفع له بقية الميلغ على مراحل بعد زواجه من ابنته . حجم المبلغ وإصرار فرعون على الحصول على الأميرة الميتانية انتشر بين سكان مصر وخارجها ، فأصبحت هذه الأميرة حديث الجميع و أصبح المصريون ينتظرون قدومها بفارغ الصبر ليروا جمالها الذي يستحق هذه الكميه الخيالية من الذهب . لهذا عندما سمع الشعب المصري أن والدها وافق على إرسال ابنته الجميلة إلى مصر ، راح رجال فرعون ينشرون خبر قدوم الأميرة ، فالشعب المصري شعر وكأن الإلهة عشتار البابلية قادمة إليهم لإنقاذهم من سوء أحوال معيشتهم ، وهكذا ظهرت عبارة (الجميلة قادمة إلينا) والتي تلفظ في المصرية القديمة (نفرتيتي). ونفرتيتي بعد استلامها للحكم لم تخيب ظنهم بها .
سفر أستير من خلال حادثة رفض الملكة (وشتي) لطلب الملك في الحضور إلى مجلس الملك ، هذه الحادثة هي حكمة إلهية تربط بين نفرتيتي والملكة (هيلين الجميلة) في أسطورة طروادة الإغريقية ، حيث يطلب فيها الملك مينيلوس من زوجته (هيلين الجميلة) أن تحضر ليرى رجال الملك وضيوفه جمالها الخلاب وهي عارية تماما. فبسبب هذه الحادثة هربت (هيلين الجميلة) مع الشاب باريس أمير طروادة . فنفرتيتي هي في الحقيقة (هيلين الجميلة) والتي ذكرتها الأسطورة الإغريقية بأنها كانت أجمل إمرأة في العالم . نفرتيتي في سفر أستير تمثل (وشتي) الملكة الأولى التي تمثل هيلين الجميلة ، وتمثل أيضا الملكة الثانية (أستير) ، حيث عند وصولها إلى مصر يُصاب فرعون بوعكة صحية تستمر حتى وفاته ، فيتزوجها ابن فرعون وهو أمنحتب الرابع والمشهور بأسم (أخناتون) ، أخناتون الفرعون الطيب يمثل ملك أحشويروش بعد زواجه من أستير .
القرآن الكريم يذكر أن أسم وزير فرعون هو هامان وهو نفس أسم الوزير الشرير الذي أراد إبادة الشعب اليهودي في بلاد فارس في سفر أستير . فاسم هامان في القرآن هو أسم رمزي يوضح لنا حقيقة الوضع الروحي الذي كان يُسيطر على السلطة الحاكمة في عهد الفرعون أمنحتب الثالث ، فأسم هامان مشابه للفظ الكلمة العربية (هَيْمَانُ) وتعني المتعطش للعشق أو العاشق الشديدُ الوَجْد والتي مصدرها من الهُيَامُ :الجُنون من العشق ونعني هنا العشق الجسدي أو الجنس الإباحي . فمعظم معاني مشتقات هذه الكلمة تعطي حقيقة هذا المعنى : هَائِماً عَلَى وَجْهِهِ : ضَائِعاً، تَائِهاً، لاَ يَعْرِفُ إِلَى أَيْنَ هُوَ مُتَّجِهٌ . هكذا تماما كانت حياة الفرعون وحاشيته ضياع كامل في إشباع الشهوات وملذات الحياة ، فزوجته الملكة (تيي) كانت ابنة يويا كاهن الإله (مين) رمز الشهوة الجنسية .أما والدتها، تويا، فقد كانت تشغل عدة مناصب دينية وحملت ألقاباً مختلفة كمغنية الإلهة حتحور (إلهة البقرة) ، ورئيسة فناني آمون و مين . القرآن الكريم يذكر أسم هامان كصفة وليست كأسم حقيقي لأن صفة هامان هذه لم تكن صفة شخص واحد ولكن صفة رمزية لثلاث شخصيات هامة كانت تسيطر على إدارة أمور بلاد مصر في عهد أمنحتب الثالث وابنه أخناتون وهم (ابن حابو ، ويويا ، وأي) .
الوزير الأول (ابن حابو) حاول أن يشيد له المعابد والتماثيل ليجعل الفرعون يشعر وكأن مكانته قد إرتفعت ووصلت إلى مرتبة الآلهة وأنه يحق له أن يفعل ما يشاء لإرضاء رغباته وشهواته ، فعدد تماثيل أمنحتب الثالث هي الأكثر على الإطلاق من جميع تماثيل ملوك مصر القديمة فحتى الآن تم اكتشاف حوالي (٢٥٠) تمثال لهذا الفرعون . وابن حابو هو الذي صمم للفرعون أضخم تمثال في مصر القديمة وهما تمثالا ممنون ، وتسمية هذين التمثالين بأسم ممنون وليس أمنحتب الثالث ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، فالملك ممنون حسب الأساطير في تلك المنطقة بأنه كان بطلاً في حرب طروادة وهو ملك إثيوبيا الذي قاد جيوشه من إفريقيا إلى آسيا الصغرى للمساعدة في الدفاع عن المدينة المحاصرة ، لكن في النهاية قُتل على يد أخيل ، ولكن في الحقيقة أن ممنون هذا هو نفسه ملك ملوك اليونان والذي يحمل نفس الأسم (أغا ممنون ) وهو أخو الملك مينيلاوس زوج هيلين الجميلة ، وهو الذي أمر ملوك اليونان بالمشاركة معه في حرب طروادة بحجة استرداد هيلين الجميلة . فتسمية هذين التمثالين بأسم (ممنون) هي حكمة إلهية تربط بين شخصية نفرتيتي وشخصية هيلين الجميلة . فالذي حصل بعد /٣/ سنوات من وفاة كليوباترا وقبل /٣/ سنوات من ولادة مريم العذراء ، أي في عام (٢٧) قبل الميلاد حدث زلزال في مصر أحدث تشققات عديدة في التمثالين ، فكان في الصباح مع وجود الرطوبة يمر الهواء داخل هذه الشقوق ويحدث صوت مشابه لصوت البكاء ، هذه الظاهرة أثارت الدهشة في سكان المنطقة واشتهرت ووصلت إلى خارج البلاد .فظهرت أسطورة ان التمثال يصدر أصوات رثاء أم البطل ممنون على ابنها الذي سقط في ميدان طروادة كل صباح ومنه أخذ اسم التمثالين ، ولكن في الحقيقة أن أسطورة طروادة هي أسطورة إغريقية ، ومن يتمعن في أحداثها جيدا سيجد أن السبب الرئيسي في دفع كبير ملوك اليونان ممنون (أغامنون) للذهاب إلى طروداة وشن الحرب عليها هو رغبته في استعادة هيلين الجميلة التي كان يريدها لنفسه لأشباع شهوته بها رغم أنها كانت زوجة أخيه . فزلزال عام (٢٧ ق،م) هو الذي ايضا دمر جدران بعض المعابد في طيبة حيث أدى إلى ظهور آثار نفرتيتي التي حاول فراعنة مصر بعد خروج نفرتيتي مع قوم موسى من مصر أن يمحوا جميع آثارها فاستخدموا حجارة معابد ديانتها ليبنوا بها معابدهم . فبكاء تمثالا ممنون هو علامة إلهية تشرح لنا علاقة نفرتيتي بهيلين الجميلة وكذلك علاقة نفرتيتي بالفرعون أمنحتب الثالث الذي حاول تشويه حقيقة عقيدة الحضارة المصرية القديمة لتصبح معاكسة تماما لتعاليم النبي يوسف . ولهذا كان رقم تسلسل أمنحتب الثالث بين ملوك مصر هو الرقم (٨١) وهو عكس رقم (١٨) الذي يرمز إلى القسم الروحي لحضارة عصر الأهرامات . وكذلك نجد أن عام اكتشاف مومياته يحمل الرقم (١٨٨١) بعد الميلاد . هذه الأرقام ليست صدفة ولكن أدلة إلهية.
أما الشخصية الثاني (يويا) والد زوجة الفرعون الذي تكلمنا عنه قبل قليل فكان مستشاره ، فوجود يويا كاهن الإله مين كمستشار كبير لفرعون هو رمز يوضح لنا حقيقة حياة فرعون التي كانت مليئة بالمجون والسكر والجنس الإباحي .
أما الوزير (أي) فكان هو أخ زوجته الملكة تيي ، فبعد وفاة الفرعون أمنحتب الثالث وانتقال العرش إلى ابنه أمنحتب الرابع (أخناتون) حاول الوزير (أي) أن ينقل هذا النمط من الحياة إلى فرعون الجديد ، ولكن نفرتيتي استطاعت بذكائها وحكمتها إقناع زوجها أخناتون بعد وفاة أبيه في ضرورة احداث تغيير شامل يعيد بلاد مصر إلى مجدها الروحي كما كانت عليه في عصر الأهرامات. ففي بداية زواجها من أمنحتب الثالث طلبت نفرتيتي من الله أن يرزقها طفلا تقوم بتربيته تربية صالحة لتجعل منه حاكم مصر ليقوم بإصلاح جميع تلك العيوب التي كان يعيشها أفراد السلطة الحاكمة ، ولكن الحكمة الإلهية أرادت من نفرتيتي أن تبقى عفيفة لا يدنسها نجاسة زوجها فرعون ، فتأخر وصولها إلى مصر بسبب صعوبة جمع كمية هائلة من الذهب ، كان قد جعل زوجها وبسبب أمراضه المتعددة عاجزا جنسيا ، فأرسل الله لها موسى الرضيع ليكون هو طفلها الذي به ستحقق حلمها ، فبعض النقوش تذكر أن أمنحتب الثالث كان له ابن آخر ويدعى تحوتمس ، ولكن أثاره قليلة لهذا يعتقد علماء المصريات أنه توفي وهو طفل صغير ، ولكن الحقيقة هي أن أسم موسى في اللغة المصرية القديمة كان تحوتمس ولو فرضنا أنه كان قد استلم الحكم بعد أخناتون لكان أسمه تحوتمس الخامس .
الله عز وجل زرع في قلب وريث العرش أمنحتب الرابع (أخناتون) حب شديد لنفرتيتي وابنها موسى ، لهذا بمجرد أن سمع عن وفاة أبيه تزوجها . وكونه كان رجلا بسيطا في الشخصية والذكاء ويحقد على والده بسبب شدة حبه لنفسه ولسوء سلوكه ومعاملته له ، لهذا وافق أخناتون على تحقيق أحلام نفرتيتي بتغير شامل في أمور مصر وبشكل يجعل الجميع يظن بأن كل القرارات التي سيتخذها هي منه شخصيا كي لا يحقد أفراد العائلة الملكية والكهنة على نفرتيتي ، فألغى جميع الآلهة القديمة والتي بسبب تشويه معانيها جعلها تحقق الإحتياجات الغريزية وليس العواطف النبيلة ، وأتى بدلا منها عقيدة عبادة إله واحد يشمل معاني جميع الآلهة المصرية القديمة بشكلها السليم وهو إله النور (أتون) وقد تم ذكر هذه الكلمة في الآيتين /٨-٩/ في سفر الخروج التي يتحدث عن قصة موسى وخروجه مع قومه من مصر . بعد استلام أخناتون للحكم سارت الأمور على أجمل ما يرام حتى حادثة إكتشاف سر موسى عندما علم الوزير (أي) بأن موسى هو ابن أحد العائلات الفقيرة في مصر وليس ابن أمنحتب الثالث . ولكن نفرتيتي في ذلك الوقت كانت قد قامت بدورها على أحسن وجه ، فقد استطاعت أن تحافظ على التكوين الروحي لموسى ليكون صالحا لتقبل الرسالة الإلهية.
اسم أستير في الفارسية يعني (نجمة) والمقصود هنا هو نجمة الصبح (كوكب الزهرة) ، أسم هذا الكوكب في العقيدة اليونانية (أفروديت) والرومانية (فينوس) ، و هو رمز (إلهة الحب والجمال) . وأسم أستير أيضا هو أسم الإلهة عشتار في العقيدة البابلية ، وعشتار هي أيضا إلهة الحب والجمال ولكنها أيضا إلهة الحرب ، فعشتار في الحقيقة تحمل هي أيضا نوعين من الرموز : الرمز الأول تظهرها وكأنها على هيئة امرأة عارية تركب وحوشًا وهي الهة الحرب والحب والجنس الأباحي ، فهذا الرمز يمثل حواء عندما أغواها الشيطان والتي تسببت في ارتكاب الخطيئة (الزنى الروحي وإنجاب غريزة القتل في قابيل) والتي كانت عقابها طرد الإنسان من الجنة . أما الرمز الثاني فيمثل حواء التائبة التي استطاعت تصحيح هذه الخطيئة ، لهذا نجد أيضا أن بعض النقوش عن عشتار تتحدث عن عفتها وإخلاصها وحروبها ضد الأشرار . فاختيار أسم أستير لتكون رمز لنفرتيتي له معنى أن الفرعون أمنحتب الثالث رآها وكأنها عشتار برمزها الأول إلهة العشق الجنسي، ولكن نفرتيتي أختارت لنفسها أن تمثل الرمز الثاني ، فجمعت بين الإلهتين : إلهة الحب والجمال (أفروديت) مع إلهة الحكمة والحرب (أثينا) ، ليكون رمزها في العقيدة المصرية إلهة (نيث) التي تحدثنا عنها في المقالة الماضية .
الحكمة الإلهية في تصميم المجموعة الشمسية وضعت علامات إلهية تؤكد على ترابط العلاقة بين نفرتيتي وأستير وعشتار وأفروديت حسب بعد مسافة كواكب القسم الداخلي للمجموعة الشمسية عن الشمس :
- فبعد المسافة بين الكوكب الأول عطارد عن الشمس تعادل (٥٨) مليون كم ، الرقم (٥٨) هو القيمة الرقمية لأسم راحيل أم النبي يوسف بالنظام البسيط للغة اليونانية (ΡΑΧΗΛ) ، راحيل تمثل ديانة يوسف التي ظهرت منها جميع الديانات القديمة في العالم .
- أقرب مسافة بين الكوكب الثاني (الزهرة) عن الشمس تعادل (١٠٧) مليون كم ، الرقم (١٠٧) هو القيمة الرقمية لأسم نفرتيتي الميتاني (تادوخيبا) في اللغة اليونانية (ΤΑΝΤΟΣΕΠΑ). نفرتيتي تمثل الديانة اليهودية أول ديانة سماوية .
-أبعد مسافة بين الكوكب الثالث (الأرض) عن الشمس تعادل (١٥٢) مليون كم ، الرقم (١٥٢) هو القيمة الرقمية لأسم مريم في نظام الكابالا اليونانية(ΜΑΡΊΑ) . مريم العذراء تمثل الديانة السماوية الثانية المسيحية .
- متوسط بعد الكوكب الرابع (المريخ) عن الشمس يعادل (٢٢٨) مليون كم ، الرقم (٢٢٨) هو القيمة الرقمية لعبارة (فاطمة بنت محمد) في اللغة اليونانية (ΦΑΤΙΜΑ ΚΟΡΗ ΤΟΥ ΜΩΑΜΕΘ) . فاطمة الزهراء تمثل الديانة السماوية الثالثة الإسلام ، ولهذا أطلق النبى صلى الله عليه وسلم على فاطمة لقب (أم أبيها) .
هذا التطابق في الأرقام بين أرقام بعد المسافة بين كواكب القسم الداخلي للمجموعة الشمسية مع القيم الرقمية لأمهات أنبياء الديانات السماوية ليس صدفة ولكنه حكمة إلهية تساعدنا في فهم حقيقة تطور التكوين الروحي في الإنسانية الذي بدأه النبي يوسف وانتهى مع نزول آخر ديانة سماوية. فاختيار أسماء الأمهات (نساء) وليس أسماء الأنبياء أو الأباء (رجال) له معنى أن الهدف الأول من التطور الروحي للإنسانية هو تحقيق القانون الإلهي (العفة - السلام) لأن النساء لا يملكن غريزة القتل في تكوينهن الروحي ، ولكن يملكن وسيلة إثار الشهوة الجنسية في الرجل والتي عن طريقها تظهر غريزة القتل في التكوين الروحي للأبناء عندما تكون عادات وتقاليد المجتمع تُنمي الشهوة الجنسية . لهذا نجد أن القيمة الرقمية لأسم مريم العذراء والذي يمثل بعد كوكب الأرض عن الشمس ، محسوبا بنظام الكابالا اليونانية وليس بالنظام البسيط كما حصل في الأسماء (راحيل ، تادوخيبا ، فاطمة) لأن مريم أنجبت بدون أن يمسها رجل ، والحديث الشريف يؤكد على سبب استثناء مريم في الدليل الإلهي الذي ذكرناه (ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان ، غير مريم وابنها . . . . . .) ، ولهذا حدث زلزال عام (٢٧ ق،م) أي بعد وفاة كليوباترا التي استخدمت مفاتن جسدها لتحقيق مجدها ، بثلاث سنوات ، وقبل ثلاث سنوات من ولادة مريم التي أنجبت عيسى عليه الصلاة والسلام بدون أن يمسها رجل . فوجود هذا الإستثناء في اختيار نوع النظام الرقمي في أسم (مريم) له معنى أن محاربة أتباع روح السوء يجب أن يكون بالحكمة والقلم وليس بالعنف والقتل، ولهذا كانت فاطمة الزهراء عليها السلام هي رمز كوكب المريخ الذي يمثل إله الحرب في الأساطير القديمة ، فكوكب المريخ هنا لا يمثل رمز رجل ولكن رمز إمرأة وهي إلهة الحكمة (أثينا) والتي ظهرت كعقيدة دينية مع ظهور يوسف بأسم إلهة (نيث) المصرية . فقصة أستير التي أثارت استغراب الباحثين كونها تنتهي بحدوث معركة دموية بين اليهود وأعدائهم يُفسر لنا سبب تأسيس جيش المسلمين لمحاربة كفار قريش رغم أن تكوين النبي صلى الله عليه وسلم كان خاليا من غريزة القتل ، فسبب نزول أمر الله بتكوين جيش للمسلمين لقتال المشركين كان من أجل حماية المسلمين للدفاع عن أنفسهم ليستطيعوا تكوين دولة قوية تسمح لهم بتكوين حضارة جديدة ، فالإسلام ظهر في منطقة مجتمعها كان بدائي خالِ من حسنات الحضارات العالمية ، واختيار أسم فاطمة الزهراء عليها السلام لتكون هي رمز كوكب المريخ إله الحرب عند المسلمين يُصحح مفهوم نوعية الجهاد في الإسلام ، فالجهاد الصحيح في الإسلام يكون باستخدام العلوم والحكمة وليس بالسيف والأسلحة الحربية ، فأحد معاني أسم (فاطمة) هو فطم الرجال عن أعمال العنف والقتل والذي تحقق في أحفادها آل البيت ، حيث نجد أن الإمام جعفر الصادق عليه السلام رفض حمل السلاح والمشاركة في الثورة على حكام الدولة الأموية ، وبدلا من ذلك قام بتأسيس جيش من العلماء في مدرسته حيث ساهموا هؤلاء في نقل الحضارة الإسلامية من شكلها الروحي الذي يعتمد على الفطرة وعلى فهم اللغة العربية فقط إلى حضارة متكاملة تستخدم جميع أنواع العلوم .
علماء التاريخ والآثار اليوم يعتبرون أن عصر الفرعون أمنحتب الثالث هو العصر الذهبي للحضارة المصرية القديمة وذلك بسبب كثرة النشاط المعماري الذي حدث في عهده ، ولكن الحقيقة أن عصر أمنحتب الثالث مشابه تماما لعصرنا الحديث الذي بنى ناطحات السحاب والمشاريع الضخمة ولكن رغم ذلك وصفته صفحات التاريخ بأن الإنسانية لم تعرف وحشية مثل وحشية عصر الحديث . فكان من الطبيعي أن يزداد عدد الملحدين باستمرار في مثل هذا العصر الذي تسيطر عليه غريزتان بشكل كامل وهما : غريزة العنف والقتل وغريزة الجنس الإباحي . الشيء نفسه حصل في عصر أمنحتب الثالث لهذا حدث التدخل الإلهي ليسير تطور التكوين الروحي للإنسانية كما هو في المخطط الإلهي . وعسى قريبا جدا إن شاء الله يحدث التدخل الإلهي أيضا في عصرنا الحاضر .
ز .سانا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق