خواطر من الكون المجاور
الخاطرة ٢٨٤ : الهند وتحدي وباء كورونا
في سلسلة ( الحكمة الإلهية في لغز سلوك فيروس كورونا الجزء ١ - ٢ -٣) والتي نشرتها قبل عام (٥/٢ /٢٠٢٠) ، ذكرت أن سلوك فيروس كورونا (كوفيد١٩) يختلف من دولة إلى دولة ، وأن الدول الغنية (الدول الصناعية) رغم أن وضعها من الناحية الطبية وعدد المستشفيات فيها أفضل بكثير من الدول الفقيرة (الدول الزراعية)، ولكن رغم ذلك كانت نسبة الإصابات والوفيات بوباء كورونا أكبر بكثير من الدول الفقيرة . وذكرنا مثال على ذلك الهند التي حيرت علماء الأوبئة في تلك الفترة ، فرغم أن هذه الدولة تعتبر من أكثر الدول المكتظة بالسكان والتي عدد سكانها تقريبا يعادل ١،٣ مليار نسمة ، وكذلك رغم تدني المستوى الصحي والطبي فيها بسبب إرتفاع نسبة الفقر فيها ، ولكن كانت نسبة الإصابات والوفيات فيها أقل بكثير من الدول الغنية في أوروبا والتي عدد سكان هذه الدول الأوربية جميعها لا يتجاوز ربع عدد سكان الهند ، بينما عدد وفياتها قد تجاوز عشرات أضعاف عدد الوفيات في الهند .
قبل أيام قليلة ضجت نشرات الأخبار بالمأساة التي تعاني منها الهند بسبب وباء كورونا ، فهناك مئات الآلاف من الإصابات والآلاف من الوفيات يوميا ، وصور جثث الموتى وهي تملأ المستشفيات والشوارع ، حتى وصلت الأمور فيها إلى حالة يرثى لها ، فلم يبقى هناك حطب لحرق الجثث، وأصبح أهالي الضحايا يحرقون أمواتهم في الحدائق العامة عن طريق حرق أشجار هذه الحدائق . والسؤال هنا ماذا حدث حتى إنقلب الوضع في الهند هكذا رأسا على عقب ؟
في البداية أود أن أكرر ملاحظة هامة ذكرتها مرات عديدة في مقالاتي ، بأنني لا أنظر إلى الموضوع الذي أكتب عنه كنظرة من زاوية صغيرة كما ينظر إليها المتخصص بهذا الموضوع . فنظرة المتخصص هي نظرة من زاوية واحدة ، فنظرة الطبيب في تفسير المرض ، أو نظرة عالم الفلك في تفسير ظاهرة فلكية ، أو نظرة عالم التاريخ في تفسير حادثة تاريخية .... هي نظرة سطحية تشرح الموضوع كحدث يخص فترة زمنية قصيرة . بينما اجتهاداتي تبحث في الموضوع كنتيجة لتطور البشرية الذي يسير ضمن مخطط إلهي والذي جميع مراحله مترابطة مع بعضها البعض ولا يمكن الفصل بينها وتخص الإنسانية بأكملها ماضيا وحاضرا ومستقبلا. لهذا ولفهم تفسير ما حدث من تغيير في سلوك فيروس كورونا في الهند يحتاج إلى قراءة سلسلة مقالات (الحكمة الإلهية في لغز سلوك فيروس كورونا ) ولكن هنا سنحاول الإجابة على سؤالنا السابق بشكل مختصر وذلك عن طريق إضافة بعض الأمثلة التي ستوضح لنا بشكل أفضل حقيقة ما يحدث اليوم في موضوع وباء كورونا .
قبل أن نشرح ما يحدث في الهند اليوم ، سنذكر حادثة حصلت قبل أسابيع قليلة ، حيث توفي فجأة رئيس تنزانيا جون ماغافولي ، بعد اختفاء تام عن الظهور لمدة أسبوعين، وجميع التوقعات كانت تشير إلى وفاته متأثرا بالإصابة بفيروس كورونا ، فهذا الرئيس كان من أكثر المنكرين لوجود وباء كورونا ، فحكومته كانت ترفض نشر أية تفاصيل عن حالات الإصابة بفيروس كورونا ، كما رفضت شراء اللقاحات. ودائما ما كانت السلطات تلاحق كل من يتحدث عن كورونا ، فكانت الشرطة تلقي القبض على كل من يقوم بنشر شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي حول وجود هذا الوباء. حتى أن الحكومة التنزانية أخفت سبب وفاة الرئيس ، ولكن الشيء الذي فضحها هي التقارير التي تحدثت عن إصابة عدد من مساعديه بالفيروس، فقد ذكرت بعض التقارير أن مسؤولين كبار في تنزانيا توفوا هم أيضا من جراء المرض .
من يتتبع الأخبار العالمية سيجد أن معظم المشهورين عالميا أو محليا الذين حاولوا إنكار وجود وباء كورونا واتهموا منظمة الصحة العالمية بالمؤامرة أو استهتروا بهذا الوباء ، كانت النتيجة إصابتهم بالفيروس وكثير منهم قد لاقى حتفه . والشيء نفسه حصل مع كل شعب استهتر بشكل مقصود من هذا الوباء . وهذا تماما ما حدث في الهند . ففي بداية ظهور الوباء ولمدة عدة أشهر كانت الهند من الدول التي استطاعت حماية نفسها من انتشار الوباء بين سكانها . ولكن مع مرور الوقت ورؤية الشعب الهندي لما يحصل في بقية الدول ، وبدلا من تقديم شكرهم لله والبحث في تفسير السبب الروحي لعدم انتشار هذا الوباء في بلادهم ، راح بعض زعماء الشعب الهندي في التأكيد على عدم وجود وباء وأن وباء كورونا والإجراءات الصحية التي طالبت المنظمات الصحية بتطبيقها ليس إلا مجرد مؤامره عالمية ، فطالبوا الشعب الهندي برفض تطبيق أي إجراء صحي . وللأسف الكثير من الشعب البسيط قام بتصديقهم . ولم يتوقف الأمر هنا ، حيث الحكومة الهندية نفسها لم تبذل جهد كبير في إقناع شعبها بخطورة هذا الوباء وبضرورة إتباع الإجراءات الصحية ، فرغم أن الهند مصنعة للقاح ضد الفيروس، ولكنها بدلا من تطعيم أفراد شعبها بهذا اللقاح فضلت أن تصدره إلى الخارج لتؤمن الأرباح الإقتصادية منه . هذا الإستهتار وكذلك جهل حكماء الهند بالحكمة الإلهية من ظهور هذا الوباء، أدى في الأخير إلى انتشاره بشكل مخيف . فحتى فترة ما قبل شهرين تقريبا ، كانت الأمور في الهند تسير على خير ما يرام . ولكن في الفترة الأخيرة يبدو أن الإستهتار بالوباء قد بلغ أشده . فخلال الشهرين الأخيرين كان هناك خمسة أعياد دينية هندوسية ، وأهمهما مهرجان ماها شيفراتري ، وعيد هولي . فرغم تحذيرات الحكومة بضرورة تطبيق الإجراءات الصحية (التباعد الإجتماعي وإرتداء الكمامات وغيرها) ولكن الكثير من الشعب الهندي رفض تطبيقها . عشرات الملايين اجتمعوا في المراكز الدينية للقيام بشعائر هذه الأعياد ، لا تباعد اجتماعي ولا كمامات .وكما جاء على لسان أحد الزوار ويدعى نايتش كومار (٣١ عاما) : "لا خوف من الوباء والناس يتحركون بحرية. الهند تغلبت بالفعل على المرض ولا داع للقلق". وريشاب، أحد المؤمنين الهندوس يقول : "كنت أنتظر هذا اليوم منذ سنوات ولكن بسبب الوباء اعتقدت أن الاحتفالات ستلغى. لكن إيماننا أقوى من الوباء". ولكن الذي حصل وبسبب هذا الإستهتار وهذا الجهل في فهم حقيقة السبب الروحي لظهور هذا الوباء ، تحور هذا الفيروس وتحول إلى فيروس آخر معروف بأسم فيروس الهند المتحور والذي يشكل خطورة أكبر بكثير من الفيروس السابق . وأصبحت مأساة الهند اليوم درسا لكل من يستهتر بهذا الوباء .
منذ بداية مقالتي التي نشرتها قبل سنوات ، مرات عديدة تكلمت عن رمز الرقم (٢٠) كرمز لأعور الدجال . فظهور وباء كورونا في عام (٢٠٢٠) لم يكن صدفة ولكن حكمة إلهية لها معنى أن الإنسانية ولأول مرة في تاريخها حيث جميع شعوبها وبلا استثناء قد خرجت عن الصراط المستقيم الذي رسمه الله لها في مخططه الإلهي في تطورها . وظهور هذا الوباء في هذا العام بالذات ليصبح وباء عالمي تعاني منه جميع شعوب العالم هو تحذير إلهي للإنسانية بأكملها لكي تستيقظ من جهلها الذي جعلها ترفض الصح وتقبل الخطأ ، وترفض الجميل وتقبل القبيح . وتقف مع الظالم ضد المظلوم، ومع المنافق ضد الصالح ..... للأسف الإنسانية تعيش اليوم في عصر لم تعرف الإنسانية وحشية وجهلا مثله في تاريخها . كبار علماء هذا العصر بمختلف علومهم يعانون من عمى البصيرة ، ويفرضون عماهم هذا على أفراد المجتمع بأكمله . من لا يسير في تيارهم كُتب عليه الشقاء ، من يرفض آرائهم ينبذه المجتمع فيجد نفسه مضطرا أن يعيش على هامش الحياة . علماء الدين من مختلف الديانات بدلا من أن ينشروا تعاليم دينهم عن المحبة والسلام بين طوائف المجتمع أصبحوا ينشرون روح التعصب الديني والمذهبي ليفرقوا بين أفراد المجتمع .
وباء كورونا ليس وباء مرض مادي ، ولكنه وباء مرض روحي له معنى أن الإنسانية اليوم تقع تحت سيطرة روح الأعور الدجال . ويجب علينا أن نفهم بأن هذا الوباء يحيط بنا من كل مكان ، وإن تطبيق الإجراءات الصحية واللقاح ضد الفيروس فقط ، هي إجراءات مؤقتة وإذا بقيت الأمور الروحية على ما هي عليها اليوم تسير تحت سيطرة روح الأعور الدجال ، فقد يتحور الفيروس في الأيام القادمة إلى أشكال أخرى أكثر خطورة كما حصل في الهند. والحل الوحيد للخلاص من هذا الوباء هو تصحيح هذه الأوضاع الروحية لتعود إلى الصراط المستقيم الذي رسمه الله لنا . ولا أدري إذا كانت الإنسانية ستستطيع تحقيق هذا التصحيح بنفسها، أم ستعجز عن تحقيقه فيحدث تدخل إلهي يشعر به كل سكان الأرض ليعلموا أنهم بدون الله هم لا شيء ، لاشيء على الإطلاق . والله أعلم .
ز . سانا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق