الثلاثاء، 5 أكتوبر 2021

الخاطرة ٢٩٨ : فلسفة تطور الحياة (الروحي والمادي) الجزء ٦

 خواطر من الكون المجاور

الخاطرة ٢٩٨ : فلسفة تطور الحياة (الروحي والمادي) الجزء ٦
في البداية أود أن أنوه لملاحظة هامة أكررها في العديد من المقالات ، معلومات هذه المقالة مرتبطة بمعلومات الأجزاء الماضية ، فمن لم يقرأ هذه الأجزاء لن يستوعب جيدا علاقة المعلومات المنشورة هنا مع موضوع تطور الحياة.
في المقالة الماضية ذكرنا أن الإنسان هو الثمرة الحقيقية لشجرة تطور الحياة ، وأن البذرة التي نبتت وأعطت هذه الشجرة هي بذرة إنسان فقط ، وأن التطور لم يتوقف بظهور الإنسان على سطح الأرض ولكنه ظل مستمرا ولكن بنوعية روحية بحتة من خلال ظهور الديانات والحضارات . وقلنا أيضا أنه بفهم هذه النوعية من التطورات الروحية التي حصلت في سلوك وفكر الإنسان كنتيجة لظهور الأديان والحضارات ، يمكن لها أن توضح لنا فهم آليات تطور الحياة والتي أحدثت تغيرات مختلفة في شكل الجسد في الكائنات الحية . ففهم التطور يحتاج اولاً إلى فهم حقيقة تكوين الإنسان الروحي والذي هو ثمرة شجرة الحياة ، وذلك ليساعدنا على فهم تطور الجسد ، فشكل الجسد هو عبارة عن لوحة فنية صنعها الله تعالى ، حيث عناصر شكل هذا الجسد هي تعابير روحية توضح لنا حقيقة نوعية تلك الروح التي تكمن فيه . وقد شرحنا بعض هذه التعابير في شكل جسد الإنسان من زاوية رؤية فنان الرسم والنحت . واليوم نتابع شرح هذا التعبير الروحي من زاوية رؤية فن الهندسة المعمارية ، لنؤكد أن لا شيء يحدث بالصدفة وإنما يحدث حسب مخطط إلهي يساعدنا في فهم حقيقة التكوين الإنساني وسبب وجوده على سطح الأرض .
من المعروف أن أول مبنى حجري ضخم تم بنائه في تاريخ البشرية هو هرم زوسر المدرج في منطقة سقارة في مصر ، والذي تطور شكله بعد ذلك إلى هرم حقيقي ، واليوم يُعتبر هرم خوفو من أهم المعجزات التي حققتها البشرية في تاريخها الطويل . الشكل الهرمي الذي اعتمد عليه المصريون القدماء ليكون بمثابة رمز روحي لبلادهم ، لم يأتي من فكر عقل بشري ولكنه كان من وحي إلهي فهو عبارة عن تعبير روحي يكشف لنا نوعية تلك الروح التي تكمن في داخل الإنسان . فالشكل الهرمي في الحقيقة هو القسم اليميني من الرمز (١٨) الموجود في كف يد الإنسان . فكما ذكرنا في مقالات ماضية بأن الرمز (٨) هو رمز المرأة ، ولهذا نجد أن الحضارة المصرية القديمة كانت هي أول حضارة أعطت أهمية لحقوق المرأة . فظهور الرمز (٨) في تلك الأهرامات الضخمة والتي أدهشت كل من رآها منذ ذلك الوقت وحتى الآن ، كان يحمل معنى أن حواء قد استطاعت أن تصحح خطيئتها والتي أدت إلى تشويه التكوين الإنساني ، فظهور الرمز (٨) في الحضارة المصرية كان بمثابة تعبير روحي يعلن عن توبة حواء وبداية مرحلة جديدة في تاريخ البشرية تحمل نوعية جديدة في تطور البشرية من الناحية الروحية . ولهذا نجد أن بعد ظهور الأهرامات يبدأ ظهور رمز مهم آخر يُعبر عن هوية الشعب المصري القديم وهو المسلة والتي لها شكل الرقم واحد أو حرف ألف (١) والذي يمثل القسم اليساري من الرمز (١٨) . ولهذا نجد أنه رغم أن بلاد مصر القديمة كانت دولة واحدة وشعب واحد ، ولكن كانت تتألف من قسمين : مصر العليا ومصر السفلى . فإحتفاظ الشعب المصري بهذا التقسيم الرمزي ، لم يكن صدفة ولكن للتعبير عن وجود قسمين في الرمز (١٨) .حيث الرمز (٨) يمثل المنطقة الشمالية التي بُنيت فيها معظم الأهرامات الضخمة ، ولهذا وضع الله عز وجل علامة إلهية تؤكد صحة هذه الفكرة حيث في شمال مصر القديمة يتفرع نهر النيل ويشكل منطقة معروفة بأسم دلتا ، فكلمة(دلتا) هي لفظ لحرف يوناني له شكل هرمي (Δ) وهو حرف (ذ) في الحروف العربية . أما في القسم الجنوبي من بلاد مصر فنجد أنهم قد اهتموا أكثر باستخدام المسلة كشكل يعبر عن الهوية الروحية للشعب المصري القديم . فشكل المسلة (١) يمثل نهر النيل في المنطقة الجنوبية .
مصر القديمة كانت تقع في شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط ، فهي تمثل المنطقة التي تتحد فيها القارة الآسيوية مع القارة الأفريقية ، فهي كانت بمثابة مركز العالم في ذلك الوقت ، ولهذا ظهر فيها الرمز (١٨) الهرم والمسلة بأشكالها الضخمة جدا والتي كان هدفها في ذلك الوقت إحداث صعقة لطيفة في داخل كيان كل من يراها ، وكأنها تقول له أن سر عظمة بلادنا أنها أعتمدت في تأسيسها على الرمز (١٨) والذي يمثل رمز ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم وانتقل إلى البشرية .
إذا إنتقلنا إلى شرق وشمال بحر الأبيض المتوسط ، حيث تقع بلاد اليونان القديمة (الإغريق) . والتي هي أيضا تمثل منطقة إتحاد القارة الآسيوية مع القارة الأوربية ، نجد أنه عندما أعطت الحضارة المصرية كل ما لديها ولم يبقى شيئا آخر تستطيع أن تقدمه فراحت تعتمد على التقليد الأعمى لما أنجزه المصريين السابقين ، وبالتحديد بعد خروج موسى عليه السلام مع قومه من مصر . يبدأ ظهور حضارة جديدة في بلاد اليونان القديمة ، فرغم أنها كانت تتألف من دويلات عديدة ذات حكم ذاتي، وكان كل ملك يحاول السيطرة على بقية الدويلات ، ولكن نجد فجأة في القرن الثامن قبل الميلاد ظهور دعوة عامة إلى إقامة الألعاب الأولمبية بشكل رسمي من كل عام ، والتي كان هدفها الحقيقي هو منع حدوث المعارك الدموية بين هذه الدويلات وتحويل حب العنف والصراع في نفوس الناس إلى ألعاب ومسابقات رياضية تشترك فيها جميع هذه الدويلات ، ليحدث فيها نوع من التعارف بين شعوبها ليشعروا أنهم في الأصل شعب واحد وأن كل دويلة بحاجة إلى الدويلات الأخرى .
إن ظهور الألعاب الأولمبية كطريقة للسيطرة على غريزة القتل وحب العنف في التكوين الإنساني ، كان نتيجته ظهور الشكل الكلاسيكي للمعابد الإغريقية كتعبير روحي لهذه المحاولة في تنمية عاطفة السلام . فإذا درسنا الشكل الكلاسيكي لهذه المعابد برؤية متخصص في فن الهندسة المعمارية ، سنجد أنها أيضا تحمل في داخلها الرمز (١٨) ، فشكل سطح المعبد الإغريقي يشكل مثلث متساوي الساقين وهو يمثل الرمز (٨) . وكما هو معروف في هندسة المعبد الإغريقي أن زاوية القاعدة في هذا المثلث تعادل (١٨) درجة . فالتصميم الهندسي لهذا المثلث الذي يشكل سطح المعبد ، لم يحدث بالصدفة ولكن من وحي إلهي فهو تعبير روحي له معنى محدد ، فهذا المثلث هو المثلث الذي يشكله فتحة ذراعي الإنسان (عند عظمة الترقوة) مع قمة رأسه (كما توضح الصورة). فالشكل الهندسي لسطح المعابد اليونانية كتعبير روحي له معنى أن وجود الرقم (١٨) في كفي يد الإنسان ليس صدفة ولكن حكمة إلهية لها معنى بأن هندسة تكوين جسم الإنسان يعتمد الرمز (١٨) ولهذا فإن الزاوية التي يشكلها ذراعي الإنسان مع قمة رأسه تعادل (١٨) درجة . ولهذا نجد فلاسفة الفن يعتبرون أن فن النحت في التماثيل الإغريقية قد وصل إلى قمته في التعبير عن جمال تناسق جسد الإنسان .
الحضارة اليونانية القديمة وأساطيرها لم تكن حضارة وثنية كما نعتقد . ولكنها كانت حضارة من وحي إلهي {.... وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤) فاطر} . فكل إله في الأساطير اليونان القديمة كان بمثابة رمز لأحد أسماء الله الحسنى والتي عددها (١٨+٨١=٩٩) . ولهذا لا نجد أي إله من آلهة أوليمبوس الإثنا عشر يُمثل الإله الخالق لكل شيء ، ولكن كل واحد منهم كان يرمز إلى نوعية محددة من مقدرة إلهية واحدة تؤثر في قدر الإنسان ومصيره في تلك الناحية التي يُمثلها . فالآلهة اليونانية القديمة في الحقيقة تمثل صفات ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم . ولهذا نجد أن كلمة (إله) في اللغة اليونانية هي ثيوّس (Θεός) ، ولفظ هذه الكلمة مشابه كثيرا لكلمة ثيّوس (θείος) والتي معناها عم أو خال . فالمقصود روحيا بكلمة ثيوس (Θέος) في اللغة اليونانية ليس (الله) خالق كل شيء ولكن آدم الذي يحمل جزء من روح الله والذي منه ظهرت حواء ثم الإنسانية بأكملها . ولهذا نجد أن القيمة الرقمية لأسم آدم (ΑΔΑΜ) في النظام البسيط للغة اليونانية تعادل الرقم (١٨) وفي نظام الكابالا اليونانية يعادل (٤٦) وهو نفس القيمة الرقمية لكلمة ثيوّس (Θεός) بالنظام البسيط ، وهذا الرقم يمثل عدد كرومزومات الوراثية في الإنسان . إن ترجمة كلمة ثيوّس (Θέος) إلى (الله) في اللغة العربية كما حصل في ترجمة الإنجيل هي ترجمة خاطئة . وهذا الخطأ في الترجمة هو أحد عمليات تحريف الإنجيل التي أشار إليها القرآن الكريم .
الحضارة الإغريقية لعبت دور كبير في تطوير العلوم المادية حيث ساهمت في جعل كل علم يأخذ شكله الحقيقي الذي يسمح له بالقيام بدوره على أكمل وجه في دراسة الشكل المادي للشيء أو الحدث من الزاوية التي تخصه كعلم قائم بذاته . وليس من الصدفة أن معظم المصطلحات العلمية المستخدمة عالميا اليوم مصدرها اللغة اليونانية ، فإختيار هذه المصطلحات لم يحصل من فكر عقل إنساني ولكن هو من وحي إلهي . فكلمة (إنجيل) هي كلمة يونانية ، واللغة اليونانية هي اللغة الأصلية للإنجيل ، حيث معظم أناجيل العالم تم ترجمتها من اليونانية . فذكر كلمة (إنجيل) في القرآن الكريم وليس كلمة أخرى يهودية أو آرامية للتعبير عن الكتاب المقدس المسيحي هو دليل إلهي على أن اللغة اليونانية التي هي لغة الإنجيل هي لغة من تصميم إلهي وليس من عقل بشري فهي تمثل اللغة الإلهية المادية ، أما اللغة العربية (لغة القرآن الكريم) فهي اللغة الإلهية الروحية . (هذا الموضوع سنتكلم عنه بشيء من التفصيل مع العديد من الإثباتات في مقالة قادمة إن شاء الله) .
بعد الحضارة اليونانية والديانة المسيحية ، يظهر الإسلام في منطقة قريبة من مصر وهي منطقة الحجاز في الجزيرة العربية والتي تمثل هي الأخرى مركز العالم . إذا تمعنا جيدا في النموذج الكلاسيكي للشكل الهندسي للمسجد الإسلامي سنجد أن شكل بنائه هو أيضا يتبع تماما شكل الرمز (١٨) ، حيث شكل القبة يمثل الرمز (٨) وشكل المأذنة يمثل الرمز (١) ،(كما توضح الصورة) . فعملية تحويل الشكل الهرمي إلى شكل قبة شبه نصف كروية حدث بسبب سهولة البناء وكذلك قدرتها على التحمل والثبات لفترة طويلة . وبما أن القبة هنا تمثل الرمز الروحي (٨) ، لهذا نجد أن المسجد النبوي كان في البداية بدون أي مأذنة ، لأن بداية الإسلام كان يعتمد فقط الى العلوم الروحية (الفطرة الإلهية) والتي رمزها (٨) . ولكن مع بداية دخول العلوم المادية والتي رمزها (١) ، في المعارف الإسلامية لتعمل كعلوم مساعدة في إزدهار الحضارة الإسلامية، نجد عندها قد تم بناء أربع مآذن في الإتجاهات الأربعة حول القبة ، وكان ذلك مابين ٧٠٧ - ٧١٠ ميلادي (٨٨-٩١ هجري) .
من هذه الدراسة لتطور أشكال رموز هوية كل حضارة كما شرحنا قبل قليل وجدنا أنها لم تحدث بالصدفة ولكنها إتبعت قانون الرمز (١٨) كنوع من التعبير عن ذلك الجزء من روح الله الذي تم عليه تكوين الإنسان المادي والروحي . فهذه الحضارات (الحضارة المصرية القديمة ، الحضارة الإغريقية، الحضارة الإسلامية) تمثل محصلة التطور الروحي العام لجميع شعوب الأمم ، ولهذا فهي ظهرت في مركز العالم والقريبة من منطقة الشرق الأوسط .
للأسف اليوم وبسبب سيطرة الرؤية الماركسية على المنهج العلمي الحديث ، نجد مثلا العلماء من جميع فروع العلوم في مصر يدرسون تفاصيل دقيقة في آثار مصر القديمة ولا أحد منهم يشعر بوجود علاقة بين شكل الأهرامات وشكل المسلات ليكتشف علاقتها بالرمز (١٨) الموجود في شكل خطوط كف يد الإنسان . وعلاقة هذا الرمز بعدد أسماء الله الحسنى(٩٩) .
والشيء نفسه أيضا يحصل مع علماء اليونان ، فهم يدرسون التفاصيل الدقيقة في الآثار الإغريقية ويعلمون أن زاوية القاعدة في المثلث الذي يمثل سطح المعابد الإغريقية تعادل الرقم (18) ، ولكنهم لا يعلمون أن هذا الرقم هو الرقم (١٨) الموجود في كف يد الإنسان .
وكذلك الشيء نفسه يحصل في البلاد الإسلامية ، فجميع العلماء فيها يعلمون نموذج الشكل الكلاسيكي لهندسة بناء المسجد ، ولا أحد منهم يربط شكل القبة والمأذنة بالرمز (١٨) الذي منه خرج عدد أسماء الله الحسنى (٩٩).
في ساحة الفاتيكان التي يزورها عشرات الملايين من السواح في كل عام ، يوجد مسلة مصرية حيث وجودها هناك يُشكل مع قبة الفاتيكان الرمز (١٨) . حتى الآن لم يفكر أحد منهم لماذا هذه المسلة بالذات هي الوحيدة في العالم التي لا تحتوي على أي نقش فرعوني . ولماذا هذه المسلة بالذات هي التي تم نقلها إلى هذه المنطقة والتي ستكون بعد عدة قرون من الزمن المركز العالمي للمذهب المسيحي الكاثوليكي رغم أن عملية نقلها تم قبل ظهور عيسى عليه السلام (عام ٣٧ قبل الميلاد) ؟ ولماذا أيضا هي المسلة الوحيدة في روما التي ظلت منتصبة في مكانها دون أن تسقط منذ ذلك الوقت وحتى الآن ؟
هل من المعقول أن يكون ظهور الرمز ( ١٨ ) في هذه الحضارات التي تقع في مركز العالم القديم قد حصل بالصدفة ؟
هذه الأمور التي لم يعطيها العلماء أي أهمية في أبحاثهم هي في الحقيقة مفاتيح فهم تطور الحياة ، فما يحدث من تغييرات في شكل الجسد عبر مرور الزمن لا يحصل بالصدفة أو بطريقة عشوائية ولكن ضمن قوانين إلهية لا نستطيع فهمها إلا من خلال رؤية فلسفية تستخدم جميع أنواع العلوم والفنون والديانات .
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتكلم عن زاوية جديدة تساعدنا في فهم خطوات وآليات تطور الحياة .
ز .سانا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق