خواطر من الكون المجاور الخاطرة
الخاطرة ٢٦١ : مشروعية تعدد الزوجات من الآيات المتشابهات أم المحكمات ؟
تنبيه هام : موضوع اليوم يعتمد على معلومات كثيرة مهمة شرحتها بشيء من التفصيل في مقالات ماضية ، وربما القراء الجدد قد يصعب عليهم فهم فقرات المقالة ، لهذا سأضع أرقام المقالات الماضية لمن يريد المزيد من التفصيل .
أعتقد أن معظمنا يشعر اليوم بأن الإنسانية - وخاصة الأمة العربية - تمر بظروف غريبة وعصيبة . والجميع اليوم من كبير وصغير ومختص وغير مختص يحاول من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي أن يفسر الأسباب التي أدت إلى تفاقم المشاكل لدرجة أن بعض المشاكل أصبح حلها مستحيلا . وحسب رأي أن الجميع اليوم يبحث في قشور المشكلة وليس في مضمونها وهذا ما يجعل الأمور أن تسير باستمرار من السيء إلى الأسوء . لهذا أنا لا أفضل الكتابة عن الأحداث بشكل خاص ، ولكن أفضل البحث عن جذور الإنحطاط الروحي الذي تعاني منه الإنسانية والذي بدأت خطواته منذ أكثر من ١٥٠ عام . ومقالة اليوم تتكلم عن أهم علاقة تحدد طبيعة سلوك المجتمع ، وهي نوعية العلاقة بين الرجل والمراة . وكون مقالاتي موجهة للجمهور العربي لهذا سأتكلم عن موضوع تعدد الزوجات .
موضوع تعدد الزوجات كتبت عنه بعض الأسطر في مقالات ماضية ليساعدني في توضيح فكرة أخرى كانت هي الموضوع الرئيسي للمقالة . أما في مقالة اليوم فموضوع تعدد الزوجات سيكون هو الموضوع الرئيسي وسأحاول إن شاء الله أن أشرحه بشيء من التفصيل .
يقول الدكتور (..) الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر : «أباح الإسلام الحنيف تعدد الزوجات تحقيقاً لمصلحة شرعية أو اجتماعية، ومن هذه المصالح معالجة قلة الرجال وكثرة النساء سواء في الأحوال العادية بزيادة نسبة النساء، أو في أعقاب الحروب، وحينئذ يصبح التعدد ضرورة اجتماعية وأخلاقية، تقتضيها المصلحة والرحمة، وصيانة للنساء عن التبذّل والانحراف وحماية المجتمع من المفاسد» .......«من هذه المصالح أيضاً، أن المرأة قد تكون عقيماً لا تلد، أو أن بها مرضاً منفراً، فيكون من الأفضل والأرحم ومن المروءة أن تظل هذه الزوجة في رباط الزوجية، لأنه أكرم لها وأحب إلى نفسها، وتعطي الرجل فرصة الزواج بثانية، وقد يزول العقم والمرض مع مرور الزمن، إلى غير ذلك من المصالح الشرعية والاجتماعية، حتى وإن كانت مجرد طغيان الشهوة عند الرجل وعدم كفاية الزوجة الواحدة له، وقد أكد القرآن الكريم إباحة تعدد الزوجات في قول الله تعالى: (وإنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ فَإنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) . ويشترط في التعدد القدرة على تبعات الإنفاق على الزوجات والأبناء، لأنه لا يحل شرعاً الإقدام على الزواج سواء من واحدة أو أكثر إلا بتوافر القدرة على الزواج وتكاليفه، والاستمرار في أداء النفقة الواجبة للزوجة على الزوج . أما الشرط الثاني، فهو تحقيق العدالة بين هؤلاء الزوجات بالمساواة التامة في المسكن والمأكل والملبس والمبيت، ويدل عليه آية العدل السابقة، ومعناها أن يغلب على ظن الإنسان أنه يقدر على العدل بين زوجاته، ومن لم يجد في نفسه القدرة عليه لم يجز له الجمع بين أكثر من زوجة ...... الإسلام أباح التعدد لمصلحة كل من الرجل والمرأة على حد السواء، فقد تكون زوجة الرجل الأولى يعيب عليها خلقاً أو ديناً أو عقماً أو تقصيراً في رعاية البيت أو الأولاد .....) .
ربما معظم المسلمين اليوم يعتقدون بصحة رأي هذا الدكتور في الشريعة الإسلامية. لهذا لن أعطي رأيي الآن فيما كتبه ، ولكن سأحاول أن أذكر أشياء أخرى لم ينتبها إليها هذا الدكتور في الشريعة لتعطينا رؤية شاملة تساعدنا في أخذ موقف صحيح من مشروعية تعدد الزوجات ، فالحديث الشريف يذكر ( خير الناس أنفعهم للناس) ، وحل مشكلة يعاني منها المجتمع هو خير لجميع أفراد هذا المجتمع .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا بخصوص هذا الموضوع هل الأية الكريمة (..... فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ ....) التي يذكرها كل رجل مسلم ليبرر حقه في الزواج من أكثر من إمرأة ، هي من المتشابهات أم من المحكمات ؟
في المقالة رقم (٢٠٧) شرحت بشكل مفصل عن الفرق بين الآيات المحكمات والآيات المتشابهات ، وهنا سأعيد توضيح الفرق بينهما بشكل مختصر جدا : الإنسانية تمر في مراحل تطور روحي مستمر مثل تلك التي يمر بها الإنسان ( طفولة ، مراهقة ، سن الرشد) فمعلومات الآيات المتشابهات هي التي تخص فقط فترة زمنية لمرحلة من المراحل ، أما معلومات الآيات المحكمات اللواتي هن أم الكتاب فهي تلك التي تخص جميع المراحل في تاريخ الإنسانية . وعلى هذا الأساس سنحاول شرح تطور العلاقة بين الذكر والأنثى من بداية الخلق وحتى الآن .
في المقالة رقم (٥٣) شرحت بشكل مفصل عن سبب طرد الإنسان من الجنة ، وقلت أن سبب هذا الطرد هو تلك الخطيئة التي حدثت عندما أغوى الشيطان حواء في أكل ثمرة الشجرة (التفاحة) والتي هي رمز الغريزة الجنسية ، أي أن آدم وحواء ارتكبوا خطيئة الزنى (روحيا) فكانت نتيجة هذه الخطيئة هو ظهور غريزة القتل في التكوين الروحي لابنهما قابيل
الذي قام بقتل أخيه هابيل . قانون ( العفة - السلام) هو قانون الجنة وهو أيضا القاعدة الرئيسية التي تتم عليها جميع التطورات . وبما أن الجنة هي دار السلام المطلق ، فبسبب ظهور قانون (الزنى - القتل) الذي يعارض قانون الجنة تم طرد الإنسان منها من أجل أن يقوم بتصحيح تكوينه الروحي وتنقيته من الشوائب التي سببت ظهور (الزنى - القتل) ليحل محلها (العفة - السلام) حتى يصبح الإنسان ملائما للعودة والسكن في الجنة . وذكرنا أيضا أن الكون في الحقيقة هو المكان الذي سيعيش به الإنسان (السجن) بعد طرده من الجنة ليقوم بعملية التصحيح هذه . وأن الكون ولد مع لحظة خروج الإنسان من الجنة حيث بدأت عملية تصحيح تكوين الإنسان الجسدي والروحي من مرحلة الصفر . في البداية تم تشكيل الذرات اللازمة لتكوين جسم الإنسان ، ثم تم تشكيل المجرات وثم المجموعة الشمسية وتكونت المواد العضوية اللازمة في تركيب الخلايا فظهرت الحياة على سطح الأرض وتطورت حتى ظهر الإنسان ، ثم ظهرت الديانات والحضارات وتطورت حتى عصرنا هذا . فجميع هذه التطورات المادية والروحية كان هدفها في الحقيقة تكوين الإنسان جسديا وروحيا ( جميع هذه التطورات شرحتها بشيء من التفصيل في المقالات الماضية) .
حتى نستطيع رؤية تطور الأشياء والأحداث منذ ولادة الكون وحتى الآن وكأنها رواية واحدة كتبها الله عز وجل ، يجب أن نعتمد على المبدأ الأول الذي كان سببا في طرد الإنسان من الجنة ، وهو نوعية العلاقة بين الذكر والأنثى .فهذه العلاقة موجودة في كل شيء في هذا الكون . فهي عماد محور جميع التطورات . فكل شيء في هذا الكون هو إما ذكر أو أنثى . وسنحاول هنا أن نشرح تطور هذه العلاقة بشكل مختصر في جميع المراحل :
يقول الله عز وجل ( أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَٰهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) . الحكمة الإلهية وضعت الماء في هذه الآية كرمز إلهي يوضح لنا بشكل رمزي العلاقة بين الذكر والأنثى في عناصر الكون قبل ظهور الحياة على سطح الأرض . فكما هو معروف علميا أن الحياة نشأت في الماء، وأنه بدون ماء لا يوجد حياة . في الحقيقة (الماء) هو جزيء كيميائي عجيب فمن خلاله تتم معظم التفاعلات الكيميائية التي يحتاجها الكائن الحي في بناء نفسه . فجزيء الماء نفسه يُعبر عن رمز آدم قبل خلق حواء منه ، فهو يتألف من ( ذرتين هيدروجين) و(ذرة واحدة أوكسجين) ، حيث الكتلة الذرية لجزيء الماء تساوي (١+١+١٦=١٨) . شكل الرقم (١٨) الموجود في كف يد الإنسان ، هو رمز روح الله التي نفخها في آدم عندما خلقه ثم انقسمت إلى قسمين : آدم وحواء ، وقد شرحنا رمز (ΙΛ) في مقالات عديدة . فالشكل (Λ) الذي يتألف من خطين متحدين في القمة هو رمز حواء حيث كل خط يمثل ذرة هيدروجين ، أما الشكل (Ι) فهو رمز آدم وهو يتألف من خط واحد ويمثل ذرة الأكسجين ، فذرة الهيدروجين(H) هنا هي الأنثى أما ذرة الأوكسجين(O) فهي الذكر .
الآية القرآنية تذكر (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). هذا
الآية تعني أن آدم عاد إلى الجنة . فإذا تمعنا جيدا في تكوين الأشياء ، سنجد أن الحكمة الإلهية في تكوين الكون وما يحتويه يؤكد على أنه طالما أن حواء هي التي بدأت الخطيئة لهذا الأنثى ( رمز حواء) هي التي حملت على عاتقها عملية تصحيح تكوين الإنسان منذ ولادة الكون وحتى الآن ، أي أن هناك صراع كوني دائم بين طرفين : الطرف الأول هو روح (حواء) هذه الروح تمثل رمز الأنثى وهي روح الخير العالمية . والطرف الثاني هو روح (الشيطان) ، هذه الروح تمثل رمز الذكر وهي روح السوء العالمية . وبين هاتين الروحين توجد روح قابيل (الاعور الدجال ٦٦٦) والتي تحمل نصف صفات تكوين آدم ونصف صفات تكوين الشيطان ، ولكنها تحت سيطرة روح الشيطان ، إن دور روح حواء هو أن تأخذ صفات آدم من روح قابيل لتستطيع تكوين أولادها وكأنهم أولاد حواء من آدم ، أما دور روح الشيطان فهو أن يحافظ على صفاته في أبناء قابيل ليكونوا بمثابة أبنائه . الله عز وجّل أعطانا دليل على هذه الفكرة بولادة عيسى عليه الصلاة والسلام من إمرأة بدون رجل . أي أنه من روح حواء ولا علاقة لروح الشيطان في هذه الولادة ، حيث ولادته وتعاليم دينه توضح لنا قانون الجنة (العفة - السلام) . فأمه عذراء (عفة) ، وتعاليم عيسى عليه السلام كانت ترفض استخدام العنف والسلاح بأي شكل من الأشكال ، ولهذا اختار الله عز وجل عيسى عليه السلام وليس نبيا آخر ليرسله في آخر الزمان ليقضي على روح أعور الدجال (٦٦٦) .
الصراع الكوني ليس بين الله والشيطان ، ولكن بين روح الخير العالمية ورح السوء العالمية وهو صراع طويل احتاج مليارات السنين . والآية القرآنية تؤكد صحة هذه المعلومة (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) ، وهنا لا نقصد صراع بين إنسان وإنسان ، ولكنه صراع روحي يحصل في عالم الذرات والمجرات وعالم الكائنات الحية وعالم الإنسان أيضا. حيث روح الخير العالمية تأخذ رمز الأنثى ، وروح السوء تأخذ رمز الذكر . والحديث الشريف يؤكد صحة هذه المعلومة ( الجنة تحت أقدام الأمهات) حيث كل أم هي خليفة حواء على الأرض . إذا تمعنا في تكوين الكون ومحتواياته سنجد أنه يتبع هذا المبدأ . فالكون كرمز هو في الحقيقة بيت روح الشيطان ، فهو المكان الذي تم إليه طرد الإنسان ، ولكن روح الخير العالمية استطاعت السيطرة عليه لتبدأ عملية تكوين الذرات التي منها سيتم تكوين جسد الإنسان . في سفر التكوين في الإصحاح الرابع نجد أنه يبدأ أولا بذكر سلالة قابيل (قايين) ، وثم في الإصحاح الخامس يذكر نسل آدم . وكذلك في القرآن أيضا نجد أنه يبدأ بسورة البقرة (رمز سلالة قابيل) ثم سورة آل عمران( رمز سلالة آدم) .
وإذا تمعنا في رموز محتويات هذا الكون سنجد أن روح الخير العالمية في كل مرحلة من مراحل التكوين تقوم بتحويل الصفات الذكرية (التابعة لروح قابيل) الموجودة في روح السوء العالمية لتحولها إلى صفات ذكرية تابعة لروح آدم ليتم منها تكوين ذكور روح الخير العالمية . وسنعرض هنا بعض الأمثلة :
- تقول الآية القرآنية ( أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَٰهُمَا) ، فالسماوات هنا هي رمز روح الأنثى أي روح الخير العالمية ، والأرض هي روح الذكر أي روح سوء العالمية . وتشير الدراسات الحديثة عن توزيع العناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون إلى أن نسبة غاز الهيدروجين (رمز حواء) تعادل (٧٤%) من مادة الكون . فعنصر الهيدوروجين كما ذكرنا قبل قليل هو رمز الأنثى ، أي أن روح الأنثى هنا قد سيطرت على معظم تطورات الكون .
- تشير الدراسات الحديثة أيضا أن المكان والمعروف علميا باسم الوسط البينجمي ، الذي تشكلت فيه الشمس والمجموعة الشمسية كان يحتوي على حوالي نسبة ٧١،١% من الهيدروجين . وهذا يعني أن روح الأنثى تمكنت من استخدام مادة الوسط البينجمي لتكوين المجموعة الشمسية التي على أحد كواكبها سيظهر الإنسان .
- مع تكوين المجموعة الشمسية تم تكوين الكرة الأرضية ، كوكب الأرض كما شرحنا في مقالة هندسة المجموعة الشمسية هي كوكب الشيطان ، ورغم أنها كانت كرة مادية منصهرة ، ولكن تم تشكيل الماء على سطحها لتتحول إلى مكان ملائم لظهور الحياة فيها ، فالماء هنا رمز روح الأنثى ( حواء وصفات آدم الذكرية) . واليابسة هنا هي رمز روح الذكر (الشيطان وإبنه قابيل) . لهذا نجد أن نسبة الماء على سطح الكرة الأرضية تعادل تعادل ٧١ % ، أما اليابسة فتعادل ٢٩ % ، أي أن روح الأنثى هي أيضا قد سيطرت على التطورات التي ستحدث على سطح الكرة الأرضية وحولتها من كوكب الشيطان إلى كوكب الإنسان .
- في الماء الموجود على سطح الكرة الأرضية ظهرت الحياة وأنتشرت على جميع سطح الكرة الأرضية ، فنجد ظهور مملكتين من الكائنات الحية : المملكة النباتية والمملكة الحيوانية . المملكة النباتية هنا هي رمز الأنثى ، والمملكة الحيوانية هي رمز الذكر . بعد ظهور الحياة وانتشارها نجد أن أنواع النباتات الموجودة على سطح الأرض تعادل ٧٢% من الكائنات النباتية ، وهذا يعني أن روح الأنثى استطاعت السيطرة على تطور الحياة على سطح الأرض بحيث جعلته مناسب لظهور الإنسان .
- إذا حسبنا نسبة المياه في تكوين جسم الكائنات الحية ، الإنسان مثلا سنجدها تعادل ٧٨% من الجسم عند الولادة ، ولكنها تقل بشكل تدريجي حتى تصل ٥٥ % في سن الهرم. وهذا يعني أن روح الأنثى التي هنا رمزها (الماء) استطاعت السيطرة على طبيعة تكوين الكائنات الحيوانية لتجعلها مناسبة لظهور الإنسان فيها .
- في الثديات والتي طريقة انجابها مشابهة للإنسان . الثديات العاشبة هنا هي رمز الأنثى ، أما الحيوانات اللاحمة فهي رمز الذكر ، حيث نجد أن الحيوانات العاشبة تعيش في جماعات حيث نسبة عدد أفراد قطيعه يعادل أضعاف أضعاف عدد أفراد قطيع الحيوانات اللاحمة . فرغم أن الحيوانات اللاحمة أقوى بكثير من الحيوانات العاشبة ، ولكن بسبب كون نسبة أعداد الحيوانات العاشبة أكبر بكثير لهذا نجد أن الحيوانات العاشبة هي التي تسيطر على نظام الحياتي في الغابات . وأيضا في الحيوانات اللاحمة نجد أن ملك الغابة الذي هو الأسد قد أخذ من صفات الأنثى فهو لا يقتل إلا لسد جوعه ، فالأسد الشبعان لا يشكل خطرا على بقية الحيوانات. وهذا يعني أن روح الأنثى استطاعت السيطرة حتى على الحيوانات المفترسة .
- بداية ظهور الإنسان كان على نوعين (نياندرتال والإنسان العاقل) ، انسان نياندرتال ظهر في البداية وهو رمز إنسان قابيل ، ثم بعد ذلك ظهر الإنسان العاقل الذي يمثل الإنسان الحالي نسل آدم . روح الأنثى استطاعت السيطرة على تطور الإنسان فانقرض إنسان نياندرتال كجسد ، وبقي الإنسان الحالي الذي يعيش في جميع مناطق العالم . ولكن رغم أن سكان العالم هم من الإنسان العاقل (نسل آدم) وتكوينهم الجسدي ينتمي إلى كائنات روح الخير العالمية ، ولكن فيهم نسبة من شوائب روح السوء العالمية أتت من إنسان نياندرتال (نسل قابيل) .
- في العصور القديمة كانت نسبة النساء أيضا تعادل أضعاف أضعاف عدد الرجال ، فبسبب وجود روح السوء في بعض الرجال ، كانت تحدث معارك بين الجماعات أو الشعوب ، حيث المنتصر يقوم بقتل رجال أعدائه ويستولي على نسائهم من أجل إشباع شهواتهم وإنجاب أبناء لهم ليزيد من عدد أفراد جماعته . ولكن رغم ذلك نجد أن المجتمع الذكوري المتوحش الذي يعتمد في تكوينه الروحي على غريزة القتل التي اكتسبها الرجال من روح قابيل ، قد تم تصحيح تكوينهم الروحي بالتدريج مع مرور العصور عن طريق ظهور الديانات والحضارت ، وإذا تمعنا جيدا سنجد أن معظم الأنبياء والفلاسفة الذين ساهموا في تصحيح قوانين الأنظمة الإجتماعية كانت تعاليمهم تعتمد قانون روح الخير العالمية (العفة والسلام) من أجل تشكيل نظام إجتماعي يعتمد على المحبة والسلام والعدل والتعاون . فالأنبياء والفلاسفة الصالحين هم الذين أخذوا دور المرأة (التي هي رمز خليفة حواء) في عملية التصحيح في النظام الإجتماعي ، كون المرأة كانت في الماضي كائن ضعيف جسديا غير قادر على مواجهة القوة الجسدية للرجل . ولهذا نجد أن الديانات قامت بتصحيح العلاقة بين الرجل والمرأة ، فظهرت تقاليد الزواج كمحاولة لحفظ حقوق المرأة في هذه العلاقة .
الآن وبعد أن شرحنا دور روح الأنثى كروح عالمية في التطورات الروحية والجسدية منذ ولادة الكون وحتى الآن ، سنحاول شرح تطور نوعية العلاقة بين الذكر والأنثى عبر تطور الحياة وكيف تحولت بالتدريج من علاقة جنسية هدفها أشباع الشهوة (زنى) إلى علاقة عاطفية تعتمد على المحبة والإحترام والتعاون المتبادل :
الحكمة الإلهية أعطتنا مثال يوضح لنا معنى الزنى بشكله الحقيقي في العلاقة بين الذكر والأنثى ليوضح حقيقة هذه العلاقة كيف بدأت وإلى أين وصلت . هذا المثال هو التكاثر في (الدودة المسطحة) . إن اختيار الدودة ككائن حي ليكون مثال يوضح حقيقة علاقة الزنى ، ليس صدفة ، فالدودة بشكل عام لها شكل حية ، والحية بشكل عام تعتبر رمز لروح الشيطان كما هو مذكور في الكتب المقدسة . الدودة المسطحة التي هي مثالنا هي كائن حي خنثى ، أي ان كل دودة تحوي على أجهزة تناسل ذكرية وأنثوية ، في موسم التزاوج ، تلتقي دودتان ويحدث بينهما صراع عنيف ، العلماء يسمون هذا الصراع (مبارزة القضيب) حيث كل دودة تحاول أن تغرز قضيبها في جسد الدودة الاخرى لتضع فيها نطافها ، الدودة المهزومة هنا تأخذ رمز الأنثى ، فيصاب جسدها بجروح وتصبح هي المسؤولة عن إنجاب الصغار والعناية بهم .أي أنها تصبح هي الخادمة التي ستربي أبناء الدودة المنتصرة والتي أخذت دور الذكر ، فالدودة الذكر هنا تكون قد تمتعت وأشبعت شهوتها وكذلك قد أنجبت صغارها بدون أن تحمل أي مسؤولية أو تعب على العناية بهم .
هذا النوع من العلاقة بين الذكر والأنثى في الدودة المسطحة ، هو ما أرادت روح السوء العالمية أن يتم تطبيقه في المجتمعات الإنسانية الذي يحوي في مضمونه (زنى - قتل) تماما بعكس قانون الجنة (العفة - السلام) ، فكل مجتمع بشكل طبيعي يتألف من رجال ونساء ، أي أن الرجال هنا هم الأعضاء التناسلية الذكرية في المجتمع ، أما النساء فهم الأعضاء التناسلية الأنثوية في المجتمع ، فالمجتمع كنظرة شيطانية هو مجتمع مخنث تماما مثل الدودة المسطحة ، لهذا كان سلوك الإنسانية في بداية ظهور الإنسان على سطح الأرض كان يعتمد سلوك الدودة المسطحة في التكاثر ، فكانت تحدث معارك مستمرة بين المجتمعات ، حيث رجال المجتمع المنتصر يقومون بقتل رجال المجتمع المهزوم ، والإستلاء على نسائهم ليشبعوا بهن شهواتهم وكذلك لينجبن لهم أبنائهم . هذا السلوك كان عبارة عن قانون عام تتبعه جميع شعوب العالم . فكل جيش كان يحتل بلاد جيش آخر تصبح ممتلكات بلاد الجيش المهزوم بما فيه من نساء وأطفال وممتلكات ملك للجيش المنتصر . الديانات العالمية ظهرت لتصحح هذا السلوك الغريزي في الرجال بشكل تدريجي ، بحيث تراعي حقوق هؤلاء النساء (السبايا) ومعاملاتهم معاملة حسنة وكأنها زوجة لمالكها لا عبدة عنده يتصرف بها كما يشاء .
روح الأنثى في الإنسانية وبسبب كون سلوك الرجال يسيطر عليه الغرائز حاولت بالتدريج استغلال هذا القانون لتجعل هدفه معاكس تماما ، فمن الإندماج العرقي الذي كان يحصل بسبب الحروب ساهم في إندامج الثقافات التي استفادت منها الإنسانية في تطوير العلوم والفنون بشتى أنواعها . والذي ساهم بدوره في تنمية الإحساس بالإنتماء الإنساني على حساب تضعيف الإحساس بالإنتماء العرقي أو الديني أو السياسي . لهذا نجد في القرون الأخيرة ظهور تيارات فلسفية تدافع عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان بغض النظر عن عرقه أو دينه . مع ظهور هذه التيارات الإنسانية أختفى قانون الدودة المسطحة بشكل نهائي وظهر بدلا منه نظام عالمي يمنع هذا القانون ويعتبره من الجرائم الإنسانية ، مع إختفاء هذا القانون بدأت مكانة المرأة تعلوا في المجتمع ولم يعد هناك حاجة إلى وجود عدد كبير من النساء في المجتمع لتقوم الروح الأنثوية في السيطرة على نظام المجتمع كما كان في العصور القديمة ، هذا التغيير في نظام الحروب ساهم في انخفاض نسبة النساء في العالم حتى وصل فيها إلى تساوي بين عدد الذكور وعدد النساء فاليوم يوجد بعض البلدان فيها نسبة الذكور أعلى بقليل من نسبة الأناث ولكن يوجد أيضا بلدان أخرى فيها نسبة الأناث أعلى بقليل من نسبة الذكور . ولكن كمتوسط عالمي فإن عدد الذكور يعادل تقريبا عدد الأناث ، فهذا التغيير في طبيعة تكوين الإنسانية هو مشيئة إلهية من أجل تكوين نظام إجتماعي متوازن بحيث يسمح للمرأة أن تقوم بدورها الحقيقي إلى جانب الرجل في تطوير المجتمع نحو الأفضل .
في الفقرة السابقة (مثال دودة المسطحة) تكلمنا عن العلاقة بين الذكر والأنثى وقلنا أن أساسها قانون (زنى - قتل) ، ولكن العلاقة بشكلها الصحيح هي التي تعتمد قانون الجنة (عفة - سلام) فهي التي تنمي التآلف الروحي بين الذكر والأنثى بحيث يحقق المحبة والمتعة بينهما وأيضا يحقق إنجاب الأطفال الضروري لاستمرار الحياة الضروري لضمان التطور الروحي عبر الأجيال من أجل تنقية التكوين الإنساني من جميع الشوائب التي كانت سببا في طرده من الجنة .
الحكمة الإلهية أعطتنا أمثلة على تطور هذه العلاقة بين الذكر والأنثى خلال مراحل تطور الحياة في الكائنات الحية ليفهم الإنسان إلى أين يجب أن تصل هذه العلاقة لتأخذ شكلها الصحيح في المجتمع الإنساني الذي يبارك به الله . وسنحاول عرض بعض هذه الأمثلة لتتوضح الفكرة :
في الكائنات النباتية كونها ثابتة لا تستطيع الحركة ، نجد نطاف الذكر تنتقل عن طريق الهواء أو الحشرات إلى البويضة ليتم التلقيح ، أي أن العلاقة بين الذكر والأنثى في النباتات تتم بدون إلتقاء الذكر بالأنثى جسديا . أما في كائنات المملكة الحيوانية فنجد في الكائنات الحية البدائية - كالأسماك مثلا - أن الأنثى تضع بيضها في مكان ما ، ثم يأتي الذكر ويضع فوقها نطافه فيتم تلقيح البيوض دون وجود أي علاقة بين الذكر والأنثى ، بهذه النوعية من العلاقة بين الذكر والأنثى يكون - بشكل عام - مصير البيض الملقح مجهول حسب الظروف المحيطة بها ، ولهذا في مثل هذه الأحوال يكون عدد البيض كبير جدا لتسمح لبعضها في النمو لتتابع حياتها . أما في الكائنات الأكثر تطورا - كالثديات مثلا - فنجد ظهور نوع أرقى في العلاقة بين الذكر والانثى ، ففي موسم التزاوج يحدث صراع بين الذكور ، الأنثى هنا تتزاوج مع الذكر المنتصر لتضمن في تكوين أبنائها صفات القوة المورثة والتي ستأخذها من الذكر المنتصر لتضمن له فرصة اكبر في الاستمرار على الحياة . ونجد أن الأنثى تحمل الجنين في رحمها لتأمين حياته حتى ولادته ، وثم بعد ولادته نجدها ترعاه حتى ينمو ويستطيع الإعتماد على نفسه . أما في الطيور فإن نوعية العلاقة بين الذكر والأنثى تأخذ شكلا أرقى فنجد أن الأنثى تختار الذكر الذي يملك سلوك روحي أفضل كبراعة في الطيران ، أو في صنع العش ، أو الغناء ، أو جمال الألوان ، لهذا نجد أن نتيجة هذا التطور في السلوك الروحي ظهور نوع جديد من التطور في هذه العلاقة وهو ظاهرة الإخلاص في الحياة الزوجية ، ففي حمامة اليمامة مثلا ، العلاقة بين الذكر والأنثى هي علاقة محبة وتعاون حيث يساعد الإثنان في صناعة العش الزوجية وكذلك في رعاية الصغار ، وهذه العلاقة بين الذكر والأنثى تبقى إلى مدى الحياة ، فإذا مات أحدهما يبقى الآخر بدون شريك حتى وفاته . ولهذا تعتبر حمامة اليمامة هي رمز العفة والإخلاص في الحياة الزوجية . وفي الطيور من رتبة الدجاجيات ( الدجاج ، الديك الرومي ، الطاووس ، وغيرها ) نجد مثالا صادقا عن العلاقة الزوجية وأثرها في رقي التكوين الروحي ، فجميع أنواع هذه الرتبة ذكورها تمتلك ذنب طويل (رمز الكائن السفلي) عديد الألوان تتباهى به في موسم الزوج ، حيث نجد أن الذكر في جميع انواع هذه الرتبة بعد التزواج يهجر الأنثى ويتركها بمفردها تتدبر أمور بناء العش وحضن البيض ورعاية الصغار ، لهذا نجد أن جميع أنواع هذه الرتبة من النوع الثقيل ورغم أنها طيور ولكنها غير قادرة على الطيران ، ما عدا نوع واحد وهو الحجل الذي ذكره لا يملك ذنب جميل كالبقية ، ولكنه يمتلك الوان زاهية على جميع مناطق جسمه (رمز الكائن العلوي) وكذلك يمتلك العاطفة الابوية ويتصف بالإخلاص في الحياة الزوجية ، فهو يبقى مع شريكته طوال حياته ويساعدها في تربية الصغار ، لهذا نجد أن طائر الحجل يملك صفة لا تمتلكها بقية هذه الأنواع من الدجاجيات ، فهو الوحيد من هذه الرتبة لديه القدرة على الطيران . فهذه المقدرة على الطيران في طائر الحجل ، ليست صدفة ولكن رمز روحي وضعه الله في هذا الطير ليساعد الإنسان في فهم معنى العلاقة المثالية بين الذكر والأنثى التي يجب أن تصل إليها الإنسانية .
جميع الأمثلة التي ذكرناها قبل قليل هي علامات إلهية تركها الله لنا لنفهم حقيقة تطور العلاقة بين الذكر والأنثى ، لنعلم كبشر من أين بدأنا وإلى أين يجب أن نصل ، فتطور العلاقة بين الذكر والانثى حسب قانون (العفة - السلام) الذي شرحناه حصل مثله بشكل مشابه تماما في تطور البشرية ولكن الإنحطاط الروحي الذي أصاب الأمة الإسلامية والأمم الأخرى جعلها لا تنتبه بوجوده . وسنعرضه هنا بشيء من التفصيل :
بعد دخول الحضارة الإسلامية في عصر الإنحطاط ( القرن الثالث عشر ميلادي) والتي كانت رمز إنتهاء مرحلة الطفولة للإنسانية ، ظهرت حضارة عصر النهضة كرمز لبداية دخول الإنسانية في مرحلة المراهقة ، في ذلك الزمن كانت شعوب القفقاس (الشراكسة) شعوب مسيحية ، ولكن في نهاية القرن الخامس عشر ، عاد رجل شركسي من مماليك مصر إلى بلاده وبدأ هناك ينشر الدين الإسلامي ، فاعتنق قسم كبير من سكان المنطقة الإسلام .وفي نفس الفترة الزمنية في مكان آخر في إيطاليا بالتحديد ، ظهرت لوحة موناليزا (الجوكندا) للفنان العبقري ليوناردو دافنشي والتي أحدثت ضجة روحية في إيطاليا بسبب شدة التعبير الروحي في وجه المرأة المرسومة في اللوحة ، حيث تبدو ابتسامتها المحيرة وكأنها صرخة صامتة تقول فيها (أنا إمرأة ، أنا روح ، لي حقوق) . وكأن هذه الصرخة الصامتة قد انتقلت عبر الأثير إلى بلاد القفقاس ، فالذي حدث هناك أن فتاة غنية أحبت شابا فقيرا ، وكونها كانت تعلم أن أباها سيرفض زواجها من هذا الشاب ، ولكن إحساساتها الداخلية التي جعلتها تشعر وكأن حبيبها هو نصف روحها الآخر وأنه من المستحيل أن تتحد روحها مع روح أخرى ، لهذا أصرت أن تعارض تقاليد المجتمع التي لا تسمح للمرأة التعبير عن رأيها ، فذهبت إلى شيخ البلدة الذي يحترمه الجميع ، وأخبرته بحالها وبأنها لن تتزوج من رجل آخر سوى الشاب الذي تحبه وإلا ستنتحر لأنها لن تستطيع أن تعيش شريكة لرجل آخر . عندما رأى الشيخ ذلك الإصرار الروحي في الفتاة وكونه يعلم تماما بأن الشاب المقصود كان طيبا وعيبه فقط هو فقره ، رأى أن من واجبه تحقيق حلم هذه الفتاة فطلب منها ان تبقى في بيته وألا تخرج منه مهما حصل ، ثم أخذ معه بعض كبار البلدة وذهب إلى والد الفتاة وأخبره عن العلاقة العاطفية بين ابنته والشاب ، وبعد نقاش طويل عن هذه العلاقة رضخ الأب بواقع الأمر ووافق على زواج ابنته من الشاب الفقير . وشاءت الأقدار ان تكون عائلة الشاب الفقير مع حبيبته من أسعد العائلات في البلدة حيث أصبحت هذه العائلة مثلا يحتذى بها ، ومنذ ذلك الوقت أصبح الزواج عن حب رمزا للعائلة السعيدة في الشعب الشركسي . والذي أدى فيما بعد إلى تغيير الكثير من التقاليد الإجتماعية للحفاظ على سلامة العلاقة بين الرجل والمرأة ، فرغم أن الشراكس مسلمون ولكن التقاليد التي نتجت عن الزواج عن حب كانت تسمح للقيام بحفلات تعارف تجمع الشباب مع الفتيات عند بلوغهم سن الرشد ليستطيع الشاب أو الفتاة أن يجد كل منهما الشخص الذي يمكنه أن يكون شريك حياته إلى آخر العمر . ضمن هذه التقاليد الجديدة تم وضع قوانين صارمة تحافظ على شرف ومكانة الفتاة ، فأي شاب يخل بهذه القوانين يصبح منبوذا من المجتمع . هذه التقاليد مع مرور الزمن استطاعت أن تروض الغريزة الجنسية عند الرجل عبر الأجيال ، لتجعل تكوينه الروحي يشعر من صميم أعماقه أن المرأة هي روح أولا ويجب النظر إليها كروح وليس كجسد وأن يكن لها أعلى مراكز الإحترام . بهذا التغير في نظرة الرجل نحو المرأة أصبح الزواج بالنسبة للرجل ليس حاجة لإشباع الغريزة الجنسية وإنجاب الأطفال ، ولكن حاجة روحية تحوله من نصف روح إلى روح كاملة بإتحاده مع نصفه الآخر .
فكلمة (رجل) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى في المجتمع الشركسي هو الرجل الذي يستطيع السيطرة على رغبات غريزته الجنسية ، والزواج بالنسبة للرجل الشركسي هدفه تحقيق عائلة سعيدة وليس تحقيق رغباته الغريزة الجنسية ، لهذا الزواج في المجتمع الشركسي لا يحدث إلا بعد قصة حب من الطرفين ، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عندما تكون الفتاة لها الحرية المطلقة في اختيار زوجها . لهذا الرجل الشركسي بعد الزواج لا يشعر بأنه بحاجة لزوجة ثانية أو ثالثة ، فنسبة عدد النساء إلى عدد الرجال في عصرنا الحاضر تقريبا متساوية ولم تعد كما كانت في الماضي . الرجل في المجتمع الشركسي إذا رأى زوجته غير قادرة على الإنجاب يسلم أمره لله ، فالكرة الأرضية اليوم مكتظة بالناس والإنسانية ليست بحاجة لزيادة عدد أفرادها ، لهذا الرجل في المجتمع الشركسي في حال عدم قدرة زوجته على الإنجاب ، يمارس عاطفة الأبوة في داخله من خلال رعاية أطفال أخوته وأقربائه وجيرانه ،أو يحاول أن يتبنى طفل يتيم يربيه ويرعاه ليكون بمثابة ابنه لكي لا يضاعف عذاب زوجته ، فزوجته هي نصف روحه ، وعقله الباطني لن يسمح له أن يهينها . فالشراكسة في رفضهم لقانون تعدد الزوجات والزواج العرفي والزواج المؤقت ، يطبقون تعاليم القرآن الكريم بشكل افضل مما يشرعه علماء الأزهر . فالرجال المسلمين العرب اليوم كونهم يرون حقوقهم فقط لهذا أخذوا من الآية القرآنية فقط هذا المقطع (... فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ) ، ولكن الرجل الشركسي كونه يراعي حقوق زوجته وأولاده فقد أخذ من الآية فقط هذا المقطع (فَإنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) .
فمشروعية تعدد الزوجات في العصور الماضية كان فيها رحمة للمرأة بسبب قلة عدد الرجال ، أما اليوم فالأمر مختلف تماما ، ففيها إهانة للزوجة وللأبناء أيضا . فحتى وإن صدف عدم التوافق بين الزوج والزوجة في المجتمع الشركسي بسبب الإختيار الخاطئ ، ولكن شدة الإحترام بينهما ، يجعلهم يرضخون للواقع ويضحون بسعادتهم الشخصية ، فهذا الإحترام يساعد في ترابط العائلة الشركسية من أجل مصلحة العائلة ومصلحة الأبناء ومصلحة المجتمع بأكمله ، فالاستمرار في المعاشرة الحسنة بين الزوج والزوجة يخلق مع مرور الزمن نوع من المودة تستطيع التغلب على تلك الخلافات بين الزوج والزوجة ، لهذا نجد عدم وجود أي حالة طلاق في الشعب الشركسي ، ولا أي حالات تحرش ولا أي حالات إغتصاب بعكس ما يحصل في المجتمعات الغربية والمجتمعات الشرقية . (للأسف في السنوات الأخيرة وبسبب الإنحطاط الروحي العالمي بدأ بعض الشباب الشراكس التخلي عن تقاليد المجتمع الشركسي) .
خلاصة القول : بعد هذا الشرح عن تطور العلاقة بين الرجل والمرأة ، نستطيع أن نؤكد أن مشروعية تعدد الزوجات هو من الآيات المتشابهات وليس من المحكمات ، وأن الشرع الإسلامي نفسه يمنع تعدد الزوجات والزواج العرفي والزواج المؤقت في عصرنا الحديث ، وأن تبريرات الدكتور استاذ كلية الشريعة في جامعة الأزهر التي ذكرناها في بداية المقالة هي تبريرات فكر متخلف يصلح فقط للعصور الماضية ، وتطبيقها اليوم سيساعد في إنحطاط المجتمع الإسلامي وتدميره ، فالمرأة اليوم تعيش في عصر سن الرشد . والحديث الشريف يذكر (يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ) ، وما حصل في المجتمع الشركسي هو نوع من التجديد في الدين الإسلامي ، ووجود الشراكسة منذ أكثر من مئة عام في مركز الأمة العربية (سوريا والأردن) ليس صدفة ولكن مشيئة إلهية ليعلم المسلمون أن ظروف المجتمع اليوم تختلف نهائيا عن ظروف مجتمعات العصور الماضية وما يطبقه المجتمع الشركسي هو نوع من التجديد في الدين الإسلامي .
رغم محاولة روح السوء العالمية في الفترة الأخيرة تشويه طبيعة المجتمعات عن طريق الحروب الأهلية ، فجميع الإحصائيات الحديثة الموثوق بها تؤكد على أن عدد الذكور اليوم يعادل تقريبا عدد الأناث ، وهذا يعني أن كل رجل غني سيتزوج أكثر من إمرأة واحدة ، عدا أنه سيهين زوجته وأولاده ، فهو سيحرم رجل آخر فقير من الزواج لأنه لن يجد إمرأة يتزوجها ، أي أنه سيسرق منه زوجته ، والرجل الذي سيتزوج أربع زوجات ، سيحرم ثلاثة رجال فقراء من الزواج .
الإنسانية في عصرنا الحاضر دخلت في سن الرشد ، والعلاقة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون مشابهة في اليمامة والحجل . الذكور الأطفال اليوم يولدون بروح يمامة ، ولكن دفاع رجال الدين عن مشروعية تعدد الزوجات والزواج العرفي والزواج المؤقت ، هو الذي يشوه التكوين الروحي لهؤلاء الأطفال عندما يصبحون رجالا ، فوجود هذه الأنواع من الزواج في النظام الإجتماعي يؤدي إلى تنشيط رغبات الغريزة الجنسية في الرجال ، فيحاولون إشباعها بالحلال - كما يظنون - عن طريق هذه الأنواع من الزواج التي أصبحت غير مشروعة دينيا . لهذا نجد اليوم أن ظاهرة (الطفل المجرم) قد انتشرت في جميع شعوب العالم ، هذه الظاهرة لم يعرفها التاريخ من قبل . ولكن ظهرت في عصرنا الحديث بسبب انتشار الإباحة الجنسية في الشعوب الغربية ، وبسبب عدم تجديد الدين الإسلامي والذي لا يزال يشرع تعدد الزوجات والزواج العرفي والزواج المؤقت في الشعوب الإسلامية . فلا فرق كبير في نوعية العلاقة بين المرأة والرجل بما يحصل في الشعوب الغربية وما يحصل في الشعوب الإسلامية ، فتعدد الزوجات والزواج العرفي والزواج المؤقت هي أيضا نوع من أنواع الزنى في عصرنا الحاضر . فنوعية العلاقة بين الرجل والمرأة هي التي تحدد سلوك المجتمع ، (زنى - قتل) ، (عفة - سلام) ، هذا قانون إلهي تعتمد عليه جميع التطورات . المؤمن الحقيقي اليوم هو الذي يتبع الآيات المحكمات ، وهذه الآيات المحكمات تطلب من المؤمن أن يكون سلوكه في علاقته مع زوجته كسلوك طائر اليمامة والحجل .... والله أعلم .
للمزيد من التفصيل للقراء الجدد يرجى العودة إلى الخواطر التالية :
- الخاطرة ١١ : العفة والسلام
- الخاطرة ٣٢ : رموز روح السوء
- الخاطرة ٣٣ : الأعور الدجال
- الخاطرة ٣٥ : الرمز الإلهي
- الخاطرة ٤١ - ٤٢ : الكون الروحي الجزء ١ ، والجزء ٢
- الخاطرة ٤٣ : العالم الروحي للكواكب
- الخاطرة ٥٢ - ٥٣ : فلسفة عيد الأضخى ، فلسفة الخروج من الجنة .
- الخاطرة ٨١ : معجزة هندسة المجموعة الشمسية .
ز . سانا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق