الثلاثاء، 6 أبريل 2021

خواطر من الكون المجاور الخاطرة ٢٨٣ : العقل الذكوري في آراء نوال السعداوي.

 خواطر من الكون المجاور

الخاطرة ٢٨٣ : العقل الذكوري في آراء نوال السعداوي.
قبل أيام قليلة توفيت الدكتورة والكاتبة نوال السعداوي ، ورغم أن جنازتها لم يحضرها سوى عدد قليل جدا من الأشخاص بسبب وباء كورونا ولكن خبر وفاتها كان حديث العديد من الوسائل الإعلامية والإتصال الإجتماعي العالمي والعربي . ومن لا يعرف عنها شيئا عندما سيشاهد ويسمع ما قيل عنها سيقع في حيرة شديدة من حقيقتها ، فقسم منهم وصف آرائها بأجمل الألفاظ ، وقسم آخر وصفها بأبشع الألفاظ . فكانت النتيجة - حسب رأيي - أن كل ما قيل عنها سواء من المديح أو الذم مجرد أفكار سطحية تجعل المشاهد يختار ما يناسبه هو وليس ما يناسب الحقيقة التي ستساعده في فهم حقيقة مضمون ما يجري في عصرنا الحديث الذي وصلت به الإنسانية إلى قاع الإنحطاط الروحي .
من يريد تفاصيل دقيقة عن رأي كل طرف بالدكتورة نوال السعداوي يمكنه العودة إلى المواقع المختلفة في الإنترنت ، ولكن هنا سنعرض بشكل مختصر رأي كل طرف بآراء نوال السعداوي لنستند عليها في توضيح المضمون الحقيقي لفكر هذه الطبيبة والكاتبة التي ولدت في مصر في ٢٧ أكتوبر ١٩٣١ وتوفيت في ٢١ مارس ٢٠٢١ .
من آراء الملحدين والعلمانيين الذين مدحوا بشخصية وفكر نوال السعداوي اخترنا رأي الصحفية والحقوقية عزة كامل ، أولا كونها إمرأة وثانيا كونها عملت في منظمة اليونسكو العالمية وهي أيضا مؤسسة ورئيسة جمعية ألوان وأوتار ، التي تسعى لتعليم الأطفال والشباب المحرومين المهارات والقيم والمبادئ . تقول عزة كامل عن د. نوال السعداوي:
" هي السيف الذي حرك المياه الراكدة ، لأن أفكارها إقتحمت ما هو مسكوت عنه وخاصة تلك الملفات السرية لقهر المرأة والتابوهات الجنسية المسكوت عنها ، فكانت تسعى إلى نبذ المجتمع الأبوي وكشف الثقافة الأبوية التي تتحكم في النساء وعلى المستوى الإجتماعي والسياسي والإقتصادي ، وكانت تناضل من خلال قلمها ، تسعون عاما تقرأ وتكتب وتناضل وتناظر من أجل أفكارها ، وخاصة أنها لم تتنازل ولم تُقهر من أي نوع من السلطة ، سواء كانت سلطة سياسية أو دينية، فكان هناك اشتباك مع أسئلتها الصعبة . كانت تطرح أسئلة تُثير الجدل لأنها تصدم العقل وتحرك العقول . وهي أيضا مناضلة من مناضلات التنوير ، لأن فكرة التنوير كان شيء أساسي لنوال السعداوي ...." .
أما فوزية الخليوي عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة ، فتقول عن نوال السعدوي :
" اعتادت الدكتورة نوال السعداوي في السنوات الماضية الهجوم والافتراء على الإسلام وترديد أكاذيب وادعاءات تتضمن تطاولاً واعتداءً على المقدسات الإسلامية والسخرية منها، والتهكم عليها بصورة جنونية! وغريبة! وشاذة! في العديد من الصحف والمحطات الفضائية.. الغريب والمؤسف أن آخرها مقابلة اجرتها معها إحدى الفضائيات العربية راحت تزهو فيها بهجومها السافر وسخريتها وتهكمها على الإسلام ومقدساته وتنادي بالإباحة المطلقة ؟؟؟؟ ...... ولا تظن أخي القارئ أن الكاتبة تتخبط خبط عشوائي جهلاً منها بالدين؟؟؟ فهي تنطلق في بث سمومها على الدين وأهله من قاعدة دينية ؟؟!!!! ..... وسجل نوال السعداوي حافل منذ طفولتها بالخروج وإنكار المعروف والإجتراء على الذات الإلهية؛ عندما اعترضت على قول الله تعالى: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وكتبت " قل هي الله أحد" ـ تعالى الله عما تقول علوا كبيرا " .
كثير من المسلمين وصفوا الدكتورة نوال السعداوي بهذه الكلمات : الشمطاء العجوز .. إبنة إبليس .. الكافرة .. الملحدة .. ذات العقل الفاسد ..الشاذة جنسيا ...... ) . ولكن بالمقابل نجد أن نوال السعداوي تُعتبر من أكثر كتاب العرب المشهورين عالميا ، فقد تم ترجمة بعض كتبها إلى /٣٥/ لغة ، وحازت على خمس جوائز عالمية، وحصلت على شهادة دكتوراه فخرية من جامعة سانت أندروز البريطانية. فكيف استطاعت هذه المرأة الملقبة بالشمطاء العجوز أن تجعل آرائها ومؤلفاتها تنتشر ليقرأها الكثير من المثقفين في العديد من شعوب العالم ؟
هناك أمر مهم جدا في هذا التناقض . فمن يتمعن جيدا في مؤلفات نوال السعداوي سيجد أن آرائها قريبة جدا من الفكر الشيوعي الماركسي الذي استطاعت الدول الرأسمالية القضاء عليه بعد جهد كبير ومتواصل .فنوال السعداوي عندما كانت في أمريكا ومن داخل أمريكا هاجمت بشدة السياسة الأمريكية والصهاينة ، فكيف قبلت أمريكا وهذه الدول الراسمالية العظمى أن تسمح بنشر كتبها التي تهاجم الفكر الرأسمالي في بلادها وفي دول عديدة أخرى ؟ فآراء نوال السعداوي تعتمد مبدأ مطابق تماما لمبدأ آراء كارل ماركس الذي يستخدم اسلوب الطعن في الدين والكتب المقدسة كسلاح في الدفاع عن حقوق المظلومين والمقهورين .
بالنسبة لي فكما ذكرت في مقالات ماضية بأنني لا أؤمن بنظرية المؤامرة ، لأننا لو آمنا بوجود هذه النظرية فهذا يعني أن جميع سكان الأرض، أو معظهم على الأقل ، هم أعضاء في هذه المؤامرة ، لأن كل واحد منهم يشارك بشكل أو بآخر في تنمية هذه المؤامرة . فالرشوة - مثلا- تساعد أصحاب المؤامرة في تحقيق أهدافهم ، ونسبة كبيرة من أفراد المجتمعات العربية اليوم يستخدمون الرشوة لتأمين مصالحهم الشخصية رغم أن الكثير منهم يطبقون أركان الإسلام بحذافيرها . فعوامل تنمية المؤامرة تعتمد على السلوك الشخصي ، وسلوك معظم سكان البلدان العربية اليوم يطبقون هذه العوامل دون أن يشعروا بأي تأنيب الضمير . فما وصلت إليه - مثلا- المجتمعات العربية اليوم من سوء الحالة الإجتماعية والإقتصادية سببه الأول هم العرب أنفسهم . والدول العظمى التي تنهب خيرات هذه البلاد تعتمد أولا على هذا الفساد الإجتماعي الذي يعاني منه المجتمع العربي ، فبدون هذا الفساد لما استطاعت هذه الدول السيطرة على البلدان العربية . فالآية القرآنية تقول {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (٣٠) الشورى} . فانتشار آراء نوال السعدواي في الدول العربية والعالمية في الحقيقة ليس سببه وجود مؤامرة ، ولكن سببه الحقيقي وجود أخطاء كثيرة في هذه المجتمعات بحيث دفع الكثير إلى الظن بأن آراء نوال السعداوي قد تكون حلا لهذه الأخطاء . والمشكلة الكبرى هنا هو أن فهم رجال الدين في المجتمعات العربية للنصوص الدينية كان أصل هذه المشكلة . فهذه النوعية في فهم النصوص الدينية ستكون نتيجته الحتمية ظهور آراء مشابهة لآراء نوال السعداوي . فمبدأ القانون الإلهي في خلق الإنسان يعتمد الفكرة التي أشار لها الفيلسوف الإغريقي سقراط (لا يوجد إنسان يريد فعل الخطأ لو أنه كان يعلم ما هو الصحيح ) ، فالطفل يولد بفطرة سليمة ، ولكن المجتمع من حوله هو الذي سيحاول تشويه هذه الفطرة ليجعل سلوكه يخرج عن الصراط المستقيم . الإنسان كائن إجتماعي روحي وكل شيء من حوله سيؤثر عليه ليجعله يختار طريق معين . الدكتورة نوال السعداوي والحال الذي وصلت إليه ليست هي فقط المسؤولة عنه أمام الله ولكن أيضا الجميع من حولها وخاصة رجال الدين الذين دورهم مساعدة الناس في فهم تعاليم الدين . لهذا فنوال السعداوي تعتبر نموذج حقيقي يُفسر لنا نتائج الإنحطاط الروحي الذي يعاني منه المجتمع المصري والعالم بأسره ، فالذي شارك في تنمية هذا الإنحطاط هم معظم كبار علماء المجتمع سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس أوعلماء تربية وتعليم . وسنحاول هنا توضيح تطور فكر نوال السعداوي خلال مسيرة حياتها ، لنوضح حقيقة ما يحصل حولنا .
نوال السعداوي كطفلة نشأت في مجتمع محافظ دينيا يعاني من سيطرة النظام الذكوري على جميع نواحي الحياة . هذا النظام الذكوري جعلها منذ نعومة أظافرها تشعر بأن مكانة المرأة أقل بكثير من مكانة الرجل . فالحقيقة أن ما شعرت به نوال السعداوي تشعر به أيضا العديد من النساء ، ولكن نوال السعداوي في طبيعتها كانت فتاة ذكية جدا وذات شخصية قوية ترفض الظلم والعبودية ، هذا الشعور بالتمرد على نظام المجتمع الذكوري بدأ يقوى بداخل نوال السعداوي عندما رأت السلطة تنقل عمل أبيها إلى قرية فقيرة متخلفة وحرمانه من الترقية لمدة 10 سنوات كعقاب له لأنه ثار ضد الإحتلال البريطاني . فمن والدها استمدت احترام الذات ووجوب التعبير عن الرأي بحرية ودون قيود مهما كانت النتائج . نوال الطفلة كانت معجبة كثيرا بأبيها وبآرائه في الدفاع عن الحق والعدالة ، فسوء معاملة السلطة لوالدها وكذلك وفاته وهي لا تزال صغيرة وأيضا وفاة أمها ، الذي جعل نوال تشعر بأنها أصبحت هي المسؤولة عن أخواتها الصغار ، نمى في داخلها الإحساس بضرورة التمرد على نظام المجتمع الظالم . فتابعت تعليمها ليساعدها في تحقيق أهدافها . في سنوات دراستها سمعت عن حزب جديد تم إنشائه من أجل تحقيق مجتمع إسلامي عادل ، وهو حزب الأخوان المسلمين ، فظنت نوال أن هذا الحزب سيساعدها في نضالها ضد الظلم والعبودية . وعندما دخلت كلية الطب انتسبت إلى حزب الأخوان المسلمين . وكما ذكر الدكتور محمود جامع في كتابه ( وعرفت الإخوان ) في الصفحة /١٣٠/ :
( وكان معنا في نفس الدفعة : الدكتورة نوال السعداوي ، التي نجحنا في ضمها للإخوان ، وتحجبت في ملبسها ، وغطت شعرها ، وكانت ملابسها على الطريقة الشرعية ! ، ونجحت في أن تنشئ قسمًا للأخوات المسلمات من طالبات الكلية ، كما أنشأت مسجدًا لهن في الكلية ، وكانت تؤمهن في الصلاة, وكنت أنا ضابط اتصال بينها وبين الإخوان.. وأقنعت هي كثيرا من زميلاتها بالانضمام للأخوات المسلمات تحضهن على الصلاة و التمسك بالزي الإسلامي في وقت كان الحجاب بين النساء نادرًا, وكانت تخطب في المناسبات الإسلامية وفي حفلات الكلية باستمرار , وكان والدها يرحمه الله من علماء كلية دار العلوم, هو الشيخ سيد السعداوي, ولكن للأسف انقلب حالها وتغيرت أمورها إلى ما وصلت إليه الآن, واتهمت بالإلحاد والإباحية )
فنوال السعداوي في بداية شبابها كانت مسلمة مقتنعة تماما بدينها ، ولكن بدلا من أن يكون قادة حزب الأخوان المسلمين محطة في توجيه نوال السعداوي لإختيار الطريق الصحيح في تحقيق أهدافها الإنسانية ، للأسف دفعها هذا الحزب إلى اختيار الطريق الخاطئ ليدمر كل شيء فطري سليم في داخلها . فمن يتمعن في مضمون الأشياء سيجد أن الأخوان المسلمين والماركسيين هم في الحقيقة أخوة روحيا فكلاهما يستخدم سلاح شيطاني في حل مشاكل المجتمع ، وهو الرؤية الذكورية التي تعتمد على رؤية الأشياء بعين واحدة وهي العين المادية التي تعتمد مبدأ تمزيق وحدة أفراد المجتمع ، فالمجتمع المصري يتألف من مسلمين ومسيحيين ويهود ، وسنة وشيعة وطوائف أخرى ، فإذا كان لكل جماعة دين معين أو طائفة معينة حزب خاص بها هذا يعني أن الأمور ستأخذ منحى سياسي ليُحول الوطن الواحد إلى فرق عديدة متعادية فيما بينها . فظهور حزب الأخوان المسلمين في الدول العربية والإسلامية كان علامة إلهية تؤكد على أن الفكر الماركسي قد دخل هذه البلدان ليمزقها . ورغم أن الفكر الماركسي ينشر الإلحاد وفكر حزب الأخوان المسلمين ينشر الدين ، ولكن في المضمون لا يوجد أي فرق بينهما في تنمية عمى البصيرة في أفراد المجتمع . ولهذا بعد فترة قصيرة وبسبب سوء فهم رجال الدين للنصوص الدينية ظنت نوال السعداوي أن الدين الإسلامي هو جزء هام من منظومة الظلم الذي تعاني منه المرأة في المجتمع العربي .
نوال السعداوي التي كانت من أعضاء حزب الأخوان المسلمين، بعد طلاقها من زوجها الثاني ، تزوجت من عضو في الحزب الشيوعي ، وبدلا من أن تجعل زوجها يهتم في تعاليم الدين الإسلامي حدث العكس تماما حيث بدأت هي تهتم بتعاليم الفكر الماركسي . و للأسف كثير من المفكرين يظن أن فكر نوال السعداوي التي انتقلت من حزب الأخوان المسلمين إلى الحزب الماركسي قد غير جهة فكرها /١٨٠/ درجة ، ولكن الحقيقة أن فكرها سار في نفس الطريق الذي كان عليه في حزب الأخوان المسلمين، ولكن التغيير قد حصل في الشكل وليس في المضمون .
نوال السعداوي قبل إنتسابها إلى الأخوان المسلمين كان عقلها يعمل كفكر أنثوي ، ولكن بعد انتسابها إلى حزب الأخوان المسلمين وإقتناعها بأن منهج هذا الحزب الذي استخدم اسلوب العنف والإغتيالات هو الطريق الوحيد لتحقيق أهدافه . وكذلك بعد هجرها لهذا الحزب وإنتقالها إلى الحزب الشيوعي الماركسي ، خسرت نوال السعداوي فكرها الأنثوي وتحول إلى النمط الذكوري دون أن تدري . فكانت نتيحة هذا التغيير في نوعية رؤية الأمور والأحداث أنها بدلا من أن تساهم في تحسين نظام المجتمع ورفع مكانة المرأة فيه ساهمت في تدمير الفكر الأنثوي في عقل المرأة وفي تنمية فساد المجتمع .
في مقالات ماضية عديدة تكلمنا بشكل مفصل عن طبيعة الفكر الأنثوي وأهميته في تحقيق الرؤية الشاملة أو ما يسمى كمصطلح ديني (البصيرة) . فبعد ظهور حضارة عصر النهضة التي كان دورها تنمية الرؤية المادية والتي كانت مهمة جدا في تلك الفترة الزمنية لتساعد في فهم حقيقة مادة الأشياء لتستطيع الإنسانية فهم علاقة الإنسجام بين الشكل والمضمون للأشياء ، وفهم نوعية تأثيره على تطور الإنسانية . أتى العصر الحديث كمرحلة جديدة من تطور الفكر البشري ليوحد بين معارف الشعوب لتأخذ الأبحاث العلمية شكلها الشامل المادي والروحي . ولكن الذي حصل أن الأمور سارت في طريق خاطئ حيث سيطرت الرؤية المادية على المنهج العلمي الحديث بشكل مطلق في جميع شعوب العالم .
في مصر ،مثلا ، بدلا من أن تضيف نوال السعداوي الرؤية الروحية -كونها إمرأة - إلى العلوم الغربية المادية لتقوم بتصحيح المنهج العلمي الحديث ليتحول من منهج مادي إلى منهج شامل روحي ومادي ، للأسف وبفضل فكر حزب الأخوان المسلمين والحزب الماركسي اللذان نزعا الرؤية الأنثويه منها ، جعلها تعتمد بشكل مطلق على الرؤية المادية (الذكورية) في أبحاثها وبدلا من أن تساهم في حل مشاكل المجتمع ساهمت في تشعبها وتعقيدها . فمن يتمعن جيدا في نوعية ومضمون أبحاثها سيجد أن آراء نوال السعداوي كانت ذكورية تماما ، فرغم أنها إمرأة ولكن لم يشارك عقلها الأنثوي في أبحاثها على الإطلاق . والأمثلة عديدة ، ولكن هنا سنعرض بعض الأمثلة البسيطة التي يمكن فهمها بوضوح أكثر :
- في عام ١٩٨١ ساهمت نوال السعداوي في تأسيس مجلة نسوية تسمى «المواجهة» . إن اختيار كلمة (المواجهة) ليكون أسم المجلة ، هو اختيار عقل ذكوري تماما . لأن هذه الكلمة فيها روح الإصطدام والصراع وهذا الشعور هو شعور غريزي ذكوري وليس عاطفي أنثوي ، فالمرأة كطبيعة جسدية هي كائن ضعيف ، هكذا خلقها الله ليجعلها تستخدم أسلوب حضاري في تحقيق أهدافها بحيث يعتمد على عاطفة الرأفة بالآخرين وعدم تأجيج نار الحقد والعداوة بينهم . فاختيار هذا الأسم لمجلة نسوية هو مشابه تماما لاختيار شعار حزب الأخوان المسلمين (قرآن وسيف) ، وكذلك هو مشابه لاختيار الشعار (يا عمال العالم إتحدوا ) الذي أطلقه كارل ماركس والذي كانت نتيجته إنقسام العالم إلى معسكرين متعاديين : شرقي شيوعي وغربي رأسمالي ، حيث كل معسكر أراد القضاء على المعسكر الآخر بأي طريقة كانت ، والذي أدى إلى توظيف الأبحاث العلمية عند المعسكرين بشكل أساسي في تطوير أسلحة التدمير الشامل ، فكانت النتيجة أن صحف التاريخ كتبت عن الحالة التي وصلت إليها الإنسانية (لم تعرف الإنسانية وحشية كوحشية إنسان القرن العشرين) .
- في عام ١٩٧٤ ألفت نوال السعداوي كتاب بعنوان (المرأة والجنس) ، إن اختيار كلمة (الجنس) في هذا العنوان لهذا الكتاب هو اختيارعقل ذكوري مطلق . لأن الجنس هو دافع غريزي ذكوري وليس عاطفي انثوي ، فالرجل بشكل عام في علاقته مع الجنس الآخر تتحكم به الغرائز أما المرأة فتتحكم بها العواطف. فكان من المفروض أن يكون عنوان هذا الكتاب هو (المرأة والعاطفة ) وليس المرأة والجنس، لتسمح لعدد كبير من النساء بقراءته كون تم إصداره في مصر التي تعتبر من المجتمعات المحافظة ، فاختيار العنوان (المرأة والجنس) يكفي ليمنع النساء من شراءه لأن عنوانه سيجعل الناس تظن أن الكتاب يهتم بشكل أساسي بالممارسة الجنسية .فكان من المفروض أن يتم وضع جميع المعلومات العلمية في هذا الكتاب عن جسد المرأة والعلاقة الجنسية ضمن إطار عاطفي يساعد في تنمية العاطفة عند الرجل عن طريق فهم طبيعة تكوين المرأة الروحي والجسدي ليعلم الرجل بأن المرأة في داخلها روح تجعلها تشعر وتتألم ، وأنها ليست فقط جسد لإنجاب الأطفال وتحقيق رغبات الشهوة الجنسية عند الرجال .
- من يتمعن جيدا في آراء نوال السعداوي ، يجدها تهاجم الدين والكتب المقدسة بطريقة عنيفة وكأنها تهاجم أفكار شيطانية . إن اختيار هذا الأسلوب في نقد الدين والكتب المقدسة يعني أن نوال السعداوي قد قرأت هذه الكتب برؤية ذكورية مطلقة جعلتها تختار أيات معينة وتأخذ معانيها الحرفية وليس معانيها الحقيقية . فهي تقول أنها درست كتب الأديان لمدة عشر سنوات . ولكن يبدو أنها طوال هذه السنوات قد درست هذه الكتب من أجل الطعن بها ولم تدرسها بروح نقية تبحث عن الحقيقة ، لهذا أصابها عمى البصيرة أثناء دراستها لهذه الكتب ، فلم ترى أي شيء جميل فيها . فهي لم ترى أن القرآن الكريم يبدأ بسورة الفاتحة ، وأحد معاني عنوان هذه السورة هو (المرأة الفاتحة) ، ولم ترى الحديث الشريف الذي يقول بما معناه (الجنة تحت أقدام الأمهات ) . ولم ترى نوال السعداوي أن كلمة (إنجيل) أصلها يوناني وتعني في اللغة اليونانية (أخبار حواء) أي أن ذكر الأحداث يتم فيها كما تراها عين حواء . ولم ترى نوال السعداوي أن الله عز وجل قد اختار أمهات معظم الأنبياء وليس آبائهم لتختار هي اسم ابنها النبي . ولم ترى أن الله قد اختار امرأة عذراء لتلد عيسى عليه الصلاة والسلام الذي أنعم عليه بمعجزة إحياء الموتى . فعدم مشاركة الرجل في ولادة عيسى عليه الصلاه والسلام هو أكبر تكريم للمرأة وهذه الولادة هي رمز إلهي يؤكد على أن الشوائب الشيطانية أصلا موجودة في تكوين الرجل وليس المرأة ، لهذا أخذ معظم الأنبياء دور حواء في تطوير الروح البشرية ، فرغم أن الأنبياء كانوا رجالا ولكن معظمهم كان سلوكهم أقرب إلى سلوك أنثوي من السلوك الذكوري فمعظمهم اتبع مبدأ الآية الكريمة {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) النحل} لهذا لم يحملوا السلاح في نشر تعاليمهم . جميع هذه المبادئ والأحداث هي في الحقيقة رموز إلهية وضعها الله في كتبه المقدسة ولا يمكن فهم تفسيرها إلا عن طريق دمج الرؤية الروحية (الأنثوية) مع الرؤية المادية (الذكورية) . ولكن للأسف نوال السعداوي بدلا من تضيف رؤيتها الأنثوية لتصحح رؤية علماء الدين الذكورية في فهم تفسير النصوص الدينية ، ذهبت وحذفت رؤيتها الأنثوية واستخدمت مثلهم الرؤية الذكورية ، فجعلت معاني الآيات المقدسة تأخذ شكلا مناقضا تماما لمعانيها الحقيقية التي تساهم في تحقيق العدل ورفع مكانة المرأة في المجتمع.
رغم أن نية نوال السعداوي كانت سليمة في دفاعها عن حقوق المرأة والمظلومين . ولكن مضمون نتائج أبحاثها كانت عكسية تماما لما كانت تصبو له . فمن يتمعن جيدا في سيرة حياتها يجدها كم كانت جريئة في طرح أفكارها ، رغم أنها كانت تعلم تماما بأن جرأتها هذه قد تؤدي بها إلى دخولها السجن أو حتى إلى إغتيالها من المسلمين المتطرفين . ولكن ومع ذلك تابعت طريقها وهي مؤمنة تماما من صحة إعتقاداتها . وللأسف بسبب جهل علماء الدين في عصرنا الحديث الذين شوهوا الدين الإسلامي وحولوه إلى دين مختلف تماما عن دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا منه دين لا يستطيع حل أي مشكلة من مشاكل فساد المجتمع ، لهذا بدلا من أن تساهم آراء علماء الدين في مساعدة نوال السعداوي في اختيارها الطريق الصحيح لتحقيق أهداف تمردها على المجتمع الفاسد ، ساهموا في تحويل فكرها من النوع الأنثوي إلى النوع الذكوري مما جعل نتيجة أهدافها تنقلب رأسا على عقب . فخسرت الأمة العربية والإنسانية طفلة ذكية ذات شخصية قوية تستطيع أن تجاهد بنفسها من أجل الحق والعدالة ، طفلة أرادت أن تفعل خيرا لشعبها ولكن للأسف هذه الطفلة عندما كبرت - وبدون أن تدري - حققت عكس ما كانت تحلم به تماما وهي طفلة .
نوال السعداوي لم تولد كإبنة إبليس ، ولكنها ولدت كطفلة فيها فطرة إلهية دفعتها للبحث عن الحق والعدالة . والله عز وجل سيحاسب نوال السعداوي على أعمالها التي أفسدت عقول الكثير من الناس ، ولكن أيضا سيحاسب جميع رجال الدين وعلماء مصر لأنهم هيئوا للطفلة نوال مناخ روحي فاسد ، ساهم في إنحرافها عن الصراط المستقيم الذي أراده الله لها ولجميع أطفال العالم .... والله أعلم .
ز . سانا
قد تكون صورة لـ ‏‏‏‏٦‏ أشخاص‏، ‏أشخاص يقفون‏‏ و‏نص مفاده '‏نوال السعداوي‏'‏‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق