خواطر من الكون المجاور الخاطرة
الخاطرة ٢٥٤ : هل إنتهى وباء كورونا ، وهل كان حقا مؤامرة ؟
بعد أيام قليلة من إلغاء الحجر الصحي بشكل جزئي أو كلي في معظم بلدان العالم ، بدأت تظهر بعض الآراء في وسائل التواصل الاجتماعي تحاول أن تؤكد على أن وباء كورونا ( كوفيد ١٩) ، لم يكن سوى خدعة تخفي وراءها مؤامرة عالمية خبيثة . فمعظم هؤلاء مؤيدي نظرية المؤامرة ، يبدؤون بسؤالهم التقليدي ( ماذا حدث وأدى إلى فك الحجر الصحي بشكل فجائي لتعود الأمور على ما كانت عليه قبل إنتشار وباء كورونا ؟ ) فحسب رأيهم أن كورونا لا يزال موجود ، فلماذا إنتهى الحجر الصحي في معظم دول العالم ، وهذا يعني بالنسبة لهم بأن الأمر فيه شيء مريب يدعو للشك بكل تلك الإجراءات العالمية في الحجر الصحي التي تم اتخاذها من أجل مواجهة وباء كورونا والتي أثرت بشكل كبير على إقتصاد معظم الدول . وربما من الوهلة الأولى قد نعتقد بأن لديهم بعض الحق في هذا التساؤل . ولكن لو تمعنا جيدا فيما يقال في مثل هذه الآراء سنجد وجود الكثير من التناقضات .
من إحدى المقاطع التي إنتشرت قبل أيام بشكل واسع في وسائل التواصل الاجتماعي في الوطن العربي هو مقطع فيديو هدفه جلب أكبر عدد من المشاهدات لدفع الناس البسطاء إلى الإعتقاد بوجود مؤامرة عالمية خبيثة ، وحتى يحقق هذا المقطع هدفه هذا ، إدعى الناشر أن الشخص المتحدث في هذا المقطع هو وزير الصحة في الأردن ولكن في الحقيقة أن الشخص الذي يظهر فيه هو صحفي لا علاقة له لا بوزارة الصحة ولا بعلم الطب ولا بعلم الأوبئة . في هذا المقطع يحاول الصحفي أن يؤكد بأن وباء كورونا هو مؤامرة خبيثة تديرها فئة صغيرة من الناس تسيطر على الرأسمال العالمي بهدف السيطرة على البشرية بأكملها من جميع النواحي ، حيث يذكر أحداث وفيات وإنتحارات عديدة تم نشرها في الأخبار العالمية ، ولكنه في المقطع يعرضها بشكل مختلف جدا عن الحقيقة فيحولها إلى عمليات إغتيال قامت بها أيدي أصحاب المؤامرة . جميع هذه التشويهات في الحقائق التي اتبعها هذا الصحفي كانت فقط ليبني عليها فكرة المؤامرة . والنتيجة كانت أن هذا الصحفي وقع في تناقضات كبيرة تكشف فقط شدة سطحية رؤيته لما يجري حوله والعالم الخيالي الموجود في عقله فقط وعقل أصحاب نظرية المؤامرة . فعملية نشر الفيديو واستخدام الخدعة عن طريق تزييف شخصية الصحفي إلى وزير صحة يدل بوضوح على نوعية اسلوب أصحاب نظرية المؤامرة في إقناع الآخرين بوجود هذه المؤامرة .
هنا سأذكر مثالا بسيطا لنسف نظرية المؤامرة كبداية لتساعدنا في متابعة موضوعنا :
الرئيس الأمريكي ترامب يعتبر من أكبر أغنياء العالم قبل استلامه الرئاسة الأمريكية وهو اليوم رئيس أقوى دولة في العالم ، فمنطقيا يجب أن يكون ترامب أحد أعضاء عصابة المؤامرة ، فترامب ليس باراك أوباما ، فأوباما كان رئيسا لأمريكا ولكنه كان رجلا بسيطا يستطيع أصحاب رؤوس الأموال أن يتلاعبوا به كما يشاؤون لتحقيق مصالحهم وهذا ما حصل فعليا في فترة حكمه . أما بالنسبة لترامب فالأمر مختلف جدا ، فترامب مغرور بنفسه وصاحب مركز قوة أكبر ولا يمكن مقارنته بأوباما بأي شكل من الأشكال ، ولهذا نجد أن نجاحه في الإنتخابات الماضية أتى بشكل لم يتوقعه أحد . فترامب المغرور والذي يملك هذه القوة لن يسمح لأحد أن يسيطر على قراراته إلا في الناحية التي تتوافق مع مصالح ترامب نفسه ، ولهذا يعلم الجميع بأن القرارات التي يتخذها ترامب لا يمكن توقعها لأنه يفعل ما يريده هو من دون الرجوع فيما إذا كانت صحيحة أو على خطأ . ولهذا فبحسب القوة التي يمتلكها ترامب يجب أن يكون هو أيضا أحد أعضاء عصابة المؤامرة ، فلو كانت هذه العصابة فعلا موجودة وتتحكم بإدارة كل شيء على سطح الأرض كما يزعم أصحاب نظرية المؤامرة لكان وضع أمريكا اليوم مختلف تماما ، ولكن في الواقع وضع أمريكا ووضع ترامب بالذات قد اختلف تماما عما كان يطمح به ، فجميع رؤساء أمريكا في الماضي في فترة الأزمات العالمية كانت ترتفع نسبة درجة ثقة الشعب الأمريكي بهم ، ولكن فقط مع ترامب الأمر أصبح معاكسا تماما ، فبرغم أن في فترة حكمه حتى قبل ظهور وباء كورونا كانت ثقة الشعب الأمريكي به قد وصلت إلى أعلى درجاتها، ولكن الآن تشهد انخفاض كبير في شعبيته لدرجة أن ترامب نفسه لا يصدق بأن فيروسا صغيرا لا يرى بالعين المجردة يمكن أن يحطم فجأة كل ما فعله من أجل ضمان انتخابه للمرة الثانية . فأين هي عصابة المؤامرة ولماذا لا تفعل شيئا لأعضائها المحببين .
(نظرية المؤامرة) في الحقيقة تم اختراعها كوسيلة لغسل عقول الشعوب .وأول من استخدم نظرية المؤامرة هي سلطة الحزب الشيوعي التي كانت تحكم الإتحاد السوفيتي ، فهذه السلطة خلقت فكرة (نظرية المؤامرة) لتدمير العقيدة الدينية في نفوس الشعوب التي تقع تحت سيطرتها . لهذا لو تمعنا جيدا في طبيعة نظرية المؤامرة سنجد أنها تعتمد على فكرة أن هناك جماعة من كبار أصحاب المال يرسمون خططا تسمح لهم في السيطرة على البشرية بأكملها ليجعلوها تسير بدقة كما يريدون هم فقط ، وأهم شيء في نظرية المؤامرة أن هذه الجماعة تتبع عقيدة دينية ، كالماسونية ، أو بعضهم يذكر أسم الكبالا رغم أن الكبالا هي عقيدة فلسفية وليست سياسية ، أو منظمة ايبسلون Ε .... وغيرها من المنظمات التي روج لها أيضا الكاتب دان بروان أو غيره في رواياتهم الخرافية . فالسبب الحقيقي لظهور ( نظرية المؤامرة) هو محاولة الطعن بكل عقيدة دينية من أجل إبعاد الناس عن الإيمان بالله وبوجوده . لذلك خذوها قاعدة عامة أن كل شخص يؤمن بوجود ( نظرية المؤامرة ) ويفسر الأحداث على أنها من تخطيط عصابة المؤامرة ، هو بشكل مقصود أو غير مقصود ينكر وجود أي تدخل إلهي ،ويروج فكرة "أن كل مشكلة تحدث في الإنسانية اليوم سببها سيطرة عصابة المؤامرة التي استطاعت إلغاء الوجود الإلهي " ، وهو في نفس الوقت يحاول أن يرفع الشعور بالمسؤولية عن الجميع من خلال محاولته إقناع الجميع بأنهم أبرياء لا علاقة لهم بالمشاكل التي تحدث في بلادهم او خارجها ، وأن السبب الحقيقي لكل ما يحصل من مشاكل في بلادهم هم أفراد عصابة الشر أصحاب المؤامرة ، ليتابعوا هؤلاء البسطاء سلوكهم السيء الذي يضاعف المشاكل في بلادهم أكثر فأكثر .
يقـول الله تعـالى في الآية /١١/ من سـورة الرعـد (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) ، ما أريد أن أقوله هنا هو أننا جميعا في الحقيقة أفراد هذه العصابة وأن جميعنا بدون أن ندرك نشارك في تحقيق أهداف هذه العصابة التي لا وجود لها في الحقيقة لأنها بداخلنا فقط، فهذه العصابة لا تتألف من أشخاص ولكنها تتألف من أفكار بدأت تظهر قبل ١٥٠ عام تقريبا ، فاعتقدها بعض المثقفين أنها ثورة فكرية ستخلق عصر جديد مختلف نهائيا عن العصور الماضية و سيضمن هذا العصر تأمين رؤية علمية وفلسفية جديدة تضمن تطور العلوم وتضمن حقوق الإنسان وسعادة الشعوب ، فانتشرت هذه الأفكار بشكل تدريجي كنظريات علمية وآراء فلسفية وتيارت فنية تُدرس في الكتب المدرسية في جميع أنحاء العالم والتي أسميها في مقالاتي بشكل مختصر (الرؤية الماركسية) والتي معظم علماء العالم اليوم من علماء دين وفلسفة وعلوم مادية وفنون يعتمدون عليها في أبحاثهم وأعمالهم .
سأضرب لكم مثالا بسيطا من الوطن العربي يشرح لنا كيف يساهم الكثير من العرب المثقفين وغير المثقفين بعلمهم او دون علمهم في تحقيق أهداف المؤامرة التي يكتب الكثير عنها : محمد رمضان الممثل الذي أصبح أغلى ممثل عربي والذي في أفلامه يلعب دور الشرير ولكن بصورة البطل المنقذ ، ورغم أنه في الواقع ايضا إنسان ذو شخصية أنانية ووقح في سلوكه وتعامله مع الآخرين ، والذي اليوم أصبح يمثل قدوة فاسدة للشباب والصغار ، ولكن رغم ذلك في كل مرة يضع صورته أو يضع مقطع فيديو له في وسائل التواصل الاجتماعي نجد أن عدد المشاهدات عليه يصل إلى عشرات الملايين ، وكل مسلسل أو فيلم يقوم به يأتي بأرباح مالية أضعاف المسلسلات والأفلام الاخرى . جميع هذه الأشياء تجلب له أموالا ضخمة تعطيه ثقة مطلقة بنفسه ليقول ما يشاء ويفعل ما يشاء دون أن يهتم برأي أحد نحو ما يقوله أو ما يفعله ، فالمال اليوم أصبح أكبر قوة مسيطرة في المجتمع ، وهذا ماجعله يعتقد أنه أفضل من الجميع . والسؤال هنا من يدعم هذا الممثل (القدوة الفاسدة) ويساعده في النجاح، هل هو مدعوم من أفراد عصابة المؤامرة ؟ طبعا لا ، ولكن الذي يحصل هو أن هناك جماعة من المنتجين يعبدون المال استطاعوا السيطرة على إنتاج الأعمال السينمائية والتلفزيونية ، وهؤلاء لا تهمهم لا مصلحة شعب مصر ولا مصلحة الأمة العربية ولا مصلحة الأمة الإسلامية ولا حتى الإنسانية بأكملها ، ما يهمهم هو فقط ربح أكبر قدر من الأموال ، والتيار الحديث يقول بأن أعمال العنف والدعارة وتدمير التقاليد السامية هي اليوم التي تأتي بأكبر الأرباح . هذا التيار تسير عليه معظم الأعمال السينمائية في معظم دول العالم . والمشكلة الكبرى هنا أن معظم أفراد الشعب دون علمهم يساهمون في تنمية هذا التيار . هناك الكثير من الناس يعترفون أن الممثل محمد رمضان هو إنسان أناني ومغرور ووقح في سلوكه ، ولكن ومع ذلك شاهدوا جميع افلامه ومسلسلاته ، أي أنهم دون أن يعلموا ساهموا في تقوية هذا الممثل ليستمر في أسلوبه الفاسد باصرار . فليسأل كل قارئ نفسه ومن حوله ليعلم كم شخص شاهد مسلسل ( البرنس) في شهر رمضان في هذا العام . وأنا أقول هنا أن كل شخص صائم شاهد مسلسل ( البرنس) فقد شوه صيامه وحوله إلى صيام جسدي فقط . وأن صيامه هذا لم يكن له أي معنى روحي ، لأن الصيام الحقيقي هو الذي يزيد في داخلك الشعور بالآخرين ليساعد هذا الشعور في المستقبل برفع المستوى المعيشي للفقراء والمظلومين وليخلق مجتمع إنساني أفراده تتعاون مع بعضها البعض في تحقيق مجتمع متكامل ، فمن خلال تنمية الشعور بالآخرين هذا ، الله يبارك هذا المجتمع ليتطور نحو الأمام . ولكن مشاهدة مسلسل ( البرنس) أو ما يماثلها يُحدث العكس تماما ، لأن شخصية محمد رمضان وأدواره في المسلسلات والافلام تشجع على تنمية الشعور بالأنا والغرور وتقتل في داخلهم الشعور بالآخرين ، كما حصل تماما مع محمد رمضان فتحول إلى شخص اناني مغرور بنفسه .
قد يعترض البعض هنا ، ويقول أن محمد رمضان يعمل في أفلام ومسلسلات تجارية ، وأنه هناك أعمال فنية جادة تتقيد بالقوانين الأكاديمية . لهذا سأذكر مثال بسيط أخر يوضح لنا أن الفن اليوم بجميع نوعياته يسير مع التيار الحديث . فقبل أسبوعين تقريبا تم نشر خبر وفاة الأديب والناقد الفني (رياض عصمت) ، وكان خبر وفاته وكأنه خبر طبيعي مثله مثل بقية الأخبار اليومية ، ولكن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق . فرياض عصمت - رحمه الله- كان من كبار نقاد المسرح والسينما المعترف بهم دوليا ، فهو حاصل على شهادة دكتوراه في الفنون المسرحية - الولايات المتحدة ، ودكتوراه في شكسبير - باكستان ، وماجستير في الإخراج المسرحي - بريطانيا ، بكالوريوس في الأدب الإنكليزي - سورية . وشهادة في الإخراج التلفزيوني من بي بي سي - لندن . هذه الشهادات التي يحملها رياض عصمت تدل على أنه كان يحاول أن يصل إلى أرقى المعارف وبشكلها العلمي الصحيح ليساعد في رفع مستوى الإنتاج الفني المسرحي والسينمائي والتلفزيوني . ومع ذلك رغم جميع السنوات التي قضاها في الدراسة ، وجميع هذه الشهادات ، نجده وبدون وعي هو بنفسه كان قد ساهم في في تدمير الفن ليصل إلى هذه المرحلة التي تجعل من محمد رمضان وأمثاله أن يصعدوا إلى قمة الشهرة ، ولتتحول الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية إلى وسائل تساهم في فساد المجتمع . الحكمة الإلهية كشفت لنا حقيقة أعمال هذا الأكاديمي الكبير في المجال الفن العربي ، فوفاته حدثت في مستشفيات امريكا بسبب إصابته بفيروس كورونا . لماذا الحكمة الإلهية اختارت هذا الشخص بالذات ؟ الجواب على هذا السؤال بسيط جدا : وهو لأن أشهر أعماله تحمل عناوين تتعلق بالرموز الروحية لفيروس كورونا ، فأهم رواياته هي رواية ( تاج من شوك) ، وأهم مسرحياته التي أخرجها تحمل عنوان (القناع) ، وأهم كتبه في النقد الفني عنوانه ( بقعة ضوء) . جميع هذه المصطلحات التي استخدمها كعناوين لأعماله هي رموز فيروس كورونا ، وقد اعتمدنا عليها في المقالات الماضية لشرح الحكمة الإلهية في ظهور وباء كورونا . ولكن للأسف عمى البصيرة في الإعلاميين دفعهم إلى نشر خبر وفاة عصمت بفيروس كورونا وكأنه خبر قد حدث بالصدفة ولا يحمل داخله أي معنى . ولكن الحقيقة غير ذلك فهذا الخبر يؤكد على أن الجميع - سواء كان ذو ثقافة بسيطة أو كان من أصحاب الشهادات الاكاديمية العالية - يشارك في تنمية الأنانية والغرور وحب الذات في معظم أفراد المجتمع، لتحول معظم العاملين في السينما إلى محمد رمضان لو سمحت لهم الظروف .
لهذا لم يعد شهر رمضان شهر مبارك في البلاد الإسلامية، لأن المسلمين يصومون ويشاهدون مسلسلات محمد رمضان وأمثاله التي هدفها تمزيق المجتمع . الصيام اليوم لم يعد له أي فائدة للمجتمع أو للأمة أو للإنسانية طالما أن أفراد هذا المجتمع يشاهدون مسلسلات منحطة تساهم في صعود محمد رمضان وأمثاله إلى قمة الشهرة ، بمعنى آخر أن الملايين من المشاهدات التي حققها مسلسل (البرنس) وغيرها من المسلسلات قد حولت صيام الملايين من المسلمين إلى صيام باطل لا علاقة له بذلك الصيام المذكور في القرآن الكريم . لذلك لا تقولوا أن هناك مؤامرة ضد الأمة العربية أو ضد الأمة الإسلامية ، فالحقيقة أن الله عز وجل أدار وجهه عن هذه الأمة لسبب بسيط وهو أن نوعية صيامها وصلاتها وإيمانها اليوم أصبح باطلا . المشكلة اليوم ليست فقط أن حكومات معظم الدول أصبحت فاسدة ولكن المشكلة الكبرى هي أن الشعوب نفسها أصبحت شعوب فاسدة فأصبح دعاءها لله غير مستجاب ، ولهذا وصلت الإنسانية اليوم إلى أسفل السافلين ، حيث فئة قليلة تستعبد الفئات العديدة .
لا يشك أحد بأن الدول العظمى تلعب دور كبير في فساد المجتمع وزعزعة الإستقرار في الكثير من الشعوب ، وأن المنظمات العالمية جميعها اليوم أصبحت منظمات فاسدة وفاشلة في تحقيق تلك الأهداف التي وضعتها عند إنشاء المنظمة ، فمثلا منظمة الأمم المتحدة هدفها حماية حقوق الشعوب والإنسان ، ولكن الذي يحدث في الواقع أن القرارات التي تؤخذ في هذه المنظمة لحماية حقوق الشعوب لا يُطبق بها قانون الديمقراطية أو الشورى ، فيكفي أن تأتي دولة عظمى وتضع حق (الفيتو) في قرارات هذه المنظمة لتجعل هذه القرارات التي وافقت عليها الدول الأخرى أن تذهب في سلة المهملات ، أي أن القرار الذي سيطبق في الواقع هو القرار الذي أرادته تلك الدولة التي استخدمت حق (الفيتو) . فما يحصل في تطبيق قرارات منظمة الأمم العالمية لا تتحكم بها عصابة سرية تسيطر في الخفاء على القرارات ، ولكن يوجد منهج علمي فاسد يستخدمه العلماء بجميع فروعهم العلمية في أبحاثهم ، هذا المنهج العلمي صنع شعوب فاسدة ، وهذه الشعوب الفاسدة صنعت منظمات فاشلة ، واختارت حكومات فاسدة لتحكم بلادها ، وهذه الحكومات والمنظمات بدورها حولت هذا العصر إلى عصر فاسد من جميع نواحيه حيث كل حكومة تسعى إلى تحقيق مصالحها فقط وترى أن مصالحها هي فوق مصالح الجميع ، لهذا فإن فكرة ( نظرية المؤامرة) هي فكرة ساذجة لا يؤمن بها إلا بسطاء العقول ، فعدو البشرية اليوم هو أخطر بكثير مما نتصوره ، لأن هذا العدو أصبح جزء من تكويننا الإنساني ، يعيش داخلنا ويتحكم بسلوكنا لصالحه في تدمير الإنسانية . الإنسان المعاصر ليس أخا لهابيل الذي تقبل الله منه قربانه ، ولكنه أخا لقابيل الذي تكوينه الإنساني كان سببا لطرد الإنسان من الجنة .
لنعود إلى موضوع وباء كورونا ونشرح الأسباب الحقيقية التي دفعت حكومات معظم دول العالم باتخاذ قرار إلغاء إجراءات الحجر الصحي سواء كان بشكل كلي أو بشكل جزئي . فهذا القرار لم يحدث عن عبث أو بسبب مؤامرة ، ولكن حدث بسبب ثلاثة عوامل رئيسية :
- العامل الأول : وهو الإنهيار الإقتصادي ، فبسبب قرارات الحجر الصحي التي وضعتها حكومات الدول في معظم دول العالم والتي دامت لمدة شهرين ونصف للحد من تفشي الفيروس، حيث تم إغلاق جميع المطاعم والكافتيريات والفنادق والمصانع وشركات الطيران وشركات السفر الداخلية والخارجية والمحلات التجارية العملاقة و الصغيرة والشركات غير الضرورية ، ليبقى الناس في منازلهم وبدون عمل . هذه الإجراءات قد أحدثت مشاكل إقتصادية كبيرة . فنجد دول الاتحاد الأوروبي مثلا بعد جدال طويل بين أعضائها وافقت على خطة طوارئ بقيمة ٥٥٠ مليار دولار أميركي لإنهاض الاقتصاد الأوروبي المنهار بسبب وباء كورونا .
بعض التقديرات تذكر أن إجراءت وباء كورونا التي دامت لشهرين ونصف تقريبا قد سببت في إنهيار إقتصادي أقوى مما حدث خلال الانهيار المالي العالمي عام ٢٠٠٨ والذي لا تزال بعض الدول حتى الآن تعاني منه. حيث تشير بعض التقديرات إلى أن الاقتصاد العالمي معرض لخسارة أكثر من ٢ ترليون دولار. فقد تجاوزت خسارة الصين وحدها نحو الـ ٢٠ مليار دولار خلال أيام قليلة مع بداية إنتشار الوباء.
هذا الإنهيار الإقتصادي دفع معظم حكومات الدول غصبا عنهم في تغيير طريقة التعامل مع الوباء ، فقد وجدوا أن أمامهم حلين إثنين : إما أن يحافظوا على اجراءات الحجر الصحي كما يقررها خبراء الأوبئة للمحافظة على سلامة مواطنيهم وعندها سيجعل الدولة بأكملها تموت إقتصاديا . وإما أن يلغوا اجراءات الحجر الصحي من أجل الحفاظ على الدولة نفسها . فاضطروا إلى اختيار الحل الثاني .
وحتى نفهم الموضوع بشكل أفضل سأذكر مثالا يوضح الفروقات التي حصلت بين بلدين وهما السويد واليونان، حيث أن عدد سكان البلدين متقارب جدا ويعادل /١٠/ مليون نسمة تقريبا . بلاد السويد اختارت الحل الثاني منذ البداية ولم تأخذ أي إجراء لمواجهة الوباء ، فحسب رأيهم أن معظم ضحايا الوباء هم من الكبار بالسن ، وكون الشعب السويدي شعب يعاني من تفكك الروابط العائلية ، فهؤلاء الكبار في السن لا يسأل عنهم أحد ولن يحزن على وفاتهم أحد ، لهذا لم يتخذوا أي إجراء وتركوا الوباء يفعل ما يريد ليتخلصوا من كبار السن الذين أصبحوا عالة على الدولة نفسها ، لهذا نجد أن عدد الإصابات في السويد قد وصل إلى ٣٦٤٠٠ إصابة ، بينما عدد الوفيات وصل إلى ٤٤٠٠ وفاة . ولكن بالنسبة لبلاد اليونان فكان الأمر معاكس تماما والسبب هو أن الروابط العائلية في الشعب اليوناني في الكثير من المناطق لا تزال قوية حيث الأبناء والأحفاد يعتنون ويهتمون بأبائهم وأجدادهم ، فنجد خبير الامراض المعدية البروفسور سوتيريس تسيودراس الذي وضعته الحكومة اليونانية ليكون المسؤول الأول في مواجهة وباء كورونا ، نجده في أول كلمة ألقاه على الشعب اليوناني ليشرح فيها عما سيحصل بتفشي هذا الوباء ، نراه لم يستطع ضبط عواطفه فبكى وهو يذكر أن الأمر خطير وأن الإستهتار به قد يسبب وفاة الكثير من الأحباء إلى قلوبنا . هذا السلوك العاطفي أثر على مشاعر معظم اليونانيين ، ولهذا لم يشتكي الشعب اليوناني من الإجراءات الصارمة جدا التي وضعتها الحكومة اليونانية في مواجهة كورونا ، ولهذا نجد أنه رغم أن عدد سكان اليونان يعادل عدد سكان السويد ولكن نسبة الإصابات والوفيات لا يمكن المقارنة بينهما ، فعدد الإصابات في اليونان ٢٩٠٠ إصابة فقط و ١٧٥ حالة وفاة ، رغم أن مستوى الكادر الصحي في السويد أعلى بكثير من مستوى الكادر الصحي في اليونان . ولهذا اليوم تعتبر السويد من أسوأ الدول في طريقة مواجهتها لوباء كورونا لأنها لم تهتم بحياة الإنسان ، أما اليونان فتعتبر من أفضل الدول الأوروبية في طريقة مواجهة الوباء لأنها أهتمت أولا بحياة الإنسان مهما كان .
ولكن الذي حصل بعد مرور شهرين ونصف أن الحكومة اليونانية لم تعد قادرة على تحمل الخسائر الإقتصادية التي نتجت عن هذه الإجراءات الصارمة لهذا اضطرت قبل أيام قليلة أن تلغي بعض إجراءات الحجر الصحي لتنشط الحركة التجارية ولتمنع إنهيار الدولة نفسها ، والذي شجع على اتخاذ هذا القرار أن معظم اليونانيين بعد مرور شهرين من الحجر الصحي قد اكتسبوا معرفة كافية وسلوك مناسب لمنع انتشار الوباء قدر المستطاع.
- العامل الثاني وهو إرتفاع درجة حرارة الطقس وتاثيره على فيروس كورونا . فمن المعلومات العلمية الماضية أن معظم الفيروسات تتأثر بدرجات الحرارة ، ونفس الشيء ينطبق على فيروس (كوفيد ١٩) ، فبتحليل الحالات العالمية لإنتشار الفيروس ، وجدوا أن ٩٠ ٪ من الإصابات حدثت في مناطق ذات درجات حرارة تتراوح بين ٣ إلى ١٧ درجة مئوية ، ورطوبة من ٤ إلى ٩ . لذلك يتوقع أن يساعد إرتفاع درجات الحرارة إلى أعلى من ٣٠ درجة مئوية وارتفاع نسبة الرطوبة في تقليل نشاط الفيروس .
ويمكن تعليل هذه الفرضية بناء على تركيب الفيروس ، فالفيروس مغلف بغشاء دهني من الخارج، وهذا الغشاء الدهني يتأثر بارتفاع درجة الحرارة . فهذه الطبقة من الدهون تحمي الجسيمات الفيروسية عند الانتقال من شخص لآخر في الهواء، ولكن هذا الغلاف يمكن أن يجف بشكل أسرع في درجات حرارة ٣٠ مئوية وما فوق، ما يؤدي إلى القضاء على الفيروس وتعطيل انتشاره .
هناك أمر آخر وهو تأثير الأشعة فوق البنفسجية الموجودة في الأشعة الشمسية حيث تعطل هذه الأشعة الفيروس أثناء تعرضه لضوء الشمس ، فأشعة الشمس هنا والتي بدأت تزداد كميتها مع الدخول في فصل الصيف ستلعب دور مطهر طبيعي ضد هذا الفيروس كما يحصل مع عدوى الأنفلونزا في أشهر الربيع والصيف .
الرطوبة أيضا ستساعد في تقليل إنتشار الفيروس ، فإن وجود الرطوبة بشكل مناسب يجعل الفيروس يمتص بعض الرطوبة من الهواء فيتضخم ويثقل وزنه ويجعله من الصعب البقاء في الهواء فيسقط بسرعة على الأرض فيقل انتشاره بين الناس بسرعة ، لذلك فكلما زادت نسبة الرطوبة النسبية قل عدد الإصابات .
- العامل الثالث : وهو العامل النفسي . للأسف هذا العامل رغم أهميته ولكن القليل جدا يتكلمون عنه ، فإجراءات الحجر الصحي التي دامت لمدة أكثر من شهرين ، قد أثرت نفسيا على الكثير من الناس كبارا وصغارا ، فالبقاء في المنزل وعدم التنقل وعدم رؤية الأهل أو الأقارب أو الأصدقاء قد أصبح يخلق مشاكل نفسية عند البعض قد تكون نتائجها أسوأ مما سيسببه فيروس كورونا نفسه في هؤلاء ، لهذا وجب تخفيف إجراءات الحجر الصحي لإعطاء بعض الحرية لمثل هؤلاء كي لا تزداد مشاكلهم النفسية أكثر فأكثر .
مما شرحناه قبل قليل نستطيع أن نقول أن وباء كورونا ليس خدعة ولا مؤامرة ولكنها حقيقة . الوباء لا يزال موجود حتى الآن ويحاول أن يستمر في الإنتشار ، ولكن بسبب العوامل الثلاث التي ذكرناها تم تغيير طريقة مواجهته ليس اختيارا ولكن كقرار ضروري للمحافظة على المصلحة العامة للمجتمع . لهذا يجب علينا ان نستمر في متابعة تلك الاجراءات التي تساعد في منع انتشار الفيروس ، فالمشكلة هنا هي أن هذا الفيروس قد لا يؤثر على الشباب ، ولكنه سينتقل بواسطتهم إلى كبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة ، وعندها سيكون هؤلاء الشباب هم أنفسهم من سيساعدون الفيروس في قتل هؤلاء الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله.
هناك حكمة إلهية في ظهور الفيروس وقد شرحتها في سلسلة من أربع أجزاء . والإستهتار بالفيروس يعني الإستهتار بالحكمة الإلهية من ظهوره ، وهذا الإستهتار قد يسمح للفيروس أن يعود ثانية وبخطورة أكبر بكثير ، والله أعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق