الأربعاء، 16 سبتمبر 2020

الخاطرة ٢٥٧ : وفاة سارة حجازي : انتحار أم إنذار ؟

 خواطر من الكون المجاور الخاطرة

الخاطرة ٢٥٧ : وفاة سارة حجازي : انتحار أم إنذار ؟
ملاحظة : حتى لا يسوء فهم معاني فقرات المقالة ، الشذوذ الجنسي هو من الكبائر التي تدمر بنية المجتمع ، والإنتحار هو أيضا من الكبائر (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) . أنا لا أتعاطف مع سارة التي انتهت حياتها كفتاة سوء ، ولكن أحاول أن أعرض أخطاء البيئة الروحية للمجتمع التي خدعت طفلة حلمت بأن تلعب دور كبير في صنع مجتمع سعيد ، فتحولت إلى إمرأة تعيسة لم تعد قادرة على التفريق بين عمل الخير وعمل السوء .
في الأيام الأخيرة نشرت العديد من وسائل التواصل الاجتماعي خبر حادثة انتحار فتاة مصرية تدعى ( سارة حجازي) ، وانطلق كل موقع يكتب رأيه في هذه الحادثة ، استغل بعض المعارضين السياسيين للحكومة المصرية هذه الحادثة ليهاجموا وينتقدوا الوضع السياسي في مصر ، والبعض الآخر استغل الحادثة في الهجوم وانتقاد رجال الدين ، و آخرون في الدفاع عن حقهم في الحرية المطلقة والتعبير عن آرائهم وتصرفاتهم ، و منهم من استغلها ليدافع عن حقه في حرية التعبير عن ميوله الجنسية الشاذة ، أحد المدافعين عن الإسلام قال في قناته عن سارة (كانت مثلية وملحدة ... فطست وقتلت نفسها ، إلى جهنم بإذن الله) .
أهم ما لفت نظري في حادثة انتحار ( سارة حجازي) هو أن كل ما كتب عنها لم يكن له علاقة في مضمون سبب انتحار هذه الفتاة . فما حصل في الواقع في هذه الحادثة يمكن تشبيهه بهذا المثال البسيط :
شخص يدخل أحد المنازل ليسرق ، فيستيقظ صاحب البيت ويحدث صراع بين الإثنين ، فيقتل السارق صاحب البيت . أسهل حكم على هذه الجريمة هو معاقبة السارق وانتهى الأمر ، ولكن هذا الحكم هو لأصحاب النفوس الأنانية لأنه لا يحقق عدالة شاملة ، لأن العدالة الشاملة تستوجب البحث في مضمون هذه الجريمة ليمنع حدوثها مرة أخرى في المجتمع لأن السرقة والقتل هو سلوك روحي ناتج عن فساد البيئة الروحية للمجتمع ، لهذا فتحقيق العدالة الشاملة يتطلب البحث عن تلك الأسباب التي دفعت هذا الرجل ليتحول إلى لص ، فالإنسان منذ ولادته خلقه الله بفطرة خالية من غريزة القتل وخالية بشكل عام من أعمال السوء . فالطفل حتى يتحول إلى رجل لص ثم قاتل ، يعني أنه عاش في بيئة روحية فاسدة ساعدت في تشويه تكوينه الروحي . صحيح أنه هو أيضا بشكل ما قد ساهم في اختيار طريق السوء ، ولكن حتما كانت هناك أسباب عديدة في صفات المجتمع من حوله قد ساعدت على تسهيل حدوث هذا التحول من شخص صالح إلى لص أو مجرم . فهنا إذا عاقبنا فقط هذا الشخص لجريمته ، وكأننا عاقبنا السكين الذي غرز في صدر الضحية ، وعندها سيستمر حدوث مثل هذه الجرائم في المجتمع ولن تتوقف ، لأن القاتل الحقيقي المتمثل في قوانين المجتمع الفاسد ستشوه التكوين الروحي في العديد من الأطفال ليتحولوا إلى مجرمين طالما أن هذه القوانين الفاسدة لا تزال تسيطر على البيئة الروحية للمجتمع.
حادثة وفاة (سارة حجازي) هي في الحقيقة جريمة ، ويجب أن يتم دراستها بنفس نوعية البحث التي تكلمنا عنها في مثالنا السابق .
لو تمعنا جيدا في طريقة تعامل الأشخاص المتخصصين والغير المتخصصين في هذه الحادثة والذين نشروا آرائهم عن حادثة انتحار سارة ، سنجد كم أن الإنسان العربي يعاني اليوم من عمى البصيرة . حيث أهم فكرة جذبت اهتمام الجماهير في هذه الحادثة هي : ( هل تجوز الرحمة على سارة أم لا تجوز ؟) . هذا الاهتمام الكبير من الجماهير لهذه الفكرة في هذا الموضوع بالذات ، ليس إلا دليلا واضحا يبين لنا لماذا اليوم الأمة العربية انحدرت مكانتها إلى أسفل السافلين ولا تستطيع النهوض. فهذا الإهتمام الكبير بـ(مصير الإنسان هل هو في الجنة أم النار؟) يحوي في مضمونه أن أفراد الأمة العربية بفضل علمائها وصلوا إلى مرحلة من الأنانية بحيث فقدوا نهائيا الإتصال الروحي فيما بينهم كبشر . إذا تمعنا جيدا في كتب التوراة ، لن نجد آية واحدة تتكلم عن الجنة . في عهد موسى وداوود وسليمان عليهم الصلاة والسلام كان اليهود لا يؤمنون بوجود الجنة او النار ، الله عز وجل هو الذي فرضه عليهم هذا الإعتقاد . فكانت تعاليم الله في ذلك الوقت أن جزاء المؤمنين بالله وبتعاليمه هو أن يبارك بشعبهم وأرضهم ، وجزاء الإبتعاد عنه وعن تعاليمه هو بلاءهم وشقاءهم كشعب . اليهودي المؤمن كان يقضي طوال حياته يعبد الله ويفعل كل ما يأمره به ويساعد الجميع من حوله وقد يضحي بنفسه من أجل شعبه ودينه وإيمانه رغم أنه كان يعلم تماما بأنه عندما يموت سينتهي كل شيء ، أي لا يوجد لا جنة ولا جهنم ، وأن كل ما فعله في حياته لن يفيده بشيء بعد مماته ، وأن الله لن يكافئه على شيء ، ولكن الله فقط سيبارك ابنائه واحفاده وشعبه وبلاده . رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنَّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق) ، جزء من مكارم الأخلاق هذه كانت عند اليهود المؤمنين الذين كانوا يضحون بسعادتهم وأنفسهم من أجل سعادة شعبهم لا لكي يذهبوا إلى الجنة . لذلك وجب على المسلمين أن يأخذوا منهم أيضا هذا السلوك ، فالمسلم الذي يضع هدفه الأول في الحياة سعادة أمته ، هو عند ربه أفضل بكثير من المسلم الذي وضع هدفه الأول دخول الجنة ، فهذا الهدف فيه شيء من الأنانية لأنه يعبر عن مصلحة شخصية ، أما المسلم الأول فهو يريد خير المصلحة العامة لأمته . الحديث الشريف يذكر (أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس).
الإنسان المؤمن الذي فُرض عليه (العمل الصالح) كركن من أركان الإيمان هو الذي يتألم بسبب ( انتحار سارة) فيشعر وكأن هذه الفتاة هي أخته أو ابنته لأن المؤمن الحقيقي هو الذي يشعر في داخله أن الإنسانية بأكملها هي عائلة واحدة وجميع أفرادها هم أخوته من ( آدم وحواء) فالآية (٣٢) من سورة المائدة ، تذكر (.....مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.....) . فتأثر المؤمن بانتحار أحد أفراد هذه العائلة الكبيرة سيدفعه في البحث عن جذور المشكلة ليمنع حدوث مثل هذه الجريمة مرة أخرى لكي لا تخسر الإنسانية أخا آخر تنتهي حياته بالفشل في تأدية دوره في الحياة وبالتالي دوره في تطور الإنسانية ، في كل إنسان مهما كان له دور في هذا التطوير .
المشكلة الكبرى كانت في طريقة تعامل المسلمين مع هذه الحادثة ، و نوعية آراء النساء فيها . فأن لا يتأثر الرجال كثيرا بهذه الحادثة فهو شيء قبيح ، ولكن أن يكون تأثر النساء بنفس نوعية تأثر الرجال ، فهو ليس قبيحا فقط ولكنه جريمة بحق الإنسانية ، لأن من طبيعة الرجل أن يكون تأثره بما يحصل لأبنائه أقوى بكثير من تأثره لأبناء الآخرين لأن الرجل يشعر بالعاطفة الأبوية فقط عندما يُنجب ويرى أطفاله، أما المرأة فبطبيعتها كما خلقها الله أنها تشعر بآلام الآخرين بشكل أكثر من الرجال ، لأن المرأة تشعر بعاطفة الأمومة منذ طفولتها . فأن تقوم إمرأة تحمل شهادة من كلية الشريعة الإسلامية وتناقش في قناتها موضوع ( هل تجوز الرحمة على سارة أم لا) وتؤكد بأن سارة في النار من خلال تقديم إثباتات من الآيات القرآنية ، فهذا لا يدل سوى على أننا نعيش في عصر تم فيه تشويه التكوين الروحي للمرأة وأصبح مشابه تماما للتكوين الروحي للرجل ، فهذا النوع من التشويه في التكوين الروحي هو السبب الأول الذي يدفع لظهور المثلية في المجتمع . فنوعية تفكير هذه المرأة التي تحمل شهادة الشريعة الإسلامية وتنظر إلى الأمور وتحللها وكأنها تحمل عقل رجل ، هي التي فعليا تساهم في انتشار المثلية في المجتمع رغم أنها ظاهريا تبدو للجميع وكأنها تهاجم المثلية ، ف(سارة حجازي) كانت شاذة جنسيا ، ولكن المرأة التي درست في كلية الشريعة في جامعة الأزهر أو غيرها ، هي أيضا شاذة ولكن شذوذها من نوع آخر وهو (شذوذ فكري) والشذوذ الفكري هو أسوأ بكثير من الشذوذ الجنسي ، لأن الشذوذ الفكري يفتح أبواب جميع أنواع الشذوذ على مصراعيها ، فتحول ( سارة حجازي) من فتاة طبيعية إلى فتاة مثلية في الحقيقة سببه الأول هو الشذوذ الفكري . فالآية القرآنية تذكر (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ، فالخلق يبدأ بذكر و أنثى ، فهذا الإختلاف في التكوين الجسدي والتكوين الروحي بين الذكر والأنثى هو الذي أدى تنوع الشعوب والمعارف ، لهذا فإن تحويل طبيعة الفكر الأنثوي إلى فكر ذكوري يعني تدمير هذا التنوع الفكري .
الإسلام ومعظم الديانات العالمية حرمت على المرأة أن تقوم بدور الإمام في المسجد أو الكنيسة أو دور العبادة الاخرى ، ليس لأنها أقل مكانة عند الله من الرجل ، ولكن لأن دور الرجل هو أن يوحد أفراد الأمة الواحدة ، أما دور المرأة الحقيقي فهو أن تجمع وتقارب بين نفوس أفراد جميع الأمم . ولهذا الحديث الشريف يذكر ( الجنة تحت أقدام الأمهات) وليس تحت أقدام الرجال .لأن أبناء آدم وحواء هم الإنسانية بأكملها وليس أبناء أمة واحدة فقط .
شيخ مسلم آخر ، سأله العديد من متابعي قناته ، عن الفكرة نفسها ( هل تجوز الرحمة على سارة ، أم لا). فأجابهم بمقطع فيديو عنوانه ( هناك درس أكبر في انتحار سارة) ، وكان هذا الدرس هو : أن سارة هربت من أمة اسلامية تطبق تعاليم الدين الإسلامي، إلى أمة كافرة ، فكانت النتيجة الحتمية لسلوكها هذا هو ( الإنتحار) .
للأسف ، إن رأي هذا الشيخ المتخصص بعلوم الشريعة الإسلامية ، مثل رأي وكيل النيابة الذي يريد أن يضع سبب وقوع الجريمة على المجرم فقط ، لكي يبقى الناس في عمى بصيرتهم فلا يعلمون شيئا عن فساد البيئة الروحية للمجتمع الذي أدى إلى ظهور المثلية . فهذه الفتاة ( سارة) هربت من مجتمع يظن أنه يتبع بسلوكه تعاليم الدين الإسلامي، ولكن في الحقيقة سارة منذ طفولتها لم ترى دين محمد صلى الله عليه وسلم في مجتمعها ، ولكنها رأت دينا آخر يناقض تكوينها الروحي ، فالحديث الشريف يذكر (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) نحن اليوم نعيش هذه الفترة التي أصبح فيها دين محمد صلى الله عليه وسلم دينا غريبا على المسلمين .
إن رأي هذا الشيخ الذي يرى أن (هناك درس أكبر في انتحار سارة) ، يبدو وكأنه يعيش في كوكب آخر لا يرى أن الأمة العربية وصلت اليوم إلى أسفل السافلين في جميع النواحي الإقتصادية والسياسية والدينية ، فيكفي أن ينظر المرء إلى وضع الأمة العربية وما يحدث فيها من عداوة وحروب أهلية وظلم وتعصب ديني ومذهبي وسياسي ، حتى يعلم أن هذه الأمة العربية قد وصلت إلى حالة وكأن الشيطان نفسه يحكمها . فالأمة العربية اليوم تتألف من العديد من الفئات، حيث كل فئة تريد أن تنهش بلحم الفئة الأخرى ، ورجال الدين بدلا من أن يحكموا على الأمور بالعدل ليوحدوا بين هذه الفئات المتنازعة ، نراهم قد أصبحوا جزء من هذه الفتنة ، حيث كل واحد منهم أصبح يستخدم النصوص الدينية ليؤيد الفرقة التي ينتمي إليها ، وليظهر الفئات الأخرى على انها في ضلال مبين . يقول الله تعـالى في الآية /١١/ من سـورة الرعـد (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) . إن حال الأمة العربية اليوم يوضح تماما ما في داخل نفوس أفراد الأمة العربية من انحطاط روحي ، والمسؤول الأول عن هذا الانحطاط في أفراد الشعوب العربية هم رجال الدين والفلاسفة والفنانين ، الذين صنعوا دينا غريبا عن دين محمد صلى الله عليه وسلم ، دين متخلف يعتمد على الآيات المتشبهات وكأنها أساس الإسلام ، أما الآيات المحكمات فأصبحت آيات ثانوية لا أهمية لها . لهذا أصبح الهدف الأول لكل مسلم هو (عبادة الله) ليضمن لنفسه مكانا في الجنة ، أم ( العمل الصالح) الذي يهتم بمصير الآخرين ومصير الأمة بأكملها فلم يعد لها أهمية عند المسلمين .
معظم الديانات العالمية تحرم الشذوذ الجنسي وتعتبره عملا من أعمال الشيطان ، ولا يوجد ديانة عالمية تبارك به . فقصة لوط عليه السلام وعقاب الله الذي حل بقومه بسبب الشذوذ الجنسي مذكورة في الديانات السماوية الثلاث . وسفر لاويين عند اليهود ، الآية /١٣/ من الإصحاح /٢٠/ تؤكد ذلك حيث تذكر (إذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعلا رجسا كلاهما أنهما يقتلان دمهما عليهما ) ، وكذلك عند المسيحيين ، في رسالة كورينثوس الأولى ، الإصحاح /٦/ الآيات /٩-١٠/ تذكر (لا تضلوا.. لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور) ، وفي القرآن الكريم في سورة النمل ، الآية /٥٥/ عن قوم لوط ( أئنكم لتأْتونَ الرجال شهوة من دون النساء، بل أَنتم قوم تجهلون) . فأن نبرر الشذوذ الجنسي وكأنه حالة مرتبطة بهرمونات معينة أصلها منشأ طبيعي جسدي ، فهو نوع من محاولة تشويه القانون الكوني . فالحقيقة هي أن الشذوذ الجنسي ليس إلا نتيجة تشويه البيئة الروحية للمجتمع ، وهذا التشويه مسؤول عنه الفلاسفة وعلماء الدين وكل من يعمل في الفن بجميع أنواعه . فعندما يتحول شخص ما إلى شاذ جنسيا ، الله عز وجل لن يحاسب فقط هذا الشخص على شذوذه جنسيا ولكن سيحاسب معه جميع هؤلاء الذين ساهموا في صنع مجتمع يعاني من انحطاط روحي . فظهور الشذوذ الجنسي في المجتمع في الحقيقة ليس إلا علامة روحية تؤكد على ارتفاع نسبة عمى البصيرة في المجتمع . فعمى البصيرة يعني أن الرؤية المادية هي التي أصبحت تسيطر على سلوك أفراد المجتمع ، وكما ذكرنا في مقالات ماضية ، أن الرؤية المادية تنمي حب الذات ، وحب الذات بدوره سينمي الشعور بالتعصب بجميع أنواعه : ديني ، مذهبي ، سياسي ، رياضي ... إلخ ، والذي ستكون نتيجته في النهاية تمزيق الروابط الإنسانية ، ومن هذه الروابط هي الرابطة الروحية بين الرجل والمرأة (الذكر والإنثى)، حيث يتلاشى عندها الإحساس الروحي بالجنس الآخر ، ويتحول هذا الإحساس إلى إحساس مادي جسدي ، وعندها تصبح جميع الفروقات الجسدية بين الرجل والمرأة مجرد فروقات لا تؤثر على المتعة في الممارسة الجنسية . فالشذوذ الجنسي في الحقيقة ليس إلا نوع من أنواع مظاهر التعصب ، فبسبب سيطرة حب الذات على سلوك الإنسان ، تجعل فئة معينة من الناس تشعر بالانجذاب إلى الجسد الذي يشبهها وليس المختلف عنها ، الشعور بالأنانية هذه تجعل هدفها متعة بلا عطاء ،أي ممارسة الجنس من أجل المتعة الجنسية ، بعكس العلاقة الروحية التي هدفها المتعة وكذلك إنجاب فرد جديد في المجتمع لضمان استمرار الإنسانية وبالتالي التنوع الفكري .
فالعَلم الذي يمثل شعار المثلية ويتألف من ألوان قوس قزح ، قد يبدو للمثليين أنه يرمز للحرية الشخصية ، ولكنه في الحقيقة يرمز إلى تحطيم الروابط التي توحد التنوع في الفكر العالمي ، فألوان قوس قزح هي في الحقيقة عبارة عن تحطيم اللون الأبيض الذي يمثل وحدة التنوع الفكري إلى ألوانه الرئيسية والثانوية . فيصبح كل لون منه يرمز إلى نوع من أنواع التعصب وليس التنوع . فحتى يتطور المجتمع إلى الأمام يحتاج التعاون بين جميع المعارف العلمية المتنوعة: علوم دين ، فن ، اجتماع ، رياضيات ، هندسة ، طب ، فيزياء ... إلخ ، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بالتعاون بين الرؤية الروحية (الإنثوية) والرؤية المادية (الذكورية) . أما عندما تعمل هذه العلوم كل واحدة منها لوحدها بسبب سيطرة الرؤية المادية على البحث العلمي ، عندها تتحول هذه الأبحاث إلى أبحاث تعتمد مبدأ ( العلم للعلم وليس لخدمة الإنسان) . ولهذا نجد أن تعليق داء الإفتاء المصرية على انتحار (سارة حجازي) كان بالشكل التالي : ( الانتحار كبيرة من الكبائر وجريمة في حق النفس والشرع . والمنتحر ليس بكافر . لا ينبغي التقليل من ذنب هذا الجرم ، أو خلق حالة من التعاطف مع هذا الأمر . يجب التعامل مع الانتحار على أنه مرض نفسي يمكن علاجه من خلال المتخصصين) . إن رأي دار الأفتاء المصرية هذا ، لا يدل سوى على عمى البصيرة التي يعاني منها علماء الدين اليوم ، فهذا الرأي ليس إلا دليل على جهل علماء الدين بما يحصل في المجتمع ، ومحاولة التهرب من المسؤولية ، فلو كان الشذوذ الجنسي أصله حقا مرض نفسي ، لكان من العدل أن يرسل الله إلى قوم لوط طبيب نفسي ليصلح نوعية شهوتهم الجنسية ، ولكن الله أرسل ملائكة لتدمر مجتمع قوم لوط بأكمله ، والسبب هو أن التكوين الروحي في جميع أفراد هذا المجتمع كانوا يعانون من عمى البصيرة ، ولهذا لم يستوعب أحد منهم نصائح لوط لهم ، لأن التعصب بجميع أنواعه كان يسيطر على مجتمع قوم لوط بأكمله . فذكر الشذوذ الجنسي في الكتب المقدسة ، ليس له هذا المعنى السطحي الذي يفسره علماء الدين ، ولكن هو حكمة إلهية تساعدنا في فهم أن ظهور المثلية وانتشارها هو عبارة عن إنذار له معنى أن المجتمع أصبح يعاني من عمى البصيرة .
إذا تمعنا جيدا في تطور سلوك (سارة حجازي) من خلال أحداث حياتها وتسلسل منشوراتها في الفيس بوك ، سنجد أنها كانت فتاة متمردة ، روحها كانت تشعر بأن طبيعة النظام الإجتماعي من حولها يتناقض مع تكوينها الروحي كأنثى ، فهي لم تفهم عقليا سبب وجود هذا التناقض ، ولكن الحقيقة أن هذا التناقض كان سببه أن الإنسانية قد دخلت في مرحلة جديدة من تطورها ، مرحلة سن الرشد الروحي ، ووجب على النظام الإجتماعي أن يتغير ليناسب طبيعة التكوين الروحي لأبناء هذا العصر . فقد حان الوقت لتأخذ المرأة مكانتها ودورها في المشاركة لبناء مجتمع إنساني من جميع نواحيه . هكذا شعرت روح سارة وهكذا تشعر روح معظم نساء العالم اليوم . ولكن ما يحدث في الواقع اليوم مختلف تماما ، لهذا سارة شعرت بصدمة مما رأته من حولها ، فوجدت نفسها تعيش في مجتمع ذكوري ينظر إلى المرأة على أنها من الدرجة الثانية ، ولا يسمح لها أن تعبر علنا عما يحدث في داخلها من إنفعالات وردود فعل على ما تراه من ظلم في حق المرأة . وكونها كانت فتاة بشخصية قوية لم تقبل على نفسها أن تعيش على هامش الحياة ، فقررت تحدي هذه الظروف التي تعيق تحقيق أحلامها . وشاءت الظروف أن يتوفى والدها وثم رأت أمها تتزوج من رجل آخر ، فوجدت نفسها مسؤولة على تربية أخواتها الصغار الواتي كن جميعهن أناث أيضا . فشعرت أن القدر قد سلب منها تلك القوة التي كانت تساندها في تحقيق أحلامها ، وأن الظروف تقف لها بالمرصاد لتبقى على هامش الحياة . فهي تقول في احدى منشوراتها على الفيس بوك (إن حياتنا مليئة بالشكوك والحماس . لقد فقدنا السند على هذه الأرض . كالأب مثلا - الذي فقدته أنا يوما ،وكالأم التي طالما لم اعرف أو أفهم منها معنى الأمومة رغم وجودها .... اصبحنا نستلذ الوحدة ، وضحية هذه الوحدة سنكون نحن فقط . نحن ضحايا الوحدة الموحشة الذي سببها لنا المجتمع ....) . ولكن كون روحها تشعر أن الإنسانية قد وصلت إلى سن الرشد الروحي ، والإنسان في هذه المرحلة يجب أن يعتمد على نفسه ، قررت سارة التمرد على الظروف . فراحت تبحث بين أسطر الكتب لتكتسب قوة فكرية تساعدها في مواجهة أولئك الذين يسيطرون على عجلة قيادة المجتمع الذكوري ، فشعرت روحها أن رجال الدين يلعبون دور كبير في منع تحويل المجتمع من مجتمع ذكوري إلى مجتمع شامل يديره الرجل والمرأة معا ، هذا الشعور جعلها تتمعن في تفسيرات علماء الدين لآيات القرآن وكأنها تفرض على المرأة أن تتقبل هذا النظام الإجتماعي الذكوري بدون أي نقاش لأنه من عند الله ، فشعرت أن هذا الإله إله ظالم وضع شريعة تناقض التكوين الروحي للمراة . فرفضت هذه التعاليم وتمردت عليه وخلعت الحجاب . وراحت تبحث في كتب العلمانيين التي تتكلم عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان ، تلك الحقوق التي لم تشعر سارة بوجودها في المجتمع الذي تعيش به. فنراها تكتب في منشور لها بعنوان " أين الله"، حيث تخاطب الله عز وجل وتقول له (أنا أتخذ الأمور بجدية مفرطة ، أبحث عنك كثيرا .....ثم تتابع في مقطع آخر : الأمور لدي ليست كما تبدو للبشرية ، فأنا فتاة صعلوكة ، المجد للصعاليك ، من رفضوا السلطة ومن أحبوا الصمت والحياة واعتنقوا الإنسانية دينا) .
حتى نفهم جيدا سلوك سارة حجازي المتمرد ، يجب أن نعلم أن الإنسانية كما خلقها الله ، تتألف من عدة فئات من الناس (التنوع) حيث كل فئة لها دورها الخاص في تأمين نوع معين من حاجات المجتمع ، حيث تعاون جميع هذه الفئات معا يؤمن للمجتمع جميع حاجاته الروحية والمادية ، فهناك فئة وهبها الله مثلا مقدرة في التمعن وفهم الطبيعة المادية للأشياء ، فنجدها تختار مهنة الفيزياء أو الكيمياء لتعمل فيها ، وهناك فئة أخرى لديها مقدرة في فهم التعبير الروحي للأشياء فتختار الفن كمهنة لها ،وفئة أخرى لها المقدرة الشعور بحقوق الإنسان فختار مهنة المحاماة ..... و هكذا .... سارة حجازي كانت من تلك الفئة التي تشعر بأن دورها في الحياة هو تأمين الحاجات الروحية للمجتمع . ومن يبحث جيدا في أهم المشاكل النفسية التي يعاني منها الأطفال في العصر الحديث ، يجد أن علماء النفس في العقود الأخيرة قد وجدوا أن هناك فئة من الأطفال تعاني من الوحدة والإنعزالية عن الآخرين ، وعندما بحثوا في طبيعة هؤلاء الأطفال، وجدوا فيهم نمو روحي أرقى من بقية الأطفال ، ولكن البيئة الروحية التي تحيط بهم والتي أصبحت بيئة مادية فقيرة روحيا ، لم تعد تسمح لهم بالتعبير عن أحاسيسهم الروحية ليثبتوا وجودهم بين الأطفال الآخرين ، بحيث جعلت هؤلاء الأطفال يشعرون وكأنهم غرباء عن هذا المجتمع ، أو أن المجتمع نفسه أصبح يرفض وجودهم ولا يهتم بإحاسيسهم . هذا النوع من الأطفال تم تسميتهم بعلم النفس ( فئة إندينغو) أو ( النيليون : من اللون النيلي ) فهؤلاء الأطفال يولدون بروحية (محارب) تسعى إلى التغيير الروحي للمجتمع وتجديده من الأنظمة القديمة التي تشل حركة المجتمع في التطور نحو عالم أفضل . ولكن الذي يحصل في الواقع أن بعض أطفال إندينغو وبسبب ضعف حالتهم الإجتماعية قد يشعروا بخيبة أمل منذ بداية حياته فيفضلون الوحدة والإنعزال عن الناس ويسلمون أمرهم لله ، ولكن بعضهم إذا واجهوا صعوبات شديدة من حولهم لتمنعهم من تأدية دورهم ، عندها يدخلون في تحدي مع قادة نظام المجتمع حتى الموت . النصوص الدينية ذكرت العديد من شخصيات هذه الفئة ، منهم (شمشون) المذكور في سفر القضاة ، والذي دمر المبنى فوقه وفوق أعدائه قائلا (لِتَمُتْ نَفْسِي مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ) المعروف بالعبارة ( عليَّ وعلى أعدائي) . أيضا المهدي المذكور في الأحاديث الشريفة ، الذي سيعتزل الناس ويفضل الوحدة ، ولكن الله سيمده بالقوة ليقوم بدوره في تصحيح الأمور .
من يتمعن في منشورات سارة حجازي ، سيرى أنها كانت من فئة إندينغو التي دخلت في تحدي حتى الموت ، لهذا كانت سارة في داخلها أثناء نموها وتكوين شخصيتها تعيش حالة توتر روحي فظيعة مما تراه يحدث حولها بحيث جعل ردود أفعالها قاسية جدا وخاصة على رجال الدين ، فهي كانت في أعماقها تؤمن بوجود الله ، ولكن عقليا كانت ترفض تعاليمه كما فسرها علماء الدين ، فهي من خلال ما رأته في سلوكهم وتفسيراتهم للشريعة الإسلامية، كان هذا الإله بالنسبة لها إله ظالم . فما هو شعور المرأة عندما ترى رجل مسلم متدين يحمل دكتوراه في علم الإجتماع يعرض فيديو بعنوان (كيف تضرب زوجتك بالشكل الصحيح) ؟ وما هو شعور المرأة عندما ترى أن المحكمة القضائية تغض الطرف عن قانون تعدد الزوجات ، فتسمح لكل رجل أن يتزوج أربع نساء دون أي شروط ودون أن تستطيع الزوجة الأولى أن تطالب بحقها . هناك أمثلة كثيرة من هذا النوع في ظلم المرأة رأتها سارة جعل تمردها قاسيا على نظام المجتمع العربي الذكوري .
إيمان سارة بوجود الله روحيا ، والظلم الذي يحصل بإسمه في حقوق المرأة ، جعلها تشعر بتناقض ما بين شعورها الروحي وتفكيرها العقلي ، هذا التناقض أحدث خللا في توازنها الروحي ، فمن جهة أرادت أن تشعر أنها تمتلك صفات القوة لتحقق أهدافها في المجتمع الذكوري ، ومن جهة أخرى كانت تحتقر القوة الرجولية تلك التي تجعل من الرجال يستعبدون المرأة . هذه الشخصية الجديدة التي حاولت أن تظهر بها أمام الآخرين ، عبرت عنها بمشاركتها في تأسيس حزب (العيش والحرية) ومشاركتها أيضا في المظاهرات التي كانت تخرج فيها ضد قوانين المجتمع المصري ، وضد قوانين المجتمع العربي بأكمله .
أحد ردود فعل سارة في تمردها على المجتمع الذكوري كان أن تعلن تحولها إلى المثلية كسلوك لا شعوري يعبر عن سيطرة التعصب الأعمى على المجتمع الذي تعيش فيه . فالذي حصل أن في عام ٢٠١٧ شاركت سارة في حفلة موسيقية عامة ورفعت علم الوان قوس قزح ( شعار المثلية) ، فتم اعتقالها بتهمة ترويج (الفكر المنحرف) ووضعت في السجن لمدة ثلاثة أشهر ثم أفرج عنها بكفالة ،ولكن بسبب التعذيب الذي عانت منه في السجن كمحاولة ترهيبها وتحطيم ثقتها بنفسها أدى إلى وقوعها في حالة اضطراب نفسي ، دفعها إلى السفر إلى كندا ليتم علاجها ، وهناك عاشت فيها كلاجئة .
في كندا ، حاولت سارة أن تنتقم من جميع من كانوا سببا في تحطيم ثقتها في نفسها ، مستخدمة السخرية والشتائم من النظام الديني والإجتماعي والسياسي الذي كانت تعيشه في مصر . وبعد أن هدأت روحها مما عانته هناك ، حاولت سارة أن تعيش حياة جديدة تحقق فيها أحلامها ، ولكن رغم الحرية المطلقة التي وجدتها في كندا ، ورغم محاولتها في ممارسة هذه الحرية لتعيد إلى أعماقها ذلك التوازن الروحي لتحقق أهدافها في الحياة ، ظلت سارة تعاني من اضطراب روحي ولكن من نوع آخر ، فروحها شعرت أنها هربت من عالم مظلم ، إلى عالم آخر معتقدة أنه عالم نور ، ولكنها وجدت أن عالم الحرية المطلقة في كندا ليس عالم نور كما كانت تظن ، فهو أيضا عالم مظلم ولكن ظلامه من نوع مختلف ، هذا الشعور بخيبة الأمل ، بأنها لن تجد عالم النور الذي تبحث عنه الذي يلائم تكوينها الروحي كما شعرت وهي طفلة والذي من أجله رسمت أحلامها ، حيث وجدت نفسها في هذا العالم الجديد عالم الحرية المطلقة قد ساعد في تشويه تكوينها ، فشعرت أنها تعيش بفكر رجل في جسد آمرأة . هذا التناقض الجديد الذي شعرت به سارة جعلها ترفض وجودها في هذا العالم بأكملها ، وأن صراعها ضد التخلف الروحي لم يكن سوى حلم طفلة أرادت أن تلعب دورها كأمرأة في تطوير المجتمع الإنساني ، ولكن كل شيء من حولها سواء في بلدها أو في كندا كان يقف ضدها ولكن بأساليب مختلفة ، لهذا فضلت سارة أن تذهب إلى عالم آخر ، إلى عالم السماء لتلتقي بالله الخالق لتشكو له عن ظلم قوانينه التي لم تسمح لها أن تعيش كإمرأة في سن الرشد الروحي تستطيع به أن تلعب دورها في الحياة . فنراها تكتب في رسالتها الأخيرة قبل انتحارها :
" إلى أخوتي
حاولت النجاة وفشلت ، سامحوني .
إلى أصدقائي
التجربة قاسية وأنا أضعف من أن أقاومها ، سامحوني .
إلى العالم
كنت قاسيا إلى حد عظيم ! ولكني اسامح ."
إذا تمعنا جيدا في طريقة والكلمات التي اختارتها في كتابة هذه الرسالة ، نستطيع تحليل أحاسيسها التي كانت تعيشها في الدقائق الأخيرة من حياتها . فنجد أنها كانت في حالة من الهدوء الروحي وكأنها واثقة بأن المكان الذي ستذهب إليه هو أفضل بكثير من هذا العالم الذي كانت تعيشه ، وهناك سينتهي هذا الصراع الروحي في داخلها الذي كانت تعيشه ، فهي كتبت رسالتها وكأنها تكتب قصيدة نثرية ، في البداية تخاطب أقرب الناس إليها ( إلى أخوتي) ، ثم تخاطب الناس الذين عاشت برفقتهم (إلى أصدقائي) ، ثم تخاطب الإنسانية بأكملها (إلى العالم) ، هذا التسلسل الذي استخدمته ، يعبر عن تطور مفهوم وجودها في الحياة كأمرأة ، فهي في البداية حاولت أن تساهم في مساعدة أقرب الناس إليها أخواتها الأناث ، ثم تطورت لتساهم في مساعدة الناس من حولها (أصدقائها) ، وعندما وصلت سن الرشد وأرادت أن تساهم في مساعدة الإنسانية (العالم) ، قوانين العصر الحديث وقفت في وجهها ومنعتها أن تثبت وجودها كإمرأة راشدة . ولكن رغم أن هذه القوانين وقفت ضدها وأجبرتها على تشويه تكوينها كأمرأة ليجعل منها مثلية إمرأة شاذة جنسيا ، سارة لم تستلم لقادة هذا العالم لتسير مع التيار الذي فرضوها عليها وعلى مجتمع العصر الحديث ، لهذا فضلت أن تنتحر بدلا من الإستمرار في هذا التشويه . لهذا نجد سارة تذكر فعل (يسامح) ثلاث مرات (سامحوني، سامحوني ، اسامح) ، وكأنها باختيارها لهذه الكلمة ، تقول لجميع القادة الذين صنعوا هذا العصر المليء بالعدوانية والشذوذ : صحيح أنني هُزمت ، ولكنكم لم تستطيعوا أن تفرضوا علي متابعة السير في تياركم الذي فرضتموه على العالم باكمله ، فهأنا أقتل نفسي الشاذة ، وأسامح جميع من ظلمني .
ختاما لهذه المأساة ، مأساة سارة حجازي ، أقول : وفاة سارة كان له شكل انتحار ، ولكنه في الحقيقة ، كان صوت إنذار يصعق آذان كل عالم يؤمن بالله ويؤمن أنه فرد في عائلة اسمها ( الإنسانية). سارة كطفلة حلمت بتجديد نظام المجتمع وكان هدفها نبيل يرضي الله ، ولكن الفساد الروحي في المجتمع استطاع أن يخدعها ويشوه اسلوبها في تحقيق هدفها النبيل ليتحول إلى هدف غير نبيل ، وهي بوفاتها التي أحدثت ضجة في وسائل التواصل الاجتماعي ، أرادت أن تقول لنا أنه هناك مئات الملايين من النساء اللواتي روحهن تشعر بظلم المجتمع الذكوري الذي يحكم جميع شعوب العالم ، وأنه على جميع العلماء بكافة أنواع علومهم ، من علماء الدين وحتى علماء الفيزياء الكونية ، أن يفهموا ويشعروا أن التكوين الروحي للمرأة في العصر الحديث مختلف كثيرا عن تكوين المرأة في العصور الماضية ، الله عز وجل هكذا خلقها ، ومن حقها أن تحافظ على هذا التكوين في أنقى أشكاله لتستطيع كل إمرأة أن تشعر بوجودها كأمرأة وككائن فعال يشارك في إدارة المجتمع بجانب الرجل ....
وأقول أيضا لجميع رجال الدين الذين تكلموا بسوء وحقد على سارة : لا تنظروا إلى سارة المشوهة فقط ، إنظروا أيضا إلى سارة الطفلة التي شعرت بظلمكم لها كأنثى ، فسارة لم تتمرد على دين محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنها تمردت على هذا الدين الذي صنعتموه أنتم ، الذي مزق الأمة العربية إلى فئات متعادية وجعلها وكأنها ( الأخوة الأعداء) ، سارة هاجمت عقولكم الفاسدة التي جعلت من دين الإسلام اليوم دين فاشل لا يستطيع حل أي مشكلة من مشاكل الأمة العربية . .... إذا كانت سارة قد قتلت نفسها فهي قتلت نفسها الشاذة والله أعلم بها ، أما أنتم فبسلوككم وتفسيراتكم السطحية لآيات القرآن ، ساهمتم في صنع بيئة روحية فاسدة قتلت الملايين من المسلمين وهجرت عشرات الملايين إلى البلدان الغربية التي تقولون عنها أنها بلاد الكفرة . ....... والله أعلم .
ز . سانا
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏نص‏‏‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق