خواطر من الكون المجاور
الخاطرة ٢٩٩ : فلسفة تطور الحياة ( الروحي والمادي ) الجزء ٧
في سلسلة مقالات (فلسفة تطور الحياة) نعرض في كل جزء منها زاوية رؤية علم معين في تفسير تطور الحياة لنحصل على رؤية شاملة تسمح لنا في النهاية من دراسة التطور من جميع زواياه . وفي مقالة اليوم سنتكلم عن زاوية رؤية علم اللغة ، فاللغة هي صفة من صفات التكوين الروحي للإنسان. وتطور اللغات لم يحدث بالصدفة حسب مزاج كل شعب ولكن ضمن مخطط إلهي يساعدنا في فهم تطور الحياة . فكما ذكرنا في المقالة الماضية أن التطور لم يتوقف مع ظهور الإنسان على سطح الأرض فهو مستمر ولكن بنوعية روحية ، فالتطور الروحي هو في الحقيقة نوعية جديدة للتطور ، وبدون فهم آليات التطور الروحي ستبقى نظريات التطور المعروفة اليوم تعاني من عيوب وثغرات تُفشل جميع المحاولات في حلها أو تفسيرها .
قبل أن نبدأ بشرح موضوع تطور اللغات ، لابد أن أذكر ملاحظة هامة وهي أن هذه المقالة تعتمد على معلومات تم شرحها بالتفصيل في مقالات ماضية ، وربما أهمها سلسلة مقالات (اللغة الإلهية) التي تتألف من خمسة أجزاء ( أرقامها من ١٩٣ إلى ١٩٧ ) ، أي حوالي (٥٠) صفحة .لهذا من الطبيعي القارئ الذي لم يقرأ تلك المقالات أن لا يستوعب جيدا ما يقرأه في هذه المقالة ، فيظن أن ما أذكره هنا هو مجرد خرافات وخزعبلات ، مثله مثل الذي لا يعلم بوجود علم إسمه علم الكيمياء ، فمهما حاولت أن تقنعه بأن الماء يتألف من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين ، لن يصدقك وسيتهمك بالغباء أو الجنون . فللأسف القاعدة الثقافية للعصر الحديث تعاني من إنحطاطا روحي تجعل الإنسان المعاصر لا يستوعب جيدا الأمور الروحية . وما أنشره من معلومات جديدة على القراء هو مجرد محاولة للخروج من هذا الإنحطاط ، فالآية القرآنية تذكر {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩)البقرة} . فما أنشره من المعلومات جديدة ليس هدفه إقناع أي شخص ، أنا أعرض ما تراه عيني ليراها الآخرين أيضا ، وأترك أمرها لرب العالمين ، وأجري على الله فقط .
الآية القرآنية تذكر {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٣١) البقرة} . الملحد عندما يقرأ هذه الآية لن يعطيها أي أهمية وربما يعتبرها آية ساذجة لا فائدة منها . ولكن في الحقيقة هذه الآية تكشف لنا إحدى الصفات الهامة في تكوين الإنسان ككائن حي ، فأهم فرق في نوعية الإدراك بين الإنسان وجميع بقية الكائنات الحية ، هو أن الإنسان أعطى أسم معين لكل شيء يراه من حوله . فالأسم في الحقيقة هو التعبير الروحي لمحصلة معاني صفات تكوين هذا الشيء . وهذا النوع من الإدراك لا يملكه سوى الإنسان .
الإنسان إعتمد في تحديد أسماء الأشياء على دمج الجهاز البصري مع الجهاز السمعي عنده ليعطي كل شيء أصوات معينة تدل على معنى هذا الشيء . وهنا لا نتكلم عن اللغة كوسيلة تخاطب بين إنسان وإنسان ، فالحيوانات أيضا لديها وسائل مختلفة تتخاطب بها مع بعضها البعض ، ولكن نتكلم عن الإدراك الروحي للإنسان للشيء أو الحدث الذي يراه ، والذي يولد في داخل الإنسان شعور روحي معين يتم ترجمته على شكل أسم أو كلمة معينة مثل (حصان .. جميل .. صغير .. حزين .. بطيء ... ساخن ...وهكذا ) . فاسم الشيء هو في الحقيقة لوحة فنية تسمح برؤية التكوين الروحي للشيء المسمى ، وأدوات تعبير هذا العلم في تشكيل هذه اللوحة الفنية هي ثلاث أدوات :
١- مكان خروج الحروف من الفم . ٢- شكل حروف الكلمة عند كتابتها . ٣ - ترتيب هذه الحروف في الأبجدية وقيمتها الرقمية .
فالمقصود في الآية القرآنية (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ) هو تحديد هذه الأدوات الثلاثة في تكوين الإسم . فعلم اللغة لا يقتصر على تحديد قواعد النحو والإملاء فهذه الأمور هي جزء من هذا العلم . فكما هو معروف في فيزياء الكم أن الجسيمات تتواجد في حالتين : حالة موجية (روحية) ، وحالة جسيمية (مادية) . وهكذا الأمر تماما في الأسماء والكلمات . حيث نطقها الصوتي يمثل الحالة الموجية ، أما القيمة الرقمية للحروف فهي تمثل الحالة المادية لها . فعندما ظهرت الكتابة كانت الحروف هي أرقام أيضا . علم اللغة له دور كبير في مساعدة العلوم الطبيعية في فهم حقيقة الأشياء والأحداث ، ولهذا نجد أن مع ظهور الكتابة تبدأ الإنسانية مرحلة جديدة مختلفة تماما روحيا وماديا وتجعل المجتمع الإنساني مجتمع له هوية خاصة بالإنسان فقط .
إذا تمعنا جيدا في تطور الكتابة عبر العصور . سنجد أنها هي أيضا إعتمدت الرمز (١٨) في تحويلها من شيء سمعي إلى شيء مرئي . فأول أشكال الكتابة كان على هيئة رسم صورة مشابهة للشيء الذي تراه عين الإنسان . وهذا النوع من التعبير ظهر قبل آلاف السنين ، ولكن نرى فجأة في بلاد ما بين الرافدين (حوالي ٣٦٠٠ قبل الميلاد) ظهور نوع جديد من الكتابة في تمثيل لفظ صورة الشيء المرئي . إذا تمعنا جيدا في مبدأ كتابة حروف هذه اللغة سنجد أنها تعتمد الرمز (١٨) الموجود في كف يد الإنسان والذي يمثل رمز ذلك الجزء من روح الله في تكوين الإنسان. فعلماء العصر الحديث أطلقوا على هذا النوع من الكتابة أسم (الكتابة المسمارية) لأنها تعتمد شكل المسمار حيث الشكل العام المستخدم يتألف من نوعين من الأشكال : الأول وهو المثلث ويمثل رأس المسمار وهو الرمز (٨) ، والشكل الثاني وهو خط مستقيم ويمثل جسم المسمار وهو الرمز (١) . شكل هذا المسمار في الحقيقة هو شكل نهر النيل ، حيث المثلث يمثل منطقة دلتا والخط المستقيم يمثل شكل نهر النيل جنوب منطقة دلتا.
من قرأ مقالاتي عن الحضارة المصرية وعن قصة النبي يوسف ، قد يشعر بوجود نوع من التناقض فيما ذكرته هناك وما أذكره هنا . فالكتابة المصرية التي ظهرت قبل ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد ، هي التي وضعت قواعد اللغة لتتمكن في التعبير بشكل كبير يسمح لها بخلق فكر علمي روحي . فالكتابة المصرية هي رمز روحي لما حدث بعد الإنفجار الكبير والذي كان بداية تشكيل جسيمات ما تحت الذرية وبداية تشكيل الكون . أما الكتابة المسمارية كأول نوع للكتابة ، فهي تمثل ما حدث قبل الإنفجار الكبير ، حيث كانت الأشياء فيها على شكل أوتار والتي يحاول علماء الفيزياء البحث فيها وأطلقوا عليها (نظرية الأوتار الفائقة) والتي هدفها فهم تركيب الجسيمات النووية ، وإن شاء الله سنتكلم عنها في مقالة زاوية رؤية علم الفيزياء في فهم تطور المادة لتمهيد لظهور الحياة .
الكتابة المسمارية تطورت وأخذت فيما بعد شكل تجريدي ، أي أنها أصبحت روحية بحتة غير قادرة على التعبير عن الشكل الخارجي للأشياء المعبرة عنها . بينما اللغة الهيروغليفية المصرية كانت تتطور بشكل يسمح لها بالتعبير عن الشكل الخارجي للأشياء بكل دقة ، ولكن وبسبب الحاجة إلى السهولة والسرعة في الكتابة تطورت الهيروغليفية إلى الكتابة الهيراطيقية . في بداية القرن الثامن عشر قبل الميلاد حصل إندماج بين الكتابة الهيراطيقية المصرية والكتابة المسمارية وظهر نوع جديد من الكتابة معروفة اليوم بإسم الأبجدية السينائية نسبة إلى شبه جزيرة سيناء . الكتابة السينائية كانت لغة العمال والعبيد الناطقين بالسامية في مصر . من هذه الأبجدية تم تشكيل الأبجدية السامية الأولية والتي منها تشكلت معظم الأبجديات تقريبًا في جميع أنحاء العالم اليوم .
الأبجدية السامية الأولية إنتشرت في جميع شعوب العالم ليقوم كل شعب في تطوير لغته . الآية القرآنية تذكر مبدأ الخلق { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) الذاريات} . وهكذا أيضا حصل في الكتابة ، حيث كنتيجة لتطور اللغات ظهر نوعان من الكتابة : كتابة اللغة العربية ، وكتابة اللغة اليونانية . اللغة العربية هي محصلة تطور لغات الشعوب الشرقية (آسيا) أي أنها رمز اللغة الروحية ولهذا اختارها الله لتكون لغة القرآن . اللغة الثانية هي اللغة اليونانية والتي تمثل محصلة تطور لغات الشعوب الغربية (أوروبا ، أفريقيا ) ، وهي تمثل رمز اللغة المادية ، ولهذا اختارها الله لتكون لغة الإنجيل ، والحديث الشريف يذكر ( إن الله تعالى ليس بأعور، والدجال أعور ) .
تصميم اللغة العربية واليونانية هو من وحي إلهي ، ليكون هناك نوعان من الإدراك : إدراك روحي وإدراك مادي وبكلاهما معا نحصل على الإدراك الشامل . فمثلا كلمة (الله) موجودة في كفي يدا الإنسان ولكن لا نستطيع أن نراها، والسبب أنها مكتوبة بنوعين من الحروف : حرف عربي وحرف يوناني بهذا الشكل (٥١٨٨١) ، حيث (١) هو حرف الألف في اللغة العربية ، و(٨) هو حرف اللام في اللغة اليونانية . أما (٥) فهو شكل الكف الموجود به الرمز (١٨) أو (٨١) .
إذا تمعنا جيدا في سلوك علماء الحضارة الإسلامية ، سنجد أن سلوكهم كان معاكس تماما لسلوك مسلمي اليوم . فعلماء الحضارة الإسلامية عدا أنهم استعانوا بعلوم الحضارة الإغريقية لتطويرها واستخدامها في تكوين الحضارة الإسلامية ، ولكن أيضا إهتموا كثيرا بالكتب المقدسة اليهودية والمسيحية ليفهموا النصوص الدينية الإسلامية بشكل أفضل . فالنصوص الإسلامية (آيات قرآنية وأحاديث شريفة ) لا تكفي لكتابة سيرة حياة أي نبي من أنبياء الله . وهذا لا يعتبر نقص في النصوص الدينية الإسلامية ولكن حكمة إلهية لها معنى أن هناك لغتين إلهيتين ، لغة روحية ولغة مادية ، والمؤمن بحاجة لإستخدام اللغتين للوصول إلى الإدراك الشامل . القرآن الكريم كتاب كامل ، وحتى نستطيع رؤية الكمال فيه يجب أن نرى ونفهم الرموز المذكورة فيه ، وبدون الإستعانة بالكتب المقدسة السماوية لن نرى ولن نفهم هذه الرموز . ولهذا عندما بدأ يظهر التعصب الديني عند علماء المسلمين في القرن السابع الهجري والذي جعلهم يرفضوا أي إستعانة من الأمم الأخرى نراهم خرجوا باجتهادات جديدة مختلفة عن اجتهادات علماء الحضارة الإسلامية فدخلت الحضارة الإسلامية في عصر الإنحطاط وظهرت بدلا منها حضارة النهضة الأوربية التي استعانت بعلوم الحضارة الإسلامية . للأسف اليوم القاعدة الثقافية الدينية لمعظم المسلمين هي من علماء عصر الإنحطاط ، فأي شخص يعتمد على آية من الإنجيل أو التوراة في بحثه ، نجد معظم المسلمين يرفضون بحثه مباشرة ويتهمونه بالتضليل والنفاق ، ولهذا كان من الطبيعي أن يكون حال الأمة الإسلامية اليوم أمة متخلفة علميا تعتمد بشكل كلي على اختراعات الشعوب الغربية التي يعتبرونها أمم ضالة أو كافرة .
حتى نفهم بشكل أوضح نوعية العلاقة بين اللغة العربية واللغة اليونانية ، سنعرض عليكم هذا المثال البسيط . كل شيء له شكل ، ولكن حتى نرى شكله بكامل تفاصيله نحتاج إلى نور وظل ، فبدون النور ستكون الصورة مظلمة تماما ولن نرى أي شيء ، ولكن أيضا بدون ظل ستكون الصورة بيضاء تمام ولن نرى أي شيء . أما بوجود النور والظل عندها فقط نرى الشيء بحجمه الثلاثي الأبعاد وبكامل تفاصيله. ولهذا نجد أن أفضل لوحة رسم في تاريخ الإنسانية هي لوحة موناليزا (الجوكندا) لليوناردو دافينشي ، التي وضع فيها قمة ابداعه في تقنية علاقة الإنسجام بين النور والظل والذي يُعطي تدرج وتمازج الألوان بدقة فائقة والمعروفة بأسم سفوماتو (بالإيطالية: Sfumato) فبهذا الإنسجام بين النور والظل ظهرت تعابير وجه موناليزا بأدق تفاصيله لتعبر عن مشاعرها الرهيفة على أفضل وجه.
أيضا إذا بحثنا في تاريخ الحضارة اليونانية القديمة سنجد أن أول ديانة معروفة عندهم كانت الديانة الأورفيكية التي ظهرت في نفس الفترة الزمنية تقريبا لخروج قوم موسى من مصر . حيث أحد صفات الإله أورفيا أنه كان إله الظل . ولكن تم فهمها خطأ واليوم البعض يُترجمها على أنه إله الظلام . الديانة الأورفيكية لم تكن ديانة وثنية ولكنها كانت من وحي إلهي ، فالديانة الوثنية هي التي لا تنفع الإنسان بشيء ، أما الديانة الأورفيكية فكانت النصف المادي المكمل لديانة موسى عليه السلام . لهذا كان نتيجتها تكوين الحضارة الإغريقية التي ساهمت في تأسيس العلوم المادية . والحديث الشريف يذكر (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس) . ولهذا أنعم الله على الشعب اليوناني القديم ليكون الإنجيل بلغتهم ، وكذلك جعلهم هم كبار الكهنة المسؤولين عن الأماكن المقدسة المسيحية في القدس منذ منتصف القرن الرابع الميلادي عندما أصبحت الديانة المسيحية الديانة الرسمية للأمبراطورية الرومية ، وحتى الآن . هذه الأحداث التاريخية هي علامات إلهية لها معنى ويجب البحث فيها ، لا أن ننظر إليها بشكل ببغائي وكأنها حدثت بالصدفة . فعبارة حدث بالصدفة هي منطق رؤية الأعور الدجال .
عندما كان الفيلسوف اليوناني بيثاغوراس أسيرا في بلاد بابل (حوالي عام ٥٤٠ قبل الميلاد) علم هناك من فلاسفة اليهود بوجود نظام الكابالا الرقمي الذي يُعطي لكل حرف قيمة رقمية ، وأن كل أسم أو كلمة لها قيمة رقمية تساعد في فهم المضمون الروحي للكلمة . هذا النظام الرقمي أثر في نفسه كثيرا وفتح أمامه بابا عريض للبحث ، وعندما عاد إلى بلاده قام بتصميم نظام الكابالا اليونانية . فرقم رمز أعور الدجال (٦٦٦) المعروف في المسيحية تم استخراجه من سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي باستخدام نظام الكابالا اليونانية . أيضا العلماء المسلمين عندما علموا بوجود هذا النظام الرقمي للأحرف الأبجدية من اليهود ومن اليونانيين ، صنعوا هم أيضا نظام رقمي للحروف العربية وأعطوا الحروف نفس القيم الرقمية للحروف اليونانية ، ولكن لم ينتبهوا بأنه هناك نوعان من اللغات : لغة روحية ولغة المادية ، وأن النظام الرقمي للغة اليونانية لا ينطبق على اللغة العربية ، فمنطق اللغة اليونانية أنها تُكتب من اليسار إلى اليمين وهذا له معنى أنها تبدأ من شكل المادة لتصل إلى معرفة نوعية الروح فيها ، أما العربية فهي تُكتب بالعكس أي من اليمين إلى اليسار أي أنها تبدأ من الروح لتصل إلى معرفة طبيعة المادة . فباستخدام العربية إلى جانب اليونانية عندها تتحد اللغتان فنحصل على الرؤية الشاملة في معرفة علاقة الشكل مع المضمون للشيء أو الحدث المدروس . وبسبب ذلك الخطأ الذي وقع به العلماء العرب كانت جميع محاولاتهم في تطبيق النظام الرقمي اليوناني على اللغة العربية بلا أي فائدة ملموسة في أبحاثهم ، مما أدى إلى فقدان أهميته واعتباره مجرد علم مزيف .
النظام الرقمي للغة العربية تكلمنا عنه بصفحات عديدة وعرضنا أمثلة كثيرة لا يمكن عرضها هنا . ولكن باختصار شديد نستطيع أن نقول بأنه يعتمد مبدأ الرقم المركب ، أي كل رقم يحوي في داخله جميع الأرقام التي تسبقه ، مثلا الرقم (٣)، الرقم المركب له هو الرقم (٦) أي (١+٢+٣=٦) ، وترتيب الحروف في هذا النظام هو الترتيب (أ-ب-ت-ث-ج-ح....) وليس الترتيب (أبجد هوز...) فهذا الترتيب هو ترتيب مادي مناسب للغة اليونانية .
فرقم عبارة اعور الدجال - مثلا - في نظام الكابالا العربية هو (١٢١٠) هذا الرقم يُقسم إلى قسمين : حيث الرقم (١٠) حيث (١) يمثل الحاجب و(٠) عين اليمنى مغلقة أو مقلوعة في وجه جانبي ينظر إلى الأعلى ، والثاني هو الرقم (١٢) ويمثل الحاجب والعين اليسرى المفتوحة . فالرقم (١٢١٠) يصف الأعور الدجال الذي عينه اليمنى مغلقة ، ويرى فقط بعينه اليسرى أي أن أعور الدجال يرى المادة فقط ولا يعلم شيئا عن الروح ، تماما مثل المنهج العلمي الحديث .
شكل الرقم يلعب دور في فهم المضمون الروحي للكلمة لهذا تتشارك الارقام الهندية (١-٢-٣...) والأرقام العربية (3,2,1 ...) وذلك حسب نوعية التعبير في تكوين صورة أو معنى للكلمة . فقد يكون المعنى الرقمي تجريدي أي رؤية رياضية لها معنى ، أو أن يكون المعنى على شكل صورة رمزية لها معنى . وكذلك يوجد هناك النظام البسيط للغتين العربية واليونانية ، أي أن قيمة الكلمة فيها هي مجموع أرقام ترتيب حروف الكلمة في الأبجدية ، ليساهما في تحديد قاعدة البحث ليأخذ معنى الكلمة شكلا أعمق واوضح ، فالقيمة الرقمية -مثلا- لكلمة (شيطان) بالنظام البسيط للغة للعربية تعادل (٨٣) وشكل هذا الرقم هو شكل فم (٣) وأنف (٨) في وجه إنسان ينظر إلى السماء ، أي أن رمز روح السوء هو استخدام حاسة الشم في تأمين حاجاته الغذائية ، بمعنى أن أنفه تحت سيطرة غرائزه الحيوانية كما هو في معظم الحيوانات المفترسة ، أما كلمة (إله) في اللغة اليونانية فتعادل (٢٨٤) ، حيث (٢) رمز العين ، (٨) رمز الانف ، (٤) رمز الأذن ، أي أن ذلك الجزء من روح الله في الإنسان هو الذي يجعل سلوك الإنسان يهتم بحواس البصر والسمع والشم لتأمين حاجاته الروحية ، فهذه الحواس الثلاث هي أصلا حواس روحية .
أما رقم رمز أعور الدجال في اللغة اليونانية فيجب استخدام الارقام العربية (666) حيث شكل (6) هو شكل رمزي للإنسان (رأس وجسم) مقلوب شاقوليا ، فهذا الرقم له معنى تحطيم روابط الرمز (١٨) إلى ثلاث أقسام (١٨÷٣=٦) فيصبح أحد معاني الرقم (666) أن دور أعور الدجال هو توجيه مراحل التطور الروحي الثلاث في الإنسان (طفولة ، مراهقة ، رشد) نحو الأسفل أي نحو الإنحطاط الروحي ، أي دفعها للعودة إلى الوراء وليس إلى الأمام ليكون سلوك الإنسان مشابه لسلوك الحيوانات حيث انها تهتم فقط بتأمين حاجاتها المادية . وهو نفس معنى رمز أعور الدجال عند المسلمين ولكن من زاوية أخرى .
نظام الكابالا اليونانية يعتمد على وجود ثلاث أنواع من الحروف ، أحرف تأخذ القيم الرقمية ( ١-٢-٣ - - - - ١٠ ) ، والنوع الثاني أحرف تأخذ قيم رقمية ( ٢٠- ٣٠ - ٤٠ - - - ١٠٠ ) ، والنوع الثالث تأخذ القيم ( ٢٠٠- ٣٠٠ - ٤٠٠ - - - ٨٠٠ ) . هذا النظام ليس صدفة ولكن حكمة إلهية فهو يمثل نوع من أنواع التطور .حيث نجد أن ظهور أنواع الكائنات الحية غير متصل ولكن هناك قفزات صغيرة وقفزات كبيرة تجعل النوع مختلف في الشكل عن أقرب نوع ظهر قبله مشابه له دون وجود وسيط بينهما يبرر تلك الإختلافات بينهما والتي ظهرت بشكل فجائي ، فنجد وجود قفزات بين نوع معين إلى نوع آخر فجأة بدون وجود وسيط بينهما مثل القفز من الرقم ١٠ إلى الرقم ٢٠ ، أو من الرقم ١٠٠ إلى الرقم ٢٠٠ . هذه القفزات في التطور تعتبر أقوى حجة يستخدمها معارضي نظرية التطور الداروينية .
أما النظام العربي فيمثل نوعية أخرى في التطور حيث يعتمد على قفزات تدريجية ، من (١) مباشرة إلى (٣) ، ثم إلى (٦) ، ثم إلى (١٠) ، ثم إلى (١٥) ... وهكذا .
أما النظام الرقمي البسيط والذي يسير بشكل متصل (١-٢-٣-٤ ....) فهو يمثل التطور البسيط الذي يحدث في الكائن الحي ، مثل الفرق بين الحصان والحمار والحمار الوحشي .
حتى يتم فهم مراحل تطور الحياة عبر العصور يجب توحيد هذه الأنظمة الثلاث ، مثلما يحصل من تعاون اللغة العربية واللغة اليونانية . ولكن رؤية هذه العلاقة في فهم التطور يحتاج إلى دراسة تطور المملكة النباتية أيضا ، فبدون تأثير النظام النباتي لا يمكن أن تحدث أي قفزة في تطور المملكة الحيوانية. فالحمار سيبقى حمار ، والقرد سيبقى قرد لمليارات السنين إذا لم ينقرض . فالطفرات التي تعتمد عليها نظرية التطور الداروينية لا تحدث بالصدفة نتيجة تأثير الظروف البيئية ولكن تحدث نتيجة التداخل الروحي بين تطور المملكة النباتية مع تطور المملكة الحيوانية ، فهناك ما يشبه نوع من التزاوج الروحي يحدث بين المملكة النباتية والمملكة الحيوانية . وسنعرض لكم هنا مثال بسيط يوضح نوعية العلاقة الروحية بين المملكة النباتية والمملكة الحيوانية عن طريق فهم العلاقة الروحية بين اللغة العربية مع اللغة اليونانية : في مقالة الجزء الثاني ذكرنا أن الكوكب الأول عطارد يمثل رمز آدم ، والكوكب الثاني الزهرة يمثل رمز حواء . القيمة الرقمية لأسم عطارد في نظام الكابالا العربية تعادل (٣٩٩) ، أما القيم الرقمية لأسم الزهرة (ΑΦΡΟΔΙΤΗ) في نظام الكابلا اليونانية فتعادل (٩٩٣) ، فهناك علاقة تناظر بينهما مثل العلاقة بين (١٨) و (٨١) . حتى لا ندخل في تفاصيل عديدة شرحناها في مقالات ماضية ، سنختصر الموضوع لنوضح معنى هذه الأرقام . إن مجموع الرقمين (٣٩٩+٩٩٣) هو (١٣٩٢) هذا الرقم هو القيمة الرقمية لعبارة (ألف الله) في الكابالا العربية وتعني بشكل رمزي ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم. الرقم (١٣٩٢) كمدة زمنية محسوبة بالسنة الزهرية ، يعادل (١٠٠٠ سنة عطاردية + ١٠٠٠ سنة زهرية) . ولكن كوكب الزهرة رقمه (٩٩٣) أي ينقصه (٧) سنوات من الرقم (١٠٠٠) . الرقم (٧) هو رمز الخطيئة التي أتت من الشيطان إلى حواء ولهذا ذهب الرقم (٧) من أسم الزهرة إلى أسم عطارد ، فبدلا من أن يكون (٣٩٢) الذي يساوي ١٠٠٠سنة عطاردية ، أصبح (٣٩٩) الذي يعادل (١٠١٩) سنة عطاردية . ولهذا نجد بعد سورة محمد التي رمزها له معنى نزول آخر ديانة سماوية وإكتمال التطور الروحي ، تأتي بعدها سورة الفتح حيث حاصل ضرب رقم ترتيبها برقم عدد آياتها (٤٨×٢٩= ١٣٩٢) والذي يعني كمدة زمنية (١٠٠٠+١٠٠٠) ولها معنى أن روح حواء في المرأة قد تم تنقيته من جميع شوائب الخطيئة . فأسم فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ، لم يكن صدفة ولكن علامة إلهية لها المعنى الذي تكلمنا عنه والموجود في معنى الرقم (١٣٩٢ ).
من المعروف أن تسمية الكواكب قد تم قبل آلاف السنين من معرفة علماء الفلك للمدة الزمنية لدوران الكواكب حول الشمس ، فكيف تم توافق رقم أسم عطارد في العربية مع أسم الزهرة في اليونانية ليشرحوا لنا قصة خروج الإنسان من الجنة كما هي في الكتب المقدسة ؟ هذه النوعية من الإرتباط الروحي بين العربية واليونانية موجودة أيضا في إرتباط تطورالمملكة النباتية مع تطور المملكة الحيوانية والذي منه نتجت أنواع جديدة ليس لها أي أصل مباشر ، فالأصل المباشر له موجود في المملكة الأخرى ولكن بشكل مختلف ملائم لشكل أنواع المللكة التي ظهر فيها . ومثال بسيط على ذلك : من أين أتت صفة المقدرة على الطيران في الطيور ؟ الجواب بسيط جدا ، إنظروا إلى ريش الطيور ستجدون أن شكل الريشة مشابه لشكل أوراق النبات ، فشكل الريشة أتى من الاوراق ، ولهذا اكتسبت الطيور القدرة على الطيران لأن الأوراق هي من القسم العلوي للنبات ودورها هو التسلق إلى الأعلى للحصول على أكبر كمية من أشعة الشمس لتقوم بعملية التركيب الضوئي . صفة الإرتفاع نحو الأعلى عند الاوراق تحولت إلى صفة الطيران في الطيور . فظهور الأجنحة ليس سببه طفرة ولكن سببه قانون في المخطط الإلهي .
مقطع الفيديو في الأسفل يعطينا مثال آخر عن علاقة الترابط الروحي بين اللغة العربية واللغة اليونانية .
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتكلم عن زاوية رؤية علم آخر لتساعدنا في فهم حقيقة تطور الحياة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق