خواطر من الكون المجاور الخاطرة
الخاطرة ٢٥٨ : وفاة سارة حجازي : انتحار أم إنذار ؟ الجزء ٢
عندما بدأت بكتابة الجزء الأول من موضوع (وفاة سارة حجازي : انتحار أم إنذار ؟) حاولت في البداية أن أستخرج جميع عناصر هذا الموضوع التي ستعطي القارئ رؤية شاملة له ، لتأخذ حادثة ( إنتحار سارة) شكل إنذار عالمي يكشف حقيقة ما يحدث في مضمون التغيرات التي تحدث في التكوين الروحي للإنسان في العصر الحديث . ولكن الذي حصل هو أنه تم إلغاء بعض عناصر هذا الموضوع وذلك بسبب طول المقالة ، وكذلك بسبب أنني كنت قد ذكرت بعض عناصر الموضوع في مقالات ماضية . ولكن من خلال تعليقات القراء العامة والخاصة على المقالة رأيت أن حذف تلك العناصر لم يسمح لهدف نشر المقالة أن يأخذ حقه الكافي لتتحول الحادثة إلى (إنذار) يساعد في فهم حقيقة ما يحدث من خديعة تجعل الإنسان يغير إتجاهه ١٨٠ درجة دون أن يدري ، كما حصل مع سارة حجازي .
في الفترة الأخيرة نجد ظهور آراء عديدة من الطبقة المثقفة تدافع عن الحرية الجنسية وتحاول أن تُظهر الشذوذ وكأنه أمر يتعلق بالتكوين الفسيولوجي للإنسان بحيث يجعل إحساساته فوق إرادته . وللأسف حتى بعض الأطباء روجوا لهذه الآراء وحاولوا دعمها بالإثباتات العلمية . ولكن الحقيقة مختلفة تماما . وهنا لا أريد أن أشرح هذا الموضوع بشكل مفصل من الناحية المادية ، ولكن سأذكر عنه بشكل مختصر جدا ، وسأتكلم من الناحية الروحية عنه لأوضح سبب ظهور الشعور بالشذوذ الجنسي .
لا شك أن هناك حالات نادرة جدا تستدعي تدخل الأطباء لتغيير الجنس إلى جنس آخر وهي المعروفة بأسم (الأعضاء التناسلية المبهمة) حيث تكون الأعضاء التناسلية الخارجية للمولود غير محدَّدة الجنس ذكرًا أم أنثى ، أو أن يمتلك المولود العلامات المميزة للجنسين . فعندها يستلزم تدخل الأطباء في استئصال الأعضاء الجنسية المخالفة لطبيعة الكرومسومات الجنسية في المولود .
أما ما يحصل اليوم في حالات الشذوذ الجنسي التي تزداد نسبتها باستمرار مع الزمن فسببه هو الانحطاط الروحي الذي تعاني منه الإنسانية . فبشكل عام طالما أن المولود يأتي من ذكر وإنثى ، فالمولود مهما كان ذكرا أو أنثى سيأخذ شيء بسيط من صفات الأب إذا كان أنثى ، أو من صفات الأم إذا كان ذكرا . فلا يوجد مولود ذكر ١٠٠% ، ولا توجد انثى ١٠٠% . وهذا التشابه مع صفات الجنس الآخر ليس شذوذ خُلقي ولكن حكمة إلهية . فعندما يكون الرجل فيه نسبة من الصفات الأنثوية أعلى من بقية الرجال ، عادة تكون ميوله وهوايته روحية اكثر ما هي مادية ، فعيسى عليه الصلاة والسلام مثلا ، ولد من إمرأة فقط ، لهذا نجده قد كان خاليا نهائيا من غريزة القتل فتعاليمه ترفض بشكل قطعي حمل السلاح والقتال حيث هذه الصفة موجودة بشكل أقوى في النساء منها في الرجال . أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سلوكه مشابه ايضا لهذه الصفات . فوجود هذا النوع من الرجال كان حكمة إلهية يسمح في مساعدة التطور الروحي في المجتمع عبر الزمن كون المرأة في ذلك الوقت كانت عاجزة أن تفرض نفسها في المشاركة في إدارة امور المجتمع . فكثير من الشعراء والفنانين والفلاسفة كانت فيهم نسبة من الصفات الإنثوية ( الروحية) أعلى من بقية الرجال ولهذا ساهموا بشكل كبير في التطوير الروحي للإنسانية. الشيء نفسه ينطبق أيضا على النساء ، فهناك نساء يحملن نسبة من الصفات الذكورية أعلى من غيرهن من النساء ، وهذا ليس عيبا إذا ما كان الأمر يتم توجيهه بشكله الصحيح ، فالعلوم المادية هي علوم ذكورية ، ولكن حتى تسير هذه العلوم بشكل صحيح لتسير جنبا إلى جنب مع العلوم الروحية لتنسجم معها ، لا بد من أن تساهم المرأة في تطوير هذه العلوم . لذلك لا بد من وجود عقول نسائية تبحث في علوم الفيزياء مثلا كي يظهر في الفيزياء شيئا يمكن أن يساهم في ربطه مع بقية العلوم وخاصة العلوم الإنسانية . فوجود نسبة من صفات انثوية في الرجال ، أو نسبة من صفات الذكورية في المرأة هو أمر طبيعي يساهم في وحدة العلوم بجميع فروعها .
المشكلة في عصرنا الحديث أن الأمور أخذت مجرى آخر مختلف تماما ، حيث اصبحت الصفات الذكورية تسيطر على القاعدة الثقافية العامة بنسبة كبيرة جدا ، فسيطرة الصفات الذكورية كانت من أهم أسباب الإنحطاط الروحي الذي تعاني منه الإنسانية اليوم . فبسبب هذا الإنحطاط الروحي أصبح الإحساس الغريزي أقوى بكثير من الإحساس العاطفي ، لهذا نجد أن الرجل الذي يملك نسبة من الصفات الإنثوية أعلى من بقية الرجال ، بدلا من أن تشعر بها روحه ليستخدمها في الأبحاث والأعمال الروحية والإنسانية نجده يشعر بها في كائنه السفلي ، فيظن أن في داخله إمرأة ، وأن جسده الرجولي يعارض ميوله وشهواته ، فيتحول إلى رجل شاذ جنسيا، فيجد نفسه تلح عليه في تغيير جسده من جسد رجل إلى جسد إمرأة ، نفس الشيء ينطبق على النساء اللواتي فيهن صفات ذكورية اعلى من بقية النساء . فالخطأ هنا ليس في الخَلق ، ولكن في عقول هؤلاء الذين سيطرت عليهم كائناتهم السفلية فانساقوا إلى شهوات غرائزهم .
لهذا طالما لا يوجد ثنائية في الأعضاء التناسلية ، هذا يعني أنه لا يوجد أي مبرر لتبرير الشذوذ الجنسي . الشذوذ الجنسي بشكل مختصر هو الخروج عن السنة الإلهية في الخلق ، وهو من أخطر وسائل تدمير المجتمع الإنساني ، ولهذا ذكر الله عز وجل في كتبه المقدسة قوم لوط حيث كان جزاءهم الدمار والفناء .
قد يتساءل البعض هنا طالما أن سارة حجازي كانت هي أيضا شاذة جنسيا ، فلماذا حاولت في المقالة الماضية أن أتكلم عنها وكأنني أبرر بعض الأخطاء في سلوكها . هنا أود توضيح المنطق الذي أستخدمه في نشر آرائي ، فمن يتمعن في الاسلوب الذي استخدمه في جميع مقالاتي ، سيجد أنني اتبع المبدأ المذكور في الآية القرآنية (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) ، جميعنا يرتكب الأخطاء ، لهذا بدلا من أن نهاجم بشكل قاسي على كل من يخطئ ، علينا أن نحاول نشرح له مضمون الخطأ، ليفهم سبب ونتيجة هذا الخطأ فربما يحاول تصحيح خطأه ، فالشتم والسخرية ستجعله يتصرف بشكل معاكس تماما فنجده يصر على خطأه من أجل أن يغيظنا أكثر . يجب أن ننظر إلى الإنسان مهما فعل على أنه يملك في داخله بذرة خير ، لهذا علينا تنمية هذه البذرة لتنمو وتكبر وتحل محل الشر الذي في داخله . أما أن نهاجمه وكأنه عدو لنا فنحن بهذا السلوك نقتل بذرة الخير التي توجد في داخله .
فسارة حجازي عَرفتُ عنها بعد حادثة وفاتها ، لهذا فهي شخصيا بالنسبة لي لا تهمني لأنني لا أستطيع أن أفعل لها أي شيء فأمرها الآن بين يدي الله عز وجل وهو أحكم العادلين . ولكن مثل سارة اليوم هناك ملايين الفتيات يعشن في حالة إضطراب روحي وبحاجة إلى من يساعدهن في معرفة حقيقة ما يحدث معهن . فأثناء بحثي فيما كتبته سارة عما يجول في داخلها ، وعن ردود أفعالها لما يحصل معها . شعرت وكأنني رأيت فيها العديد من الفتيات اللواتي مررن في حياتي في اليونان . فربما أمثال سارة اليوم في الدول العربية نسبتهن ضئيلة جدا ، ولكن من يعيش في دولة غربية سيجد منهن الكثير . فمن اختلاطي مع الكثير من الفتيات اليونانيات ، رأيت أن سارة تمثل ذلك الجيل الذي ظهر قبل حوالي ثلاثين عاما في اليونان ، شعرت وكأن سارة اليوم تمثل الجيل الجديد في الوطن العربي ، وأن الأمور في الوطن العربي تسير بالضبط كما سار عليه الشعب اليوناني قبل ثلاثين عاما ، والذي اليوم قد خسر هويته بشكل شبه كامل . فاليوم في اليونان لم تعد توجد فتيات مثل سارة . الفتيات هنا لا ينتحرن كما فعلت سارة . لأن الفتاة منذ طفولتها قد تم غسل دماغها بشكل يكفي لأن تسير مع التيار الحديث برضاها دون أن تعاني من أي إضطراب روحي كما حصل مع سارة . الشذوذ الجنسي في اليونان أصبح في الجيل الجديد حق طبيعي للإنسان ، ومن يهاجمه ينظرون إليه وكأنه إنسان رجعي . نسبة كبيرة من الشاذين جنسيا اليوم هم فنانون مشهورين أو مقدمو برامج تلفزيونية ، ولا أحد يخفي شذوذه بل يعترف به ويدافع عن حقه في حرية اختيار ميوله الجنسية . فالشذوذ الجنسي في الدول الغربية أصبح اليوم أمر طبيعي لهذا لم يعد يطلق عليه شذوذ ولكنه معروف ب ( المثلية) .
لهذا كان لا بد لي أن أكتب عن سارة لتكون انذار لما يحدث من تغيير في البيئة الروحية للمجتمع العربي الذي يسير مع التيار الحديث دون أن يستطيع أحد إيقافه ، فرغم وجود أصوات عديدة تكتب عن خطورة ما يحصل ، ولكن للأسف جميع هذه الأصوات تتكلم عن قشور المشكلة ولا أحد يتكلم عن مضمون المشكلة ليستطيع شباب الجيل الجديد أن يفهم حقيقة ما يحصل . فمثل هذه الأصوات وطريقة بحثها في هذه المشاكل رأيتها في اليونان قبل ثلاثين عاما ومع ذلك لم يكن لها أي نتيجة إيجابية في حل هذه المشاكل .
الشذوذ الجنسي هو في الحقيقة محصلة مشاكل عديدة في البيئة الروحية للمجتمع . لهذا حاولت ان أجعل من سارة نموذح صادق يمكن له أن يشرح لنا حقيقة ما يحصل من تناقض بين ما هو موجود في التكوين الروحي للإنسان المعاصر وبين ما يحدث حقيقة في الواقع . فكثير ممن هاجموا سارة ، ادعوا أنها ماركسية ملحدة ، وهذا غير صحيح ، فهي كانت تؤمن بوجود الله ولكنها كان تشعر أن قوانينه كان فيها ظلم للمرأة ( بسبب سوء تفسير علماء الدين لآيات القرآن) . لهذا سارة لم تضع ماركس كقدوة لها ولكن اختارت شخصية أخرى وهي ( روزا لوكسمبورغ) . سارة حاولت أن تكون حياتها مشابهة لحياة روزا لوكسمبورغ ولكن الظروف من حولها جعلتها تسير في طريق مختلف .
روزا لوكسمبورغ (١٨٧١ - ١٩١٩) كانت فتاة من عائلة يهودية متدينة ، ولدت في بولندا ، ثم ذهبت إلى ألمانيا وحصلت على شهادة الدكتوراة في العلوم القانونية في زمن كانت النساء الحاملات شهادة دكتورة شيء نادر جدا . روزا عاشت في فترة زمنية كان الوضع في أوروبا مشابه تماما لوضع الأمة العربية اليوم ، وضع مضطرب سياسيا ودينيا واجتماعيا ، فعصرها كان بداية ذروة الرأسماليّة الصناعيّة الحداثية، عصر العمال الصناعيين وإضراباتهم الكبرى، عصر انتظامهم في نقاباتٍ وأحزاب مؤثّرة ، عصر انتفاضاتٍ عاصفةٍ في روسيا القيصريّة العُظمى، التي تمكّن فيها البلاشفة نهاية الأمر من السّلطة، ليخرج الاتّحاد السّوفيتيّ إلى الوجود، عصر تطاحنت فيه الرأسماليّات في الحرب العالمية الأولى ، حيث تفكّكت فيها امبراطوريّات كبرى، وطالت آثارها جميع القارّات .
روزا في داخلها شعرت أن الإنسانية تدخل في مرحلة جديدة مختلفة نهائيا عن بقية المراحل . وأنه آن الآوان لتشارك المرأة في تطوير المجتمع ، ففي تلك الفترة كانت أوروبا تعيش صراع بين طرفين متناقضين ، الرأسمالية المحافظة على الدين والتقاليد الإجتماعية القديمة من طرف ، والأشتراكية التي تطلب التجديد في كل شيء من طرف آخر . وكانت المشكلة الكبرى في هذا الصراع أن الفكر الماركسي كان هو من يتزعم الطرف الإشتراكي . روزا لوكسمبورغ ، كانت مع الطرف الإشتراكي في تحقيق عدالة إجتماعية تضمن حقوق الإنسان ، ولكن كان لها أسلوب مختلف عن ماركس في تحقيق هذا الهدف ، لهذا نجد اختلافات كبيرة بين آراء لينين ( الماركسي) وبين آراء روزا لوكسمبورغ . ولهذا أيضا نجد أن بولندا رغم أنها كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي ولكن بشكل عام كانت تطبق اسلوب روزا لوكسمبورغ ، وهذا ما جعل بولندا أن تكون كأفضل دولة بين جميع الدول الشيوعية . فمن يبحث في سلوك الذين هاجروا من الدول الشيوعية إلى الدول الغربية بعد انهيار المعسكر الشيوعي عام ١٩٩١ ، سيجد أن سلوك البولنديين كشعب كانوا أكثر إنسانية من جميع شعوب البلدان الشيوعية المتبقية ، فنجد وجود مافيا وعصابات ومجرمين من روسيا وجورجيا ورومانيا وبلغاريا وألبانيا ، ولكن لن نجد مثل هؤلاء من بولندا ، فالشعب البولندي بشكل عام حافظ على شيء ما من روح الخير في داخله بفضل آراء روزا لوكسمبورغ .
روزا لوكسمبورغ حاولت أن تدمج الرؤية الإنثوية في الفكر الإشتراكي ليتحول إلى سلوك إنساني عفوي مطابق للتكوين الروحي الجديد للإنسانية ، فكان هدفها بناء ثورة نقية يحقق للشعوب أمل السلام والإزدهار للجميع ، لهذا نجدها قد شكلت مع أصدقائها (عصبة سبارتكوس) التي حاولت من خلالها إقناع قادة الثورة بعدم المشاركة في الحرب العالمية الأولى، فهي كانت تؤمن بأن الحروب لا تستطيع حل المشاكل بل تزيدها . وبسبب هذه الآراء وكذلك بسبب انتقاداتها اللاذعة لاسلوب لينين وتروتسكي . حين حذّرت من أن نظام السوفيتي سيكون مصيره الفشل ، قائلة " دكتاتورية العشرات من قادة الأحزاب، حتى لو كانت واعدة، فهي ستجفّف الحياة في السوفييت وصولاً إلى التشوّه الأعمى " . جرأتها هذه في معارضة وانتقاد قادة الثورة أدى إلى إغتيالها بطريقة وحشية عام ١٩١٩وهي بعمر ٤٧ عام . وصدقت توقعات روزا لوكسمبورغ ، حيث سرعان ما تحولت الدول الشيوعية إلى دول ديكتاتورية فاشلة سياسيا وإجتماعيا لم تصمد أكثر من سبعين عام .
بعد إنهيار جدار برلين وإتحاد ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية تم في عام ١٩٩٠ إنشاء مؤسسة تمثل رمز لهذه الوحدة فتم اختيار اسم ( روزا لوكسمبورغ ) لما كان لها فضل كبير في المحاولة على الحفاظ على وحدة الشعب الألماني .
للأسف الانحطاط الروحي الذي تعاني منه الإنسانية اليوم شوه حقيقة روزا لوكسمبورغ، فجعلوها وكأنها تلميذة لماركس كي يرفعوا من مكانة ماركس في عقول الناس ، وهذا التشويه أثر في فهم سارة حجازي لسلوك وطبيعة فكر روزا لوكسمبورغ. فضاعت سارة ما بين آراء ماركس المادية وآراء لوكسمبورغ الإنثوية . فلم تعلم سارة أن روزا نفسها كانت تشعر بخطورة الفكر الماركسية على البيئة الروحية للمجتمع ، ولكن بسبب الأوضاع المضطربة في ذلك الوقت كان إنشاء طرف ثالث يحل مكان الفكر الماركسي يحتاج لفترة طويلة ، ولكن اغتيالها منعها في تحقيق هدفها .
في فترة زمن حياة روزا لوكسمبورغ هناك نقطة هامة للأسف لا الفلاسفة ولا رجال الدين استطاعوا فهمها ، وهي أن الإنسانية كانت في تلك الفترة تدخل في مرحلة جديدة في تطورها الروحي وهي مرحلة سن الرشد . فالذي حدث أن رجال الدين في أوروبا حاولوا منع أي تجديد في معاني آيات الكتب المقدسة . لذلك كان دور رجال الدين دور سلبي جدا على تطور الأمور ، حيث وقفوا مع السلطة الظالمة ضد الفكر الماركسي ، فبسلوكهم هذا سمحوا للفكر الماركسي في الإنتشار بسرعة كبيرة في الشعوب الأوروبية التي كانت تطالب بالعدالة الإنسانية . فبسبب انتشار الإلحاد سمح بتشويه الشعور بالتجديد لتظهر أنواع أخرى من التجديد منها ما هو معروف بتيار (الدادا) ، وأيضا (الأناركية).
تيار الدادا كان تيار تبنى فكرة (لا للفن) فكان يرفض كل ما له علاقة بالماضي في الفن، حيث ألغى علم الجمال ، وحاول تخريب كل أشكال الفن في الحضارات الماضية ، ففي بيان لحركة دادا يقول مارسيل جانكو ( لقد فقدنا الثقة في أنفسنا ، كل شيء يجب أن يهدم، سنبدأ من جديد بعد أن نمحي كل شيء ) ، فكانت نتيحة هذا التيار ظهور الفن الحديث الذي شوه الذوق الفني في الإنسان المعاصر .
الأناركية : هذا التيار الفكري يُعتبر - خطأ - فلسفة سياسية ، فمعنى الاناركية حسب رأي الفلاسفة اليوم هو (اللاسلطوية) أي أنها ترفض السلطة وتروج لمجتمع بلا دولة ، ولكن الحقيقة هذا المعنى هو معنى سطحي ، فهذا التيار هو تيار روحي ، حيث كلمة أناركية مأخوذة من اليونانية ΑΝΑΡΧΗ . ومصدر هذه الكلمة هو كلمة ( ΑΡΧΗ) والتي تعني ( بداية ، مبدأ) فوجود الحرفين الأولين (ΑΝ) يعكس معناها ليصبح معناها ( بلامبدأ) ، فكلمة أناركية تعني ( اللامبدأيون) ، أي الذين يرفضون جميع المبادئ السامية ،ويطالبون بحرية مطلقة في كل شيء بحيث لا يُسمح لا لقوانين الدولة ولا لقوانين الشرع الديني ولا أي قوانين أخرى أن تتحكم بسلوكهم . لهذا البعض يسميهم ( الفوضويون) .
إذا تمعنا في ما نشرته سارة حجازي أثناء وجودها في كندا ، سنشعر أن سلوكها مما رأته في كندا وهي تحاول أن تعيش الأمور كما هو حولها ، قد حولتها إلى (فتاة أناركية) . فهذا الأسلوب في الحياة يعبر تماما عن الجيل الجديد الذي يعيشه شباب اليوم في الدول الغربية . فالأناركية في الحقيقة هي أصدق صفة يمكن وصفها للنظام الإجتماعي الحديث . وللأسف هناك منظمات في دول الغرب وبحجة وجود نوع من الظلم في حقوق المرأة في الدول الإسلامية تحاول أن تساعد الفتيات في الهروب من بلادهن فتؤمن لهن اللجوء للإقامة في هذه الدول ، كما حصل مع سارة . وهناك منظمات عالمية أخرى هدفها تحطيم الشعور الديني في جميع مجتمعات العصر الحديث ليتحول نظام المجتمع إلى مجتمع بلا مبادئ ، وللأسف سلوك الكثير من رجال الدين اليوم وبسبب اعتمادهم على الآيات المتشابهات وليس الآيات المحكمات دفعت الكثير من الناس إلى النفور من الدين . لهذا نجد أن معظم شعوب الدول العربية رغم أنها تؤمن بالدين الإسلامي ولكنها ترفض استلام رجال الدين للسلطة .
خلاصة الحديث : لو أن سارة حجازي كانت تعيش في مجتمع صالح ربما - والله أعلم- لكانت حياتها مشابهة لروزا لوكسمبورغ ، ولكانت قد ضحت بنفسها من أجل خير مجتمعها ، ولكن للأسف الإنحطاط الروحي الذي تعاني منه الإنسانية شوه هدفها وجعلها تسير في طريق مظلم كانت نهايته وخيمة على نفسها وعلى أهلها .... والله تعالى الأعلم .
ز . سانا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق