الأربعاء، 16 سبتمبر 2020

الخاطرة ٢٥٦ : أمريكا والسيطرة على الاقتصاد العالمي.

 خواطر من الكون المجاور الخاطرة

الخاطرة ٢٥٦ : أمريكا والسيطرة على الاقتصاد العالمي.
ربما اليوم الجميع يعلم أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة ، قلما تتدخل عسكريا لتحقيق أهدافها في أي منطقة من بقاع العالم ، وأنها قد غيرت أسلوبها من التدخل العسكري إلى التدخل الاقتصادي والذي البعض يسميه بـ( التدخل الناعم) . فأمريكا بعد تجربتها في فيتنام وأفغانستان والعراق ، بدأت تعلم أن التدخل العسكري يكلفها مبالغ طائلة من دون أن يعطي النتائج التي تصبو لها ، وخاصة تلك الخسائر البشرية في الجيش الأمريكي الذي يسبب لها مشاكل عديدة في معظم الأوقات من داخل شعبها نفسه .
قد يتساءل البعض ، كيف تستطيع أمريكا وحدها أن تفرض على دول العالم بأكمله تلك العقوبات ، ولا يستطيع أحد أن يعارضها ، لا الصين ولا روسيا ، حتى دول الاتحاد الأوروبي نجدها توافق تماما على فرض تلك العقوبات بدون أن ترفع صوتها لتثبت وجودها كإتحاد أوربي يتألف من عدة دول عظمى ، لتُظهر لشعوبها على الأقل بأنها ذات سلطة ذاتية لها رأيها الخاص بها في كل شاردة وواردة .
إن موضوع ( سيطرة أمريكا على الإقتصاد العالمي ) كَتبت عنه آلاف الصحف ، من سياسيين وإقتصاديين وغير ذلك . ولكن الجميع وللأسف يتكلمون عن الموضوع بزاوية ضيقة تعتمد مبدأ ( العلم للعلم) ، مما تجعل القارئ في الأخير يكتسب ثقافة سطحية لا تفيد بشيء في فهم مضمون الموضوع الذي هو أصل المشكلة . فمن العار أن تتخذ دولة واحدة قرار بحق دولة معينة وتجبر العالم بأكمله على تنفيذه ، ولا سيما إذا كان هذا القرار ظالم يحقق نتائج وخيمة على شعب الدولة المقصودة . فأين هو دور منظمة الأمم المتحدة هنا ، ودور المحكمة الدولية ، وغيرها من المنظمات العالمية الإنسانية ؟
لهذا في هذه المقالة سنتكلم عن الموضوع برؤية شاملة تسمح لنا برؤية مضمونه ورؤية تلك الأسباب العميقة التي سمحت بظهور مثل هذا النظام العالمي .
في مقالات ماضية تكلمنا عن شكل خريطة القارة الأمريكية (الشمالية والجنوبية) وقلنا بأن شكلها يشبه الحشرة التي لها شكل رمز أعور الدجال (666) ، وأن هذه القارة هي رمز روح السوء ، ولهذا نجد أن جميع الحضارات القديمة في هذه القارة ، كانت عبارة عن تقليد سلبي للحضارات العالمية المعروفة والتي ساهمت في تطور الإنسانية ، فكل النتائج الإيجابية التي حققتها الحضارات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط والهند والصين وأوروبا ، نجد ما يشابهها في القارة الأمريكية ولكن بصورة سلبية لا فائدة لها في التطور الروحي للإنسانية، فالحضارات الأمريكية القديمة لم تقدم أي شيء جديد للإنسانية ، ومن يتمعن جيدا في تفاصيل هذه الحضارات سيجد أنه رغم أنها حاولت استخدام العلوم ولكن من حيث تطبيقها كانت بنوعية تتصف بالوحشية والهمجية . لهذا كان هدف ذهاب الأوربيين في عصر النهضة إلى هذه القارة هو الإنتصار على روح السوء فيها ، لتصبح هذه القارة تحت سيطرة روح الخير الموجودة في القارات الأخرى ، لتسير هذه القارة على نهج روح الخير وليس على نهج روح السوء الذي سيطر على شعوب هذه القارة .
في المقالة الماضية أيضا تكلمنا عما حصل في أمريكا من حروب بين الجيوش الأوروبية وجيوش الأمبراطورية البريطانية التي كانت تسيطر على المنطقة ، وكيف استطاعت هذه الجيوش في الأخير على يد جورج واشنطن تكوين دولة الولايات المتحدة الأمريكية المستقلة ، وكيف حاول الرئيس ابراهام لينكولن وضع دستور يحفظ حقوق الإنسان والمساواة بين أفراد الشعب . فما حصل في ذلك الوقت في الحقيقة ، كان عبارة عن تكوين دولة رمزية تعبر عن اتحاد الشعوب العالمية في القارة الأمريكية لإنقاذ هذه القارة من أتباع روح السوء (666) . ولكن الذي حصل أن روح السوء ظهرت في أوروبا بشكل خفي مغلف بأراء فلسفية مزيفة تدعي بأنها تحقق العدالة الاجتماعية في أحسن أشكالها. ونقصد هنا الفكر الماركسي . فكان المخطط الإلهي أن تظهر في النصف الثاني من القرن العشرين . قوتان عالميتان متضادتان : الأولى تقع في الشرق وهي الإتحاد السوفيتي الشيوعي ، والثانية الولايات المتحدة الأمريكية في الغرب . الأولى كانت تنشر الفكر الإلحادي وتمارس القمع الغير المباشر في إجبار شعوب هذا الاتحاد بتقبل فكرة أن ( الله غير موجود) وتحذف من نفوس أفرادها الإيمان بأي عقيدة دينية أو روحية ، بينما الثانية - الولايات المتحدة الأمريكية - كانت على العكس تماما ، فكان من بداية قيامها كدولة أنها رفعت شعار (بالله نؤمن)(بالإنجليزية: In God We Trust)‏ والذي تم كتابته على عملتها الدولار . فكانت النتيجة أن ينهار الاتحاد السوفيتي بعد حوالي ٧٠ عام ، بينما الولايات المتحدة الأمريكية ورغم مرور ٢٥٠ عام على تأسيسها بدلا من أن تنهار أصبحت أقوى دولة في العالم وبلا أي خصم حقيقي يستطيع مواجهتها بشكل مباشر .
حتى نوضح حقيقة الولايات المتحدة الأمريكية وكيف استطاعت أن تسيطر على الاقتصاد العالمي ، لابد لنا من شرح سلوكها في مراحل تطور نفوذها لنقارنه مع سلوك الاتحاد السوفيتي ، لنأخذ فكرة واضحة عن حقيقة تلك الأسباب التي ساهمت في صعود الولايات المتحدة الأمريكية ، وفي هبوط الإتحاد السوفيتي وانحلاله :
قبل الحرب العالمية الأولى كانت بريطانيا تسيطر على معظم دول العالم فأرادت ألمانيا أن تأخذ هذه السيطرة منها فجمعت جيشها وحاولت إحتلال الدول المجاورة فنشبت الحرب العالمية الاولى . في تلك الفترة كانت الولايات المتحدة الأمريكية رغم أنها تملك إمكانيات اقتصادية هائلة ولكن بسبب بعد المسافة عن العالم والذي جعلها شبه منعزلة عنه لم تسمح لها الظروف بأن تستخدم قوتها الإقتصادية في فرض دورها على التطورات العالمية . ولكن مع نشوب الحرب العالمية الأولى بدأت الظروف تتغير بشكل جذري ، حيث ابتعادها عن هذه الحرب لعب دورا هاما في ظهورها على العالم كقوة آقتصادية هائلة ، فتكاليف الحرب العالمية على الدول المشاركة بها كانت قد دمرت إقتصاد هذه الدول ، فمعظم المناطق الصناعية قد توقفت عن الإنتاج بسبب دمارها ، وملايين الشباب والعمال قُتلوا أو أصبحوا معاقين غير قادرين على العمل . هذه الظروف القاسية التي كانت تعاني منها الدول المشاركة في الحرب ، دفعت جميع هذه الدول إلى طلب المساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية . والتي بدورها رحبت بمساعدتهم ومدتهم بكل ما يطلبونه منها ، من أسلحة وبترول وحتى القمح . فأصبح العالم مدينًا للولايات المتحدة بمليارات الدولارات ، وكان أحد الشروط التي وضعتها أمريكا على الدول الدائنة منها أن يتم دفع الديون بالدولار وليس بالجنيه الاسترليني أو الفرانك الفرنسي ، أو أي عملة أخرى ، فالحرب العالمية الأولى كانت قد أدت إلى انخفاض قيمة العملات الأوروبية وخاصة عملات الدول المهزومة . فسمحت الظروف في تلك الفترة للدولار الأمريكي أن ينازع جميع العملات الأوروبية التي كانت في ذلك الوقت هي المسيطرة على السوق التجارية العالمية .
بعد مرور حوالي عشرين عاما من الحرب العالمية الاولى ، نسى الشعب الألماني ما أصابه من خسائر ودمار ، حيث رأى هتلر زعيم ألمانيا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أصبحت هي المسيطر على إقتصاد العالم فلم يقبل أن تكون ألمانيا تحت هذه السيطرة ، فبدأ يحرض شعبه بالشعور الإشتراكي القومي للدخول في تحدي لهذا النظام العالمي ، فجمع جيشه ليأخذ هو السيطرة على العالم من يد الولايات المتحدة الأمريكية . فاتجه بجيوشه في غزو الدول المجاورة له ، واندلعت الحرب العالمية الثانية.
الولايات المتحدة الأمريكية وقفت في البداية بعيدا عن تلك الحرب العالمية الثانية التي كانت تحصل في القارة الأوروبية ، ولكن اليابان حليفة ألمانيا قامت بشن غارة جوية مباغتة في ٧ ديسمبر ١٩٤١ على الأسطول الأمريكي المتواجد في المحيط الهادئ في بيرل هاربر . وكانت نتيجة الغارة خسائر بشرية عديدة من الأمريكيين . هذه الغارة كانت السبب الأول في ثوران الشعب الامريكي ضد جيوش هتلر وحلفائه ، فقررت الحكومة الأمريكية دخول الحرب لكسر شوكة الزعيم النازي هتلر ، الذى كان فى طريقه للسيطرة على أوروبا بأكملها.
الحرب العالمية الثانية انتهت بخسارة ألمانيا وحلفائها للمرة الثانية . ورغم مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحرب ، ولكن كانت جميع نتائجها تصب في مصلحة أمريكا تماما كما حدث في الحرب العالمية الأولى، فقد شكلت الحرب تحولا هائلا في تاريخ أمريكا حيث تغيرت الأمور بشكل كبير لتدخل أمريكا حقبة جديدة في تاريخها ، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي خرجت منتصرة من الحرب من نواحي عديدة ، فرغم أنها ما قبل الحرب كانت تعاني من كساد اقتصادي ، ولكن مشاركتها في الحرب ساعدها في التغلب على هذا الكساد . ففي عام ١٩٤٨ ، ارتفع إجمالي الانتاج المحلي من ٥٥ مليار دولار ليصل إلى ٢٥٧ مليار . والذي أدى بدوره إلى إرتفاع مستوى المعيشة للمواطن الأمريكي ليصل إلى أعلى معدل مقارنة مع جميع دول العالم ، وكون المواطنين السود كانوا قد شاركوا في هذه الحرب ارتفعت تلك الأصوات التي تطالب بحقوق أفضل للسود ، لتبدأ الخمسينيات مرحلة اجتماعية جديدة تسمح بشكل تدريجي مشاركة جميع المواطنين الأمريكيين في جميع الأنشطة الإجتماعية والسياسية بغض النظر عن عرقيته أو دينه .
قبل أن تخرج الولايات المتّحدة منتصرةً من الحرب العالمية بعامٍ واحد، بدأت تعمل على إنشاء نظامٍ عالمي جديد وبالتالي إنشاء نظام عالمي اقتصادي جديد، تكون الولايات المتّحدة والدولار الأمريكي رأس الهرم فيه. وقد حصل ذلك عن طريق اتفاقية Bretton Woods سنة ١٩٤٤. حضر هذه الاتفاقية ٤٤ دولة من حول العالم ، تمّ فيه توقيع عدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظم التجارة العالمية الدولية بالإضافة إلى تطبيق بعض الشروط والقيود عليها. أهمّ نتائج المؤتمر كان اعتماد الدولار الأمريكي كمرجعٍ رئيسي لتحديد سعر عملات الدول الأخرى ، حيث تم تشكيل نظام الصرف الأجنبي وتشكيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتطوير والتعمير، وكانت هذه الاتفاقية من أهم العوامل التي رسّخت هيمنة الدولار الأمريكي على تعاملات العالم الاقتصادية، حيث أصبحت هذه الدول الـ٤٤ ترجع إلى الدولار الأمريكي كمرجع أساسي لتحديد قيمة عملاتها دوليًا، مما جعل الدولار يأخذ مركز الملك. ومنذ ذلك الوقت أصبح الدولار هو أقوى عملة نقدية في جميع الأسواق التجارية .
فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت الولايات المتّحدة الأمريكية تمتلك ٧٥% من ذهب العالم لوحدها ، وكان الدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة على مستوى العالم المُغطاة بالذهب (بقية الدول تخلّت عن تغطية عملاتها بالذهب بعد حصول تضّخمات في اقتصاداتها)، مما دفع عددًا كبيرًا من دول العالم إلى العمل على تكديس الدولارات الأمريكية بهدف استبدالها بالذهب مستقبلًا كاحتياطي، وصار عدد كبير من هذه الدول يستخدم عملة الدولار كاحتياطي النقد الأجنبي .
ولكن في حرب فيتنام التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية من العام ١٩٥٦ – ١٩٧٥ ، احتاجت الولايات المتّحدة إلى المزيد من الدولارات لتغطية تكاليف الحرب، ولكن الدولارات لم تكفي، لأن الذهب الموجود في الولايات المتحدة (بل والعالم) لم يعد كافيًا ليغطّي الدولار الأمريكي، ولم يعد بالإمكان طباعة المزيد من الدولارات كما كانت العادة ، لأنّ الذهب الموجود لم يعد كافيًا لتغطيتها، وبالتالي قامت الولايات المتّحدة بتجاوز الحد الأعلى المسموح من الدولارات المطبوعة، وقامت بطبع دولارات غير مغطاة بالذهب دون أن تُعلِم أحدًا بذلك. ولكن الخدعة لم تستمر لوقت طويل ، فحصلت الأزمة الكبرى عندما طالب الرئيس الفرنسي تشارل ديغول عام ١٩٧١ بتحويل الدولارات الأمريكية الموجودة لدى البنك المركزي الفرنسي إلى ذهب (طالب بتحويل ١٩١ مليون دولار إلى ما يقابلها من ذهب)، عملًا باتفاقية Bretton Woods التي تسمح بذلك ، فأدّى هذا الأمر إلى عجز الولايات المتّحدة عن تحويل أي دولارات أمريكية إلى الذهب، مما دفع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى إصدار بيان في عام ١٩٧٣ يلغي فيه التزام الولايات المتّحدة بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب، والتي عُرفت لاحقًا باسم Nixon Shock ( صدمة نيكسون) .
كانت الأمور في أمريكا ستسير على أفضل حال للأمريكيين وشعوب العالم أيضا من فترة بعد الحرب العالمية الثانية ، ولكن ظهور الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى تنشر الالحاد ، حاولت فئة سياسية ذات أفكار استعمارية أن تحرض الشعب الأمريكي ( الذي يؤمن بالله) لتتحول أمريكا إلى قوة تستخدم الاسلوب العسكري وليس الاسلوب الحضاري في مواجهة مخطط الاتحاد السوفيتي التوسعي ، فدفع الحكومة الأمريكية إلى ارتكاب العديد من الأخطاء ومنها تورطها في حربها مع فيتنام ، ولكن مع استلام جون كنيدي الحكم حاول تصحيح تلك الأخطاء ليجعل من أمريكا دولة عظمى تدافع عن القيم الإنسانية ومساعدة الدول الضعيفة قائلا (من يجعلون الثورة السلمية مستحيلة يجعلون الثورة العنيفة حتمية)، والتي كانت من أهم شعارات طريقة إدارته للأمور الداخلية والخارجية . ولكن اغتياله على يد المتطرفيين الذي اتهموا أسلوبه السلمي في إدارة الأمور بالضعف ، أدى إلى تغيير مسار وسلوك الحكومة الأمريكية في التعامل مع الآخرين . هذه الفئة ذات الأفكار الاستعمارية مع مرور السنوات استطاعت تكوين ما يسمى (الحكومة العميقة) ، حيث أصبحت تقنع شعبها بأن دورها هو مساعدة الشعوب الضعيفة ، بينما في الواقع كانت هدفها هو استغلال هذه الشعوب الضعيفة .
بالنسبة للإتحاد السوفيتي ، فكان منذ تأسيسه يدل على وجود تناقضات عديدة في سلوك سلطة هذه الدولة ، فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واستلام الحزب الشيوعي للسلطة في روسيا بعد الثورة البلشفية عام ١٩١٧ ، كانت فرنسا من الدول الدائنة وكانت معظم قروضها تذهب لروسيا لتساعدها في الدفاع عن نفسها ضد الجيوش الألمانية ولكن سلطة الحزب الشيوعي رفضت تسديد هذه الديون ، هذا السلوك جعل الحكومات الأوربية تنظر إلى سلطة الحزب الشيوعي على أنها سلطة عصابات وليس سلطة دولة تحترم القوانين . والأسوأ من ذلك أنه بدلا من أن تقوم حكومة الاتحاد السوفيتي - التي تدعي الإشتراكية - في رفع مستوى المعيشة لأفراد شعوبها ، كما فعلت أمريكا ، فعلت هي العكس تماما ، فكان المواطن السوفيتي يعيش ليعمل ، وليس يعمل ليعيش ، فكان المواطن يعمل ساعات طويلة ثم يعود إلى بيته ليقضي يومه في شرب الفودكا ، وبسبب الأسلوب القمعي الذي اتبعته السلطة في منع أي شخص يتكلم عن السياسة أو ينتقد سلوكها ، تحول المواطن السوفيتي إلى مواطن مدمن على الكحول فاقد لأي فكر ابداعي للاختراع أو لتطوير العلوم . هذا الخلل الفكري في المجتمع السوفيتي ، دفع السلطة السوفيتية أن تضع كل ثقل اقتصادها في تطوير الأسلحة العسكرية فقط ، أما في بقية المجالات فكانت دولة فاشلة في معظم النواحي . فمعظم صناعاتها كانت عبارة عن تقليد للصناعة الغربية ومن نوعية رديئة جدا ، وكأنها من خلال نوعية منتجاتها تصف تماما الوضع المعيشي الرديء للمواطن السوفيتي . هذا الوضع المعيشي المزري فرضته السلطة السوفيتية أيضا على شعوب جميع حلفائها من الدول الاشتراكية التي كانت تحت سيطرتها ، بينما امريكا كانت ترفع مستوى معيشة مواطنيها ومواطني حلفائها وتسمح لهم بالتعبير عن آرائهم بحرية كاملة لتحفز فيهم الخيال الإبداعي ،فأصبحت أمريكا بالنسبة لمعظم شعوب العالم أرض الأحلام التي يمكن لكل فرد فيها أن يحسن وضعه ويحقق أحلامه .
هذا التناقض بين اسلوب الولايات المتحدة الأمريكية واسلوب اتحاد السوفيتي قسم العالم إلى قسمين : قسم غربي يتألف من شعوب غنية متطورة صناعيا ذات حكومات ديمقراطية ، وقسم شرقي يتألف من شعوب فقيرة ذات حكومات ديكتاتورية تنهب أموال بلادها . وطبعا الذي حصل في الأخير أن هذا الوضع التعيس الذي كانت تعيشه شعوب الاتحاد السوفيتي وحلفائها دفعها إلى الإنهيار في عام ١٩٩١ . فما حصل بعد انهيار المعسكر الشرقي مباشرة هو أكبر إثبات على فشل فكر الحزب الشيوعي ، حيث نجد بعد سقوط الحكومات الشيوعية ملايين المواطنين ، يخرجون من بلادهم وكأنهم يخرجون من سجن ، ليهاجروا إلى الدول الغربية بحثا عن مكان يضمن لهم ولأفراد عائلاتهم حياة كريمة . ومن يركز جيدا في سلوك مواطني هذه الدول الشيوعية ، يجد أن السلطة الشيوعية بأسلوبها القمعي في إبعادهم عن أي عقيدة دينية ، جعلت منهم أناسا بلا ضمير يستخدمون أبشع الوسائل في جني المال ، من سرقة وتكوين عصابات ، تعمل في تجارة مخدرات وتجارة الدعارة ، وتجارة الأعضاء البشرية . فجميع هذه الأعمال اللانسانية تقوم بها اليوم عصابات عالمية زعمائها وأفرادها من شعوب هذه الدول الشيوعية .
للأسف الفكر الماركسي جعل من سلطات الدول الشيوعية سلطات فاشلة فاسدة دمرت نفسها ودمرت شعوبها معها ، لذلك لم يكن هناك اي قوة حقيقية عالمية تستطيع الوقوف في مواجهة تلك الحكومة العميقة في أمريكا لتحذر الشعب الأمريكي عن حقيقة ما تقوم به حكومتهم في استغلال الشعوب الأخرى . فهذه الدولة العميقة التي بدأت تظهر في أمريكا استطاعت أن تسيطر على الاعلام العالمي وعلى تجارة السينما العالمية والأغاني والموسيقى ، فحولت الشعب الأمريكي الذي كان يهب لمنع انتشار الإلحاد وكذلك لمساعدة الدول الأخرى وخاصة الضعيفة ، إلى شعب يعبد نجوم السينما والروك أندرول والديسكو والبوب ، كآلفيس برسلي ومايكل جاكسون وغيرهم ، شعب لا يملك أي ثقافة حضارية ، ولا يعلم أي شيء عن حقيقة عما يحصل خارج بلاده .
أمريكا في البداية لم تكن دولة استعمارية ، ولكن للأسف حكومات الدول الشيوعية بفسادها ، هي التي صنعت (أمريكا الإمبريالية) والتي أصبحت فيما بعد أكبر قوة اقتصادية تتحكم بمصير جميع شعوب العالم . فحتى (وانغ يانغ) نائب رئيس مجلس الوزراء الصيني صرح علناً قائلا (من تقود العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية، لدينا فهم واضح لذلك، والصين ليس لديها أية أفكار أو تمتلك القدرات لتحدي الدور القيادي لها) . فالحقيقة أن الولايات المتحدة تتربع على عرش الاقتصاد العالمي بثروة محلية وطنية تقدر ب (٧٢ تريليون دولار) أكثر بثلاث أضعاف من الاقتصاد الصيني التي تعتبر ثاني أقوى دولة اقتصاديا ب( ٢٢ تريليون فقط) . وإذا تمعنا في نسبة العملات الأجنبية التي يتم التعامل بها في التعاملات الاقتصادية سنجد أن قوة الدولار الأمريكي لا يمكن مقارنته بأي عملة أخرى فنسبة التعامل به هائلة جدا وتعادل (٨٣،٦ %) .
خلاصة الموضوع : القانون الإلهي يقول : الحكومة التي تؤمن بالله ( In God We Trust) وتحترم حقوق أفراد شعبها ، ستصعد إلى الأعلى . أما الحكومة التي لا تؤمن بالله أو تدعي نفاقا بأنها تؤمن به ، فتهين أفراد شعبها ، فإنها ستنهار عاجلا أم آجلا) . وبما أن العالم اليوم قد أصبح كمدينة صغيرة من حيث سرعة الانتقال فيها ، فإذا بقيت الولايات المتحدة الأمريكية بحكومتها العميقة ( التي فعليا لا تؤمن بالله) والتي تهين أفراد الشعوب الضعيفة متمسكة بأسلوبها المتكبر ، سيأتي يوم وستنهار هي أيضا كما حدث مع الاتحاد السوفيتي وحلفائه .
ز . سانا
لا يتوفر وصف للصورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق