الاثنين، 5 أغسطس 2024

عقيدة التوحيد في الديانة الهندوسية .الجزء ٥

 خواطر من الكون المجاور

الخاطرة ٣٣٩ : عقيدة التوحيد في الديانة الهندوسية .الجزء ٥
في الأجزاء الماضية من سلسلة (عقيدة التوحيد) تكلمنا عن الثابت الكوني للبنية الدقيقة (α) الذي تعادل قيمته (١/١٣٧) ودوره في عملية توحيد كل صغيرة وكبيرة في الكون ، وأيضا تكلمنا عن الرمز (١٨) ودوره في تحديد الشكل العام الناتج عن كل عملية توحيد تحدث بين الأشياء والأحداث الكونية بحيث تؤدي نتائجها في النهاية إلى ظهور الإنسان على سطح الأرض ليتابع تطوره نحو الكمال. وذكرنا أيضا أنه بدون فهم المعنى الرمزي للثابت الكوني للبنية الدقيقة (α) ، وكذلك بدون فهم معنى الرمز (١٨) سيجعل كل شيء يحصل في الكون يبدو للعلماء وكأنه قد حصل بالصدفة ، وبالتالي الأبحاث العلمية بكافة أنواعها ستأخذ منطق مبدأ (العلم للعلم والفن للفن والدين للدين) ، مما سيؤدي في النهاية إلى إنهيار الوحدة العالمية ودمار الطبيعة وبالتالي عرقلة محاولة الإنسان الوصول إلى الكمال.
وذكرنا أيضا أن تطور الكون وتطور الحضارات ما هو إلا تعبير روحي لمبدأ إزدواجية الحالة الموجودة في الجسيمات الأولية (جسيم - موجة) والذي الأصل الحقيقي لهذا المبدأ هو طبيعة الرمز (١٨) حيث الرمز (١) يمثل الحالة الجسيمية (المادية) ، بينما الرمز (٨) يمثل الحالة الموجية (الروحية) . وذكرنا أيضا أنه وبناءً على هذا المبدأ بأن تطور الإنسانية قد مر بثلاث مراحل : الأولى ومدتها (١٨٨١) عام (وهو عدد رمزي وليس واقعي) وهي تبدأ من خلق آدم (نشوء الكون بعد الإنفجار العظيم) وحتى ولادة النبي يوسف ، وهذه المرحلة رمزيا تمثل الحالة المزدوجة معا (جسيمية وموجية) . المرحلة الثانية ومدتها أيضا تعادل (١٨٨١) عام (وهو عدد واقعي) وتبدأ من ظهور الديانة الهندوسية (القرن /١٩/ قبل الميلاد) وحتى نهاية الحضارة اليونانية القديمة وبداية ظهور الديانة المسيحية . وهذه المرحلة تمثل رمزيا الحالة الجسيمية فقط . المرحلة الثالثة ومدتها أيضا تعادل (١٨٨١) عام وتبدأ من ولادة عيسى عليه وحتى نهاية عصر النهضة في القرن /١٩/ {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) المدثر} وهي تمثل رمزيا الحالة الثانية (الموجية) . فمع إنتهاء هذه المراحل الثلاثة دخلت الإنسانية مرحلة آخر الزمان (ظهور روح الأعور الدجال) التي ستمنع توحيد الحالتين (الموجية والجسيمية) في حالة واحدة والتي يمثلها كرمز ديني (المهدي - المسيح) .
في مقالة اليوم سنتكلم عن حقيقة الديانة الهندوسية ودورها في عقيدة التوحيد لفهم المخطط الإلهي . الحديث الشريف يقول (إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق) . الحديث يستخدم كلمة (الأخلاق) بمعناه الشامل والمقصود به هو التكون الروحي للإنسانية. فمعظم السلوك اليومي وردود الأفعال التي يقوم بها الإنسان لا يتم بسبب التدخل العقلي كما يظن الكثيرون ولكنه بسبب التكوين الروحي للإنسان نفسه ، فحتى تلك القرارات وردود الأفعال التي يقوم بها الإنسان بعد تفكير طويل ، فالذي يحدد نوعيتها ليس العقل ولكن التكوين الروحي للإنسان، فالعقل سيجري مقارنة بين الصحيح والخطأ ، ولكن تحديد الصحيح والخطأ هو أمر نسبي يختلف من شخص إلى شخص آخر بحسب تكوينه الروحي (العقل الباطني)، وفي النهاية سينحاز (العقل الظاهري) إلى ما يحدده تكوينه الروحي . فالمقصود بشكل عام من مصطلح (مكارم الأخلاق) هو التكوين الروحي السليم -الإنسان الكامل - الذي سيؤهل الإنسان ليكون ملائما للعيش في الجنة. (هذه الفكرة سيتم توضيحها بشكل مفصل في المقالة القادمة إن شاء الله)
رغم أن القرآن الكريم ذكر جميع مكارم الأخلاق، ولكن محمد صلى الله عليه وسلم لم يأتي للمسلمين بجميع مكارم الأخلاق ولكنه أتى بالجزء الأخير منها ، فمن أهم تعاليم عيسى عليه السلام -مثلا- هي تطبيق المبدأ الذي نصت عليه الآية القرآنية {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨) المائدة} . هذا المبدأ هو من مكارم أخلاق الإنسان الكامل الذي يستحق العيش في الجنة (دار السلام) . ولكن المسلمون لم يطبقوه لأن الظروف في تلك المنطقة وتلك الفترة الزمنية التي ظهر فيها الإسلام لم تكن مثالية وصالحة لتطبيقه ، فلو تم تطبيقه لما إستطاع المسلمون الحفاظ على دينهم ونشره في الشعوب المجاورة ليقوم بدوره الذي فرضه الله تعالى في مخططه الإلهي. ولهذا نجد أن القرآن الكريم يحتوي على نوعين من الآيات : آيات محكمات وآيات متشابهات . الآيات المحكمات هن أم الكتاب كونها تحدد جميع مكارم الأخلاق التي يتصف بها أهل الجنة ، أما الآيات المتشابهات فهي مناسبة لظروف عصر معين ومنطقة معينة ، ولكنها مرفوضة نهائيا في عصور أخرى كونها مناقضة لسلوك أهل الجنة . ولهذا توجد أحاديث شريفة تتكلم عن فترة آخر الزمان (فتنة الأعور الدجال) تفرض على المؤمنين بتطبيق مبدأ الآية (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَديَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) وأن في هذه الفترة الزمنية سيكون القاتل والمقتول في النار . فالتحريض على القتال والجهاد المسلح هو من الآيات المتشابهات التي إنتهى مفعولها منذ القرن /١٩/ على الأقل. المسلم اليوم الذي يستخدم آيات التحريض على القتال لأي سبب كان هو من أتباع الأعور الدجال وهو عدو للإسلام ولا علاقة له بالدين الإسلامي الحنيف بأي شكل من الأشكال .
الآية القرآنية /٦٢/ من سورة البقرة توضح لنا حقيقة مكارم الأخلاق (إِنَّ الَّذِينَ آمَنواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) . هذه الآية تذكر الديانات العالمية (الإبراهيمية) التي أنزل الله فيها مكارم الأخلاق وهي بالترتيب الزمني (الصائبة ، اليهودية ، المسيحية ،الإسلام) والصائبة هنا المقصود بها هو الديانات الآسيوية الشرقية والتي تُعتبر جميعها مشتقة من الديانة الهندوسية . الآية القرآنية تحدد أركان الإيمان وهي ثلاثة (الإيمان بالله ، الإيمان باليوم الآخر، العمل الصالح) المقصود بالعمل الصالح هو ما أشارت إليه الآية القرآنية {....أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...(٦١) هود} أي بمعنى لتعمروها لتجعلوها منطقة جميلة وصالحة للعيش ماديا وروحيا (جنة الأرض) تسمح للإنسانية بمتابعة سيرها على الصراط المستقيم لتصل إلى الكمال. إن تعمير الأرض هو عمل جماعي تشارك به جميع الأمم وكل أمة بحسب إختصاصها ، ولهذا يقول الحديث الشريف (خير الناس أنفعهم للناس) . فمكارم الأخلاق لا تحملها الأمة الإسلامية فقط ولكن جميع أتباع الديانات العالمية (الهندوسية ، اليهودية ، المسيحية ، الإسلام) ، فالحكمة الإلهية وزعت مكارم الأخلاق على جميع هذه الأمم ، فكل أمة حملت جزء من مكارم الأخلاق التي تخصها وحاولت إظهارها كصفة إنسانية راقية لتحافظ عليها لتبقى إلى يوم الدين {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) الحجر} . ولهذا نجد أن كل أمة ترفض التخلي عن دينها لتعتنق ديانة أخرى بدلا منها كونها لا تحمل مكارم الأخلاق الخاصة بها ، {.... إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(٧) الرعد} ، {....وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤) فاطر} .
فعدم إعتناق الهندوس واليهود والمسيحيون الدين الإسلامي ، وكذلك عدم تمكن الدين الإسلامي من الإنتشار ليصبح الديانة الرسمية لجميع الأمم ، هو حكمة إلهية لتساعد المسلمين إعتماد الآيات المحكمات الموجودة أيضا في الديانات الأخرى لتحل محل الآيات المتشابهات ، ونفس الأمر ينطبق على الديانات الأخرى . إن ذكر الآية {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} في سورة عنوانها (الحجر) ليس صدفة ولكن حكمة إلهية فكلمة (حجر) هي رمز لأمة من أمم العالم ، فكل أمة هي رمز لمجموعة سكانية تسكن منطقة من العالم منحها الله جزء من مكارم الأخلاق يناسب ظروف المنطقة في فترة زمنية معينة ، فترتيب سورة الحجر يأتي بعد السور (١٢- يوسف ،١٣- الرعد ،١٤- إبراهيم) ووضع هذه السور بهذا الترتيب هو حكمة إلهية لها معنى رمزي يُقصد به الديانة الهندوسية التي تمثل أول ديانة إبراهيمية والتي ظهرت بعد النبي يوسف عليه السلام بعدة قرون، والتي تؤمن بالرب براهما، فرغم أن مصدر أسم (براهما) من أسم (إبراهيم) ولكنها ظهرت بعد النبي يوسف عليه السلام الذي ولد بعد النبي إبراهيم عليه السلام .
هناك سورة في القرآن الكريم تحمل عنوان (الحجرات) وهي جمع كلمة (حجر) وهو عنوان السورة التي تكلمنا عنها قبل قليل ، فالمعنى العام لكلمة (الحجرات) المقصود به جميع الأمم ، فترتيب هذه السورة يأتي بعد السور (٤٧- محمد ،٤٨- الفتح) ، ومعنى هذا الترتيب هو ظهور آخر ديانة إبراهيمية (الإسلام) وإكتمال مكارم الأخلاق التي تم توزيعها على جميع الأمم (كرمز للحجرات). في هذه السورة ذكر لنا الله تعالى أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمن : الآية رقم (٦) تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) . للأسف نجد اليوم أن معظم المسلمين الذين تكلموا عن الديانة الهندوسية (في الكتب والمقالات ووسائل التواصل الإجتماعي) تنطبق عليهم صفة (الفاسق) المذكورة في الآية القرآنية ، فهؤلاء وبسبب تعصبهم الديني تكلموا فقط عن السلبيات الموجودة في الديانة الهندوسية بهدف تحقيرها بأعين المسلمين ، أما إيجابياتها (مكارم الأخلاق التي تخصها) فأخفوها ولم يذكروا شيئا عنها لتبدوا وكأنها دين وثني شيطاني . ونجد أيضا أن معظم المسلمين اليوم لا تنطبق عليهم صفة (الذين آمنوا) المذكورة في نفس الآية، لأنهم صدقوا مباشرة أولئك الفاسقين ولم يذهبوا ليبحثوا في المصادر الهندوسية ليتبينوا حقيقة هذه الديانة . فالهندوسية بشكلها الحالي اليوم مثلها مثل بقية الديانات العالمية فهي أيضا أصبحت ديانة غريبة عن شكلها الحقيقي كونها هي أيضا تعيش في عصر الإنحطاط والذي أشار إليه الحديث الشريف (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ) . الآية القرآنية /١١/ في سورة الحجرات تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا...) اليوم نجد أن معظم المسلمين يسخرون من الهندوسيين ويتهموهم بأنه يعبدون البقرة ويتطهرون ببولها وأن نظامها الإجتماعي هو نظام وثني شيطاني .
للأسف وبسبب التعصب الديني نجد أن معظم المسلمين اليوم لا يعلمون شيئا عن حقيقة الديانة الهندوسية فلم يحاول أي عالم ديني مسلم أن يبحث ويفسر لماذا الديانات القديمة قد إختفت جميعها من الوجود إلا الديانة الهندوسية التي لا تزال حية حتى الآن وتشكل ثالث ديانة عالمية بعد المسيحية والإسلام ، فعدد أتباعها يتجاوز المليار شخص (حوالي ١٥% من سكان العالم) أي أضعاف عدد اليهود بحوالي /٢٨/ مرة. إن بقاء الديانة الهندوسية حية حتى الآن هو حكمة إلهية ، فهناك أسئلة تتعلق بفلسفة الوجود لا يستطيع علماء الديانات السماوية الثلاث الإجابة عليها ، فكل إجاباتهم التي قدموها بهذا الموضوع حتى الآن كانت إجابات سطحية لا يتقبلها أي عقل حر يبحث عن الحقيقة ، فكانت النتيجة توجه قسم كبير منهم إلى الإلحاد (هذا الموضوع سنتكلم عنه في المقالة القادمة إن شاء الله) .
حتى نفهم حقيقة الديانة الهندوسية لا بد في البداية أن نعلم بأن مصطلح (الهندوسية) أصله فارسي ولا يوضح المعنى الحقيقي لهذه الديانة ، فأسم هذه الديانة في اللغة الهندية هو (فرناشرمَ) وتعني النظام الاجتماعي، وباللغة السنسكريتية (دَيْوَناغَرِي) وتعني لغة الملائكة ، وأن أسم كتابها المقدس (فيدا ) يعني (الحكمة) ، فعندما نبحث عن حقيقة الديانة الهندوسية يجب أن نضع في الحسبان هذه المعاني الثلاثة (نظام إجتماعي ، لغة الملائكة ، الحكمة) لأن هذه الأسماء هي من وحي إلهي وليس من فكر بشري ، فلغة الملائكة تعني لغة القسم العلوي من جسم الإنسان ونقصد (الرأس والأيدي) كرمز للفضيلة والعواطف النبيلة بعكس القسم السفلي والذي يرمز لشهوات الغرائز الحيوانية. فبلغة الملائكة دونت الهندوسية كتابها المقدس (الفيدا) وشروحها (بورانات) التي عددها (١٨) والتي تحمل كل منها اسم الحكيم ، هذا الرقم (١٨) ليس صدفة ولكن علامة إلهية تؤكد أن هذه الديانة لها علاقة بالرمز (١٨) الذي يمثل روح الخير العالمية . لهذا كان معنى أسم الهندوسية (فرناشرم) يعني (النظام الإجتماعي) ، فطرد الإنسان من الجنة كان سببه تحول سلوك الإنسان من سيطرة الكائن العلوي إلى سيطرة الكائن السفلي الذي إعتمد الغرائز الحيوانية، لهذا كان الكون في بدايته يتحكم به نظام الفوضى والعشوائية ، ولكن روح الخير العالمية (١٨) إستطاعت بالتدريج أخذ السيطرة فقامت بتوحيد الجسيمات الأولية فظهرت الذرات ، ثم قامت بتوحيد الذرات فظهرت المركبات الكيميائية وأهمها (الماء) ، ثم قامت بتوحيد هذه المركبات فظهر المركب الكيميائي المعقد (DNA) الذي يمثل أساس الحياة .... وهكذا استمرت عملية التوحيد حتى ظهر الإنسان الذي في البداية عاش في نظام إجتماعي فوضوي تسيطر عليه الغرائز الحيوانية .
الهندوسية في الحقيقة هي ملخص شامل يوضح لنا جميع العقائد الروحية التي مارستها الإنسانية منذ ظهور الإنسان على سطح الأرض وحتى فترة ظهور الهندوسية . فكما ذكرنا في المقالات الماضية أن الله خلق الإنسان في الجنة (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ولكن بعد إرتكابه للخطيئة وطرده من الجنة إنهار هذا التقويم إلى أدنى مستوى (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) ، فالتكوين الإنساني في بداية تشكل الكون بدأ من أدنى مستوى له وهو تكوين الجسيمات الأولية التي عددها (١٨) والتي منها سيتم تكوين كل شيء في الكون وآخرها تكوين الإنسان ، فالإنسان الأول الذي ظهر على سطح الأرض كان من نسل روح قايين الذي قتل أخيه هابيل، وهذا الإنسان البدائي كان سلوكه يعتمد غرأئز الكائن السفلي ولم يكن له المقدرة العقلية للإحساس بوجود خالق ، فبعد ظهور الإنسان البدائي بآلاف السنين ظهر الإنسان الذي ينتمي لنسل آدم والذي يختلف عن إنسان نسل قايين في أنه يمتلك الحكمة ، فبدأ يبحث عن معنى وجوده وعن معنى تلك الأشياء التي تحيط به ، فأحس بوجود قوى روحية في الطبيعة تتحكم بسير الأحداث ، فأعطى هذه القوى مكانة سماوية وراح يتوسل إليها لتساعده وتعينه في مشوار حياته عن طريق القيام ببعض الطقوس الدينية . فالإنسان منذ ذلك الوقت وحتى فترة ظهور الهندوسية كان بمستوى وعي بدائي يعادل وعي الأطفال ، والطفل وعيه محدود مقتصر على فهم العالم الصغير الذي يحيط به، فجميع تلك العقائد الدينية التي كان يمارسها كانت تقصد (الرب) الذي يوجد داخل الكون فقط ، أما الله الذي خلق آدم خارج الكون فلم يكن أحد يعلم عنه شيئا حتى ظهور الديانة اليهودية في بداية القرن /١٣/ قبل الميلاد .
دور الديانة الهندوسية -والمسيحية أيضا- في المخطط الإلهي هو توضيح هذه الحقيقة التي تقول بأنه هناك الله (الخالق الأعظم) الذي يوجد خارج الكون والذي هو ( اللَّهُ أَحَد . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) ، وهناك خليفته (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل فى الأرض خليفة..) وهذا الخليفة والذي رمزه (١٨) هو الرب الذي تتكلم عنه الهندوسية والمسيحية . فبدون فهم هذه الحقيقة لن يستطيع أحد فهم حقيقة عقيدة التوحيد ، فالتوحيد يبدأ من فهم دور خليفة الله في الأرض ليصل إلى الخالق الأعظم الذي هو خارج الكون . فرغم أن الديانة اليهودية والديانة الإسلامية تتحدث عن الله الخالق الأعظم، ولكن إذا تمعنا جيدا في صفات الإله (الأسماء الحسنى) الذي يعبدونه اليهود والمسلمين اليوم سنجد أنهم يقصدون خليفة الله في الأرض كما يفعل المسيحيون والهندوس ، فالأسماء الحسنى تتعلق بالرمز (١٨) رب البشرية (رب العائلة) وليس الله الخالق الأعظم الذي هو خارج الكون.
الله الذي خلق آدم في الجنة لا تستطيع قوانين الكون (الأسماء الحسنى) أن تصفه لأن هذه القوانين خرجت من روح خليفة الله في الأرض والتي تمثل ذلك الجزء البسيط من روح الله الذي نفخه في آدم . الله وضع في هذا الجزء من روح آدم والتي رمزها (١٨) كل شيء يحتاج لخلق الكون وتطوره لخلق الإنسان من جديد ليتابع تطوره نحو الكمال دون أن يتدخل (الخالق الأعظم) بأي شيء لأنه كما تقول الآية (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) . فالكون يحوي على قوى روح الخير العالمية وقوى روح السوء العالمية، وهناك صراع دائم بين هاتين القوتين ، قوى روح الخير تقوم بالتوحيد والبناء (أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) ليصل الإنسان إلى الكمال كما خلقه الله في الجنة ، بينما قوى روح السوء العالمية تحاول عرقلة هذا التوحيد لتفكيك الأشياء لتمنع الإنسان من العودة إلى الجنة {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) سبأ} . فالصراع الكوني هو بين خليفة الله (١٨) وروح الشيطان (١٧) وليس بين الله والشيطان كما يتصور أتباع الديانات السماوية .
كثير من الباحثين الملحدين إتهموا الديانات السماوية بأنها سرقت قصة إبراهيم عليه السلام من الديانة الهندوسية وحرفت فيها بعض الأشياء ووضعتها في كتبها المقدسة ، العلماء المسلمين والمسيحيين واليهود رفضوا هذا الإدعاء وإدعوا أن هناك إختلافات عديدة بين براهما وإبراهيم ، بعض العلماء المسلمين -وهم قلة جدا - بعد البحث والتمحيص في العقيدة الهندوسية إدعوا أن (صحف إبراهيم) المذكورة في القرآن الكريم والتي لا نعرف عنها شيئا ، هي موجودة في الكتب المقدسة الهندوسية . الحكمة الإلهية وضعت بعض الإختلافات بين قصة إبراهيم في التوراة وبين قصة إبراهيم في القرآن ، ومن يبحث عن الحقيقة دون أي تعصب ديني سيجد أن قصة براهما ، الرب الذي يؤمن به الهندوس ، يجمع ليس فقط بين بعض أحداث قصة إبراهيم في التوراة مع أحداث قصة إبراهيم في القرآن ولكن أيضا يجمع بين قصة برهما وآدم . فبدون فهم هذه الحكمة الإلهية في الهندوسية لن نفهم علاقة الديانات العالمية ببعضها البعض وسبب ترتيبها الذي ظهرت فيه .
هنا سنذكر بعض تلك العلاقات بين الديانات :
- أسم براهما يشبه لفظيا أسم النبي (إبراهيم) الموجود في الكتب المقدسة للديانات السماوية ، أيضا هناك تشابه بين أسم زوجة إبراهيم سارة (وهي أخته) وأسم زوجة براهما ساراسواتي (وهي أيضا أخته) ، ومعنى اسم (ساراسواتي) حرفياً "الشخص الذي يتدفق مثل النهر" . فالمقصود بالنهر هو الماء ، وكما ذكرنا في مقالات ماضية أن الوزن الذري للماء يعادل (١٨) حيث هذا الرقم هو رمز آدم قبل خلق حواء منه ، فأسم ساراسواتي يعني سير الماء الذي يعطي الحياة في الطبيعة ، ولفظ أسم زوجة إبراهيم (سارة) لفظيا يشبه (سارت) من فعل يسير ، فهل هذا التشابه في اللفظ والمعنى أيضا صدفة ؟ أسم إبراهيم معناه (أبو الأمم) ، الكتب المقدسة السماوية تستخدم قصة إبراهيم بشكل رمزي لتشرح لنا حقيقة قصة آدم وحواء (أب وأم البشرية) . أيضا الرب براهما يمثل أبو البشرية في الهندوسية ، وزوجته ساراسواتي تمثل رمز حواء أم البشرية . ولهذا وبسبب التعصب الديني الذي فصل بين إبراهيم وبراهما ، لم يفهم علماء الديانات السماوية تلك العلاقة الرمزية بين إبراهيم وسارة مع آدم وحواء التي وضعها الله في الكتب المقدسة السماوية. فصحيح أن الديانة الهندوسية تستخدم بعض الصفات والأحداث من قصة إبراهيم ، ولكنها في الحقيقة تقصد آدم فقط (رب العائلة البشرية) وليس إبراهيم ، فساراسواتي زوجة براهما تم خلقها من جسد براهما كما حصل مع حواء التي خلقت من ضلع آدم . قصة الرب براهما تترجم معاني الأحداث الرمزية في قصة إبراهيم وسارة لتوضح لنا دور روح آدم وحواء في خلق كل شيء داخل الكون . فروح آدم وحواء معا تمثلان الرمز (١٨) ، الرمز (١) هو رمز آدم والرمز (٨) هو رمز حواء . ولهذا تزوج إبراهيم سارة وهاجر اللتان تشكلان معا الرمز (٨) ، هاجر تمثل أم الإنسانية قبل ولادة (إدريس) عليه السلام ولهذا كان أصلها من أفريقيا ، أما سارة فتمثل حواء بعد ولادة (إدريس) الذي علم الناس التفكير والبحث في كل ما يحيط بهم لفهم الطبيعة (الحكمة) ، وأحدث تغييرات جذرية في سلوك الإنسان (إنسان كرومانيون) الذي رسم اللوحات على جدران الكهوف ونحت التماثيل كمحاولة أولى للإنسان في التعرف على التعبير الروحي في عناصر الطبيعة (علاقة الشكل مع المضمون) .
سارة في البداية كان أسمها (ساراي) ومعناه في اللغة اليهودية (المجاهدة) ، والمقصود هنا ليس سارة زوجة إبراهيم ولكن حواء ، فحواء هي التي أغواها إبليس أولا والتي بدورها أغوت آدم لإرتكاب الخطيئة . لهذا بعد طرد الإنسان من الجنة كانت هي المسؤولة عن تصحيح الخطيئة ولهذا عاد آدم إلى الجنة {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) البقرة} ، أما روح حواء فبقيت في الكون لتساهم في تصحيح ذلك التشويه الذي حصل في التكوين الإنساني ليستطيع الإنسان العودة إلى الجنة. ولهذا نجد أن ساراسواتي (زوجة براهما) لها أهمية كبيرة عند الهندوسيين ، فنجدها تمثل ربة العلوم والفنون، فهي ترمز إلى مكارم الأخلاق التي يجب أن يتمتع بها العلماء أولئك الذين دورهم في الحياة دراسة الإنسان والطبيعة من الناحية المادية والروحية ، حيث نجدها تدخل في صراع مع (ديفاوي داناف) الذي يمثل الجهل والتعصب لتفرض حرية الفكر والتعبير في البحث العلمي . لهذا نجد أن سلوك أتباع الهندوسية بشكل عام يختلف عن سلوك جميع أتباع الديانات السماوية ، فهم يتبعون مبدأ الآية القرآنية (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ..) أكثر من المسلمين أنفسهم . ولهذا نجد أن الهندوسية ليست ديانة تبشيرية ولا تفرض ممارسة عقائدها لا على الهندوسي ولا على غير الهندوسي . ولهذا السبب نجد أن الحروب الطائفية بين أتباع مذاهب الديانة الهندوسية تكاد تكون معدومة بعكس ما يحصل بين المذاهب اليهودية والمذاهب المسيحية والمذاهب الإسلامية التي دخلت في صراعات وحروب عديدة فيما بينها بسبب التعصب المذهبي والديني ، فحرية العقيدة في الهندوسية هي من مكارم الأخلاق التي وجب أن يحملها اليهود والمسيحيون والمسلمون . فالإنسان كما خلقه الله هو كائن مخير وصاحب إرادة ، وهدف طرده من الجنة هو الوصول إلى الكمال عن قناعة وليس عن خوف ، لأن زوال أسباب الخوف ستجعل الغرائز الحيوانية تعود وتأخذ حريتها لتسيطر على السلوك اليومي للإنسان ، كما يحصل في عصرنا الحاضر .
إذا تمعنا جيدا في التراث الديني كما هو اليوم في (اليهودية والمسيحية والإسلام) نجد أنه لا يعطي أهمية لدور حواء في تطور المجتمعات ، فرغم أن المسلمين في فترة الحضارة الإسلامية كانوا يؤمنون أن حواء هي التي أغواه إبليس أولا ، ولكن نجد اليوم أن نسبة كبيرة من المسلمين يؤمن بعكس هذه المعلومة وبأن إبليس أغوى آدم أولا وليس حواء . وهذا يعتبر تحريف في تفسير القرآن الكريم وهذا التحريف . فالقرآن الكريم يبدأ بسورة الفاتحة وعنوان هذه السورة هو رمز حواء التي فتحت الطريق لخروج الإنسان من الجنة، وهو أيضا رمز حواء التي تابت وفتحت طريق العودة إلى الجنة ، ومع ذلك نجد التراث الإسلامي فقير بتلك المواضيع التي تخص حواء ، بعكس تراث الديانة الهندوسية فنجدها تعطي أهمية كبيرة للربة ساراسواتي التي تمثل رمز حواء (التائبة) أم العالمين ، ففي الديانة الهندوسية نجد أن سارسواتي هي التي اخترعت اللغة السنسكريتية ، وإعطائها هذا الدور ليس صدفة ولكن حكمة إلهية توضح لنا أن حواء قد تابت وإستطاعت تصحيح الخطيئة وأنها تعلمت تلك الأسماء التي علمها الله لآدم {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا .... (٣١) البقرة} . وهذه المعلومة مذكورة بشكل رمزي في التوراة حيث نجد أن معظم الأنبياء تم تسميتهم من أمهاتهم وليس من آبائهم . إن توضيح دور حواء (دور المرأة بشكل عام) يساهم في رقي حضارة المجتمع ، فالمؤمن الحقيقي هو الذي يرى الأمور كما تراها حواء أم العالمين ، فكل إنسان مهما كان عرقه أو دينه هو بالنسبة لحواء إبنها ، وهي كأم تتمنى أن يعود أكبر عدد ممكن من أبنائها إلى جنة . فالمؤمن الحقيقي هو الذي ينظر إلى بقية الأمم كما تنظر حواء إليهم ، فيرى أولا أطفالها فيشعر نحوهم بالحب والحنان والمسؤولية لحمايتهم ورعايتهم كونهم كائنات بريئة لا علاقة لهم في أخطاء الكبار الذين يساهمون في خلق العداوة والبغضاء بين الشعوب، لهذا المؤمن يحاول من أجل هؤلاء الأطفال المساهمة في تحسين العلاقات بين الشعوب والتعاون معها ليخلق بينهم مناخ روحي تسوده المحبة والسلام ليسمح لهؤلاء الأطفال -أينما كانوا- أن يعيشوا في بيئة روحية تسيطر عليها روح الخير العالمية ليستطيعوا عندما يكبروا البحث بنية نقية سليمة عن الحقيقة أينما كانت .
ليس من الصدفة أن أرقى ثورة في تاريخ البشرية هي ثورة غاندي الهندوسي، الذي أطلق شعار (المقاومة السلمية هي سلاح الشجعان) حيث استطاع بهذا الشعار تحرير بلاده الهند في يوم (١٩٤٧/٨/١٥) ، إن حدوث إستقلال الهند في يوم (٨/١٥) بالذات ليس صدفة ولكن حكمة إلهية فهو في المسيحية يصادف يوم عيد مريم العذراء من كل عام . العلماء المسلمين في ذلك العام (عام إستقلال الهند) وبسبب تعصبهم الديني لم يفهموا أن ثورة غاندي كانت علامة إلهية تكشف لهم حقيقة ما كان يحصل في تلك الفترة ، وأن روح الأعور الدجال كانت تنفذ مخططها الشيطاني في نشر الفتنة والعداوة بين الشعوب لتأجيج الحروب والقتال ، وأن الله في مثل هذه الفتن ينصر فقط من أتبع مبدأ الآية الكريمة (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) ، فبعد عام من إستقلال الهند إتحدت جيوش الدول العربية (الإسلامية) وشنت حربها ضد اليهود في فلسطين المحتلة تحت شعار فرعوني (سنرمي اليهود في البحر) ، وكأن أطفال اليهود هم أبناء خنازير وليسوا أبناء حواء . فكانت النتيجة (العدالة إلهية) هزيمة فادحة لهذه الجيوش الإسلامية والتي منذ ذلك الوقت والمسلمون يخسرون جميع الحروب مع إسرائيل كونهم قد اعتمدوا الآيات المتشابهات التي تحرض على القتال وليس الآيات المحكمات التي تدعو إلى السلام في زمن الفتن ونقصد فتنة الأعور الدجال التي أتت بالحركة الصهيونية إلى منطقة بلاد الشام (بلاد الأنبياء) لتنشر الفوضى والحروب فيها ولتحولها اليوم إلى أسوأ مكان للعيش في العالم .
الله عز وجل نصر غاندي الهندوسي لأن غاندي رأى الأمور بعين البصيرة كما تراها روح حواء من السماء ، فغاندي الذي درس الحقوق في بريطانيا لم يرى فقط حق شعبه في الإستقلال والحرية ولكنه أيضا رأى حق الطفل البريطاني وحق الأم البريطانية وحق الزوجة البريطانية ، إيمانه بدينه فرض عليه تحقيق ( نظام إجتماعي عالمي صالح) وفرض عليه أيضاً أن يستخدم (لغة الملائكة والحكمة) لتحقيق هدفه ، هذا الإيمان جعل غاندي يشعر أنه قبل أن يأخذ حقه وحق بلاده يجب عليه أيضا أن يحقق جميع حقوق (الأمهات ، الزوجات ، الأطفال) في بريطانيا وأن يعود الجنود البريطانيين أحياء إلى أمهاتهم وزوجاتهم وأطفالهم . لهذا كانت ردة فعل سلوك النساء في بريطانيا وهن يرون أن الهنود الثوار يقفون عراة الصدر أمام بنادق الجنود البريطانيين، أن ينتفضن في وجه حكومة بلادهم وأن يطالبن بوقف تلك المجازر وضرورة خروج الجيش البريطاني من الهند لإعطائها إستقلالها وحرية شعبها في حكم نفسه . الشعب البريطاني ساعد غاندي في تحقيق إستقلال بلده . طريقة الحصول على إستقلال البلاد التي إستخدمها غاندي هذا الهندوسي الذي يتهمه المسلمين بالشرك والكفر، هي أرقى أنواع مكارم الأخلاق (خير الناس أنفعهم للناس) والتي للأسف اليوم نجد أن نسبة كبيرة من المسلمين يرفضون بشكل قطعي تطبيق طريقة غاندي في المقاومة السلمية، فاليهود جميعهم بالنسبة لهؤلاء المسلمين هم صهاينة كفرة ويجب رميهم في البحر .
ثورة غاندي هي علامة إلهية تؤكد أن الديانة الهندوسية هي ديانة إبراهيمية وتنتمي إلى الدين الحنيف (الإسلام) بمعناه العام والذي يشمل أيضا الديانات السماوية . فصحف إبراهيم المقصود بها صحف آدم وهي موجودة في صحف الكتب الهندوسية ولا علاقة لها بالنبي إبراهيم عليه السلام ، فإبراهيم النبي ولد في نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد ، وفي ذلك الوقت كانت الكتابة لا تزال بدائية جدا ولا تمتلك القدرة على التعبير الروحي والمادي ، ولكن النبي يوسف عليه السلام مؤسس عصر الأهرامات هو الذي طورها وجعلها صالحة للإستخدام في الأبحاث العلمية المادية والروحية . الكتب المقدسة في الديانة الهندوسية تعرضت للكثير من التغيير ، فالتحريف في الكتب المقدسة حصل في جميع الديانات العالمية بلا إستثناء وهذا شيء طبيعي بسبب وجود روح السوء العالمية التي تعمل على التشويه والتدمير ، ولكن نوعية التحريف تختلف مع مرور العصور ، فصحيح أن نسخة القرآن الكريم اليوم لا تزال تحتفظ بشكلها الذي أُنزلت عليه ، ولكن التحريف في الإسلام حدث في تفسير الآيات القرآنية لتجعل المسلمين يعتمدون في سلوكهم اليومي الآيات المتشابهات بدلا من الآيات المحكمات . فالإسلام ظهر قبل حوالي /١٤٠٠/ عام فقط حيث كانت الظروف في تلك الفترة في أحسن حالاتها ، فاللغة كانت قد وصلت في تطورها إلى قمتها وكذلك الكتابة ووسيلة النسخ كانت قد تطورت جدا أيضا وسمحت لها بنسخ النصوص بعدد كبير جدا وبسهولة . ولكن الظروف التي ظهرت فيها الديانة الهندوسية كانت مختلفة كثيرا ، فهي ظهرت قبل حوالي /٤٠٠٠/ عام ، أي قبل الإسلام بحوالي (٢٥٠٠) عام ، فمستوى المعارف والعلوم كانت في تلك الفترة لا تزال بدائية جدا أقل بكثير من مستوى المعارف في عصر ظهور الإسلام ، لهذا كانت اللغة في عصر ظهور الهندوسية أيضا بدائية وبحاجة إلى تطوير ، لهذا كانت اللغة تتغير مع مرور الأجيال لتتناسب مع تطور المعارف ، فكان من الطبيعي أن يحدث تغيير في لغة النصوص الدينية للهندوسية لتتماشى مع فكر العصر. وكذلك كانت ظروف الكتابة والنسخ أصعب بكثير من عصر ظهور الإسلام، لهذا كان هناك صعوبة في نسخ عدد كبير للنصوص الدينية للإحتفاظ بها لمدة زمنية أطول. ولكن مهما يكن فالذي حصل أن جميع تلك الأمور التي وجب إستمرارها في الدين الهندوسي ظلت موجودة حتى الآن كونها من الديانات الإبراهيمة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} والإنسان الذي يتبع تعاليم القرآن (حسن الظن في الآخرين) ويبحث عن الحقيقة بنية سليمة في الكتب الهندوسية سيستطيع رؤيتها وفهمها .
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتابع توضيح حقيقة الديانة الهندوسية كما أنزلها الله تعالى وليس كما أصبحت عليها الآن .... والله أعلم.
ز . سانا
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق