الأحد، 26 سبتمبر 2021

الخاطرة ٢٩٧ : فلسفة تطور الحياة (الروحي والمادي) الجزء ٥

 خواطر من الكون المجاور

الخاطرة ٢٩٧ : فلسفة تطور الحياة (الروحي والمادي) الجزء ٥
من أخطر عيوب نظرية التطور المعتمدة أن تشارلز داروين أول مؤسس لهذه النظرية إرتكب خطأ فادح كونه استخدم رؤية مادية بحتة في بحثه في موضوع تطور الحياة ، وهذا الخطأ تحول إلى خدعة خطيرة أجبرت جميع العلماء المؤيدين والمعارضين للنظرية بأن يتبعوا نفس نوعية البحث العلمي التي إعتمدها داروين . فكانت جميع إهتماماتهم تُركز على التكوين المادي لأجسام الكائنات الحية ومنها الإنسان أيضا . ولكن الرؤية الشاملة تقول : إذا إعتبرنا أن الحياة هي عبارة عن شجرة ، فإن ثمرة هذه الشجرة هي الإنسان ، أما بقية أنواع الكائنات الحية فهي عبارة عن أجزاء من الشجرة حيث وظيفتها فقط تأمين كافة الإحتياجات اللازمة لإنتاج الثمرة . وهذا يعني أن البذرة التي نشأت منها هذه الشجرة هي بذرة إنسان وليس بذرة لا قرد ولا ضفدع ولا سمكة لأن التكوين الإنساني يملك الميزات الحسنة التي يملكها القرد والضفدع والسمكة وجميع الكائنات الحية . الإنسان يختلف عن جميع الكائنات الحية في أنه كائن روحي ، حيث إحتياجاته الروحية بالنسبة له أهم من إحتياجاته المادية ولهذا فهو الكائن الوحيد الذي خرج من الكهوف وبنى المدن وصنع الحضارات وآمن بعقيدة روحية على مر عصور عديدة ، ولم يتخلى عن هويته الشخصية هذه إلا بعد ظهور نظرية داروين والفكر الماركسي. فخطورة هذه الخدعة التي وقع فيها العلماء أنها شوهت المنهج العلمي في أبحاثهم وجعلتهم يتعاملون مع التكوين الإنساني ككائن مادي تسيطر عليه الغرائز الحيوانية مثله مثل بقية الحيوانات والتي ليس لها أي إحتياجات روحية . فالإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي شعر بأن ما يحدث من حوله لا يحدث بالصدفة ولكن هناك قوانين تتحكم في كل شيء (لكل سبب نتيجة ولكل نتيجة سبب . كلٌ يحدث حسب القانون . الحظ -الصدفة- ليس إلا اسماً يُعطى لقانون نجهله حتى الآن "الحكيم المصري هرميس ثلاثي القوة") . إن ظهور هذا الإحساس ولأول مرة في الكائنات الحية جعل الإنسان يتحرر من سيطرة غرائزه ليدخل في عالم مختلف نهائيا عن عالم الحيوانات . هذا الإحساس الجديد دفع الإنسان في التفكير بوجود خالق يتحكم بمصير الأمور من حوله ، وشعور الإنسان بالضعف أمام الكوارث الطبيعية وبالضعف أيضا من غرائزه التي تريد أن تجعله مشابه لبقية الحيوانات {....وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (٢٨)النساء} ، لجأ إلى طلب مساعدة هذا الخالق ، والخالق لبى طلبه وأرسل له الأنبياء والرسل والحكماء لمساعدته ، فرأى الإنسان معجزات وأشياء تحصل أمامه عينه لا يمكن لعقله أن يتصورها أو أن يُفسرها . ولهذا كانت ممارسة شريعة عقيدته الدينية بالنسبة له فوق جميع نشاطاته اليومية . فالإنسان شعر أن بإيمانه بهذا الخالق وعبادته سيرتقي باستمرار ليتمكن من حماية نفسه وعائلته ومجتمعه، وأن يحلم بأن مقدراته في المستقبل ستصل فيها إلى درجة يستطيع بها أن يصبح سيد العالم وأن يجعل جميع الكائنات الحية في خدمته لأنه يختلف عنها كونه يحمل جزء من روح الخالق في تكوينه الإنساني ، فهو ثمرة شجرة الحياة .
هكذا كانت نوعية تفكير الإنسان منذ ظهوره وحتى نهاية القرن الثامن عشر. ولهذا كان تطور المجتمعات الإنسانية يسير بشكل تدريجي نحو مجتمعات أرقى بشكل بطيء ولكنه مستمر ، ولكن بعد ظهور نظرية داروين التي أهملت تماما ذلك الجزء من روح الله في تكوين الإنسان ، وكذلك ظهور الفيلسوف المزيف كارل ماركس بآرائه الإلحادية ، نجد اليوم وبعد مرور اكثر من /١٥٠/ عام على ظهور نظرية داروين ، وكأن الإنسان قد أصبح كائنا آخر مختلف في تكوينه عن تكوين الإنسان الماضي . النتيجة هي أقوى إثبات علمي . والنتيجة اليوم تقول "لم تعرف الإنسانية وحشية مثل وحشية إنسان العصر الحديث " حيث نجد ولادة ظاهرة (الطفل المجرم) التي لم يعرف التاريخ مثلها إلا في العصر الحديث ، في حين أن القرآن الكريم يعلل سبب خروج الإنسان من الجنة هو تلك الخطيئة التي أدت إلى ظهور غريزة القتل في الإنسان والتي أدت إلى جريمة قتل قابيل (قايين) لأخيه هابيل. وأن المخطط الإلهي لتطور الإنسان كان تنقية تكوينه من هذه الغريزة ليصبح ملائم للعودة إلى الجنة {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨)المائدة}. فجميع الديانات العالمية دعت أتباعها إلى حب السلام وتنميته في سلوك الفرد والمجتمع . بينما نرى اليوم بدلا من أن يعم السلام في عالم الكبار ، نجد أن حب العنف وإرتكاب الجريمة قد دخل عالم الأطفال . ورغم تقدم العلوم المادية والتكنولوجيا ورغم الدراسات العلمية لفهم الطبيعة ، ولكن بسبب التغيير الجذري الذي حصل في سلوك الإنسان نجد أن الطبيعة قد أصبحت أخطر عدو للإنسان ، ازدياد نسبة الفيضانات المدمرة ، ازدياد إنتشار حرائق الغابات في معظم مناطق العالم ، ازدياد إرتفاع متوسط درجات الحرارة في كوكب الأرض .
علماء التطور وضعوا معايير تحدد الجنس البشري التي تجعله مختلفاً عن بقية أنواع الحيوانات وخاصة القردة (الأوليات) ، هذه المعايير بشكل عام هي :
١ - الإنتصاب والسير على الأقدام .
٢ - ضخامة حجم الدماغ .
٣ - القدرة على صناعة الأدوات .
هذه المعايير التي يعتمدها علماء التطور في وصف النوع الإنساني هي في الحقيقة لا تدل سوى على رداءة نوعية المنهج العلمي الذي يعتمد عليه علماء التطور . فهذه المعايير هي من نوعية مادية فقيرة جدا لا تبرر بأي شكل من الأشكال نوعية التطور التي حصلت منذ ظهور الحياة وظهور الإنسان والتي جعلته مختلفا تماما عن بقية أنواع الكائنات الحية . فالإختلاف الحقيقي بين الإنسان وبقية الكائنات الحية هو إختلاف في نوعية الروح وليس نوعية أعضاء الجسد . الإنسان ليس دماغ ولا عظام ولا أصابع حتى نقارنه بالكائنات المنقرضة أو الحية ، الإنسان هو كائن عاطفي يؤمن بعقيدة روحية جعلته يفرح لأفراح الآخرين ، ويتألم لأحزانهم ، يحلم بمجتمع عادل وسعيد ، ويسعى باستمرار لتطوير نفسه ومقدراته ومعارفه ليصنع مستقبلا زاهرا لأبنائه وأحفاده وأحفاد أحفاده . كل هذه الصفات الروحية تعبر عن شيء واحد وهو سعيه لتنقية تكوينه من تلك الشوائب التي سببت في طرده من الجنة ليستطيع العودة إليها ثانية . أما الحيوانات فهي تعيش لتأكل فقط وليس لها أي حلم مستقبلي تحاول تحقيقه ولهذا ظل سلوك القردة كما هو عليه رغم ظهورها قبل حوالي (٣٠) مليون عام ، وسلوك السمك ظل سمكا رغم ظهورها قبل (٥٠٠) مليون عام .
نظرية التطور كما وصلت إليه اليوم تتكلم عن الإنسان وكأنه كائن هدفه تأمين احتياجاته الجسدية فقط ، ولهذا كانت نتيجة هذه النوعية من الرؤية في البحث العلمي هو تشويه كل شيء جميل في الإنسان ليتحول إلى كائن حيواني بشع يرى مصالحه الشخصية فقط ويستخدم ذكاءه في القضاء على إحساسه الإنساني في داخله ليتحول إلى كائن حيواني بلا ضمير .
لهذا في سلسلة مقالات (فلسفة تطور الحياة) التي أنشرها ، أحاول في الأجزاء الأولى أن أسلط الضوء على التكوين الروحي في الإنسان والذي لا أحد من مؤيدي أو معارضي نظرية التطور يتكلم عنه . ففهم تطور الحياة يحتاج إلى زاوية رؤية الفنان (رسم ونحت)، وزاوية رؤية الموسيقي ، ورؤية الأديب الروائي ، ورؤية عالم الدين ، ورؤية عالم النفس ، ورؤية عالم الإجتماع . ورؤية عالم الفلك .فالهدف الحقيقي من تطور الحياة هو تطوير السلوك الروحي ، فصحيح أن زوايا الرؤية لجميع أنواع العلوم المادية مهمة في فهم حقيقة تطور الحياة ، ولكن هذه العلوم المادية هي علوم مساعدة فقط ، فهي تفقد أهميتها نهائيا إذا لم تساعد في فهم التكوين الروحي للإنسان لأنها تتحول إلى مبدأ العلم للعلم وليس العلم لخدمة الإنسان .
من زوايا الرؤية المهمة في فهم تطور الحياة هي زاوية رؤية عين الفنان التي تساعد في فهم نوعية تلك التغيرات التي تطرأ على شكل جسم الكائنات الحية مع مرور العصور . فكل كائن حي له شكل معين وهذا الشكل ليس صدفة ولكنه عبارة عن لوحة فنية صنعها الله . لهذا يجب دراسة التعبير الروحي في عناصر هذه اللوحة ، فالروح هي التي تصنع الجسم الذي يُعبر عنها . ولكن للأسف فحتى الفن في العصر الحديث قد خسر دوره في المساعدة في إزدهار العلوم ، فالفنان الحقيقي هو الذي يعرض التعبير الروحي للشيء أو الحدث الذي يراه ليراه المشاهد ، فمن خلال هذه اللوحة نفهم المعنى الروحي في الشيء أو الحدث الذي نراه في اللوحة . ولكن اليوم وبسبب سيطرة الرؤية المادية على المنهج العلمي ، نرى أن فنان العصر الحديث يفعل العكس تماما فهو يعرض في لوحته إحساسه الروحي الشخصي لما يراه ليشوه التعبير الروحي للمشهد ، فبدلا من أن يكون دور اللوحات الفنية هو المساعدة في فهم التعبير الروحي لعناصر الطبيعة وعلاقتها بالتكوين الإنساني ، أصبحت لوحات الفن الحديث تعرض العقد النفسية التي يمر بها الفنان صاحب اللوحة ، فكانت النتيجة إنفصال التخاطب الروحي بين الإنسان والطبيعة ، فتحولت الطبيعة في نظرة الصغار والكبار إلى أشياء صماء بلا معاني روحية.
الفيلسوف وناقد الفن الفرنسي (ايبوليتو تاين ١٨٢٨-١٨٩٣) في كتابه " فلسفة الفن" يوضح معنى الفن ودور الفنان فيقول (بسبب وجود عوامل عديدة تساعد في تشويه وإخفاء صفات وهوية الأشياء في الطبيعة ، قانون الطبيعة نفسه أجبر على ولادة مهنة الفن ، الفنان هو الذي يساعد الطبيعة في إظهار هويتها الحقيقية لتستطيع التعبير عن نفسها) . للأسف المنهج العلمي الحديث الذي يعتمد الرؤية المادية (الماركسية) جعلت معظم أبحاث وأعمال العلماء والمفكرين والفنانين تساعد في تشويه فهم التكوين الإنساني. فكان من الطبيعي اليوم أن يصبح سلوك معظم أطفال العالم مشابه لسلوك مرضى السيكوباتيا ، وأن يتحول بعضهم من كائنات مسالمة إلى مجرمين . وكذلك أن تتحول الطبيعة إلى أخطر عدو تواجهه الإنسانية في السنوات الأخيرة.
القرآن الكريم يوضح لنا هوية الإنسان ككائن حي ويبين لنا كيف تحول فجأة إلى كائن مختلف تماما في العصر الحديث :
القرآن ينتهي بسورة (الناس) وهذا العنوان ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، فترتيب سورة الناس هو الرقم (١١٤) وقسمة هذا الرقم على (٣) يعادل (٣٨) الذي يمثل عدد آيات سورة (محمد) . أي أن سور القرآن تُقسم إلى ثلاث مراحل مرت بها الإنسانية :
١ - مرحلة الطفولة (من سورة الفاتحة وحتى سورة ص) وتنتهي هذه المرحلة مع نزول آخر الديانة سماوية والحضارة الإسلامية . فأحد معاني رموز الحرف (ص) هو العبارة التي نذكرها بعد ذكر أسم نبي أو رسول "صلى الله عليه وسلم ، أو عليه الصلاة والسلام ". وهي تعني أن الإنسانية كونها كانت في مرحلة الطفولة، لهذا كانت تحت رعاية إلهية (الفطرة الإلهية) . ولهذا كان يحدث تدخل إلهي مستمر لتصحيح تطور الإنسانية ، وذلك عن طريق رسله وأنبيائه وتلك المعجزات التي أنعم الله عليهم بها ليتبع الناس هؤلاء الرسل والأنبياء والمنذرين . ولهذا كانت العلوم تتطور نحو الأرقى بما يلائم المستوى العقلي للإنسان في تلك المرحلة .
٢ - مرحلة المراهقة : {من سورة الزمر (٣٩) وحتى سورة الإنسان (٧٦)} وهي مرحلة عصر النهضة الأوربية ولهذا كانت السورة التي قبل سورة الإنسان تحمل عنوان (القيامة) وهو نفس معنى اسم هذا العصر في العربية (النهضة وتعني ينهض، يقوم ) وفي اللغات الأجنبية(البعث من جديد) . هذه المرحلة كانت أيضا تحت الرعاية الإلهية، لأنها أول مرحلة بعد الطفولة . ففي ذلك الوقت كانت الشعوب لا تزال منغلقة على نفسها ، فالإنسان كان يعلم فقط حال شعبه من تقاليد وعادات ، ومعلوماته عن بقية الشعوب كانت ضئيلة لهذا كان عنوان السورة الأخيرة من هذه المرحلة هو (الإنسان) كونه يعلم فقط عن التكوين الإنساني المشابه له تماما . في هذه المرحلة أيضا كانت معظم أبحاث العلماء والمفكرين تأتي عن طريق وحي إلهي . ولهذا كانت العلوم أيضا تتطور نحو الأمام بما يلائم المستوى العقلي للإنسان في تلك المرحلة.
٣ - مرحلة سن الرشد : (من سورة المرسلات (٧٧) إلى سورة الناس) . وهذه المرحلة تبدأ من بداية القرن (١٩) وحتى الآن.في هذه المرحلة وطالما أن الإنسانية وصلت إلى سن الرشد وجب عليها أن تعتمد على نفسها فقط ، ولهذا ترك الله الإنسانية تعتمد على نفسها لتعلم أنها بدون الله هي لا شيء ، وأن روح السوء العالمية (الشيطان) التي أغوت الإنسان ليتم طرده من الجنة ، ليست روح بسيطة فهي أقوى بكثير مما يتصوره عقل إنسان ، وأن أولئك الذين يسخرون من قصة آدم وحواء وخروجهما من الجنة ويقولون عنها أنها مجرد خرافة بلهاء ، هم في الحقيقة قد وصلوا في مستوى وعيهم وإدراكهم لما يجري حولهم إلى أسفل السافلين ، ولهذا هذه المرحلة تبدأ بسورة (المرسلات) التي تتكلم عن ظروف العصر الحديث من كوارث طبيعية وعن سوء فهم العلماء لخلق الإنسان .
أما سورة الناس فهي تشرح لنا الفرق بين الإنسان الذي نوعية تفكيره كما فطرها الله عليه، والإنسان الذي نوعية تفكيره قد خرجت عن هذه الفطرة . في الجزء الثاني من سلسلة (فلسفة تطور الحياة) ذكرنا أن رقم مجموع آيات القرآن الكريم من بدايته (سورة الفاتحة) إلى نهايته (سورة الناس) يشكل نوعين من الأرقام : الأول وهو (٦٢٣٦) ويمثل الإنسان الذي نوعية تفكيره لا تختلف عن تفكير القرد ، أي أن الرقم (٦٢٣٦) يمثل رمز روحي لإنسان القرد ، والرقم الثاني وهو (٦٢١٣٦) ويمثل رمز الإنسان الحقيقي إنسان بني آدم . ربما بعض القراء مسلمين وملحدين اعتبروا هذه المعلومة نوع من الخزعبلات ، ولكن الإثباتات على صحتها عديدة وستأتي بالتدريج في هذه المقالة وفي الأجزاء القادمة . وهنا سنحاول شرح معنى هذه الأرقام والتي تبين لنا بوضوح نوعية الفرق بين سلوك إنسان بني آدم وسلوك إنسان القرد . فهنا لا نقصد القردة نفسها ولكن نقصد الإنسان الذي يفكر بعقل من النوع العقل الحيواني. فرغم عدم وجود أي فروق في الشكل على الإطلاق بين إنسان بني آدم وإنسان القرد ، وربما يكونوا أخوة لهم نفس الأب ونفس الأم ، ولكن أحدهم يستخدم عقله كعقل إنسان بني آدم مثال على ذلك الفيلسوف بيثاغوراس ، والآخر يستخدم عقله كعقل قرد ومثال على ذلك كارل ماركس .
السورة الأخيرة من القرآن عنوانها (الناس) ، إن إختيار هذا العنوان ليكون عنوان آخر سورة ليس صدفة ولكن يبين لنا أن الإنسانية في آخر الزمان ستنقسم من حيث نوعية التفكير إلى نوعين من الناس : إنسان بني آدم ، وإنسان القرد (بمعناه الفلسفي وليس الجسدي) ، والفرق بينهما ليس في الشكل ولكن في نوعية الإدراك كما سنرى في معاني أرقام سورة (الناس) :
ترتيب سورة الناس هو الرقم /١١٤/ ، والقيمة الرقمية لعنوان السورة يعادل /٦٢/ وعدد آياتها /٦/ ولكن عند قراءة هذه السورة يجب إضافة آيتين وهما (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم * بسم الله الرحمن الرحيم) ، أي أن عدد الآيات المقروءة في السورة يعادل (٨) . إذا وضعنا هذه الأرقام بجانب بعضها البعض سنحصل على الرقم /١١٤٦٢٨/ ، هذا الرقم ليس صدفة ولكن هو النسبة العددية بين وحدة القياس الذراع الملكي ووحدة القياس الذراع العادي بعد تقسيم الرقم على /١٠٠٠٠٠ / ، هذان النوعان من وحدة القياس يتم استخدامهما في الكتب المقدسة (سفر حزقيال ٤٠ :٥) . حيث طول الذراع الملكي يعادل (٥٢،٥ سم) ، أما الذراع العادي فيعادل (٤٥،٨سم) . والنسبة بينهما تعادل (١،١٤٦٢٨) وهو نفس أرقام سورة الناس .
النسبة الرقمية (١،١٤٦٢٨) هي النسبة التي تحدد لنا تناسق الأبعاد في جسم الإنسان . فالنسبة بين طول إرتفاع الإنسان من أخمص قدميه حتى قمة رأسه ، إلى طول جسمه من أخمص قدميه حتى قمة رقبته (أي بلا حساب مسافة رأسه) هي (١،١٤٦٢٨) ، مثلا إذا كان طول الإنسان (٣،٥) ذراع ملكي أي (١٨٤) سم ، فإن طوله من أخمص قدميه وحتى قمة رقبته (حنجرته) سيعادل نفس الرقم (٣،٥) ولكن بمقياس الذراع العادي أي (١٦٠) سم (كما توضح الصورة). طبعا هذه النسبة تنطبق على جسم إنسان له تناسب طبيعي ، فهناك بعض الأشخاص لهم رأس أكبر من الحجم الطبيعي ، أو أرجل قصيرة ، فهذه الحالات تعتبر حالات شاذة عن التناسب الطبيعي لجسم الإنسان. فأبعاد جسم الإنسان الطبيعي في قانون فن الرسم والنحت والهندسة المعمارية ، يَتألف من (٨) أقسام متساوية ، حيث كل قسم يعادل طول الرأس ، أي أن قانون تناسب جسم الإنسان هو (طول الرأس × ٨) كما توضح الصورة ، فطول الرأس في الإنسان هو وحدة قياس أبعاد الجسم .
في المقالة الماضية ذكرنا أن رأس الإنسان يمثل الشمس في المجموعة الشمسية . فإنسان بني آدم هو الذي رأسه يسيطر سيطرة تامة على أعضاء جسمه ، أي أن أعضاء جسده تكون في خدمة رأسه (عقله) بشكل مطلق . أما إنسان القرد فهو الذي يضع رأسه (مقدراته العقلية) في خدمة أعضاء جسده (غرائزه) لتحقيق رغبات النفس الدنيئة (شراهة في الطعام ، الشهوة الجنسية ، حب التملك ...إلخ ) والتي تدفع الإنسان في تحقيق مصالحه الشخصية فقط (جمع المال ، الشهرة ، الجنس) ومن المعروف أن هذه الأهداف هي من تعاليم الديانات الشيطانية التي حاربتها الديانات العالمية .
ولهذا الحديث الشريف يذكر أن عدد أبواب الجنة هي ثمانية ، أما عدد أبواب جهنم فهي سبعة ، فأحد معاني هذا الحديث الشريف يُقصد به أن الإنسان المؤمن هو الذي سلوكه يتفق مع نظام تكوينه الهندسي الذي يتألف من (٨) أقسام ويكون فيه الرأس هو المسيطر على باقي أعضاء جسد الإنسان ، هذا التكوين هو الذي يفتح لنفسه أبواب الجنة ، أما عندما يكون سلوك الإنسان يعتمد استخدام الرأس ليعمل تحت سيطرة أعضاء جسم الإنسان (الغرائز) ، فهو الذي يفتح لنفسه أبواب جهنم . ولهذا كان الرقم ثمانية له شكل زاوية تتجه نحو الأعلى (٨) نحو السماء رمز العودة إلى الجنة ، ورقم سبعة له شكل زاوية تتجه نحو الأسفل (٧) نحو مركز الأرض حيث توجد النواة المنصهرة كرمز لجهنم . ولهذا أيضا كان عدد الآيات المكتوبة في السورة الأولى من القرآن (الفاتحة) هو الرقم (٧) وهذا الرقم هو رمز يعبر عن سبب طرد الإنسان من الجنة ، فإرتكابه للخطيئة تعني أن سلوكه قد عارض تكوينه الذي خلقه الله عليه ، فوقع تحت سيطرة رغبات جسده وليس تحت سيطرة رأسه ، ولهذا قبل قراءة آيات سورة الفاتحة يجب ذكر الآية (أعوذ بالله من الشيطان) ليتحول عدد آيات السورة من الرقم (٧) إلى الرقم (٨) ، كتأكيد على أن الإنسان كما خلقه الله عز وجل في الجنة هو كائن يقع سلوكه تحت سيطرة رأسه (٨) وليس تحت سيطرة غرائز جسده (٧) .
ولهذا أيضا الحديث الشريف يصف أعداء الله الخوارج بأن فهمهم للقرآن لا يتجاوز حناجرهم ، أي أن فهمهم للقرآن ولكل ما يجري حولهم هو فهم مادي بحت ناتج عن رغبات غرائز الجسد (سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) . واليوم نعيش هذه الحالة ، فليس الملحدون فقط هم من لا يفقهون القرآن والكتب المقدسة ، ولكن هناك علماء دين يحملون شهادات دكتوراه في علوم الشريعة الإسلامية أو في علوم اللاهوت ، يستخدمون منطق المنهج العلمي الحديث (الماركسي) في أبحاثهم واجتهاداتهم للنصوص الدينية . ولهذا نجد أن تفسيراتهم السطحية قد ساهمت في نمو التعصب الديني الأعمى عند معظم اتباع الديانات . فنجد أشخاص متدينين كلما سمعوا بمعلومة تعارض ما تعلموه عن دينهم ، يستخدمون أسلوب السخرية والشتيمة في الدفاع عن دينهم ، بينما تعاليم القرآن الكريم في الجدال هي ما تذكره الآية {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥)النحل} .
للأسف الإنسان المعاصر وبفضل نظرية داروين والرؤية الماركسية التي سيطرت على المنهج العلمي الحديث، أصبح من نوع إنسان القرد ، حيث دور التعليم ومنها أيضا كليات الشريعة واللاهوت ، تعتمد منطق (العلم للعلم والدين للدين والفن للفن) لهذا تحولت دور التعليم إلى دور خالية من روح الله تقوم بتعليم علوم بلا أخلاق لأن الأخلاق مصدرها الرأس ، أما الغرائز فمصدرها الجسد . فالحديث الشريف يذكر ((إنَّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق) . فدور الرسل والانبياء كان عبارة عن عملية تحرير التفكير الإنساني من سيطرة الغرائز الحيوانية الموجودة في الجسد ، فعندما يتحرر الرأس تقوى الروابط الروحية بين الإنسان وما يحيط به ، لتجعل الإنسان يشعر بأنه فرد ينتمي إلى عائلة كبيرة تدعى (الإنسانية) .
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتابع توضيح أشياء أخرى في علاقة الإنسحام بين التكوين الروحي والتكوين الجسدي في الإنسان .
ز . سانا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق